﴿رَّبَّنَاۤ إِنِّیۤ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّیَّتِی بِوَادٍ غَیۡرِ ذِی زَرۡعٍ عِندَ بَیۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِیُقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِیۤ إِلَیۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَ ٰتِ لَعَلَّهُمۡ یَشۡكُرُونَ ٣٧ رَبَّنَاۤ إِنَّكَ تَعۡلَمُ مَا نُخۡفِی وَمَا نُعۡلِنُۗ وَمَا یَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَیۡءࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ ٣٨ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی وَهَبَ لِی عَلَى ٱلۡكِبَرِ إِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَۚ إِنَّ رَبِّی لَسَمِیعُ ٱلدُّعَاۤءِ ٣٩ رَبِّ ٱجۡعَلۡنِی مُقِیمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّیَّتِیۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَاۤءِ ٤٠ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لِی وَلِوَ ٰلِدَیَّ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ یَوۡمَ یَقُومُ ٱلۡحِسَابُ ٤١ وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلًا عَمَّا یَعۡمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَۚ إِنَّمَا یُؤَخِّرُهُمۡ لِیَوۡمࣲ تَشۡخَصُ فِیهِ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ ٤٢ مُهۡطِعِینَ مُقۡنِعِی رُءُوسِهِمۡ لَا یَرۡتَدُّ إِلَیۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَاۤءࣱ ٤٣﴾ [إبراهيم ٣٧-٤٣]
﴿وإذْ قالَ إبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذا البَلَدَ آمِنًا واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ﴾ [إبراهيم: ٣٥] ﴿رَبِّ إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإنَّهُ مِنِّي ومَن عَصانِي فَإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٣٦] ﴿رَبَّنا إنِّي أسْكَنْتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ وارْزُقْهم مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهم يَشْكُرُونَ﴾ ﴿رَبَّنا إنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وما نُعْلِنُ وما يَخْفى عَلى اللَّهِ مِن شَيْءٍ في الأرْضِ ولا في السَّماءِ﴾ ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وهَبَ لِي عَلى الكِبَرِ إسْماعِيلَ وإسْحاقَ إنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ﴾ ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ومِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وتَقَبَّلْ دُعاءِ﴾ ﴿رَبَّنا اغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسابُ﴾ ﴿ولا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ إنَّما يُؤَخِّرُهم لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصارُ﴾ ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ طَرْفُهم وأفْئِدَتُهم هَواءٌ﴾ ﴿وأنْذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أخِّرْنا إلى أجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ ونَتَّبِعِ الرُّسُلَ أوَلَمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُمْ مِن قَبْلُ ما لَكم مِن زَوالٍ﴾ [إبراهيم: ٤٤] ﴿وسَكَنْتُمْ في مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهم وتَبَيَّنَ لَكم كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وضَرَبْنا لَكُمُ الأمْثالَ﴾ [إبراهيم: ٤٥] ﴿وقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهم وعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهم وإنْ كانَ مَكْرُهم لِتَزُولَ مِنهُ الجِبالُ﴾ [إبراهيم: ٤٦] ﴿فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وعْدِهِ رُسُلَهُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ﴾ [إبراهيم: ٤٧] ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ والسَّماواتُ وبَرَزُوا لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾ [إبراهيم: ٤٨] ﴿وتَرى المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ في الأصْفادِ﴾ [إبراهيم: ٤٩] ﴿سَرابِيلُهم مِن قَطِرانٍ وتَغْشى وُجُوهَهُمُ النّارُ﴾ [إبراهيم: ٥٠] ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسابِ﴾ [إبراهيم: ٥١] ﴿هَذا بَلاغٌ لِلنّاسِ ولِيُنْذَرُوا بِهِ ولِيَعْلَمُوا أنَّما هو إلَهٌ واحِدٌ ولِيَذَّكَّرَ أُولُو الألْبابِ﴾ [إبراهيم: ٥٢] . جَنَبَ مُخَفَّفًا وأجْنَبَ رُباعِيًّا، لُغَةُ نَجْدٍ؛ وجَنَّبَ مُشَدَّدًا لُغَةُ الحِجازِ، والمَعْنى مَنَعَ، وأصَّلَهُ الجانِبُ. الهَوى: الهُبُوطُ بِسُرْعَةٍ؛ قالَ الشّاعِرُ:
وإذا رُمِيَتْ بِهِ الفِجاجُ رَأيْتَهُ تَهْوِي مَخارِمُها هَوى الأجْدَلِ
شَخَصَ البَصَرُ أحَدَ النَّظَرِ، ولَمْ يَسْتَقِرَّ في مَكانِهِ. المُهْطِعُ: المُسْرِعُ في مَشْيِهِ. قالَ الشّاعِرُ:
بِمُهْطِعٍ سَرَحَ كَأنَّ عِنانَهُ في ∗∗∗ رَأْسِ جِذْعٍ مَن أراكٍ مُشَذَّبِ
وقالَ عِمْرانُ بْنُ حِطّانَ:
إذا دَعانا فَأُهْطِعْنا لِدَعْوَتِهِ ∗∗∗ داعٍ سُمَيْعٍ فَلَبَوْنا وساقُونا
وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: قَدْ يَكُونُ الإهْطاعُ: الإسْراعُ وإدامَةُ النَّظَرِ. المُقْنِعُ: هو الرّافِعُ رَأْسَ المُقْبِلِ بِبَصَرِهِ عَلى ما بَيْنَ يَدَيْهِ، قالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ والقُتَبِيُّ. وقالَ الشّاعِرُ:
يُباكِرُنَّ العُصاةَ بِمُقْنِعاتٍ ∗∗∗ نَواجِذُهُنَّ كالحَدَأِ الوَقِيعِ
يَصِفُ الإبِلَ بِالإقْناعِ عِنْدَ رَعْيِها أعالِيَ الشَّجَرِ، ويُقالُ: أقْنَعَ رَأْسَهُ نَكَّسَهُ وطَأْطَأهُ، فَهو مِنَ الأضْدادِ. قالَ المُبَرِّدُ: وكَوْنُهُ بِمَعْنى رَفَعَ أعْرَفَ في اللُّغَة؛ انْتَهى. وقِيلَ: مِنهُ قَنِعَ الرَّجُلُ إذا رَضِيَ، كَأنَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ عَنِ السُّؤالِ. وفَمٌ مُقْنِعٌ مَعْطُوفَةٌ أسْنانُهُ إلَيْهِ داخِلًا، ورَجُلٌ مُقَنِّعٌ، بِالتَّشْدِيدِ، عَلَيْهِ بَيْضَةُ الرَّأْسِ؛ مَعْرُوفٌ، ويُجْمَعُ في القِلَّةِ عَلى أرْؤُسٍ. الطَّرْفُ: العَيْنُ. وقالَ الشّاعِرُ:
وأغُضُّ طَرْفِي ما بَدَتْ لِي جارَتِي ∗∗∗ حَتّى يُوارِيَ جارَتِي مَأْواها
ويُقالُ: طَرَفَ الرَّجُلُ: طَبَّقَ جَفْنَهُ عَلى الآخَرِ، وسُمِّيَ الجَفْنُ طَرَفًا لِأنَّهُ يَكُونُ فِيهِ ذَلِكَ الهَواءُ: ما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، وهو الخَلاءُ الَّذِي لَمْ تَشْغَلُهُ الأجْرامُ الكَثِيفَةُ، واسْتُعِيرَ لِلْجَبانِ، فَقِيلَ: قَلْبُ فُلانٍ هَواءٌ. وقالَ الشّاعِرُ:
كَأنَّ الرَّجُلَ مِنها فَوْقَ صَعْلٍ ∗∗∗ مِنَ الظُّلُماتِ جُؤْجُؤُهُ هَواءُ
المُقَرَّنُ: المَشْدُودُ في القَرْنِ، وهو الحَبْلُ. الصَّفَدُ: الغُلُّ، والقَيْدُ، يُقالُ: صَفَدَهُ صَفْدًا قَيَّدَهُ، والِاسْمُ الصَّفْدُ، وفي التَّكْثِيرِ صَفَّدَهُ مُشَدَّدًا. قالَ الشّاعِرُ:
وأبْقَـى بِــالمُلُــوكِ مُصْفِــدِينَــا
وأصْفَدْتُهُ: أعْطَيْتُهُ. وقِيلَ: صَفَّدَ وأصْفَدَ مَعًا في القَيْدِ والإعْطاءِ. قالَ الشّاعِرُ:
فلـم أعْرِضْ، أبَيْتُ اللَّعْـنَ، بِالصَّفَـدِ
أيْ: بِالعَطاءِ. وسُمِّيَ العَطاءُ صَفَدًا لِأنَّهُ يُقَيَّدُ ويُعْبَدُ. السِّرْبالُ: القَمِيصُ، يُقالُ: سَرْبَلْتُهُ فَتَسَرْبَلَ. القَطِرانُ: ما يُحْلَبُ مِن شَجَرِ الأبْهَلِ فَيُطْبَخُ، وتَهْنَأُ بِهِ الإبِلُ الجَرْبى، فَيُحْرَقُ الجَرَبُ بِحَرِّهِ وحِدَّتِهِ، وهو أقْبَلُ الأشْياءِ اشْتِعالًا، ويُقالُ فِيهِ قَطْرانٌ بِوَزْنِ سَكْرانَ، وقِطْرانٌ بِوَزْنِ سِرْحانٍ.
﴿وإذْ قالَ إبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذا البَلَدَ آمِنًا واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ﴾ [إبراهيم: ٣٥] ﴿رَبِّ إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإنَّهُ مِنِّي ومَن عَصانِي فَإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٣٦]: مُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها: أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ التَّعْجِيبَ مِنَ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا، وجَعَلُوا لِلَّهِ أنْدادًا وهم قُرَيْشٌ ومَن تابَعَهم مِنَ العَرَبِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِن دُونِ اللَّهِ، وكانَ مِن نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إسْكانُهُ إيّاهم حَرَمَهُ، أرْدَفَ ذَلِكَ بِذِكْرِ أصْلِهِمْ إبْراهِيمَ، وأنَّهُ - صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - دَعا اللَّهَ تَعالى أنْ يَجْعَلَ مَكَّةَ آمِنَةً، ودَعا بِأنْ يُجَنِّبَ بَنِيهِ عِبادَةَ الأصْنامِ، وأنَّهُ أسْكَنَهُ وذُرِّيَّتَهُ في بَيْتِهِ لِيَعْبُدُوهُ وحْدَهُ بِالعِبادَةِ الَّتِي هي أشْرَفُ العِبادَةِ وهي الصَّلاةُ، لِيَنْظُرُوا في دِينِ أبِيهِمْ، وأنَّهُ مُخالِفٌ لِما ارْتَكَبُوهُ مِن عِبادَةِ الأصْنامِ، فَيَزْدَجِرُوا ويَرْجِعُوا عَنْها. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى قَوْلِهِ هُنا هَذا البَلَدُ مُعَرَّفًا، وفي البَقَرَةِ مُنْكَرًا.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُنا سَألَ في الأوَّلِ أنْ يَجْعَلَهُ مِن جُمْلَةِ البِلادِ الَّتِي يَأْمَنُ أهْلُها ولا يَخافُونَ، وفي الثّانِي أنْ يَخْرُجَ مِن صِفَةٍ كانَ عَلَيْها مِنَ الخَوْفِ إلى ضِدِّها مِنَ الأمْنِ، كَأنَّهُ قالَ: هو بَلَدٌ مَخُوفٌ، فاجْعَلْهُ آمِنًا؛ انْتَهى. ودَعا إبْراهِيمُ أوَّلًا بِما هو عَلى طاعَةِ اللَّهِ تَعالى، وهو كَوْنُ مَحَلِّ العابِدِ آمِنًا لا يَخافُ فِيهِ، إذْ يَتَمَكَّنُ مِن عِبادَةِ اللَّهِ تَعالى، ثُمَّ دَعا ثانِيًا بِأنْ يُجَنَّبَ هو وبَنُوهُ مِن عِبادَةِ الأصْنامِ. ومَعْنى واجْنُبْنِي وبَنِيَّ: أدِمْنِي وإيّاهم عَلى اجْتِنابِ عِبادَةِ الأصْنامِ. وأرادَ بِقَوْلِهِ: وبَنِيَّ: أوْلادَهُ، مِن صُلْبِهِ الأقْرِباءِ. وأجابَهُ اللَّهُ تَعالى فَجَعَلَ الحَرَمَ آمِنًا، ولَمْ يَعْبُدْ أحَدٌ مِن بَنِيهِ الأقْرِباءِ لِصُلْبِهِ صَنَمًا. قالَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: وقَدْ سُئِلَ، كَيْفَ عَبَدَتِ العَرَبُ الأصْنامَ ؟ قالَ: ما عَبَدَ أحَدٌ مِن ولَدِ إسْماعِيلَ صَنَمًا وكانُوا ثَمانِيَةً، إنَّما كانَتْ لَهم حِجارَةٌ يَنْصُبُونَها ويَقُولُونَ: حَجَرٌ، فَحَيْثُ ما نَصَبُوا حَجَرًا فَهو بِمَعْنى البَيْتِ، فَكانُوا يَدُورُونَ بِذَلِكَ الحَجَرِ ويُسَمُّونَهُ الدُّوارَ؛ انْتَهى.
قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا الدُّعاءُ مِنَ الخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلامُ يَقْتَضِي إفْراطَ خَوْفِهِ عَلى نَفْسِهِ، ومَن حَصَلَ في رُتْبَتِهِ فَكَيْفَ يَخافُ أنْ يَعْبُدَ صَنَمًا ؟ لَكِنَّ هَذِهِ الآيَةَ يَنْبَغِي أنْ يُقْتَدى بِها في الخَوْفِ وطَلَبِ الخاتِمَةِ. وكَرَّرَ النِّداءَ اسْتِعْطافًا لِرَبِّهِ تَعالى، وذَكَرَ سَبَبَ طَلَبِهِ: أنْ يُجَنَّبَ هو وبَنُوهُ عِبادَةَ الأصْنامِ بِقَوْلِهِ:
﴿إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ﴾ [إبراهيم: ٣٦]، إذْ قَدْ شاهَدَ أباهُ وقَوْمَهُ يَعْبُدُونَ الأصْنامَ. ومَعْنى أضْلَلْنا: كُنّا سَبَبًا لِإضْلالِ كَثِيرٍ مِنَ النّاسِ، والمَعْنى: أنَّهم ضَلُّوا بِعِبادَتِها، كَما تَقُولُ: فِتْنَتُهُمُ الدُّنْيا، أيِ: افْتَتَنُوا بِها، واغْتَرُّوا بِسَبَبِها. وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ، وعِيسى الثَّقَفِيُّ: وأجْنِبْنِي مِن أجْنَبَ، وأنَّثَ الأصْنامَ لِأنَّهُ جَمْعُ ما لا يَعْقِلُ يُخْبِرُ عَنْهُ أخْبارَ المُؤَنَّثِ كَما تَقُولُ: الأجْذاعُ انْكَسَرَتْ. والإخْبارُ عَنْهُ إخْبارُ جَمْعِ العاقِلِ المُذَكَّرِ بِالواوِ ومَجازٍ نَحْوَ قَوْلِهِ: فَقَدْ ضَلُّوا كَثِيرًا. فَمَن تَبِعَنِي، أيْ: عَلى دِينِي وما أنا عَلَيْهِ، فَإنَّهُ مِنِّي. جَعَلَهُ لِفَرْطِ الِاخْتِصاصِ بِهِ ومُلابَسَتِهِ كَقَوْلِهِ:
«مَن غَشَّنا فَلَيْسَ مِنّا» أيْ لَيْسَ بَعْضُ المُؤْمِنِينَ تَنْبِيهًا عَلى تَعْظِيمِ الغِشِّ بِحَيْثُ هو يَسْلُبُ الغاشَّ الإيمانَ، والمَعْنى: أنَّ الغِشَّ لَيْسَ مِن أوْصافِ أهْلِ الإيمانِ. ومَن عَصانِي، هَذا فِيهِ طِباقٌ مَعْنَوِيٌّ، لِأنَّ التَّبَعِيَّةَ طاعَةٌ فَقَوْلُهُ:
﴿فَإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٣٦] . قالَ مُقاتِلٌ: ومَن عَصانِي فَيُحادُّونَ الشِّرْكَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَغْفِرُ لِي ما سَلَفَ مِنَ العِصْيانِ إذا بَدا لِي فِيهِ واسْتَحْدَثَ الطّاعَةَ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ومَن عَصانِي ظاهِرُهُ بِالكُفْرِ لِمُعادَلَةِ قَوْلِهِ: فَمَن تَبِعَنِي فَإنَّهُ مِنِّي، وإذا كانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ: فَإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، مَعْناهُ حِين يُؤْمِنُوا، لِأنَّهُ أرادَ أنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِكُلِّ كافِرٍ، لَكِنَّهُ حَمَلَهُ عَلى هَذِهِ العِبارَةِ ما كانَ يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِهِ مِنَ القَوْلِ الجَمِيلِ والنُّطْقِ الحَسَنِ وجَمِيلِ الأدَبِ ﷺ . وكَذَلِكَ قالَ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ:
﴿وإنْ تَغْفِرْ لَهم فَإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [المائدة: ١١٨] .
﴿رَبَّنا إنِّي أسْكَنْتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ وارْزُقْهم مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهم يَشْكُرُونَ﴾: كَرَّرَ النِّداءَ رَغْبَةً في الإجابَةِ وإظْهارًا لِلتَّذَلُّلِ، والِالتِجاءِ إلى اللَّهِ تَعالى. وأتى بِضَمِيرِ جَماعَةِ المُتَكَلِّمِينَ، لِأنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وذَكَرَ بَنِيهِ في قَوْلِهِ: واجْنُبْنِي وبَنِيَّ، ومِن ذُرِّيَّتِي هو إسْماعِيلُ، ومَن وُلِدَ مِنهُ. وذَلِكَ هاجَرُ لَمّا ولَدَتْ إسْماعِيلَ غارَتْ مِنها سارَّةُ، فَرُوِيَ أنَّهُ رَكِبَ البُراقَ هو وهاجَرُ والطِّفْلُ، فَجاءَ في يَوْمٍ واحِدٍ مِنَ الشّامِ إلى مَكَّةَ، فَنَزَلَ وتَرَكَ ابْنَهُ وأمَتَهُ هُنالِكَ، ورَكِبَ مُنْصَرِفًا مِن يَوْمِهِ ذَلِكَ، وكانَ هَذا كُلُّهُ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى، فَلَمّا ولِيَ دَعا بِما في ضِمْنِ هَذِهِ الآيَةِ. وأمّا كَيْفِيَّةُ بَقاءِ هاجَرَ وما جَرى لَها ولِإسْماعِيلَ هُناكَ فَفي كِتابِ البُخارِيِّ والسِّيَرِ وغَيْرِهِ. و(مِن) لِلتَّبْعِيضِ، لِأنَّ إسْحاقَ كانَ في الشّامِ، والوادِي ما بَيْنَ الجَبَلَيْنِ، ولَيْسَ مِن شَرْطِهِ أنْ يَكُونَ فِيهِ ماءٌ، وإنَّما قالَ: غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، لِأنَّهُ كانَ عَلِمَ أنَّ اللَّهَ لا يُضَيِّعُ هاجَرَ وابْنَها في ذَلِكَ الوادِي، وأنَّهُ يَرْزُقُها الماءَ، وإنَّما نَظَرَ النَّظَرَ البَعِيدَ، فَقالَ: غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، ولَوْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَعالى لَقالَ: غَيْرِ ذِي ماءٍ، عَلى ما كانَتْ عَلَيْهِ حالُ الوادِي عِنْدَ ذَلِكَ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقَدْ يُقالُ إنَّ انْتِفاءَ كَوْنِهِ ذا زَرْعٍ مُسْتَلْزِمٌ لِانْتِفاءِ الماءِ الَّذِي لا يُمْكِنُ أنْ يُوجَدَ زَرْعٌ إلّا حَيْثُ وُجِدَ الماءُ، فَنَفى ما يَتَسَبَّبُ عَنِ الماءِ وهو الزَّرْعُ لِانْتِفاءِ سَبَبِهِ وهو الماءُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بِوادٍ هو وادِي مَكَّةَ، غَيْرِ ذِي زَرْعٍ: لا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مِن زَرْعٍ قَطُّ كَقَوْلِهِ:
﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ [الزمر: ٢٨] بِمَعْنى لا يُوجَدُ فِيهِ اعْوِجاجٌ، ما فِيهِ إلّا اسْتِقامَةٌ لا غَيْرَ؛ انْتَهى. واسْتَعْمَلَ (قَطُّ) وهي ظَرْفٌ لا يُسْتَعْمَلُ إلّا مَعَ الماضِي مَعْمُولًا لِقَوْلِهِ: (لا يَكُونُ)، ولَيْسَ هو ماضِيًا، وهو مَكانُ (أبَدًا) الَّذِي يُسْتَعْمَلُ مَعَ غَيْرِ الماضِي مِنَ المُسْتَقْبَلاتِ. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ:
﴿عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ﴾، يَقْتَضِي وُجُودَ البَيْتِ حالَةَ الدُّعاءِ، وسَبَقَهُ قِبَلَهُ وتَقَدَّمَ الكَلامُ في البَيْتِ، ومَتى وُضِعَ في البَقَرَةِ، وفي آلِ عِمْرانَ. ووُصِفَ بِالمُحَرَّمِ لِكَوْنِهِ حُرِّمَ عَلى الطُّوفانِ، أيْ: مُنِعَ مِنهُ، كَما سُمِّيَ بِعَتِيقٍ لِأنَّهُ أُعْتِقَ مِنهُ فَلَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ، أوْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَزَلْ عَزِيزًا مُمَنَّعًا مِنَ الجَبابِرَةِ، أوْ لِكَوْنِهِ مُحْتَرَمًا لا يَحِلُّ انْتِهاكُهُ. و
﴿لِيُقِيمُوا﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ أسْكَنْتُ. ورَبَّنا دُعاءٌ مُعْتَرِضٌ، والمَعْنى: إنَّهُ لا يَخْلُو هَذا البَيْتُ المُعَظَّمُ مِنَ العِبادَةِ. وقِيلَ: هي لامُ الأمْرِ، دَعا لَهم بِإقامَةِ الصَّلاةِ. وقالَ أبُو الفَرَجِ بْنُ الجَوْزِيِّ: اللّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ:
﴿واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ﴾ [إبراهيم: ٣٥] ﴿لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ﴾؛ انْتَهى. وهَذا بَعِيدٌ جِدًّا. وخَصَّ الصَّلاةَ دُونَ سائِرِ العِباداتِ لِأنَّها أفْضَلُها، أوْ لِأنَّها سَبَبٌ لِكُلِّ خَيْرٍ. وقَوْلُهُ:
﴿لِيُقِيمُوا﴾ بِضَمِيرِ الجَمْعِ دَلالَةً عَلى أنَّ اللَّهَ أعْلَمُهُ بِأنَّ هَذا الطِّفْلَ سَيُعَقَّبُ هُنالِكَ، ويَكُونُ لَهُ نَسْلٌ. وأفْئِدَةٌ: جَمْعُ فُؤادٍ، وهي القُلُوبُ، سُمِّيَ القَلْبُ فُؤادًا لِإتْفادِهِ مَأْخُوذٌ مِن فَأدَ، ومِنهُ المُفْتَأدُ، وهو مُسْتَوْقَدُ النّارِ حَيْثُ يُشْوى اللَّحْمُ. وقالَ مُؤَرِّجٌ الأفْئِدَةُ: القَطْعُ مِنَ النّاسِ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وإلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ بَحْرٍ. قالَ مُجاهِدٌ: لَوْ قالَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ: أفْئِدَةُ النّاسِ، لازْدَحَمَتْ عَلى البَيْتِ فارِسُ والرُّومُ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: لَحَجَّتْهُ اليَهُودُ والنَّصارى. والظّاهِرُ أنَّ (مِن) لِلتَّبْعِيضِ، إذِ التَّقْدِيرُ: أفْئِدَةٌ مِنَ النّاسِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مِن لِلِابْتِداءِ، كَقَوْلِكَ: القَلْبُ مِنِّي سَقِيمٌ، يُرِيدُ قَلْبِي، فَكَأنَّهُ قِيلَ: أفْئِدَةُ ناسٍ، وإنَّما نَكَّرَ المُضافَ إلَيْهِ في هَذا التَّمْثِيلِ لِتَنْكِيرِ أفْئِدَةٍ، لِأنَّها في الآيَةِ نَكِرَةٌ لِتَتَناوَلَ بَعْضَ الأفْئِدَةِ؛ انْتَهى. ولا يَظْهَرُ كَوْنُها لِابْتِداءِ الغايَةِ، لِأنَّها لَيْسَ لَنا فِعْلٌ يُبْتَدَأُ فِيهِ لِغايَةٍ يَنْتَهِي إلَيْها، إذْ لا يَصِحُّ ابْتِداءً جَعْلُ الأفْئِدَةِ مِنَ النّاسِ، وإنَّما الظّاهِرُ في (مِن) التَّبْعِيضُ. وقَرَأ هِشامٌ: أفْئِيدَةً، بِياءٍ بَعْدَ الهَمْزَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ الحُلْوانِيُّ، عَنْهُ، وخَرَجَ ذَلِكَ عَلى الإشْباعِ، ولَمّا كانَ الإشْباعُ لا يَكُونُ إلّا في ضَرُورَةِ الشِّعْرِ حَمَلَ بَعْضُ العُلَماءِ هَذِهِ القِراءَةَ عَلى أنَّ هِشامًا قَرَأ بِتَسْهِيلِ الهَمْزَةِ كالياءِ، فَعَبَّرَ الرّاوِي عَنْها بِالياءِ، فَظَنَّ مَن أخْطَأ فَهْمَهُ أنَّها بِياءٍ بَعْدَ الهَمْزَةِ، والمُرادُ بِياءٍ عِوَضًا مِنَ الهَمْزَةِ، قالَ: فَيَكُونُ هَذا التَّحْرِيفُ مِن جِنْسِ التَّحْرِيفِ المَنسُوبِ إلى مَن رَوى عَنْ أبِي عَمْرٍو: بارِئُكم ويَأْمُرُكم، ونَحْوُهُ بِإسْكانِ حَرَكَةِ الإعْرابِ، وإنَّما كانَ ذَلِكَ اخْتِلاسًا. قالَ أبُو عَمْرٍو والدّانِيُّ الحافِظُ: ما ذَكَرَهُ صاحِبُ هَذا القَوْلِ لا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، لِأنَّ النَّقَلَةَ عَنْ هِشامٍ وأبِي عُمَرَ، وكانُوا مِن أعْلَمِ النّاسِ بِالقِراءَةِ ووُجُوهِها، ولَيْسَ يُفْضِي بِهِمُ الجَهْلُ إلى أنْ يُعْتَقَدَ فِيهِمْ مِثْلُ هَذا، وقُرِئَ آفِدَةً: عَلى وزْنِ فاعِلَةٍ، فاحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ اسْمَ فاعِلٍ لِلْحَذْفِ مَن أفِدَ، أيْ: دَنا وقَرُبَ وعَجِلَ، أيْ: جَماعَةٌ آفِدَةٌ، أوْ جَماعاتٌ آفِدَةٌ، وأنْ يَكُونَ جَمْعُ ذَلِكَ فُؤادٌ، ويَكُونُ مِن بابِ القَلْبِ، وصارَ بِالقَلْبِ أأْفِدَةً، فَأُبْدِلَتِ الهَمْزَةُ السّاكِنَةُ ألِفًا كَما قالُوا في آرَآمٍ: أأْرامٍ، فَوَزْنُهُ أعْفِلَةٌ. وقُرِئَ أفِدَّةٌ عَلى وزْنِ فَعِلَّةٌ، فاحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ جَمْعَ فُؤادٍ، وذَلِكَ بِحَذْفِ الهَمْزَةِ ونَقْلِ حَرَكَتِها إلى السّاكِنِ قَبْلَها وهو الفاءُ، وإنْ كانَ تَسْهِيلُها بَيْنَ بَيْنَ هو الوَجْهَ، وأنْ يَكُونَ اسْمَ فاعِل مِن أفِدَ، كَما تَقُولُ: فَرِحَ فَهو فَرِحٌ. وقَرَأتْ أُمُّ الهَيْثَمِ: أفْوِدَةٌ، بِالواوِ المَكْسُورَةِ، بَدَلَ الهَمْزَةِ. قالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: وهو جَمْعُ وفَدٍ، والقِراءَةُ حَسَنَةٌ: لَكِنِّي لا أعْرِفُ هَذِهِ المَرْأةَ، بَلْ ذَكَرَها أبُو حاتِمٍ؛ انْتَهى. أبْدَلَ الهَمْزَةَ في فُؤادٍ بَعْدَ الضَّمَّةِ كَما أُبْدِلَتْ في جَوْنٍ، ثُمَّ جَمَعَ فَأقَرَّها في الجَمْعِ إقْرارَها في المُفْرَدِ. وهو جَمْعُ وفَدٍ، كَما قالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ، وقَلَبَ إذِ الأصْلُ أوْفَدَهُ. وجَمْعَ فَعْلٍ عَلى أفْعِلَةٍ شاذٌّ نَحْوَ: نَجْدٍ وأنْجِدَةٍ، ووَهْيٍ وأوْهِيَةٍ. وأُمُّ الهَيْثَمِ امْرَأةٌ نُقِلَ عَنْها شَيْءٌ مِن لُغاتِ العَرَبِ. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: إفادَةٌ عَلى وزْنِ إشارَةٍ. ويَظْهَرُ أنَّ الهَمْزَةَ بَدَلٌ مِنَ الواوِ المَكْسُورَةِ، كَما قالُوا: إشاحٌ في وِشاحٍ، فالوَزْن فِعالَةٌ؛ أيْ: فاجْعَلْ ذَوِي وِفادَةٍ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرُ أفادَ إفادَةً، أوْ ذَوِي إفادَةٍ، وهُمُ النّاسُ الَّذِينَ يُفِيدُونَ ويُنْتَفَعُ بِهِمْ. وقَرَأ الجُمْهُورُ:
﴿تَهْوِي إلَيْهِمْ﴾ أيْ تُسْرِعُ إلَيْهِمْ وتَطِيرُ نَحْوَهم شَوْقًا ونِزاعًا، ولَمّا ضَمَّنَ تَهْوِي مَعْنى تَمِيلُ عَدّاهُ بِإلى، وأصْلُهُ أنْ يَتَعَدّى بِاللّامِ. قالَ الشّاعِرُ:
حَتّى إذا ما هَوَتْ كَفُّ الوَلِيدِ بِها ∗∗∗ طارَتْ وفي كَفِّهِ مِن رِيشِها تَبْكِ
ومِثالُ ما في الآيَةِ؛ قَوْلُ الشّاعِرِ:
تَهْوِي إلى مَكَّةَ تَبْغِي الهُدى ∗∗∗ ما مُؤْمِنُ الجِنِّ كَكُفّارِها
. وقَرَأ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: تُهْوى، بِضَمِّ التّاءِ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مِن أهْوى المَنقُولَةِ بِهَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ مِن هَوى اللّازِمَةِ، كَأنَّهُ قِيلَ: يُسْرِعُ بِها إلَيْهِمْ. وقَرَأ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، ومُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ومُجاهِدٌ: تَهْوى: مُضارِعُ هَوى بِمَعْنى أحَبَّ، ولَمّا ضُمِّنَ مَعْنى النُّزُوعِ والمَيْلِ عُدِّيَ بِإلى. وارْزُقْهم مِنَ الثَّمَراتِ مَعَ سُكّانِهِمْ وادِيًا ما فِيهِ شَيْءٌ مِنها بِأنْ يُجْلَبَ إلَيْهِمْ مِنَ البِلادِ؛ كَقَوْلِهِ:
﴿يُجْبى إلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [القصص: ٥٧] ورُوِيَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الطّائِفِيِّ أنَّهُ لَمّا دَعا عَلَيْهِ السَّلامُ بِأنْ يَرْزُقَ سُكّانَ مَكَّةَ الثَّمَراتِ، بَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فاقْتَلَعَ بِجَناحِهِ قِطْعَةٌ مِن فِلَسْطِينَ. وقِيلَ: مِنَ الأُرْدُنِّ فَجاءَ بِها، وطافَ بِها حَوْلَ البَيْتِ سَبْعًا، ووَضَعَها قَرِيبَ مَكَّةَ فَهي الطّائِفُ. وبِهَذِهِ القِصَّةِ سُمِّيَتْ وهي مَوْضِعُ ثَقِيفٍ، وبِها أشْجارٌ وثَمَراتٌ. ورُوِيَ نَحْوٌ مِنهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ
﴿لَعَلَّهم يَشْكُرُونَ﴾ . قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ النِّعْمَةُ في أنْ يُرْزَقُوا أنْواعَ الثَّمَراتِ حاضِرَةً في وادٍ بِبابٍ لَيْسَ فِيهِ نَجْمٌ ولا شَجَرٌ ولا ماءٌ، لا جَرَمَ أنَّ اللَّهَ - عَزَّ وجَلَّ - أجابَ دَعْوَةَ إبْراهِيمَ فَجَعَلَهُ حَرَمًا آمِنًا يُجْبى إلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَدُنّا، ثُمَّ فَضَّلَهُ في وُجُودِ أصْنافِ الثِّمارِ فِيهِ عَلى كُلِّ رِيفٍ، وعَلى أخْصَبِ البِلادِ وأكْثَرِها ثِمارًا، وفي أيِّ بَلَدٍ مِن بِلادِ الشَّرْقِ والغَرْبِ تَرى الأُعْجُوبَةَ الَّتِي يُرِيكُها اللَّهُ. بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ؛ وهي: اجْتِماعُ البَواكِيرِ والفَواكِهِ المُخْتَلِفَةِ الأزْمانِ مِنَ الرَّبِيعِيَّةِ والصَّيْفِيَّةِ والخَرِيفِيَّةِ في يَوْمٍ واحِدٍ، ولَيْسَ ذَلِكَ مِن آياتِهِ بِعَجِيبٍ.
﴿رَبَّنا إنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وما نُعْلِنُ وما يَخْفى عَلى اللَّهِ مِن شَيْءٍ في الأرْضِ ولا في السَّماءِ﴾ ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وهَبَ لِي عَلى الكِبَرِ إسْماعِيلَ وإسْحاقَ إنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ﴾ ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ومِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وتَقَبَّلْ دُعاءِ﴾ ﴿رَبَّنا اغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِلْمُؤْمِنِينَ يَوْم يَقُومُ الحِسابُ﴾: كَرَّرَ النِّداءَ لِلتَّضَرُّعِ والِالتِجاءِ، ولا يَظْهَرُ تَفاوُتٌ بَيْنَ إضافَةِ رَبٍّ إلى ياءِ المُتَكَلِّمِ، وبَيْنَ إضافَتِهِ إلى جَمْعِ المُتَكَلِّمِ، وما نُخْفِي وما نُعْلِنُ: عامٌّ فِيما يُخْفُونَهُ وما يُعْلِنُونَهُ. وقِيلَ: ما نُخْفِي مِنَ الوَجْدِ لِما وقَعَ بَيْنَنا مِنَ الفُرْقَةِ، وما نُعْلِنُ مِنَ البُكاءِ والدُّعاءِ. وقِيلَ: ما نُخْفِي مِن كَآبَةِ الِافْتِراقِ، وما نُعْلِنُ مِمّا جَرى بَيْنَهُ وبَيْنَ هاجَرَ حِينَ قالَتْ لَهُ عِنْدَ الوَداعِ: إلى مَن تَكِلُنا ؟ قالَ: إلى اللَّهِ أكِلُكم. قالَتْ: آللَّهُ أمْرَكَ بِهَذا ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَتْ: لا نَخْشى، تَرَكْتَنا إلى كافٍ. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ:
﴿وما يَخْفى عَلى اللَّهِ مِن شَيْءٍ في الأرْضِ ولا في السَّماءِ﴾، مِن كَلامِ إبْراهِيمَ لِاكْتِنافِ ما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ بِكَلامِ إبْراهِيمَ. لَمّا ذَكَرَ أنَّهُ تَعالى عَمَّمَ (ما يَخْفى) هو ومَن كَنّى عَنْهُ، تَمَّمَ جَمِيعَ الأشْياءِ، وأنَّها غَيْرُ خافِيَةٍ عَنْهُ تَعالى. وقِيلَ:
﴿وما يَخْفى﴾ الآيَةُ مِن كَلامِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - تَصْدِيقًا لِإبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كَقَوْلِهِ تَعالى:
﴿وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [النمل: ٣٤] والظّاهِرُ أنَّ هَذِهِ الجُمَلَ الَّتِي تَكَلَّمَ بِها إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - لَمْ تَقَعْ مِنهُ في زَمانٍ واحِدٍ، وإنَّما حَكى اللَّهُ عَنْهُ ما وقَعَ في أزْمانٍ مُخْتَلِفَةٍ، يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ أنَّ إسْحاقَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حالَةَ دُعائِهِ، إذْ تَرَكَ هاجَرَ والطُّفَيْلَ بِمَكَّةَ. فالظّاهِرُ أنَّ حَمْدَهُ اللَّهَ تَعالى عَلى هِبَةِ ولَدَيْهِ لَهُ كانَ بَعْدَ وُجُودِ إسْحاقَ، وعَلى الكِبَرِ: يَدُلُّ عَلى مُطْلَقِ الكِبَرِ، ولَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَعْيِينِ المُدَّةِ الَّتِي وُهِبَ لَهُ فِيها ولَداهُ. ورُوِيَ أنَّهُ وُلِدَ لَهُ إسْماعِيلُ وهو ابْنُ تِسْعٍ وتِسْعِينَ سَنَةً، ووُلِدَ لَهُ إسْحاقُ وهو ابْنُ مِائَةٍ وثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. وقِيلَ: إسْماعِيلُ لِأرْبَعٍ وسِتِّينَ، وإسْحاقُ لِتِسْعِينَ. وعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ: لَمْ يُولَدْ لَهُ إلّا بَعْدَ مِائَةٍ وسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وإنَّما ذَكَرَ حالَ الكِبَرِ لِأنَّ المِنَّةَ فِيها بِهِبَةِ الوَلَدِ أعْظَمُ مِن حَيْثُ إنَّ الكِبَرَ مَظِنَّةُ اليَأْسِ مِنَ الوَلَدِ، فَإنَّ مَجِيءَ الشَّيْءِ بَعْدَ الإياسِ أحْلى في النَّفْسِ وأبْهَجُ لَها. وعَلى الكِبَرِ: في مَوْضِعِ الحالِ لِأنَّهُ قالَ: وأنا كَبِيرٌ، و(عَلى) عَلى بابِها مِنَ الِاسْتِعْلاءِ لَكِنَّهُ مَجازٌ، إذِ الكِبَرُ مَعْنى لا جَرَمَ يَتَكَوَّنُ، وكَأنَّهُ لَمّا أسَنَّ وكَبِرَ صارَ مُسْتَعْلِيًا عَلى الكِبَرِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (عَلى) في قَوْلِهِ
﴿عَلى الكِبَرِ﴾ بِمَعْنى مَعَ، كَقَوْلِهِ:
إنِّي عَلى ما تَرَيْنَ مِن كِبَرِي ∗∗∗ أعْلَمُ مِن حَيْثُ يُؤْكَلُ الكَتِفُ
وكَنّى بِسَمِيعِ الدُّعاءِ عَنِ الإجابَةِ والتَّقَبُّلِ، وكانَ قَدْ دَعا اللَّهَ أنْ يَهَبَهُ ولَدًا، بِقَوْلِهِ:
﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينَ﴾ [الصافات: ١٠٠] فَحَمِدَ اللَّهَ عَلى ما وهَبَهُ مِنَ الوَلَدِ وأكْرَمَهُ بِهِ مِن إجابَةِ دُعائِهِ. والظّاهِرُ إضافَةُ سَمِيعٍ إلى المَفْعُولِ، وهو مِن إضافَةِ المِثالِ الَّذِي عَلى وزْنِ فَعِيلٍ إلى المَفْعُولِ، فَيَكُونُ إضافَةً مِن نَصْبٍ، ويَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً عَلى إعْمالِ فَعِيلٍ الَّذِي لِلْمُبالَغَةِ في المَفْعُولِ عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ سِيبَوَيْهِ، وقَدْ خالَفَ في ذَلِكَ جُمْهُورُ البَصْرِيِّينَ، وخالَفَ الكُوفِيُّونَ فِيهِ. وفي إعْمالِ باقِي الخَمْسَةِ الأمْثِلَةِ فَعُولٍ، وفَعّالٍ، ومِفْعالٍ، وفَعِلٍ، وهَذا مَذْكُورٌ في عِلْمِ النَّحْوِ. ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ في هَذا لَيْسَ ذَلِكَ إضافَةً مِن نَصْبٍ فَيَلْزَمُ جَوازُ إعْمالِهِ، بَلْ هي إضافَةٌ كَإضافَةِ اسْمِ الفاعِلِ، في نَحْوِ: هَذا ضارِبُ زَيْدٍ أمْسِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن إضافَةِ فَعِيلٍ إلى فاعِلِهِ، ويَجْعَلُ دُعاءَ اللَّهِ سَمِيعًا عَلى الإسْنادِ المَجازِيِّ، والمُرادُ: سَماعُ اللَّهِ؛ انْتَهى. وهو بَعِيدٌ لِاسْتِلْزامِهِ أنْ يَكُونَ مِن بابِ الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ، والصِّفَةُ مُتَعَدِّيَةٌ، ولا يَجُوزُ ذَلِكَ إلّا عِنْدأبِي عَلِيٍّ الفارِسِيِّ حَيْثُ لا يَكُونُ لَبْسٌ. وأمّا هُنا فاللَّبْسُ حاصِلٌ، إذِ الظّاهِرُ أنَّهُ مِن إضافَةِ المِثالِ لِلْمَفْعُولِ، لا مِن إضافَتِهِ إلى الفاعِلِ. وإنَّما أجازَ ذَلِكَ الفارِسِيُّ في مِثْلِ: زَيْدٌ ظالِمُ العَبِيدِ إذا عُلِمَ أنَّ لَهُ عَبِيدًا ظالِمِينَ. ودُعاؤُهُ بِأنْ يَجْعَلَهُ مُقِيمَ الصَّلاةِ وهو مُقِيمُها، إنَّما يُرِيدُ بِذَلِكَ الدَّيْمُومَةَ. ومِن ذُرِّيَّتِي: (مِن) لِلتَّبْعِيضِ، لِأنَّهُ أُعْلِمَ أنَّ مِن ذُرِّيَّتِهِ مَن يَكُونُ كافِرًا، أوْ مَن يُهْمِلُ إقامَتَها وإنْ كانَ مُؤْمِنًا. وقَرَأ طَلْحَةُ، والأعْمَشُ: دُعاءُ رَبِّنا، بِغَيْرِ ياءٍ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو: بِياءٍ ساكِنَةٍ في الوَصْلِ، وأثْبَتَها بَعْضُهم في الوَقْفِ. ورَوى ورْشٌ عَنْ نافِعٍ: إثْباتُها في الوَصْلِ. والظّاهِرُ أنَّ إبْراهِيمَ سَألَ المَغْفِرَة لِأبَوَيْهِ القَرِيبَيْنِ، وكانَتْ أُمُّهُ مُؤْمِنَةً، وكانَ والِدُهُ لَمْ يَيْأسْ مِن إيمانِهِ ولَمْ تَتَبَيَّنْ لَهُ عَداوَةُ اللَّهِ، وهَذا يَتَمَشّى إذا قُلْنا: إنَّ هَذِهِ الأدْعِيَةَ كانَتْ في أوْقاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَجَمَعَ هُنا أشْياء مِمّا كانَ دَعا بِها. وقِيلَ: أرادَ أُمَّهُ، ونُوحًا عَلَيْهِ السَّلامُ. وقِيلَ: آدَمُ وحَوّاءُ. والأظْهَرُ: القَوْلُ الأوَّلُ. وقَدْ جاءَ نَصًّا دُعاؤُهُ لِأبِيهِ بِالمَغْفِرَةِ في قَوْلِهِ:
﴿واغْفِرْ لِأبِي إنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّينَ﴾ [الشعراء: ٨٦] وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): كَيْفَ جازَ لَهُ أنْ يَسْتَغْفِرَ لِأبَوَيْهِ وكانا كافِرَيْنِ ؟ (قُلْتُ): هو مِن تَجْوِيزاتِ العَقْلِ، لا يُعْلَمُ امْتِناعُ جَوازِهِ إلّا بِالتَّوْقِيفِ؛ انْتَهى. وهو في ذَلِكَ مُوافِقٌ لِأهْلِ السُّنَّةِ، مُخالِفٌ لِمَذْهَبِ الِاعْتِزالِ. وقَرَأ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، ومُحَمَّدٌ، وزَيْدٌ: (رَبَّنا) عَلى الخَبَرِ. وابْنُ يَعْمَرَ والزُّهْرِيُّ والنَّخَعِيُّ: (ولِوَلَدَيَّ) بِغَيْرِ ألِفٍ وبِفَتْحِ اللّامِ، يَعْنِي: إسْماعِيلَ وإسْحاقَ، وأنْكَرَ عاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ هَذِهِ القِراءَةَ، وقالَ: إنَّ في مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: (ولِأبَوِيَّ)، وعَنْ يَحْيَـى بْنِ يَعْمَرَ: (ولِوُلْدَيَّ) بِضَمِّ الواوِ وسُكُونِ اللّامِ، فاحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ جَمْعَ ولَدٍ كَأسُدٍ في أسَدٍ، ويَكُونُ قَدْ دَعا ذُرِّيَّتَهُ، وأنْ يَكُونَ لُغَةً في الوَلَدِ. وقالَ الشّاعِرُ:
فَلَيْتَ زِيادًا كانَ في بَطْنِ أُمِّهِ ∗∗∗ ولَيْتَ زِيادًا كانَ ولَدَ حِمارٍ
كَما قالُوا: العَدَمُ والعُدْمُ. وقَرَأ ابْنُ جُبَيْرٍ: (ولِوالِدِي)، بِإسْكانِ الياءِ عَلى الإفْرادِ، كَقَوْلِهِ:
﴿واغْفِرْ لِأبِي﴾ [الشعراء: ٨٦]، وقِيامُ الحِسابِ مَجازٌ عَنْ وُقُوعِهِ وثُبُوتِهِ، كَما يُقالُ: قامَتِ الحَرْبُ عَلى ساقٍ، أوْ عَلى حَذْفِ مُضافٍ؛ أيْ: أهْلِ الحِسابِ، كَما قالَ: