الباحث القرآني

﴿فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إبْراهِيمَ الرَّوْعُ وجاءَتْهُ البُشْرى يُجادِلُنا في قَوْمِ لُوطٍ﴾ ﴿إنَّ إبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أوّاهٌ مُنِيبٌ﴾ ﴿ياإبْراهِيمُ أعْرِضْ عَنْ هَذا إنَّهُ قَدْ جاءَ أمْرُ رَبِّكَ وإنَّهم آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ الرَّوْعُ: الخِيفَةُ الَّتِي كانَ أوْجَسَها في نَفْسِهِ حِينَ نَكِرَ أضْيافَهُ، والمَعْنى: اطْمَأنَّ قَلْبُهُ بِعِلْمِهِ أنَّهم مَلائِكَةٌ. والبُشْرى: تَبْشِيرُهُ بِالوَلَدِ، أوْ بِأنَّ المُرادَ بِمَجِيئِهِمْ غَيْرُهُ. وجَوابُ (لَمّا) مَحْذُوفٌ كَما حُذِفَ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ﴾ [يوسف: ١٥] وتَقْدِيرُهُ: اجْتَرَأ عَلى الخِطابِ إذْ فَطِنَ لِلْمُجادَلَةِ، أوْ قالَ: كَيْتَ وكَيْتَ. ودَلَّ عَلى ذَلِكَ الجُمْلَةُ المُسْتَأْنِفَةُ وهي ﴿يُجادِلُنا﴾، قالَ مَعْناهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وقِيلَ: الجَوابُ ﴿يُجادِلُنا﴾ وُضِعَ المُضارِعُ مَوْضِعَ الماضِي، أيْ: جادَلَنا. وجازَ ذَلِكَ لِوُضُوحِ المَعْنى، وهَذا أقْرَبُ الأقْوالِ. وقِيلَ: ﴿يُجادِلُنا﴾: حالٌ مِن إبْراهِيمَ، و﴿جاءَتْهُ﴾ [البقرة: ٢١١]: حالٌ أيْضًا، أوْ مِن ضَمِيرٍ في جاءَتْهُ. وجَوابُ لَمّا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: قُلْنا يا إبْراهِيمُ أعْرِضْ عَنْ هَذا، واخْتارَ هَذا التَّوْجِيهَ أبُو عَلِيٍّ. وقِيلَ: الجَوابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: ظَلَّ أوْ أخَذَ يُجادِلُنا، فَحُذِفَ اخْتِصارًا لِدِلالَةِ ظاهِرِ الكَلامِ عَلَيْهِ. والمُجادَلَةُ قِيلَ: هي سُؤالُهُ: العَذابُ واقِعٌ بِهِمْ لا مَحالَةَ، أمْ عَلى سَبِيلِ الإخافَةِ لِيَرْجِعُوا إلى الطّاعَةِ ؟ . وقِيلَ: تَكَلَّما عَلى سَبِيلِ الشَّفاعَةِ، والمَعْنى: تَجادَلَ رُسُلُنا. وعَنْ حُذَيْفَةَ أنَّهم لَمّا قالُوا لَهُ: ﴿إنّا مُهْلِكُو أهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ﴾ [العنكبوت: ٣١] قالَ: أرَأيْتُمُ إنْ كانَ فِيها خَمْسُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ، أتُهْلِكُونَها ؟ قالُوا: لا، قالَ: فَأرْبَعُونَ ؟ قالُوا: لا. قالَ: فَثَلاثُونَ ؟ قالُوا: لا، قالَ: فَعِشْرُونَ ؟ قالُوا: لا. قالَ: فَإنْ كانَ فِيهِمْ عَشَرَةٌ أوْ خَمْسَةٌ شَكَّ الرّاوِي ؟ قالُوا: لا. قالَ: أرَأيْتُمْ إنْ كانَ فِيها رَجُلٌ. واحِدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ أتُهْلِكُونَها ؟ قالُوا: لا، فَعِنْدَ ذَلِكَ قالَ: ﴿إنَّ فِيها لُوطًا﴾ [العنكبوت: ٣٢]، قالُوا: ﴿نَحْنُ أعْلَمُ بِمَن فِيها﴾ [العنكبوت: ٣٢]، لَنُنَجِّيَنَّهُ وأهْلَهُ. وكانَ ذَلِكَ مِن إبْراهِيمَ حِرْصًا عَلى إيمانِ قَوْمِ لُوطٍ ونَجاتِهِمْ، وكانَ في القَرْيَةِ أرْبَعَةُ آلافِ ألْفِ إنْسانٍ وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ حَلِيمٍ وأواهٍ ومُنِيبٍ. (يا إبْراهِيمُ)، أيْ: قالَتِ المَلائِكَةُ، والإشارَةُ بِهَذا إلى الجِدالِ والمُحاوَرَةِ في شَيْءٍ مَفْرُوغٍ مِنهُ، والأمْرُ ما قَضاهُ وحَكَمَ بِهِ مِن عَذابِهِ الواقِعِ بِهِمْ لا مَحالَةَ، ولا مَرَدَّ لَهُ بِجِدالٍ ولا دُعاءٍ ولا غَيْرِ ذَلِكَ. وقَرَأ عَمْرُو بْنُ هَرِمٍ: وإنَّهم أتاهم بِلَفْظِ الماضِي، وعَذابٌ فاعِلُ بِهِ عَبِّرَ بِالماضِي عَنِ المُضارِعِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ كَقَوْلِهِ ﴿أتى أمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل: ١] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب