الباحث القرآني

(p-١٩٧)﴿واذْكُرْ في الكِتابِ مُوسى إنَّهُ كانَ مُخْلَصًا وكانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ ﴿ونادَيْناهُ مِن جانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ وقَرَّبْناهُ نَجِيًّا﴾ ﴿ووَهَبْنا لَهُ مِن رَحْمَتِنا أخاهُ هارُونَ نَبِيًّا﴾ ﴿واذْكُرْ في الكِتابِ إسْماعِيلَ إنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعْدِ وكانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ ﴿وكانَ يَأْمُرُ أهْلَهُ بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ وكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ ﴿واذْكُرْ في الكِتابِ إدْرِيسَ إنَّهُ كانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا﴾ ﴿ورَفَعْناهُ مَكانًا عَلِيًّا﴾ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ ومِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ ومِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ وإسْرائِيلَ ومِمَّنْ هَدَيْنا واجْتَبَيْنا إذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وبُكِيًّا﴾ ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أضاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] ﴿إلّا مَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ ولا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٦٠] ﴿جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وعَدَ الرَّحْمَنُ عِبادَهُ بِالغَيْبِ إنَّهُ كانَ وعْدُهُ مَأْتِيًّا﴾ [مريم: ٦١] ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا إلّا سَلامًا ولَهم رِزْقُهم فِيها بُكْرَةً وعَشِيًّا﴾ [مريم: ٦٢] ﴿تِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِن عِبادِنا مَن كانَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ٦٣] ﴿وما نَتَنَزَّلُ إلّا بِأمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أيْدِينا وما خَلْفَنا وما بَيْنَ ذَلِكَ وما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤] ﴿رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما فاعْبُدْهُ واصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥] ﴿ويَقُولُ الإنْسانُ أئِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا﴾ [مريم: ٦٦] ﴿أوَلا يَذْكُرُ الإنْسانُ أنّا خَلَقْناهُ مِن قَبْلُ ولَمْ يَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: ٦٧] ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهم والشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهم حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾ [مريم: ٦٨] ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أيُّهم أشَدُّ عَلى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٦٩] ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أعْلَمُ بِالَّذِينَ هم أوْلى بِها صِلِيًّا﴾ [مريم: ٧٠] ﴿وإنْ مِنكم إلّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٧١] ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ونَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا﴾ [مريم: ٧٢] ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أيُّ الفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقامًا وأحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مريم: ٧٣] ﴿وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهم مِن قَرْنٍ هم أحْسَنُ أثاثًا ورِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤] ﴿قُلْ مَن كانَ في الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتّى إذا رَأوْا ما يُوعَدُونَ إمّا العَذابَ وإمّا السّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَن هو شَرٌّ مَكانًا وأضْعَفُ جُنْدًا﴾ [مريم: ٧٥] ﴿ويَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى والباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوابًا وخَيْرٌ مَرَدًّا﴾ [مريم: ٧٦] ﴿أفَرَأيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا ووَلَدًا﴾ [مريم: ٧٧] ﴿أطَّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: ٧٨] ﴿كَلّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ ونَمُدُّ لَهُ مِنَ العَذابِ مَدًّا﴾ [مريم: ٧٩] ﴿ونَرِثُهُ ما يَقُولُ ويَأْتِينا فَرْدًا﴾ [مريم: ٨٠] ﴿واتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهم عِزًّا﴾ [مريم: ٨١] ﴿كَلّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ ويَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ [مريم: ٨٢] ﴿ألَمْ تَرَ أنّا أرْسَلْنا الشَّياطِينَ عَلى الكافِرِينَ تَؤُزُّهم أزًّا﴾ [مريم: ٨٣] ﴿فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إنَّما نَعُدُّ لَهم عَدًّا﴾ [مريم: ٨٤] ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ المُتَّقِينَ إلى الرَّحْمَنِ وفْدًا﴾ [مريم: ٨٥] ﴿ونَسُوقُ المُجْرِمِينَ إلى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: ٨٦] ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إلّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: ٨٧] ﴿وقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا﴾ [مريم: ٨٨] ﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إدًّا﴾ [مريم: ٨٩] ﴿تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنهُ وتَنْشَقُّ الأرْضُ وتَخِرُّ الجِبالُ هَدًّا﴾ [مريم: ٩٠] ﴿أنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ ولَدًا﴾ [مريم: ٩١] ﴿وما يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أنْ يَتَّخِذَ ولَدًا﴾ [مريم: ٩٢] ﴿إنْ كُلُّ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ إلّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم: ٩٣] ﴿لَقَدْ أحْصاهم وعَدَّهم عَدًّا﴾ [مريم: ٩٤] ﴿وكُلُّهم آتِيهِ يَوْمَ القِيامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم: ٩٥] ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦] ﴿فَإنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المُتَّقِينَ وتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ [مريم: ٩٧] ﴿وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهم مِن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنهم مِن أحَدٍ أوْ تَسْمَعُ لَهم رِكْزًا﴾ [مريم: ٩٨] جَثا: قَعَدَ عَلى رُكْبَتَيْهِ، وهي قِعْدَةُ الخائِفِ الذَّلِيلِ يَجْثُو ويَجْثِي جُثُوًّا وجِثايَةً. حَتَمَ الأمْرَ: أوْجَبَهُ. النَّدِيُّ والنّادِي: المَجْلِسُ الَّذِي يُجْتَمَعُ فِيهِ لِحادِثَةٍ أوْ مَشُورَةٍ. وقِيلَ: مَجْلِسُ أهْلِ النَّدى وهو الكَرَمُ. وقِيلَ: المَجْلِسُ فِيهِ الجَماعَةُ. قالَ حاتِمٌ: ؎فَدُعِيتُ في أُولِي النَّدِيِّ ولَمْ يُنْظَرْ إلَيَّ بِأعْيُنٍ خُزْرٍ الرِّيُّ: مَصْدَرُ رَوَيْتُ مِنَ الماءِ، واسْمُ مَفْعُولٍ، أيْ: مَرْوِيٌّ قالَهُ أبُو عَلِيٍّ. الزِّيُّ: مَحاسِنُ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الزِّيِّ وهو الجَمْعُ. كَلّا: حَرْفُ رَدْعٍ وزَجْرٍ عِنْدَ الخَلِيلِ وسِيبَوَيْهِ والأخْفَشِ والمُبَرِّدِ وعامَّةِ البَصْرِيِّينَ، وذَهَبَ الكِسائِيُّ ونَصْرُ بْنُ يُوسُفَ وابْنُ واصِلٍ وابْنُ الأنْبارِيِّ إلى أنَّها بِمَعْنى حَقًّا، وذَهَبَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ إلى أنَّها حَرْفُ تَصْدِيقٍ بِمَعْنى نَعَمْ، وقَدْ تُسْتَعْمَلُ مَعَ القَسَمِ. وذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الباهِلِيُّ إلى أنَّ كَلّا رَدٌّ لِما قَبْلَها فَيَجُوزُ الوَقْفُ عَلَيْها وما بَعْدَها اسْتِئْنافٌ، وتَكُونُ أيْضًا صِلَةً لِلْكَلامِ بِمَنزِلَةِ أيْ: والكَلامُ عَلى هَذِهِ المَذاهِبِ مَذْكُورٌ في النَّحْوِ. الضِّدُّ: العَوْنُ، يُقالُ: مِن أضْدادِكم، أيْ: أعْوانِكم، وكَأنَّ العَوْنَ سُمِّيَ ضِدًّا لِأنَّهُ يُضادُّ عَدُوَّكَ ويُنافِيهِ بِإعانَتِهِ لَكَ عَلَيْهِ. الأزُّ والهَزُّ والِاسْتِفْزازُ أخَواتٌ، ومَعْناها التَّهْيِيجُ وشِدَّةُ الإزْعاجِ، ومِنهُ أزِيزُ المِرْجَلِ وهو غَلَيانُهُ وحَرَكَتُهُ. وفَدَ يَفِدُ وفْدًا ووُفُودًا ووِفادَةً: قَدِمَ عَلى سَبِيلِ التَّكْرُمَةِ، الأدُّ والإدُّ: بِفَتْحِ الهَمْزَةِ وكَسْرِها العَجَبُ. وقِيلَ: العَظِيمُ المُنْكَرُ والإدَّةُ الشِّدَّةُ، وأدَّنِي الأمْرُ وآدَنِي أثْقَلَنِي وعَظُمَ عَلَيَّ أدًّا. الهَدُّ: قالَ الجَوْهَرِيُّ هَدَّ البِناءَ هَدًّا (p-١٩٨)كَسَرَهُ. وقالَ المُبَرِّدُ: هو سُقُوطٌ بِصَوْتٍ شَدِيدٍ، والهَدَّةُ صَوْتُ وقْعِ الحائِطِ ونَحْوِهِ، يُقالُ: هَدَّ يَهِدُّ بِالكَسْرِ هَدِيدًا. وقالَ اللَّيْثُ: الهَدُّ الهَدْمُ الشَّدِيدُ. الرِّكْزُ: الصَّوْتُ الخَفِيُّ، ومِنهُ رَكَّزَ الرُّمْحَ غَيَّبَ طَرَفَهُ في الأرْضِ، والرِّكازُ المالُ المَدْفُونُ. وقِيلَ: الصَّوْتُ الخَفِيُّ دُونَ نُطْقٍ بِحُرُوفٍ ولا فَمٍ. قالَ الشّاعِرُ: ؎فَتَوَجَّسَتْ رِكْزَ الأنِيسِ فَراعَها ∗∗∗ عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ والأنِيسُ سِقامُها ﴿واذْكُرْ في الكِتابِ مُوسى إنَّهُ كانَ مُخْلَصًا وكانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ ﴿ونادَيْناهُ مِن جانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ وقَرَّبْناهُ نَجِيًّا﴾ ﴿ووَهَبْنا لَهُ مِن رَحْمَتِنا أخاهُ هارُونَ نَبِيًّا﴾ ﴿واذْكُرْ في الكِتابِ إسْماعِيلَ إنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعْدِ وكانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ ﴿وكانَ يَأْمُرُ أهْلَهُ بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ وكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ ﴿واذْكُرْ في الكِتابِ إدْرِيسَ إنَّهُ كانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا﴾ ﴿ورَفَعْناهُ مَكانًا عَلِيًّا﴾ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ ومِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ ومِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ وإسْرائِيلَ ومِمَّنْ هَدَيْنا واجْتَبَيْنا إذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وبُكِيًّا﴾ . قَرَأ الكُوفِيُّونَ (مُخْلَصًا) بِفَتْحِ اللّامِ وهي قِراءَةُ أبِي رَزِينٍ ويَحْيى وقَتادَةَ، أيْ: أخْلَصَهُ اللَّهُ لِلْعِبادَةِ والنُّبُوَّةِ. كَما قالَ تَعالى ﴿إنّا أخْلَصْناهم بِخالِصَةٍ ذِكْرى الدّارِ﴾ [ص: ٤٦] . وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ والجُمْهُورُ بِكَسْرِ اللّامِ، أيْ: أخْلَصَ العِبادَةَ عَنِ الشِّرْكِ والرِّياءِ، أوْ أخْلَصَ نَفْسَهُ وأسْلَمَ وجْهَهُ لِلَّهِ. (p-١٩٩)ونِداؤُهُ إيّاهُ هو تَكْلِيمُهُ تَعالى إيّاهُ. و(الطُّورُ) الجَبَلُ المَشْهُورُ بِالشّامِ، والظّاهِرُ أنَّ (الأيْمَنِ) صِفَةٌ لِلْجانِبِ لِقَوْلِهِ في آيَةٍ أُخْرى ﴿جانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ﴾ [طه: ٨٠] بِنَصْبِ (الأيْمَنَ) نَعْتًا لِجانِبِ الطُّورِ، والجَبَلُ نَفْسُهُ لا يُمْنَةَ لَهُ ولا يُسْرَةَ، ولَكِنْ كانَ عَلى يَمِينِ مُوسى بِحَسْبِ وُقُوفِهِ فِيهِ، وإنْ كانَ مِنَ اليَمَنِ احْتَمَلَ أنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْجانِبِ وهو الرّاجِحُ لِيُوافِقَ ذَلِكَ في الآيَتَيْنِ، واحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ صِفَةً لِلطُّورِ إذْ مَعْناهُ الأسْعَدُ المُبارَكُ. قالَ ابْنُ القُشَيْرِيِّ: في الكَلامِ حَذْفٌ وتَقْدِيرُهُ (ونادَيْناهُ) حِينَ أقْبَلَ مِن مَدْيَنَ ورَأى النّارَ مِنَ الشَّجَرَةِ وهو يُرِيدُ مَن يَهْدِيهِ إلى طَرِيقِ مِصْرَ ﴿مِن جانِبِ الطُّورِ﴾، أيْ: مِن ناحِيَةِ الجَبَلِ. ﴿وقَرَّبْناهُ نَجِيًّا﴾ قالَ الجُمْهُورُ: تَقْرِيبُ التَّشْرِيفِ والكَلامِ واليَوْمِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أدْنى مُوسى مِنَ المَلَكُوتِ ورُفِعَتْ لَهُ الحُجُبُ حَتّى سَمِعَ صَرِيفَ الأقْلامِ، وقالَهُ أبُو العالِيَةِ ومَيْسَرَةُ. وقالَ سَعِيدٌ: أرْدَفَهُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: شَبَّهَهُ بِمَن قَرَّبَهُ بَعْضُ العُظَماءِ لِلْمُناجاةِ حَيْثُ كَلَّمَهُ بِغَيْرِ واسِطَةِ مَلَكٍ. انْتَهى. ونَجِيٌّ فَعِيلٌ مِنَ المُناجاةِ بِمَعْنى مُناجٍ كالجَلِيسِ، وهو المُنْفَرِدُ بِالمُناجاةِ وهي المُسارَّةُ بِالقَوْلِ. وقالَ قَتادَةُ: مَعْنى نَجّاهُ صَدَّقَهُ و(مِن) في (مِن رَحِمَتِنا) لِلسَّبَبِ، أيْ: مِن أجْلِ رَحْمَتِنا لَهُ أوْ لِلتَّبْعِيضِ، أيْ: بَعْضَ رَحْمَتِنا. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: و(أخاهُ) عَلى هَذا الوَجْهِ بَدَلٌ و(هارُونَ) عَطْفُ بَيانٍ كَقَوْلِكَ رَأيْتُ رَجُلًا أخاكَ زَيْدًا. انْتَهى. والَّذِي يَظْهَرُ أنَّ أخاهُ مَفْعُولٌ بِقَوْلِهِ (ووَهَبْنا) ولا تُرادِفُ (مِن) بَعْضًا فَتُبْدَلَ مِنها، وكانَ هارُونُ أسَنَّ مِن مُوسى طَلَبَ مِنَ اللَّهِ أنْ يَشُدَّ أزْرَهُ بِنُبُوَّتِهِ ومَعُونَتِهِ فَأجابَهُ و(إسْماعِيلَ) هو ابْنُ إبْراهِيمَ أبُو العَرَبِ يَمَنِيِّها ومُضَرِيِّها وهو قَوْلُ الجُمْهُورِ. وقِيلَ: إنَّهُ إسْماعِيلُ بْنُ حِزْقِيلٍ، بَعَثَهُ اللَّهُ إلى قَوْمِهِ فَشَجُّوا جِلْدَةَ رَأْسِهِ فَخَيَّرَهُ فِيما شاءَ مِن عَذابِهِمْ فاسْتَعْفاهُ ورَضِيَ بِثَوابِهِ وفَوَّضَ أمْرَهم إلَيْهِ في عَفْوِهِ وعُقُوبَتِهِ، وصِدْقُ وعْدِهِ أنَّهُ كانَتْ مِنهُ مَواعِيدُ لِلَّهِ ولِلنّاسِ فَوَفّى بِالجَمِيعِ، فَلِذَلِكَ خُصَّ بِصِدْقِ الوَعْدِ. قالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمْ يَعِدْ رَبَّهُ مَوْعِدَةً إلّا أنْجَزَها، فَمِن مَواعِيدِهِ الصَّبْرُ وتَسْلِيمُ نَفْسِهِ لِلذَّبْحِ، ووَعَدَ رَجُلًا أنْ يُقِيمَ لَهُ بِمَكانٍ فَغابَ عَنْهُ مُدَّةً. قِيلَ: سَنَةً. وقِيلَ: اثَّنى عَشَرَ يَوْمًا فَجاءَهُ، فَقالَ: بَرِحْتَ مِن مَكانِكَ ؟ فَقالَ: لا واللَّهِ، ما كُنْتُ لِأُخْلِفَ مَوْعِدِي. ﴿وكانَ يَأْمُرُ أهْلَهُ﴾ . قالَ الحَسَنُ: قَوْمَهُ وأُمَّتَهُ، وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ (وكانَ يَأْمُرُ قَوْمَهُ) . وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كانَ يَبْدَأُ بِأهْلِهِ في الأمْرِ بِالصَّلاحِ والعِبادَةِ لِيَجْعَلَهم قُدْوَةً لِمَن وراءَهم؛ ولِأنَّهم أوْلى مِن سائِرِ النّاسِ ﴿وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤] ﴿وأْمُرْ أهْلَكَ بِالصَّلاةِ﴾ [طه: ١٣٢] ﴿قُوا أنْفُسَكم وأهْلِيكم نارًا﴾ [التحريم: ٦]، أيْ: تَرى أنَّهم أحَقُّ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهِمْ بِالإحْسانِ الدِّينِيِّ أوْلى. وقِيلَ: (أهْلَهُ) أُمَّتَهُ كُلَّهم مِنَ القَرابَةِ وغَيْرِهِمْ؛ لِأنَّ أُمَمَ النَّبِيِّينَ في عِدادِ أهالِيهِمْ، وفِيهِ أنَّ حَقَّ الصّالِحِ أنْ لا يَأْلُوَ نُصْحًا لِلْأجانِبِ فَضْلًا عَنِ الأقارِبِ والمُتَّصِلِينَ بِهِ، وأنْ يَحْظِيَهم بِالفَوائِدِ الدِّينِيَّةِ، ولا يُفَرِّطَ في ذَلِكَ. انْتَهى. وقالَ أيْضًا ذُكِرَ إسْماعِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِصِدْقِ الوَعْدِ وإنْ كانَ مَوْجُودًا في غَيْرِهِ مِنَ الأنْبِياءِ تَشْرِيفًا لَهُ وإكْرامًا، كالتَّلْقِيبِ نَحْوِ الحَلِيمِ والأوّاهِ والصِّدِّيقِ؛ ولِأنَّهُ المَشْهُورُ المُتَواصَفُ مِن خِصالِهِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ (مَرْضِيًّا) وهو اسْمُ مَفْعُولٍ، أيْ: مَرْضُووٌ، فَأُعِلَّ بِقَلْبِ واوِهِ ياءً؛ لِأنَّها طَرَفٌ بَعْدَ واوٍ ساكِنَةٍ، والسّاكِنُ لَيْسَ بِحاجِزٍ حَصِينٍ فَكَأنَّها ولِيَتْ حَرَكَةً، ولَوْ بُنِيَتْ مِن ذَواتِ الواوِ مَفْعُلًا لَصارَ مَفْعِلًا؛ لِأنَّ الواوَ لا تَكُونُ طَرَفًا وقَبْلَها مُتَحَرِّكٌ في الأسْماءِ المُتَمَكِّنَةِ غَيْرِ المُتَقَيِّدَةِ بِالإضافَةِ، ألا تَرى أنَّهم حِينَ سَمَّوْا بِـ (يَغْزُو) الغازِيَ مِنَ الضَّمِيرِ، قالُوا: يَغْزُ، حِينَ صارَ اسْمًا، وهَذا الإعْلالُ أرْجَحُ مِنَ التَّصْحِيحِ؛ ولِأنَّهُ اعْتَلَّ في رَضِيٍّ وفي رِضَيانِ تَثْنِيَةِ رِضًا. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: مَرْضُوًا مُصَحَّحًا. وقالَتِ العَرَبُ: أرْضٌ مَسْنِيَّةٌ ومَسْنُوَّةٌ، وهي الَّتِي تُسْتَقى بِالسَّوانِي. و(إدْرِيسَ) هو جِدُّ أبِي نُوحٍ وهو أخْنُوخُ، وهو أوَّلُ مَن نَظَرَ في النُّجُومِ والحِسابِ، وجَعَلَهُ اللَّهُ مِن مُعْجِزاتِهِ وأوَّلُ مَن خَطَّ بِالقَلَمِ، وخاطَ الثِّيابَ ولَبِسَ المَخِيطَ، وكانَ خَيّاطًا وكانُوا قَبْلُ يَلْبَسُونَ الجُلُودَ، وأوَّلُ مُرْسَلٍ بَعْدَ آدَمَ (p-٢٠٠)وأوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ المَوازِينَ والمَكايِيلَ والأسْلِحَةَ، فَقاتَلَ بَنِي قابِيلَ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هو إلْياسُ بُعِثَ إلى قَوْمِهِ بِأنْ يَقُولُوا: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ ويَعْمَلُوا ما شاءُوا فَأبَوْا وأُهْلِكُوا. و(إدْرِيسُ) اسْمٌ أعْجَمِيٌّ مُنِعَ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ والعُجْمَةِ، ولا جائِزَ أنْ يَكُونَ إفْعِيلًا مِنَ الدَّرْسِ، كَما قالَ بَعْضُهم؛ لِأنَّهُ كانَ يَجِبُ صَرْفُهُ إذْ لَيْسَ فِيهِ إلّا سَبَبٌ واحِدٌ وهو العَلَمِيَّةُ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْنى (إدْرِيسَ) في تِلْكَ اللُّغَةِ قَرِيبًا مِن ذَلِكَ، أيْ: مِن مَعْنى الدَّرْسِ، فَحَسِبَهُ القائِلُ مُشْتَقًّا مِنَ الدَّرْسِ. والمَكانُ العَلِيُّ شَرَفُ النُّبُوَّةِ والزُّلْفى عِنْدَ اللَّهِ، وقَدْ أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ ثَلاثِينَ صَحِيفَةً. انْتَهى. وقالَهُ جَماعَةٌ وهو رَفْعُ النُّبُوَّةِ والتَّشْرِيفِ والمَنزِلَةِ في السَّماءِ كَسائِرِ الأنْبِياءِ. وقِيلَ: بَلْ رُفِعَ إلى السَّماءِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانَ ذَلِكَ بِأمْرِ اللَّهِ كَما رُفِعَ عِيسى كانَ لَهُ خَلِيلٌ مِنَ المَلائِكَةِ فَحَمَلَهُ عَلى جَناحِهِ وصَعِدَ بِهِ حَتّى بَلَغَ السَّماءَ الرّابِعَةَ، فَلَقِيَ هُنالِكَ مَلَكَ المَوْتِ فَقالَ لَهُ: إنَّهُ قِيلَ لِيَ اهْبِطْ إلى السَّماءِ الرّابِعَةِ فاقْبِضْ فِيها رُوحَ إدْرِيسَ وإنِّي لَأعْجَبُ كَيْفَ يَكُونُ هَذا، فَقالَ لَهُ المَلَكُ الصّاعِدُ: هَذا إدْرِيسُ مَعِي فَقَبَضَ رُوحَهُ. ورُوِيَ أنَّ هَذا كُلَّهُ كانَ في السَّماءِ السّادِسَةِ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وكَذَلِكَ هي رُتْبَتُهُ في حَدِيثِ الإسْراءِ في بَعْضِ الرِّواياتِ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ وأنَسٍ يَقْتَضِي أنَّهُ في السَّماءِ الرّابِعَةِ. وعَنِ الحَسَنِ: إلى الجَنَّةِ لا شَيْءَ أعْلى مِنَ الجَنَّةِ. وقالَ قَتادَةُ: يَعْبُدُ اللَّهَ مَعَ المَلائِكَةِ في السَّماءِ السّابِعَةِ، وتارَةً يُرْفَعُ في الجَنَّةِ حَيْثُ شاءَ. وقالَ مُقاتِلٌ: هو مَيِّتٌ في السَّماءِ. (أُولَئِكَ) إشارَةٌ إلى مَن تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الأنْبِياءِ و(مِنَ) في (مِنَ النَّبِيِّينَ) لِلْبَيانِ؛ لِأنَّ جَمِيعَ الأنْبِياءِ مُنْعَمٌ عَلَيْهِمْ و(مِن) الثّانِيَةُ لِلتَّبْعِيضِ، وكانَ إدْرِيسُ ﴿مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ﴾ لِقُرْبِهِ مِنهُ لِأنَّهُ جَدُّ أبِي نُوحٍ، وإبْراهِيمُ مِن ذُرِّيَّةِ مَن حُمِلَ مَعَ نُوحٍ، لِأنَّهُ مِن ولَدِ سامِ بْنِ نُوحٍ ﴿ومِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ﴾ إسْحاقُ وإسْماعِيلُ ويَعْقُوبُ وإسْرائِيلُ مَعْطُوفٌ عَلى إبْراهِيمَ، وزَكَرِيّا ويَحْيى ومُوسى وهارُونُ مِن ذُرِّيَّةِ إسْرائِيلَ، وكَذَلِكَ عِيسى؛ لِأنَّ مَرْيَمَ مِن ذُرِّيَّتِهِ. ﴿ومِمَّنْ هَدَيْنا﴾ يَحْتَمِلُ العَطْفُ عَلى (مِنَ) الأُولى أوِ الثّانِيَةِ، والظّاهِرُ أنَّ (الَّذِينَ) خَبَرٌ لِأُولَئِكَ. ﴿وإذا تُتْلى﴾ [مريم: ٧٣] كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ (الَّذِينَ) صِفَةً لِأُولَئِكَ والجُمْلَةَ الشَّرْطِيَّةَ خَبَرٌ. وقَرَأ الجُمْهُورُ (تُتْلى) بِتاءِ التَّأْنِيثِ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ وأبُو جَعْفَرٍ وشَيْبَةُ وشِبْلُ بْنُ عَبّادٍ وأبُو حَيْوَةَ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ العِجْلِيُّ عَنْ حَمْزَةَ، وقُتَيْبَةُ في رِوايَةٍ، ووَرْشٌ في رِوايَةِ النَّحّاسِ، وابْنُ ذَكْوانَ في رِوايَةِ التَّغْلِبِيِّ بِالياءِ. وانْتَصَبَ (سُجَّدًا) عَلى الحالِ المُقَدَّرَةِ قالَهُ الزَّجّاجُ؛ لِأنَّهُ حالَ خُرُورِهِ لا يَكُونُ ساجِدًا، والبُكِيُّ جَمْعُ باكٍ كَشاهِدٍ وشُهُودٍ، ولا يُحْفَظُ فِيهِ جَمْعُهُ المَقِيسُ وهو فُعَلَةٌ كَرامٍ ورُماةٍ والقِياسُ يَقْتَضِيهِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ (بُكِيًّا) بِضَمِّ الباءِ، وعَبْدُ اللَّهِ ويَحْيى والأعْمَشُ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِكَسْرِها إتْباعًا لِحَرَكَةِ الكافِ كَعِصِيٍّ ودِلِيٍّ، والَّذِي يَظْهَرُ أنَّهُ جَمْعٌ لِمُناسَبَةِ الجَمْعِ قَبْلَهُ. قِيلَ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا لِبَكاهُ بِمَعْنى بَكّاهُ. وأصْلُهُ بُكُووٌ كَجَلَسَ جُلُوسًا. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: و(بِكِيًّا) بِكَسْرِ الباءِ وهو مَصْدَرٌ لا يَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ انْتَهى. وقَوْلُهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأنَّ إتْباعَ حَرَكَةِ الكافِ لا تُعَيِّنُ المَصْدَرِيَّةَ، ألا تَراهم قَرَءُوا (جِثِيًّا) بِكَسْرِ الجِيمِ جَمْعُ جاثٍ، وقالُوا عِصِيٌّ فَأتْبَعُوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب