الباحث القرآني
﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِن دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكم ولا تَحْوِيلًا﴾ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أيُّهم أقْرَبُ ويَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ويَخافُونَ عَذابَهُ إنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُورًا﴾ ﴿وإنْ مِن قَرْيَةٍ إلّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ القِيامَةِ أوْ مُعَذِّبُوها عَذابًا شَدِيدًا كانَ ذَلِكَ في الكِتابِ مَسْطُورًا﴾ ﴿وما مَنَعَنا أنْ نُرْسِلَ بِالآياتِ إلّا أنْ كَذَّبَ بِها الأوَّلُونَ وآتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وما نُرْسِلُ بِالآياتِ إلّا تَخْوِيفًا﴾ .
قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: نَزَلَتْ في عَبَدَةِ الشَّياطِينِ، وهم خُزاعَةُ أسْلَمَتِ الشَّياطِينُ وبَقَوْا يَعْبُدُونَهم. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: في عُزَيْرٍ والمَسِيحِ وأُمِّهِ، وعَنْهُ أيْضًا وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ زَيْدٍ والحَسَنِ: في عَبَدَةِ المَلائِكَةِ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في عَبَدَةِ الشَّمْسِ والقَمَرِ والكَواكِبِ وعُزَيْرٍ والمَسِيحِ وأُمِّهِ. انْتَهى. ويَكُونُ ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِن دُونِهِ﴾ عامًّا غُلِّبَ فِيهِ مَن يَعْقِلُ عَلى ما لا يَعْقِلُ، والمَعْنى: ادْعُوهم فَلا يَسْتَطِيعُونَ أنْ يَكْشِفُوا عَنْكُمُ الضُّرَّ مِن مَرَضٍ أوْ فَقْرٍ أوْ عَذابٍ، ولا أنْ يُحَوِّلُوهُ مِن واحِدٍ إلى آخَرَ أوْ يُبَدِّلُوهُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿يَدْعُونَ﴾ بِياءِ الغَيْبَةِ، وابْنُ مَسْعُودٍ وقَتادَةُ بِتاءِ الخِطابِ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِياءِ الغَيبَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، والمَعْنى: يَدْعُونَهم آلِهَةً أوْ يَدْعُونَهم لِكَشْفِ ما حَلَّ بِكم مِنَ الضُّرِّ كَما حُذِفَ مِن قَوْلِهِ ﴿قُلِ ادْعُوا﴾ أيِ: ادْعُوهم لِكَشْفِ الضُّرِّ.
وفِي قَوْلِهِ: ﴿زَعَمْتُمْ﴾ ضَمِيرٌ مَحْذُوفٌ عائِدٌ عَلى ﴿الَّذِينَ﴾ وهو المَفْعُولُ الأوَّلُ، والثّانِي مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: زَعَمْتُمُوهم آلِهَةً مِن دُونِ اللَّهِ، و﴿أُولَئِكَ﴾ مُبْتَدَأٌ و﴿الَّذِينَ﴾ صِفَتُهُ، والخَبَرُ ﴿يَبْتَغُونَ﴾ . و﴿الوَسِيلَةَ﴾ القُرْبُ إلى اللَّهِ تَعالى، والظّاهِرُ أنَّ ﴿أُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى المَعْبُودِينَ، والواوُ في ﴿يَدْعُونَ﴾ لِلْعابِدِينَ، والعائِدُ عَلى ﴿الَّذِينَ﴾ مَنصُوبٌ مَحْذُوفٌ أيْ: يَدْعُونَهم.
وقالَ ابْنُ فَوْرَكٍ: الإشارَةُ بِقَوْلِهِ (p-٥٢)﴿أُولَئِكَ﴾ إلى النَّبِيِّينَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهم، والضَّمِيرُ المَرْفُوعُ في ﴿يَدْعُونَ﴾ و﴿يَبْتَغُونَ﴾ عائِدٌ عَلَيْهِمْ، والمَعْنى: يَدْعُونَ النّاسَ إلى دِينِ اللَّهِ، والمَعْنى عَلى هَذا: أنَّ الَّذِينَ عَظُمَتْ مَنزِلَتُهم، وهُمُ الأنْبِياءُ لا يَعْبُدُونَ إلّا اللَّهَ، ولا يَبْتَغُونَ الوَسِيلَةَ إلّا إلَيْهِ، فَهم أحَقُّ بِالِاقْتِداءِ بِهِمْ فَلا يَعْبُدُوا غَيْرَ اللَّهِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿إلى رَبِّهِمُ﴾ بِضَمِيرِ الجَمْعِ الغائِبِ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ إلى رَبِّكَ بِالكافِ خِطابًا لِلرَّسُولِ، واخْتَلَفُوا في إعْرابِ ﴿أيُّهم أقْرَبُ﴾ وتَقْدِيرِهِ. فَقالَ الحَوْفِيُّ: ﴿أيُّهم أقْرَبُ﴾ ابْتِداءٌ وخَبَرٌ، والمَعْنى: يَنْظُرُونَ ﴿أيُّهم أقْرَبُ﴾ فَيَتَوَسَّلُونَ بِهِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ﴿أيُّهم أقْرَبُ﴾ بَدَلًا مِنَ الواوِ في ﴿يَبْتَغُونَ﴾ . انْتَهى. فَفي الوَجْهِ الأوَّلِ أضْمَرَ فِعْلَ التَّعْلِيقِ، و﴿أيُّهم أقْرَبُ﴾ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى إسْقاطِ حَرْفِ الجَرِّ؛ لِأنَّ نَظَرَ إنْ كانَ بِمَعْنى الفِكْرِ تَعَدّى بِـ في، وإنْ كانَتْ بَصَرِيَّةً تَعَدَّتْ بِـ إلى، فالجُمْلَةُ المُعَلَّقُ عَنْها الفِعْلُ عَلى كِلا التَّقْدِيرَيْنِ تَكُونُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى إسْقاطِ حَرْفِ الجَرِّ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَلْيَنْظُرْ أيُّها أزْكى طَعامًا﴾ [الكهف: ١٩] وفي إضْمارِ الفِعْلِ المُعَلَّقِ نَظَرٌ، والوَجْهُ الثّانِي قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ قالَ: وتَكُونُ أيْ مَوْصُولَةً، أيْ: يَبْتَغِي مَن هو أقْرَبُ مِنهم وأزْلَفُ الوَسِيلَةَ إلى اللَّهِ، فَكَيْفَ بِغَيْرِ الأقْرَبِ. انْتَهى. فَعَلى الوَجْهِ يَكُونُ ﴿أقْرَبُ﴾ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، واحْتُمِلَ ﴿أيُّهُمْ﴾ أنْ يَكُونَ مُعْرَبًا وهو الوَجْهُ، وأنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِوُجُودِ مُسَوِّغِ البِناءِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أوْ ضُمِّنَ ﴿يَبْتَغُونَ﴾ ﴿الوَسِيلَةَ﴾ مَعْنى يَحْرِصُونَ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: يَحْرِصُونَ أيُّهم يَكُونُ أقْرَبَ إلى اللَّهِ، وذَلِكَ بِالطّاعَةِ وازْدِيادِ الخَيْرِ والصَّلاحِ، فَيَكُونُ قَدْ ضُمِّنَ ﴿يَبْتَغُونَ﴾ مَعْنى فِعْلٍ قَلْبِيٍّ وهو يَحْرِصُونَ حَتّى يَصِحَّ التَّعْلِيقُ، وتَكُونُ الجُمْلَةُ الِابْتِدائِيَّةُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى إسْقاطِ حَرْفِ الجَرِّ؛ لِأنَّ حَرَصَ يَتَعَدّى بِعَلى، كَقَوْلِهِ: ﴿إنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ﴾ [النحل: ٣٧] .
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: و﴿أيُّهُمْ﴾ ابْتِداءٌ و﴿أقْرَبُ﴾ خَبَرُهُ، والتَّقْدِيرُ: نَظَرُهم ووَدَكُهم ﴿أيُّهم أقْرَبُ﴾ وهَذا كَما قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَباتَ النّاسُ يَدُوكُونَ أيُّهم يُعْطاها، أيْ: يَتَبارَوْنَ في طَلَبِ القُرْبِ. فَجَعَلَ المَحْذُوفَ نَظَرَهم ووَدَكَهم وهَذا مُبْتَدَأٌ، فَإنْ جَعَلْتَ ﴿أيُّهم أقْرَبُ﴾ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِنَظَرِهِمُ المَحْذُوفِ بَقِيَ المُبْتَدَأُ الَّذِي هو نَظَرُهم بِغَيْرِ خَبَرٍ مُحْتاجٌ إلى إضْمارِ الخَبَرِ، وإنْ جَعَلْتَ ﴿أيُّهم أقْرَبُ﴾ هو الخَبَرَ فَلا يَصِحُّ؛ لِأنَّ نَظَرَهم لَيْسَ هو ﴿أيُّهم أقْرَبُ﴾، وإنْ جَعَلْتَ التَّقْدِيرَ نَظَرَهم في ﴿أيُّهم أقْرَبُ﴾ أيْ: كائِنٌ أوْ حاصِلٌ فَلا يَصِحُّ ذَلِكَ؛ لِأنَّ كائِنًا وحاصِلًا لَيْسَ مِمّا تَعَلَّقَ.
وقالَ أبُو البَقاءِ: ﴿أيُّهُمْ﴾ مُبْتَدَأٌ و﴿أقْرَبُ﴾ خَبَرُهُ، وهو اسْتِفْهامٌ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ يَدْعُونَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ﴿أيُّهُمْ﴾ بِمَعْنى الَّذِي وهو بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ في ﴿يَدْعُونَ﴾ والتَّقْدِيرُ: الَّذِي هو أقْرَبُ. انْتَهى. فَفي الوَجْهِ الأوَّلِ عُلِّقَ ﴿يَدْعُونَ﴾ وهو لَيْسَ فِعْلًا قَلْبِيًّا، وفي الثّانِي فُصِلَ بَيْنَ الصِّلَةِ ومَعْمُولِها بِالجُمْلَةِ الحالِيَّةِ، ولا يَضُرُّ ذَلِكَ؛ لِأنَّها مَعْمُولَةٌ لِلصِّلَةِ ﴿ويَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ويَخافُونَ عَذابَهُ﴾ كَغَيْرِهِمْ مِن عِبادِ اللَّهِ، فَكَيْفَ يَزْعُمُونَ أنَّهم آلِهَةٌ ﴿إنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُورًا﴾ يَحْذَرُهُ كُلُّ أحَدٍ.
و﴿إنْ مِن قَرْيَةٍ﴾ (إنْ) نافِيَةٌ و(مِن) زائِدَةٌ في المُبْتَدَأِ تَدُلُّ عَلى اسْتِغْراقِ الجِنْسِ، والجُمْلَةُ بَعْدَ (إلّا) خَبَرُ المُبْتَدَأِ. وقِيلَ: المُرادُ الخُصُوصُ، والتَّقْدِيرُ: وإنْ مِن قَرْيَةٍ ظالِمَةٍ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ومِن لِبَيانِ الجِنْسِ. انْتَهى. والَّتِي لِبَيانِ الجِنْسِ عَلى قَوْلِ مَن يُثْبِتُ لَها هَذا المَعْنى هو أنْ يَتَقَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ ما يُفْهَمُ مِنهُ إبْهامٌ ما فَتَأْتِي (مِن) لِبَيانِ ما أُرِيدَ بِذَلِكَ الَّذِي فِيهِ إبْهامُ ما، كَقَوْلِهِ: ﴿ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنّاسِ مِن رَحْمَةٍ﴾ [فاطر: ٢] وهُنا لَمْ يَتَقَدَّمْ شَيْءٌ مُبْهَمٌ تَكُونُ مِن فِيهِ بَيانًا لَهُ، ولَعَلَّ قَوْلَهُ لِبَيانِ الجِنْسِ مِنَ النّاسِخِ، ويَكُونُ هو قَدْ قالَ لِاسْتِغْراقِ الجِنْسِ، ألا تَرى أنَّهُ قالَ بَعْدَ ذَلِكَ. وقِيلَ: المُرادُ الخُصُوصُ. انْتَهى.
والظّاهِرُ أنَّ جَمِيعَ القُرى تَهْلِكُ قَبْلَ يَوْمِ القِيامَةِ، وإهْلاكُها تَخْرِيبُها وفَناؤُها، ويَتَضَمَّنُ تَخْرِيبُها هَلاكَ أهْلِها بِالِاسْتِئْصالِ أوْ شَيْئًا فشَيْئًا أوْ تُعَذَّبُ، والمَعْنى: هَلاكُ أهْلِها بِالقَتْلِ وأنْواعِ العَذابِ. وقِيلَ: الهَلاكُ لِلصّالِحَةِ، والعَذابُ لِلطّالِحَةِ. وقالَ مُقاتِلٌ: وجَدْتُ في كُتُبِ الضَّحّاكِ بْنِ مُزاحِمٍ في تَفْسِيرِها: أمّا مَكَّةُ فَتُخَرِّبُها الحَبَشَةُ، وتَهْلِكُ المَدِينَةُ بِالجُوعِ، والبَصْرَةُ بِالغَرَقِ، والكُوفَةُ بِالتُّرْكِ، والجِبالُ بِالصَّواعِقِ والرَّواجِفِ، وأمّا (p-٥٣)خُراسانَ فَعَذابُها ضُرُوبٌ، ثُمَّ ذَكَرَها بَلَدًا بَلَدًا، ونَحْوُ ذَلِكَ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، فَذَكَرَ فِيهِ أنَّ هَلاكَ الأنْدَلُسِ وخَرابَها يَكُونُ بِسَنابِكِ الخَيْلِ، واخْتِلافِ الجُيُوشِ.
﴿كانَ ذَلِكَ في الكِتابِ مَسْطُورًا﴾ أيْ: في سابِقِ القَضاءِ أوْ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ أيْ: مَكْتُوبًا أسْطارًا ﴿وما مَنَعَنا أنْ نُرْسِلَ﴾ بِالآياتِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ أهْلَ مَكَّةَ سَألُوا أنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفا ذَهَبًا، وأنْ يُنَحِّيَ عَنْهُمُ الجِبالَ فَيَزْرَعُونَ، اقْتَرَحُوا ذَلِكَ عَلى الرَّسُولِ ﷺ فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ إنْ شِئْتَ أنْ أفْعَلَ ذَلِكَ لَهم فَإنْ تَأخَّرُوا عاجَلْتُهم بِالعُقُوبَةِ، وإنْ شِئْتَ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ عَسى أنْ أجْتَبِيَ مِنهم مُؤْمِنِينَ، فَقالَ: «بَلْ تَسْتَأْنِي بِهِمْ يا رَبِّ» . فَنَزَلَتْ، واسْتُعِيرَ المَنعُ لِلتَّرْكِ أيْ: ما تَرَكْنا إرْسالَ الآياتِ المُقْتَرَحَةِ إلّا لِتَكْذِيبِ الأوَّلِينَ بِها، وتَكْذِيبُ الأوَّلِينَ لَيْسَ عِلَّةً في إرْسالِ الآياتِ لِقُرَيْشٍ، فالمَعْنى: إلّا اتِّباعُهم طَرِيقَةَ تَكْذِيبِ الأوَّلِينَ بِها، فَتَكْذِيبُ الأوَّلِينَ فاعِلٌ عَلى حَذْفِ المُضافِ، فَإذا كَذَّبُوا بِها كَما كَذَّبَ الأوَّلُونَ عاجَلْتُهم بِعَذابِ الِاسْتِئْصالِ، وقَدِ اقْتَضَتِ الحِكْمَةُ أنْ لا أسْتَأْصِلَهم.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فالمَعْنى وما صَرَفَنا عَنْ إرْسالِ ما تَقْتَرِحُونَهُ مِنَ الآياتِ إلّا أنْ كَذَّبَ بِها الَّذِينَ هم أمْثالُهم مِنَ المَطْبُوعِ عَلى قُلُوبِهِمْ كَعادٍ وثَمُودَ، وإنَّها لَوْ أُرْسِلَتْ لَكَذَّبُوا بِها تَكْذِيبَ أُولَئِكَ، وقالُوا: هَذا سِحْرٌ مُبِينٌ كَما يَقُولُونَ في غَيْرِها، واسْتَوْجَبُوا العَذابَ المُسْتَأْصِلَ، وقَدْ عَزَمْنا أنْ نُؤَخِّرَ أمْرَ مَن بُعِثْتَ إلَيْهِمْ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِن تِلْكَ الآياتِ الَّتِي اقْتَرَحَها الأوَّلُونَ ثُمَّ كَذَّبُوا بِها لَمّا أُرْسِلَتْ إلَيْهِمْ فَأُهْلِكُوا واحِدَةً، وهي ناقَةُ صالِحٍ؛ لِأنَّ آثارَ هَلاكِهِمْ في بِلادِ العَرَبِ قَرِيبَةٌ مِن حُدُودِهِمْ يُبْصِرُها صادِرُهم ووارِدُهُمُ. انْتَهى.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (ثَمُودَ) مَمْنُوعَ الصَّرْفِ. وقالَ هارُونُ: أهْلُ الكُوفَةِ يُنَوِّنُونَ (ثَمُودَ) في كُلِّ وجْهٍ. وقالَ أبُو حاتِمٍ: لا تُنَوِّنُ العامَّةُ والعُلَماءُ بِالقُرْآنِ (ثَمُودَ) في وجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، وفي أرْبَعَةِ مَواطِنَ ألِفٌ مَكْتُوبَةٌ، ونَحْنُ نَقْرَأُها بِغَيْرِ ألِفٍ. انْتَهى. وانْتُصِبَ ﴿مُبْصِرَةً﴾ عَلى الحالِ، وهي قِراءَةُ الجُمْهُورِ. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ ﴿مُبْصِرَةً﴾ بِالرَّفْعِ عَلى إضْمارِ مُبْتَدَأٍ أيْ: هي مُبْصِرَةٌ، وأضافَ الإبْصارَ إلَيْها عَلى سَبِيلِ المَجازِ لَمّا كانَتْ يُبْصِرُها النّاسُ، والتَّقْدِيرُ: آيَةٌ مُبْصِرَةٌ. وقَرَأ قَوْمٌ: بِفَتْحِ الصّادِ اسْمَ مَفْعُولٍ أيْ: يُبْصِرُها النّاسُ ويُشاهِدُونَها. وقَرَأ قَتادَةُ بِفَتْحِ المِيمِ والصّادِ مَفْعَلَةً مِنَ البَصَرِ أيْ: مَحَلَّ إبْصارٍ كَقَوْلِهِ:
؎والكُفْرُ مَخْبَثَةٌ لِنَفْسِ المُنْعَمِ
أجْراها مَجْرى صِفاتِ الأمْكِنَةِ نَحْوُ: أرْضٌ مَسْبَعَةٌ ومَكانٌ مَضَبَّةٌ، وقالُوا: الوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ ﴿فَظَلَمُوا بِها﴾ أيْ: بِعَقْرِها بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿فَذَرُوها تَأْكُلْ في أرْضِ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٧٣] الآيَةَ. وقِيلَ: المَعْنى: أنَّهم جَحَدُوا كَوْنَها مِن عِنْدِ اللَّهِ، وقِيلَ: جَعَلُوا التَّكْذِيبَ بِها مَوْضِعَ التَّصْدِيقِ وهو مَعْنى القَوْلِ قَبْلَهُ، والظّاهِرُ أنَّ الآياتِ الأخِيرَةَ غَيْرُ الآياتِ الأُولى، لُوحِظَ في ذَلِكَ وصْفُ الِاقْتِراحِ، وفي هَذِهِ وصْفُ غَيْرِ المُقْتَرَحَةِ، وهي آياتٌ مَعَها إمْهالٌ لا مُعاجَلَةٌ كالكُسُوفِ والرَّعْدِ والزَّلْزَلَةِ. وقالَ الحَسَنُ: والمَوْتُ الذَّرِيعُ، وفي حَدِيثِ الكُسُوفِ: «فافْزَعُوا إلى الصَّلاةِ» . قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وآياتُ اللَّهِ المُعْتَبَرُ بِها ثَلاثَةُ أقْسامِ: قِسْمٌ عامٌّ في كُلِّ شَيْءٍ إذْ حَيْثُما وضَعْتَ نَظَرَكَ وجَدْتَ آيَةً. وهُنا فِكْرَةُ العُلَماءِ، وقِسْمٌ مُعْتادٌ كالرَّعْدِ والكُسُوفِ ونَحْوِهِ، وهُنا فِكْرَةُ الجَهَلَةِ فَقَطْ، وقِسْمٌ خارِقٌ لِلْعادَةِ، وقَدِ انْقَضى بِانْقِضاءِ النُّبُوَّةِ وإنَّما يُعْتَبَرُ تَوَهُّمًا لِما سَلَفَ مِنهُ. انْتَهى. وهَذا القِسْمُ الأخِيرُ قالَ فِيهِ: وقَدِ انْقَضى بِانْقِضاءِ النُّبُوَّةِ، وكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ يُثْبِتُ هَذا القِسْمَ لِغَيْرِ الأنْبِياءِ ويُسَمِّيهِ كَرامَةً.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إنْ أرادَ بِالآياتِ المُقْتَرَحَةِ، فالمَعْنى: لا نُرْسِلُها ﴿إلّا تَخْوِيفًا﴾ مِن نُزُولِ العَذابِ العاجِلِ كالطَّلِيعَةِ، والمُقَدِّمَةِ لَهُ، فَإنْ لَمْ يَخافُوا وقَعَ عَلَيْهِمْ، وإنْ أرادَ غَيْرَها فالمَعْنى ﴿وما نُرْسِلُ﴾ ما نُرْسِلُ مِنَ الآياتِ كَآياتِ القُرْآنِ وغَيْرِها ﴿إلّا تَخْوِيفًا﴾ وإنْذارًا بِعَذابِ الآخِرَةِ. وقِيلَ: الآياتُ الَّتِي جَعَلَها اللَّهُ تَخْوِيفًا لِعِبادِهِ سَماوِيَّةٌ: كُسُوفُ الشَّمْسِ، وخُسُوفُ القَمَرِ، والرَّعْدُ، والبَرْقُ، والصَّواعِقُ، والرُّجُومُ وما يَجْرِي مَجْرى ذَلِكَ. وأرْضِيَّةٌ زَلازِلُ، وخَسْفٌ، ومُحُولٌ (p-٥٤)ونِيرانٌ تَظْهَرُ في بَعْضِ البِلادِ، وغَوْرُ ماءِ العُيُونِ وزِيادَتُها عَلى الحَدِّ حَتّى تُغْرِقَ بَعْضَ الأرَضِينَ، ولا سَماوِيَّةٌ ولا أرْضِيَّةٌ: الرِّياحُ العَواصِفُ، وما يَحْدُثُ عَنْها مِن قَلْعِ الأشْجارِ وتَدْمِيرِ الدِّيارِ، وما تَسُوقُهُ مِنَ السَّواقِي والرِّياحِ السَّمُومِ.
{"ayahs_start":56,"ayahs":["قُلِ ٱدۡعُوا۟ ٱلَّذِینَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِهِۦ فَلَا یَمۡلِكُونَ كَشۡفَ ٱلضُّرِّ عَنكُمۡ وَلَا تَحۡوِیلًا","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ یَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِیلَةَ أَیُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَیَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَیَخَافُونَ عَذَابَهُۥۤۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورࣰا","وَإِن مِّن قَرۡیَةٍ إِلَّا نَحۡنُ مُهۡلِكُوهَا قَبۡلَ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَوۡ مُعَذِّبُوهَا عَذَابࣰا شَدِیدࣰاۚ كَانَ ذَ ٰلِكَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَسۡطُورࣰا","وَمَا مَنَعَنَاۤ أَن نُّرۡسِلَ بِٱلۡـَٔایَـٰتِ إِلَّاۤ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلۡأَوَّلُونَۚ وَءَاتَیۡنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبۡصِرَةࣰ فَظَلَمُوا۟ بِهَاۚ وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡـَٔایَـٰتِ إِلَّا تَخۡوِیفࣰا"],"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ یَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِیلَةَ أَیُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَیَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَیَخَافُونَ عَذَابَهُۥۤۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق