الباحث القرآني

﴿ولا تَقُولُوا لِما تَصِفُ ألْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذا حَلالٌ وهَذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلى اللَّهِ الكَذِبَ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلى اللَّهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ﴾ ﴿مَتاعٌ قَلِيلٌ ولَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ ﴿وعَلى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وما ظَلَمْناهم ولَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ ﴿ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وأصْلَحُوا إنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾: لَمّا بَيَّنَ تَعالى ما حَرَّمَ، بالَغَ في تَأْكِيدِ ذَلِكَ بِالنَّهْيِ عَنِ الزِّيادَةِ فِيما حَرَّمَ كالبَحِيرَةِ، والسّائِبَةِ، وفِيما أحَلَّ كالمَيْتَةِ والدَّمِ، وذَكَرَ تَعالى تَحْرِيمَ هَؤُلاءِ الأرْبَعِ في سُورَةِ الأنْعامِ. وهَذِهِ السُّورَةِ - وهُما مَكِّيَّتانِ - بِأداةِ الحَصْرِ، ثُمَّ كَذَلِكَ في سُورَةِ البَقَرَةِ والمائِدَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ﴾ [المائدة: ١] الآيَةَ؛ وأجْمَعُوا عَلى أنَّ المُرادَ: (مِمّا يُتْلى عَلَيْكم) هو قَوْلُهُ: (حُرِّمَتْ عَلَيْكم) الآيَةَ؛ وهُما مَدَنِيَّتانِ، فَكانَ هَذا التَّحْرِيمُ لِهَذِهِ الأرْبَعِ مُشَرَّعًا ثانِيًا في أوَّلِ مَكَّةَ وآخِرِها، وأوَّلِ المَدِينَةِ وآخِرِها. فَنَهى تَعالى أنْ يُحَرِّمُوا ويُحِلُّوا مِن عِنْدِ أنْفُسِهِمْ، ويَفْتَرُونَ بِذَلِكَ عَلى اللَّهِ حَيْثُ يَنْسُبُونَ ذَلِكَ إلَيْهِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ (الكَذِبَ) بِفَتْحِ الكافِ والباءِ وكَسْرِ الذّالِ، وجَوَّزُوا في ما في هَذِهِ القِراءَةِ أنْ تَكُونَ بِمَعْنى الَّذِي، والعائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: لِلَّذِي تَصِفُهُ ألْسِنَتُكم. وانْتَصَبَ (الكَذِبَ) عَلى أنَّهُ مَعْمُولٌ لِتَقُولُوا، أيْ: ولا تَقُولُوا الكَذِبَ لِلَّذِي تَصِفُهُ ألْسِنَتُكم مِنَ البَهائِمِ بِالحِلِّ والحُرْمَةِ، مِن غَيْرِ اسْتِنادِ ذَلِكَ الوَصْفِ (p-٥٤٥)إلى الوَحْيِ. وهَذا حَلالٌ وهَذا حَرامٌ بَدَلٌ مِنَ الكَذِبِ، أوْ عَلى إضْمارِ فِعْلٍ، أيْ: فَتَقُولُوا هَذا حَلالٌ وهَذا حَرامٌ. وأجازالحَوْفِيُّ وأبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ انْتِصابُ الكَذِبِ عَلى أنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ المَحْذُوفِ العائِدِ عَلى ما، كَما تَقُولُ: جاءَنِي الَّذِي ضَرَبْتَ أخاكَ، أي ضَرَبْتَهُ أخاكَ. وأجازَ أبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا بِإضْمارِ أعْنِي. وقالَ الكِسائِيُّ والزَّجّاجُ: ما مَصْدَرِيَّةٌ، وانْتَصَبَ الكَذِبُ عَلى المَفْعُولِ بِهِ، أيْ: لِوَصْفِ ألْسِنَتِكُمُ الكَذِبَ. ومَعْمُولُ: ولا تَقُولُوا الجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ: هَذا حَلالٌ وهَذا حَرامٌ، والمَعْنى: ولا تُحَلِّلُوا ولا تُحَرِّمُوا لِأجْلِ قَوْلٍ تَنْطِقُ بِهِ ألْسِنَتُكم كَذِبًا، لا بِحُجَّةٍ وبَيِّنَةٍ. وهَذا مَعْنًى بَدِيعٌ، جَعَلَ قَوْلَهم: كَأنَّهُ عَيْنُ الكَذِبِ ومَحْضُهُ، فَإذا نَطَقَتْ بِهِ ألْسِنَتُهم فَقَدْ حَلَّتِ الكَذِبَ بِحِلْيَتِهِ وصُورَتَهُ بِصُورَتِهِ كَقَوْلِهِمْ: وجْهُهُ يَصِفُ الجَمالَ، وعَيْنُها تَصِفُ السِّحْرَ. وقَرَأ الحَسَنُ، وابْنُ يَعْمُرَ، وطَلْحَةُ، والأعْرَجُ، وابْنُ أبِي إسْحاقَ، وابْنُ عُبَيْدٍ، ونُعَيْمُ بْنُ مَيْسَرَةَ: بِكَسْرِ الباءِ، وخُرِّجَ عَلى أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن ما، والمَعْنى: الَّذِي تَصِفُهُ ألْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ. وأجازَ الزَّمَخْشَرِيُّ وغَيْرُهُ أنْ يَكُونَ الكَذِبُ بِالجَرِّ صِفَةً لِـ (ما) المَصْدَرِيَّةِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَأنَّهُ قِيلَ: لِوَصْفِها الكَذِبَ بِمَعْنى الكاذِبِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ [يوسف: ١٨] والمُرادُ بِالوَصْفِ: وصْفُها البَهائِمَ بِالحِلِّ والحُرْمَةِ؛ انْتَهى. وهَذا عِنْدِي لا يَجُوزُ، وذَلِكَ أنَّهم نَصُّوا عَلى أنَّ أنِ المَصْدَرِيَّةِ لا يُنْعَتُ المَصْدَرُ المُنْسَبِكُ مِنها ومِنَ الفِعْلِ، ولا يُوجَدُ مِن كَلامِهِمْ: يُعْجِبُنِي أنْ قُمْتَ السَّرِيعَ، يُرِيدُ قِيامَكَ السَّرِيعَ، ولا عَجِبْتُ مِن أنْ تَخْرُجَ السَّرِيعَ، أيْ: مِن خُرُوجِكَ السَّرِيعِ. وحُكْمُ باقِي الحُرُوفِ المَصْدَرِيَّةِ حُكْمُ أنْ فَلا يُوجَدُ مِن كَلامِهِمْ وصْفُ المَصْدَرِ المُنْسَبِك مِن (أنْ) ولا مِن (ما) ولا مِن (كَيْ)، بِخِلافٍ صَرِيحِ المَصْدَرِ فَإنَّهُ يَجُوزُ أنْ يُنْعَتَ، ولَيْسَ لِكُلِّ مُقَدَّرٍ حُكْمُ المَنطُوقِ بِهِ وإنَّما يُتَّبَعُ في ذَلِكَ ما تَكَلَّمَتْ بِهِ العَرَبُ. وقَرَأ مُعاذٌ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ، وبَعْضُ أهْلِ الشّامِ: الكُذُبُ، بِضَمِّ الثَّلاثَةِ صِفَةً لِلْألْسِنَةِ، جَمْعُ كَذُوبٍ. قالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: أوْ جَمْعُ كاذِبٍ أوْ كَذّابٍ؛ انْتَهى. فَيَكُونُ كَشارِفٍ وشُرُفٍ، أوْ مِثْلُ كِتابٍ وكُتُبٍ، ونَسَبَ هَذِهِ القِراءَةَ صاحِبُ اللَّوامِحِ لِمَسْلَمَةَ بْنِ مُحارِبٍ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقَرَأ مَسْلَمَةُ بْنُ مُحارِبٍ الكُذُبَ، بِفَتْحِ الباءِ؛ عَلى أنَّهُ جَمْعُ كَذّابٍ، كَكُتُبٍ في جَمْعِ كِتابٍ. وقالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: وجاءَ عَنْ يَعْقُوبَ (الكُذُبَ) بِضَمَّتَيْنِ والنَّصْبِ، فَأمّا الضَّمَّتانِ فَلِأنَّهُ جَمْعُ كَذّابٍ وهو مَصْدَرٌ، ومِثْلُهُ كِتابٌ وكُتُبٌ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بِالنَّصْبِ عَلى الشَّتْمِ، أوْ بِمَعْنى الكَلِمِ الكَواذِبِ، أوْ هو جَمْعُ الكِذابِ مِن قَوْلِكَ: كَذَبَ كِذابًا ذَكَرَهُ ابْنُ جِنِّي؛ انْتَهى. والخِطابُ عَلى قَوْلِ الجُمْهُورِ بِقَوْلِهِ: ولا تَقُولُوا، لِلْكُفّارِ في شَأْنِ ما أحَلُّوا وما حَرَّمُوا مِن أُمُورِ الجاهِلِيَّةِ، وعَلى ذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ وابْنُ عَطِيَّةَ. وقالَ العَسْكَرِيُّ: الخِطابُ لِلْمُكَلَّفِينَ كُلِّهِمْ، أيْ: لا تُسَمُّوا ما لَمْ يَأْتِكم حَظْرُهُ ولا إباحَتُهُ عَنِ اللَّهِ ورَسُولِهِ حَلالًا ولا حَرامًا، فَتَكُونُوا كاذِبِينَ عَلى اللَّهِ في إخْبارِكم بِأنَّهُ حَلَّلَهُ وحَرَّمَهُ؛ انْتَهى. وهَذا هو الظّاهِرُ، لِأنَّهُ خِطابٌ مَعْطُوفٌ عَلى خِطابٍ وهو: فَكُلُوا إنَّما حَرَّمَ عَلَيْكم، فَهو شامِلٌ لِجَمِيعِ المُكَلَّفِينَ. واللّامُ في ﴿لِتَفْتَرُوا﴾ لامُ التَّعْلِيلِ الَّذِي لا يَتَضَمَّنُ مَعْنى الغَرَضِ، قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وهي الَّتِي تُسَمّى لامَ العاقِبَةِ ولامَ الصَّيْرُورَةِ. قِيلَ: ذَلِكَ الِافْتِراءُ ما كانَ غَرَضًا لَهم، والظّاهِرُ أنَّها لامُ التَّعْلِيلِ وأنَّهم قَصَدُوا الِافْتِراءَ كَما قالُوا: ﴿وجَدْنا عَلَيْها آباءَنا﴾ [الأعراف: ٢٨] واللَّهُ أمَرَنا بِها، ولا يَكُونُ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ لِما تَقَدَّمَ لِتَضَمُّنِهِ الكَذِبَ، لِأنَّ هَذا التَّعْلِيلَ فِيهِ التَّنْبِيهُ عَلى مَنِ افْتَرَوْهُ عَلَيْهِ، وهو اللَّهُ تَعالى. وقالَ الواحِدِيُّ: لِتَفْتَرُوا عَلى اللَّهِ الكَذِبَ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ: لِما تَصِفُ ألْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ، لِأنَّ وصْفَهُمُ الكَذِبَ هو افْتِراءٌ عَلى اللَّهِ، فَفَسَّرَ وصْفَهم بِالِافْتِراءِ عَلى اللَّهِ؛ انْتَهى. وهو عَلى تَقْدِيرِ ما مَصْدَرِيَّةً، وأمّا إذا كانَتْ بِمَعْنى الَّذِي فاللّامُ في (لِما) لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيلِ، فَيُبْدَلُ مِنها ما يَقْتَضِي التَّعْلِيلَ، بَلِ اللّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ (لا تَقُولُوا) عَلى حَدِّ تَعَلُّقِها في قَوْلِكَ: لا تَقُولُوا، لِما أحَلَّ اللَّهُ هَذا حَرامٌ، (p-٥٤٦)أيْ: لا تُسَمُّوا الحَلالَ حَرامًا، وكَما تَقُولُ لِزَيْدٍ عَمْرٌو، أيْ: لا تُطْلِقُ عَلى زَيْدٍ هَذا الِاسْمَ. والظّاهِرُ أنَّهُمُ افْتَرَوْا عَلى اللَّهِ حَقِيقَةً، وهو ظاهِرُ الِافْتِراءِ الوارِدِ في آيِ القُرْآنِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ أنَّهُ كانَ شَرْعُهم لِأتْباعِهِمْ سُنَنًا لا يَرْضاها اللَّهُ افْتِراءً عَلَيْهِ، لِأنَّ مَن شَرَعَ أمْرًا فَكَأنَّهُ قالَ لِتابِعِهِ: هَذا هو الحَقُّ، وهَذا مُرادُ اللَّهِ. ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى عَنِ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلى اللَّهِ الكَذِبَ بِانْتِفاءِ الفَلاحِ. والفَلاحُ: الظَّفَرُ بِما يُؤَمَّلُ، فَتارَةً يَكُونُ في البَقاءِ كَما قالَ الشّاعِرُ: ؎والمِسى والصُّبْحُ لا فَلاحَ مَعَهُ وتارَةً في نُجْحِ المَساعِي كَما قالَ عَبِيدُ بْنُ الأبْرَصِ: ؎أفْلِحْ بِما شِئْتَ فَقَدَ يُبْ ∗∗∗ لَغُ بِالضَّعْفِ وقَدْ يُخْدَعُ الأرِيبُ وارْتِفاعُ مَتاعٌ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، فَقَدَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَنفَعَتَهم فِيما هم عَلَيْهِ مِن أفْعالِ الجاهِلِيَّةِ مَنفَعَةً قَلِيلَةً وعِقابُها عَظِيمٌ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عَيْشُهم في الدُّنْيا. وقالَ العَسْكَرِيُّ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَتاعُ هُنا ما حَلَّلُوهُ لِأنْفُسِهِمْ مِمّا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعالى. وقالَ أبُو البَقاءِ: بَقاؤُهم مَتاعٌ قَلِيلٌ. وقالَ الحَوْفِيُّ: مَتاعٌ قَلِيلٌ: ابْتِداءٌ وخَبَرٌ؛ انْتَهى. ولا يَصِحُّ إلّا بِتَقْدِيرِ الإضافَةِ، أيْ: مَتاعُهم قَلِيلٌ. ولَمّا بَيَّنَ تَعالى ما يَحِلُّ وما يَحْرُمُ لِأهْلِ الإسْلامِ أتْبَعَهُ بِما كانَ خَصَّ بِهِ اليَهُودَ مُحالًا عَلى ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في سُورَةِ الأنْعامِ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ سُورَةَ الأنْعامِ نَزَلَتْ قَبْلَ هَذِهِ السُّورَةِ، إذْ لا تَصِحُّ الحَوالَةُ إلّا بِذَلِكَ. ويَتَعَلَّقُ مِن قَبْلُ بِقَصَصْنا، وهو الظّاهِرُ. وقِيلَ: بِحَرَمِنا، والمَحْذُوفُ الَّذِي في (مِن قَبْلُ) تَقْدِيرُهُ مِن قَبْلِ تَحْرِيمِنا عَلى أهْلِ مِلَّتِكَ. والسُّوءُ هُنا قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الشِّرْكُ قَبْلَ المَعْرِفَةِ بِاللَّهِ؛ انْتَهى. ما يَسُوءُ صاحِبَهُ مِن كُفْرٍ ومَعْصِيَةٍ غَيْرِهِ. والكَلامُ في ﴿لِلَّذِينَ عَمِلُوا﴾ وما يَتَعَلَّقُ بِهِ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا﴾ [النحل: ١١٠] فَأغْنى عَنْ إعادَتِهِ. وقالَ قَوْمٌ: بِجَهالَةٍ: تَعَمُّدٍ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَيْسَتْ هُنا ضِدَّ العِلْمِ، بَلْ تَعَدّى الطَّوْرَ ورُكُوبَ الرَّأْسِ، مِنهُ: أوْ أجْهَلَ أوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ. وقَوْلُ الشّاعِرِ: ؎ألا لا يَجْهَلْنَ أحَدٌ عَلَيْنا ∗∗∗ فَنَجْهَلُ فَوْقَ جَهْلِ الجاهِلِينا والَّتِي هي ضِدُّ العِلْمِ، تَصْحَبُ هَذِهِ كَثِيرًا، ولَكِنْ يَخْرُجُ مِنها المُتَعَمِّدُ وهو الأكْثَرُ. وقَلَّ ما يُوجَدُ في العُصاةِ مَن لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ عِلْمٌ بِخَطَرِ المَعْصِيَةِ الَّتِي يُواقِعُ؛ انْتَهى مُلَخَّصًا. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بِجَهالَةٍ في مَوْضِعِ الحالِ، أيْ: عَمِلُوا السُّوءَ جاهِلِينَ غَيْرَ عارِفِينَ بِاللَّهِ وبِعِقابِهِ، أوْ غَيْرَ مُتَدَبِّرِينَ لِلْعاقِبَةِ لِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ عَلَيْهِمْ. وقالَ سُفْيانُ: جَهالَتُهُ: أنْ يَلْتَذَّ بِهَواهُ، ولا يُبالِيَ بِمَعْصِيَةِ مَوْلاهُ. وقالَ الضَّحّاكُ: بِاغْتِرارِ الحالِ عَنِ المَآلِ. وقالَ العَسْكَرِيُّ: لَيْسَ المَعْنى أنَّهُ يَغْفِرُ لِمَن يَعْمَلُ السُّوءَ بِجَهالَةٍ، ولا يَغْفِرُ لِمَن عَمِلَهُ بِغَيْرِ جَهالَةٍ، بَلِ المُرادُ أنَّ جَمِيعَ مَن تابَ فَهَذا سَبِيلُهُ، وإنَّما خَصَّ مَن يَعْمَلُ السُّوءَ بِجَهالَةٍ، لِأنَّ أكْثَرَ مَن يَأْتِي الذُّنُوبَ يَأْتِيها بِقِلَّةِ فِكْرٍ في عاقِبَةٍ، أوْ عِنْدَ غَلَبَةِ شَهْوَةٍ، أوْ في جَهالَةِ شَبابٍ، فَذَكَرَ الأثَرَ عَلى عادَةِ العَرَبِ في مِثْلِ ذَلِكَ. والإشارَةُ بِذَلِكَ إلى عَمَلِ السُّوءِ، وأصْلَحُوا: اسْتَمَرُّوا عَلى الإقْلاعِ عَنْ تِلْكَ المَعْصِيَةِ. وقِيلَ: أصْلَحُوا: آمَنُوا وأطاعُوا، والضَّمِيرُ في (مِن بَعْدِها) عائِدٌ عَلى المَصادِرِ المَفْهُومَةِ مِنَ الأفْعالِ السّابِقَةِ، أيْ: مِن بَعْدِ عَمَلِ السُّوءِ والتَّوْبَةِ والإصْلاحِ. وقِيلَ: يَعُودُ عَلى الجَهالَةِ. وقِيلَ: عَلى السُّوءِ عَلى مَعْنى المَعْصِيَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب