الباحث القرآني
﴿قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمّا تَقُولُ وإنّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفًا ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وما أنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ﴾ ﴿قالَ ياقَوْمِ أرَهْطِي أعَزُّ عَلَيْكم مِنَ اللَّهِ واتَّخَذْتُمُوهُ وراءَكم ظِهْرِيًّا إنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ ﴿ويا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكم إنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ ومَن هو كاذِبٌ وارْتَقِبُوا إنِّي مَعَكم رَقِيبٌ﴾ ﴿ولَمّا جاءَ أمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْبًا والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وأخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأصْبَحُوا في دِيارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ ﴿كَأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها ألا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾: (p-٢٥٦)كانُوا لا يُلْقُونَ إلَيْهِ أذْهانَهم، ولا يُصْغُونَ لِكَلامِهِ رَغْبَةً عَنْهُ وكَراهَةً لَهُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ﴾ [الأنعام: ٢٥] أوْ كانُوا يَفْهَمُونَهُ ولَكِنَّهم لَمْ يَقْبَلُوهُ، فَكَأنَّهم لَمْ يَفْقَهُوهُ، أوْ قالُوا ذَلِكَ عَلى وجْهِ الِاسْتِهانَةِ بِهِ كَما يَقُولُ الرَّجُلُ لِصاحِبِهِ إذا لَمْ يَعْبَأْ بِحَدِيثِهِ: ما أدْرِي ما تَقُولُ، أوْ جَعَلُوا كَلامَهُ هَذَيانًا وتَخْلِيطًا لا يُتَفَهَّمُ كَثِيرٌ مِنهُ، وكَيْفَ لا يُتَفَهَّمُ كَلامُهُ وهو خَطِيبُ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ.
ثُمَّ الَّذِي حاوَرَهم بِهِ مِنَ الكَلامِ وخاطَبَهم بِهِ هو مِن أفْصَحِ الكَلامِ وأجَلِّهِ وأدَلِّهِ عَلى مَعانِيهِ بِحَيْثُ يَفْقَهُهُ مَن كانَ بَعِيدَ الفَهْمِ، فَضْلًا عَنِ الأذْكِياءِ العُقَلاءِ، ولَكِنَّ اللَّهَ تَعالى أرادَ خِذْلانَهم. ومَعْنى ضَعِيفًا: لا قُوَّةَ لَكَ ولا عِزَّ فِيما بَيْنَنا، فَلا تَقْدِرُ عَلى الِامْتِناعِ مِنهُ إنْ أرَدْناكَ بِمَكْرُوهٍ، وعَنِ الحَسَنِ: ضَعِيفًا مَهِينًا. وقِيلَ: كانَ ناحِلَ البَدَنِ زَمِنَهُ لا يَقَعُ في القَلْبِ مِنهُ هَيْبَةٌ ولا في العَيْنِ مِنهُ امْتِلاءٌ، والعَرَبُ تُعَظِّمُ بِكِبَرِ الأجْسامِ، وتَذُمُّ بِدَمامَتِها.
وقالَ الباقِرُ: مَهْجُورًا لا تُجالَسُ ولا تُعاشَرُ. وقالَ مُقاتِلٌ: ضَعِيفًا، أيْ: لَمْ يُؤْمِن بِكَ رَهْطُكَ. وقالَ السُّدِّيُّ: وحِيدًا في مَذْهَبِكَ واعْتِقادِكَ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وشَرِيكٌ القاضِي: (ضَعِيفًا): ضَرِيرَ البَصَرِ أعْمى.
وحَكى الزَّهْراوِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ: أنَّ حِمْيَرَ تُسَمِّي الأعْمى: ضَعِيفًا، ويُبْعِدُهُ تَفْسِيرُهُ هُنا بِأعْمى أوْ بِناحِلِ البَدَنِ، أوْ بِضَعِيفِ البَصَرِ كَما قالَهُ الثَّوْرِيُّ. وزَعَمَ أبُو رَوْقٍ: أنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا أعْمى، ولا نَبِيًّا بِهِ زَمانَةٌ، بَلِ الظّاهِرُ أنَّهُ ضَعِيفُ الِانْتِصارِ والقُدْرَةِ.
﴿ولَوْلا رَهْطُكَ﴾: احْتَرَمُوهُ لِرَهْطِهِ إذْ كانُوا كُفّارًا مِثْلَهم، أوْ كانَ في عِزَّةٍ ومَنَعَةٍ مِنهم.
﴿لَرَجَمْناكَ﴾ . ظاهِرُهُ القَتْلُ بِالحِجارَةِ، وهي مِن شَرِّ القِتْلاتِ، وبِهِ قالَ ابْنُ زَيْدٍ، وقالَ الطَّبَرِيُّ: رَجَمْناكَ بِالسَّبِّ، وهَذا أيْضًا تَسْتَعْمِلُهُ العَرَبُ ومِنهُ: ﴿لَأرْجُمَنَّكَ واهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] وقِيلَ: لَأبْعَدْناكَ وأخْرَجْناكَ مِن أرْضِنا.
﴿وما أنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ﴾، أيْ: لا تُعَزُّ ولا تُكْرَمُ حَتّى نُكْرِمَكَ مِنَ القَتْلِ، ونَرْفَعَكَ عَنِ الرَّجْمِ.
وإنَّما يَعِزُّ عَلَيْنا رَهْطُكُ لِأنَّهم مِن أهْلِ دِينِنا لَمْ يَحْتاجُّوكَ عَلَيْنا. وقِيلَ: بِعَزِيزٍ بِذِي مَنَعَةٍ وعِزَّةِ مَنزِلَةِ في نُفُوسِنا. وقِيلَ: بِذِي غَلَبَةٍ. وقِيلَ: بِمُلْكٍ، وكانُوا يُسَمُّونَ المَلِكَ عَزِيزًا. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وقَدْ دَلَّ إيلاءُ ضَمِيرِهِ حَرْفَ النَّفْيِ عَلى أنَّ الكَلامَ واقِعٌ في الفاعِلِ لا في الفِعْلِ، كَأنَّهُ قِيلَ: وما أنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ بَلْ رَهْطُكَ هُمُ الأعِزَّةُ عَلَيْنا، ولِذَلِكَ قالَ في جَوابِهِمْ: ﴿أرَهْطِي أعَزُّ عَلَيْكم مِنَ اللَّهِ﴾ ؟ ولَوْ قِيلَ: وما عَزَزْتَ عَلَيْنا لَمْ يَصِحَّ هَذا الجَوابُ. (فَإنْ قُلْتَ): فالكَلامُ واقِعٌ فِيهِ وفي رَهْطِهِ وأنَّهُمُ الأعِزَّةُ عَلَيْهِمْ دُونَهُ، فَكَيْفَ صَحَّ قَوْلُهُ: ﴿أرَهْطِي أعَزُّ عَلَيْكم مِنَ اللَّهِ﴾ (قُلْتُ): تَهاوُنُهم بِهِ وهو نَبِيُّ اللَّهِ تَهاوُنٌ بِاللَّهِ فَحِينَ عَزَّ عَلَيْهِمْ رَهْطُهُ دُونَهُ، كانَ رَهْطُهُ أعَزَّ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ. ألا تَرى إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠]، انْتَهى.
والظّاهِرُ في قَوْلِهِ: ﴿واتَّخَذْتُمُوهُ﴾: أنَّ الضَّمِيرَ عائِدٌ عَلى اللَّهِ تَعالى، أيْ: ونَسِيتُمُوهُ وجَعَلْتُمُوهُ كالشَّيْءِ المَنبُوذِ وراءَ الظَّهْرِ لا يُعْبَأُ بِهِ. والظِّهْرِيُّ بِكَسْرِ الظّاءِ: مَنسُوبٌ إلى الظَّهْرِ مِن تَغْيِيراتِ النَّسَبِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهم في النَّسَبِ إلى الأمْسِ: إمْسِيٌّ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، ولَمّا خاطَبُوهُ خِطابَ الإهانَةِ والجَفاءِ جَرْيًا عَلى عادَةِ الكُفّارِ مَعَ أنْبِيائِهِمْ، خاطَبَهم خِطابَ الِاسْتِعْطافِ والتَّلَطُّفِ جَرْيًا عَلى عادَتِهِ في إلانَةِ القَوْلِ لَهم، والمَعْنى: أعَزُّ عَلَيْكم مِنَ اللَّهِ حَتّى جَعَلْتُمْ مُراعاتِي مِن أجْلِهِمْ ولَمْ تُسْنِدُوها إلى اللَّهِ، وأنا أوْلى وأحَقُّ أنْ أُراعى مِن أجْلِهِ، فالمُراعاةُ لِأجْلِ الخالِقِ أعْظَمُ مِنَ المُراعاةِ لِأجْلِ المَخْلُوقِ، والظِّهْرِيُّ: المَنسِيُّ المَتْرُوكُ الَّذِي جُعِلَ كَأنَّهُ خَلْفُ الظَّهْرِ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ في ﴿واتَّخَذْتُمُوهُ﴾ عائِدٌ عَلى الشَّرْعِ الَّذِي جاءَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلامُ بِهِ.
وقِيلَ: الظِّهْرِيُّ العَوْنُ وما يُتَقَوّى بِهِ. قالَ المُبَرِّدُ: فالمَعْنى: واتَّخَذْتُمُ العِصْيانَ عِنْدَهُ لِدَفْعِي، انْتَهى. فَيَكُونُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ: واتَّخَذْتُمُوهُ، أيْ: عِصْيانَهُ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقالَتْ فِرْقَةٌ: واتَّخَذْتُمُوهُ، أيْ: (p-٢٥٧)وأنْتُمْ مُتَّخِذُونَ اللَّهَ سَنَدَ ظُهُورِكم وعِمادَ آمالِكم. فَقَوْلُ الجُمْهُورِ: عَلى أنَّ كُفْرَ قَوْمِ شُعَيْبٍ كانَ جَحْدًا بِاللَّهِ وجَهْلًا بِهِ، وهَذا القَوْلُ الثّانِي عَلى أنَّهم كانُوا يُقِرُّونَ بِالخالِقِ الرّازِقِ ويَعْتَقِدُونَ الأصْنامَ وسائِطَ ووَسائِلَ، ومِنَ اللَّفْظَةِ الِاسْتِظْهارُ بِالبَيِّنَةِ.
وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: الظِّهْرِيُّ: الفَضْلُ، مِثْلَ الحَمّالِ يَخْرُجُ مَعَهُ بِإبِلٍ ظِهارِيَّةٍ يَعُدُّها إنِ احْتاجَ إلَيْها، وإلّا فَهي فَضْلَةٌ. (مُحِيطٌ): أحاطَ بِأعْمالِكم فَلا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنها، وفي ضِمْنِهِ تَوَعُّدٌ وتَهْدِيدٌ، وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِ قَوْلِهِ: ﴿ويا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ﴾ وخِلافُ القُرّاءِ في مَكانَتِكم. وجَوَّزَ الفَرّاءُ والزَّمَخْشَرِيُّ: في ﴿مَن يَأْتِيهِ﴾ أنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً مَفْعُولَةً بِقَوْلِهِ: تَعْلَمُونَ، أيْ: تَعْلَمُونَ الشَّقِيَّ الَّذِي يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ والَّذِي هو كاذِبٌ، واسْتِفْهامِيَّةً في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ، و(تَعْلَمُونَ): مُعَلَّقٌ كَأنَّهُ قِيلَ: أيُّنا يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ، وأيُّنا هو كاذِبٌ ؟ . قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والأوَّلُ أحْسَنُ، يَعْنِي كَوْنَها مَفْعُولَةً قالَ: لِأنَّها مَوْصُولَةٌ، ولا يُوصَلُ في الِاسْتِفْهامِ، ويَقْضِي بِصِلَتِها أنَّ المَعْطُوفَةَ عَلَيْها مَوْصُولَةٌ لا مَحالَةَ، انْتَهى.
وقَوْلُهُ: ويَقْضِي بِصِلَتِها إلَخْ، لا يَقْضِي بِصِلَتِها، إذْ لا يَتَعَيَّنُ أنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً لا مَحالَةَ كَما قالَ، بَلْ تَكُونُ اسْتِفْهامِيَّةً إذا قَدَّرْتَها مَعْطُوفَةً عَلى مَن الِاسْتِفْهامِيَّةِ، كَما قَدَّرْناهُ: وأيُّنا هو كاذِبٌ ؟ .
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): أيُّ فَرْقٍ بَيْنَ إدْخالِ الفاءِ ونَزْعِها في سَوْفَ تَعْلَمُونَ ؟ (قُلْتُ): إدْخالُ الفاءِ وصْلٌ ظاهِرٌ بِحَرْفٍ مَوْضُوعٍ لِلْوَصْلِ، ونَزْعُها وصْلٌ خَفِيٌّ تَقْدِيرِيُّ بِالِاسْتِئْنافِ الَّذِي هو جَوابٌ لِسُؤالٍ مُقَدَّرٍ كَأنَّهم قالُوا: فَماذا يَكُونُ إذا عَمِلْنا نَحْنُ عَلى مَكانَتِنا، وعَمِلْتَ أنْتَ ؟ فَقالَ: سَوْفَ تَعْلَمُونَ، يُوصَلُ تارَةً بِالفاءِ، وتارَةً بِالِاسْتِئْنافِ، كَما هو عادَةُ البُلَغاءِ مِنَ العَرَبِ.
وأقْوى الوَصْلَيْنِ وأبْلَغُهُما: الِاسْتِئْنافُ، وهو بابٌ مِن أبْوابِ عِلْمِ البَيانِ تَتَكاثَرُ مَحاسِنُهُ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): قَدْ ذَكَرَ عَمَلَهم عَلى مَكانَتِهِمْ، وعَمَلَهُ عَلى مَكانَتِهِ، ثُمَّ أتْبَعَهُ ذِكْرَ عاقِبَةِ العامِلِينَ مِنهُ ومِنهم، فَكانَ القِياسُ أنْ يَقُولَ: مَن يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ ومَن هو صادِقٌ، حَتّى يَنْصَرِفَ مَن يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ إلى الجاحِدِينَ، ومَن هو صادِقٌ إلى النَّبِيِّ المَبْعُوثِ إلَيْهِمْ.
(قُلْتُ): القِياسُ ما ذَكَرْتُ، ولَكِنَّهم لَمّا كانُوا يَعُدُّونَهُ كاذِبًا قالَ: ومَن هو كاذِبٌ يَعْنِي: في زَعْمِكم ودَعْواكم تَجْهِيلًا لَهُمُ، انْتَهى.
وفِي ألْفاظِ هَذا الرَّجُلِ سُوءُ أدَبٍ، والَّذِي قالَهُ لَيْسَ بِقِياسٍ، لِأنَّ التَّهْدِيدَ الَّذِي وقَعَ لَيْسَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، ولا هو داخِلٌ في التَّهْدِيدِ المُرادِ بِقَوْلِهِ: ﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾، إذْ لَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكم، وأعْمَلُ عَلى مَكانَتِي، ولا سَوْفَ تَعْلَمُونَ.
واعْلَمُ أنَّ التَّهْدِيدَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ. واسْتَسْلَفَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلَهُ: قَدْ ذَكَرَ عَمَلَهم عَلى مَكانَتِهِمْ، وعَمَلَهُ عَلى مَكانَتِهِ، فَبَنى عَلى ذَلِكَ سُؤالًا فاسِدًا، لِأنَّ المُتَرَتِّبَ عَلى ما لَيْسَ مَذْكُورًا لا يَصِحُّ البَتَّةَ، وجَمِيعُ الآيَةِ والَّتِي قَبْلَها إنَّما هي بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ عَلى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ، ونَظِيرُهُ في سُورَةِ (تَنْزِيلُ): ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ ويَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ﴾ [هود: ٣٩]، فَهَذا جاءَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُخاطَبِينَ في قَوْلِهِ: ﴿قُلْ ياقَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٥] كَما جاءَ هُنا، ﴿وارْتَقِبُوا﴾: انْتَظِرُوا العاقِبَةَ وما أقُولُ لَكم. والرَّقِيبُ بِمَعْنى: الرّاقِبِ فَعِيلٌ لِلْمُبالَغَةِ، أوْ بِمَعْنى: المُراقِبِ كالعَشِيرِ والجَلِيسِ، أوْ بِمَعْنى: المُرْتَقِبِ كالفَقِيرِ والرَّفِيعِ بِمَعْنى: المُفْتَقِرِ والمُرْتَفِعِ، ويُحَسِّنُ هَذا مُقابَلَةُ فارْتَقِبُوا.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): ما بالُ ساقَتَيْ قِصَّةِ عادٍ وقِصَّةِ مَدْيَنَ جاءَتا بِالواوِ والسّاقَتانِ الوَسَطِيّانِ بِالفاءِ ؟ (قُلْتُ): قَدْ وقَعَتِ الوَسَطِيّانِ بَعْدَ ذِكْرِ الوَعْدِ وذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ﴾ [هود: ٨١] ﴿ذَلِكَ وعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هود: ٦٥] فَجِيءَ بِالفاءِ الَّتِي لِلتَّسَبُّبِ كَما تَقُولُ: وعَدْتُهُ فَلَمّا جاءَ المِيعادُ كانَ كَيْتَ وكَيْتَ، وأمّا الأُخْرَيانِ فَلَمْ يَقَعا بِتِلْكَ المَنزِلَةِ، وإنَّما وقَعَتا مُبْتَدَأتَيْنِ، فَكانَ حَقُّهُما أنْ يُعْطَفا بِحَرْفِ الجَمْعِ عَلى ما قَبْلَهُما كَما تُعْطَفُ قِصَّةٌ عَلى قِصَّةٍ، انْتَهى.
وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلِ ﴿ولَمّا جاءَ أمْرُنا﴾ [هود: ٥٨] إلى قَوْلِهِ: ﴿كَأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها﴾ [هود: ٦٨] . وقَرَأ السُّلَمِيُّ وأبُو حَيْوَةَ: ﴿كَما بَعِدَتْ﴾ بِضَمِّ العَيْنِ مِنَ البُعْدِ الَّذِي هو ضِدُّ القُرْبِ، والجُمْهُورُ (p-٢٥٨)بِكَسْرِها، أرادَتِ العَرَبُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ البُعْدِ مِن جِهَةِ الهَلاكِ وبَيْنَ غَيْرِهِ، فَغَيَّرُوا البِناءَ، وقِراءَةُ السُّلَمِيِّ جاءَتْ عَلى الأصْلِ اعْتِبارًا لِمَعْنى البُعْدِ مِن غَيْرِ تَخْصِيصٍ كَما يُقالُ: ذَهَبَ فُلانٌ، ومَضى في مَعْنى القُرْبِ.
وقِيلَ: مَعْناهُ بُعْدًا لَهم مِن رَحْمَةِ اللَّهِ كَما بَعُدَتْ ثَمُودُ مِنها. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: بَعُدَ يَبْعُدُ إذا كانَ بُعْدُهُ هَلَكَةً، وبَعُدَ يَبْعُدُ إذا تَأنّى. وقالَ النَّحّاسُ: المَعْرُوفُ في اللُّغَةِ بَعُدَ يَبْعُدُ بُعْدًا وبَعَدًا إذا هَلَكَ. وقالَ المَهْدَوِيُّ: بَعُدَ يُسْتَعْمَلُ في الخَيْرِ والشَّرِّ، وبَعِدَ في الشَّرِّ خاصَّةً.
وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: مِنَ العَرَبِ مَن يُسَوِّي بَيْنَ الهَلاكِ والبُعْدِ الَّذِي هو ضِدُّ القُرْبِ، فَيَقُولُ فِيهِما بَعُدَ يَبْعُدُ، وبَعِدَ يَبْعُدُ. وقالَ مالِكُ بْنُ الرَّيْبِ: في بَعُدَ بِمَعْنى: هَلَكَ.
؎يَقُولُونَ لا تَبْعُدْ وهم يَدْفِنُونَنِي وأيْنَ مَكانُ البُعْدِ إلّا مَكانِيا
وبُعْدًا لْفُلانٍ: دُعاءٌ عَلَيْهِ، ولا يُدْعى بِهِ إلّا عَلى مُبْغَضٍ كَقَوْلِكَ: سُحْقًا لِلْكافِرِينَ.
وقالَ أهْلُ عِلْمِ البَيانِ: لَمْ يَرِدْ في القُرْآنِ اسْتِطْرادٌ إلّا هَذا المَوْضِعُ، والِاسْتِطْرادُ قالُوا: هو أنْ تَمْدَحَ شَيْئًا أوْ تَذُمَّهُ، ثُمَّ تَأْتِي في آخِرِ الكَلامِ بِشَيْءٍ هو غَرَضُكَ في أوَّلِهِ. قالَ حَسّانُ:
؎إنْ كُنْتِ كاذِبَةَ الَّذِي حَدَّثْتِنِي ∗∗∗ فَنَجَوْتِ مَنجى الحارْثِ بْنِ هِشامِ
؎تَرَكَ الأحِبَّةَ أنْ يُقاتِلَ دُونَهم ∗∗∗ ونَجا بِرَأْسِ طِمِرَّةٍ ولِجامِ
{"ayahs_start":91,"ayahs":["قَالُوا۟ یَـٰشُعَیۡبُ مَا نَفۡقَهُ كَثِیرࣰا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَىٰكَ فِینَا ضَعِیفࣰاۖ وَلَوۡلَا رَهۡطُكَ لَرَجَمۡنَـٰكَۖ وَمَاۤ أَنتَ عَلَیۡنَا بِعَزِیزࣲ","قَالَ یَـٰقَوۡمِ أَرَهۡطِیۤ أَعَزُّ عَلَیۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذۡتُمُوهُ وَرَاۤءَكُمۡ ظِهۡرِیًّاۖ إِنَّ رَبِّی بِمَا تَعۡمَلُونَ مُحِیطࣱ","وَیَـٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُوا۟ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّی عَـٰمِلࣱۖ سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن یَأۡتِیهِ عَذَابࣱ یُخۡزِیهِ وَمَنۡ هُوَ كَـٰذِبࣱۖ وَٱرۡتَقِبُوۤا۟ إِنِّی مَعَكُمۡ رَقِیبࣱ","وَلَمَّا جَاۤءَ أَمۡرُنَا نَجَّیۡنَا شُعَیۡبࣰا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةࣲ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ ٱلصَّیۡحَةُ فَأَصۡبَحُوا۟ فِی دِیَـٰرِهِمۡ جَـٰثِمِینَ","كَأَن لَّمۡ یَغۡنَوۡا۟ فِیهَاۤۗ أَلَا بُعۡدࣰا لِّمَدۡیَنَ كَمَا بَعِدَتۡ ثَمُودُ"],"ayah":"قَالَ یَـٰقَوۡمِ أَرَهۡطِیۤ أَعَزُّ عَلَیۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذۡتُمُوهُ وَرَاۤءَكُمۡ ظِهۡرِیًّاۖ إِنَّ رَبِّی بِمَا تَعۡمَلُونَ مُحِیطࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق