الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إبْراهِيمَ بِالبُشْرى قالُوا سَلامًا قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ ﴿فَلَمّا رَأى أيْدِيَهم لا تَصِلُ إلَيْهِ نَكِرَهم وأوْجَسَ مِنهم خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمِ لُوطٍ﴾ ﴿وامْرَأتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإسْحاقَ ومِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ﴾ ﴿قالَتْ ياوَيْلَتى أألِدُ وأنا عَجُوزٌ وهَذا بَعْلِي شَيْخًا إنَّ هَذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ ﴿قالُوا أتَعْجَبِينَ مِن أمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكاتُهُ عَلَيْكم أهْلَ البَيْتِ إنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾: (p-٢٤١)تَقَدَّمَ أنَّ تَرْتِيبَ قَصَصِ هَذِهِ السُّورَةِ كَتَرْتِيبِ قَصَصِ الأعْرافِ، وإنَّما أدْرَجَ شَيْئًا مِن أخْبارِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بَيْنَ قِصَّةِ صالِحٍ ولُوطٍ، لِأنَّ لَهُ مَدْخَلًا في قِصَّةِ لُوطٍ، وكانَ إبْراهِيمُ ابْنَ خالَةِ لُوطٍ.
والرُّسُلُ هُنا: المَلائِكَةُ، بَشَّرَتْ إبْراهِيمَ بِثَلاثِ بَشائِرَ: بِالوَلَدِ، وبِالخِلَّةِ، وبِإنْجاءِ لُوطٍ ومَن آمَنَ مَعَهُ.
قِيلَ: كانُوا اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ السُّدِّيُّ: أحَدَ عَشَرَ، وحَكى صاحِبُ الغُنْيانِ: عَشَرَةٌ مِنهم جِبْرِيلُ. وقالَ الضَّحّاكُ: تِسْعَةٌ، وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: ثَمانِيَةٌ، وحَكى الماوَرْدِيُّ: أرْبَعَةٌ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ جُبَيْرٍ: ثَلاثَةٌ: جِبْرِيلُ ومِيكائِيلُ وإسْرافِيلُ. وقالَ مُقاتِلٌ: جِبْرِيلُ ومِيكائِيلُ ومَلَكُ المَوْتِ.
ورُوِيَ: أنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ مُخْتَصًّا بِإهْلاكِ قَوْمِ لُوطٍ، ومِيكائِيلَ بِبُشْرى إبْراهِيمَ بِإسْحاقَ عَلَيْهِما السَّلامُ، وإسْرافِيلَ بِإنْجاءِ لُوطٍ ومَن آمَنَ مَعَهُ.
قِيلَ: وكانَتِ المَلائِكَةُ جُرْدًا مُرْدًا عَلى غايَةٍ مِنَ الحُسْنِ والجَمالِ والبَهْجَةِ، ولِهَذا يُضْرَبُ بِهِمُ المَثَلُ في الحُسْنِ كَما قالَ تَعالى حِكايَةً عَمّا قِيلَ في يُوسُفَ: ﴿ما هَذا بَشَرًا إنْ هَذا إلّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ [يوسف: ٣١] وقالَ الغَزِّيُّ:
؎قَوْمٌ إذا قُوبِلُوا كانُوا مَلائِكَةً حُسْنًا وإنْ قُوتِلُوا كانُوا عَفارِيتا
وانْتَصَبَ (سَلامًا) عَلى إضْمارِ الفِعْلِ، أيْ: سَلَّمْنا عَلَيْكَ سَلامًا، فَـ (سَلامًا) قَطَعَهُ مَعْمُولًا لِلْفِعْلِ المُضْمَرِ المَحْكِيِّ بِـ (قالُوا)، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ (سَلامًا) حِكايَةً لِمَعْنى ما قالُوا، لا حِكايَةً لِلَفْظِهِمْ، قالَهُ مُجاهِدٌ والسُّدِّيُّ.
ولِذَلِكَ عَمِلَ فِيهِ القَوْلُ، كَما تَقُولُ لِرَجُلٍ قالَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ: قُلْتَ: حَقًّا وإخْلاصًا، ولَوْ حَكَيْتَ لَفْظَهم لَمْ يَصِحَّ أنْ يَعْمَلَ فِيهِ القَوْلُ، انْتَهى. ويَعْنِي: لَمْ يَصِحَّ أنْ يَعْمَلَ في لَفْظِهِمُ القَوْلُ، يَعْنِي في اللَّفْظِ، وإنْ كانَ ما لَفَظُوا بِهِ في مَوْضِعِ المَفْعُولِ لِلْقَوْلِ.
و(سَلامٌ): خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: أمْرِي أوْ أمْرُكم سَلامٌ، أوْ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الخَبَرِ، أيْ: عَلَيْكم سَلامٌ، والجُمْلَةُ مَحْمِيَّةٌ وإنْ كانَ حُذِفَ مِنها أحَدُ جُزْءَيْها كَما قالَ:
؎إذا ذُقْتَ فاها قُلْتَ طَعْمَ مُدامَةٍ
أيْ: طَعْمُهُ طَعْمُ مُدامَةٍ.
وقَرَأ الأخَوانَ: قالَ سِلْمٌ، والسِّلْمُ: السَّلامُ كَحِرْمٍ وحَرامٍ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎مَرَرْنا فَقُلْنا إيهِ سِلْمٌ فَسَلَّمَتْ ∗∗∗ كَما اكْتَلَّ بِالبَرْقِ الغَمامُ اللَّوائِحُ
اكْتَلَّ: اتَّخَذَ إكْلِيلًا. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِالسِّلْمِ ضِدَّ الحَرْبِ تَقُولُ: نَحْنُ سِلْمٌ لَكم، انْتَهى. ونَصْبُ (سَلامًا) يَدُلُّ عَلى التَّجَدُّدِ، ورَفْعُ (سَلامٌ) يَدُلُّ عَلى الثُّبُوتِ والِاسْتِقْرارِ، والأقْرَبُ في إعْرابِ ﴿فَما لَبِثَ﴾ أنْ تَكُونَ ما نافِيَةً، ولَبِثَ مَعْناهُ: تَأخَّرَ وأبْطَأ، و﴿أنْ جاءَ﴾: فاعِلٌ بِلَبِثَ، التَّقْدِيرُ: فَما تَأخَّرَ مَجِيئُهُ قالَهُ: الفَرّاءُ.
وجَوَّزُوا أنْ يَكُونَ في (لَبِثَ) ضَمِيرُ إبْراهِيمَ فَهو فاعِلٌ، و﴿أنْ جاءَ﴾ عَلى إسْقاطِ الحَرْفِ فَقُدِّرَ بِأنْ وبِعْنَ وبِفِي، وجَعَلَ بَعْضُهم (أنْ) بِمَعْنى حَتّى حَكاهُ ابْنُ العَرَبِيِّ. وأنْ تَكُونَ (ما) مَصْدَرِيَّةً، وذَلِكَ المَصْدَرُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِداءِ، وأنْ تَكُونَ بِمَعْنى: الَّذِي، أيْ: فَلَبْثُهُ أوِ الَّذِي لَبِثَهُ، والخَبَرُ ﴿أنْ جاءَ﴾ عَلى حَذْفِ أيْ: قَدْرُ مَجِيئِهِ، وهَذا مِن أدَبِ الضِّيافَةِ، وهو تَعْجِيلُ القِرى. وكانَ مالُ إبْراهِيمَ البَقَرَ، فَقَدَّمَ أحْسَنَ ما فِيهِ وهو (p-٢٤٢)العِجْلُ. قالَ مُجاهِدٌ: (حَنِيذٍ) مَطْبُوخٍ، وقالَ الحَسَنُ: نَضِجٍ مَشْوِيٍّ سَمِينٍ يَقْطُرُ ودَكًا. وقالَ السُّدِّيُّ: سَمِينٍ، وقِيلَ: سَمِيطٍ لا يَصِلُ إلَيْهِ، أيْ: إلى العِجْلِ.
والمَعْنى: لا يَمُدُّونَ أيْدِيَهم إلى أكْلِهِ، فَلَمْ يَنْفِ الوُصُولَ النّاشِئَ عَنِ المَدِّ بَلْ، جَعَلَ عَدَمَ الوُصُولِ اسْتِعارَةً عَنِ امْتِناعِهِمْ مِنَ الأكْلِ، ﴿نَكِرَهُمْ﴾ أيْ: أنْكَرَهم قالَ الشّاعِرُ:
؎وأنْكَرَتْنِي وما كانَ الَّذِي نَكِرَتْ ∗∗∗ مِنَ الحَوادِثِ إلّا الشَّيْبَ والصَّلَعا
وقِيلَ: نَكِرَ فِيما يُرى، وأنْكَرَ فِيما لا يُرى مِنَ المَعانِي، فَكَأنَّ الشّاعِرَ قالَ: وأنْكَرَتْ مَوَدَّتِي ثُمَّ جاءَتْ بِنُكْرِ الشَّيْبِ والصَّلَعِ مِمّا يُرى بِالبَصَرِ. ومِنهُ قَوْلُ أبِي ذُؤَيْبٍ:
؎فَنَكِرْنَهُ فَنَفَرْنَ وامْتَرَسَتْ بِهِ ∗∗∗ هَوْجاءُ هادِيَةٌ وهادٍ جُرْشُعُ
ورُوِيَ أنَّهم كانُوا يَنْكُثُونَ بِقِداحٍ كانَتْ بِأيْدِيهِمْ في اللَّحْمِ ولا تَصِلُ أيْدِيهِمْ إلَيْهِ، ويَنْبَغِي أنْ يُنْظَرَ مِنَ الضَّيْفِ هَلْ يَأْكُلُ أوْ لا، ويَكُونُ بِتَلَفُّتٍ ومُسارَعَةٍ لا بِتَحْدِيدِ النَّظَرِ، لِأنَّ ذَلِكَ مِمّا يَجْعَلُ الضَّيْفَ مُقَصِّرًا في الأكْلِ. قِيلَ: كانَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَنْزِلُ في طَرَفٍ مِنَ الأرْضِ مَخافَةَ أنْ يُرِيدُوا بِهِ مَكْرُوهًا.
وقِيلَ: كانَتْ عادَتُهم إذا مَسَّ مِن يَطْرُقُهم طَعامَهم أمِنُوا وإلّا خافُوهُ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَظْهَرُ أنَّهُ أحَسَّ بِأنَّهم مَلائِكَةٌ ونَكِرَهم، لِأنَّهُ تَخَوَّفَ أنْ يَكُونَ نُزُولُهم لِأمْرٍ أنْكَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، أوْ لِتَعْذِيبِ قَوْمِهِ.
ألا تَرى إلى قَوْلِهِمْ: ﴿لا تَخَفْ إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمِ لُوطٍ﴾ وإنَّما يُقالُ هَذا لِمَن عَرَفَهم ولَمْ يَعْرِفْ فِيما أُرْسِلُوا. قالَ مُقاتِلٌ: فَأوْجَسَ: وقَعَ في قَلْبِهِ. وقالَ الحَسَنُ: حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ، قِيلَ: وأصْلُ الوُجُوسِ: الدُّخُولُ، فَكَأنَّ الخَوْفَ دَخَلَ عَلَيْهِ.
والظّاهِرُ أنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أنَّهم مَلائِكَةٌ لِمَجِيئِهِمْ في صُورَةِ البَشَرِ، وكانَ مَشْغُوفًا بِإكْرامِ الأضْيافِ، فَلِذَلِكَ جاءُوا في صُوَرِهِمْ، ولِمُسارَعَتِهِ إلى إحْضارِ الطَّعامِ إلَيْهِمْ، ولِأنَّ امْتِناعَ المَلائِكَةِ مِنَ الأكْلِ لا يَدُلُّ عَلى حُصُولِ الشَّرِّ، وإنَّما عَرَفَ أنَّهم مَلائِكَةٌ بِقَوْلِهِمْ: ﴿لا تَخَفْ إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمِ لُوطٍ﴾، فَنَهَوْهُ عَنْ شَيْءٍ وقَعَ في نَفْسِهِ، وعَرَفُوا خِيفَتَهُ بِكَوْنِ اللَّهِ جَعَلَ لَهم مِنَ الِاطِّلاعِ ما لَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ﴾ [الإنفطار: ١٢] وفي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ «قالَتِ المَلائِكَةُ رَبِّي عَبْدُكَ هَذا يُرِيدُ أنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً» الحَدِيثَ، أوْ بِما يَلُوحُ في صَفَحاتِ وجْهِ الخائِفِ.
﴿وامْرَأتُهُ قائِمَةٌ﴾ جُمْلَةٌ مِنِ ابْتِداءٍ وخَبَرٍ، قالَ الحَوْفِيُّ وأبُو البَقاءِ: في مَوْضِعِ الحالِ، قالَ أبُو البَقاءِ: مِن ضَمِيرِ الفاعِلِ في أرْسَلْنا، يَعْنِي المَفْعُولَ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.
والزَّمَخْشَرِيُّ يُسَمِّيهِ فاعِلًا لِقِيامِهِ مَقامَ الفاعِلِ. وقالَ الحَوْفِيُّ: والتَّقْدِيرُ: أُرْسِلْنا إلى قَوْمِ لُوطٍ في حالِ قِيامِ امْرَأتِهِ، يَعْنِي امْرَأةَ إبْراهِيمَ. والظّاهِرُ أنَّهُ حالٌ مِن ضَمِيرِ قالُوا، أيْ: قالُوا لِإبْراهِيمَ: لا تَخَفْ في حالِ قِيامِ امْرَأتِهِ وهي سارَةُ بِنْتُ هارانَ بْنِ ناخُورَ وهي ابْنَةُ عَمِّهِ، (قائِمَةٌ) أيْ: لِخِدْمَةِ الأضْيافِ، وكانَتْ نِساؤُهم لا تَحْتَجِبُ كَعادَةِ الأعْرابِ، ونازِلَةِ البَوادِي والصَّحْراءِ، ولَمْ يَكُنِ التَّبَرُّجُ مَكْرُوهًا، وكانَتْ عَجُوزًا، وخِدْمَةُ الضِّيفانِ مِمّا يُعَدُّ مِن مَكارِمِ الأخْلاقِ قالَهُ: مُجاهِدٌ.
وجاءَ في شَرِيعَتِنا مِثْلُ هَذا مِن حَدِيثِ أبِي أُسَيْدٍ السّاعِدِيِّ: وكانَتِ امْرَأتُهُ عَرُوسًا، فَكانَتْ خادِمَةَ الرَّسُولِ ومَن حَضَرَ مَعَهُ مِن أصْحابِهِ. وقالَ وهْبٌ: كانَتْ قائِمَةً وراءَ السَّتْرِ تَسْمَعُ مُحاوَرَتَهم. وقالَ ابْنُ إسْحاقَ: قائِمَةٌ تُصَلِّي. وقالَ المُبَرِّدُ: قائِمَةٌ عَنِ الوَلَدِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: وامْرَأتُهُ قائِمَةٌ وهو قاعِدٌ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وفي قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وهي قائِمَةٌ وهو جالِسٌ. ولَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ امْرَأةِ إبْراهِيمَ فَيُضْمَرُ، لَكِنَّهُ يُفَسِّرُهُ سِياقُ الكَلامِ.
قالَ مُجاهِدٌ وعِكْرِمَةُ: ﴿فَضَحِكَتْ﴾: حاضَتْ. قالَ الجُمْهُورُ: هو الضَّحِكُ المَعْرُوفُ. فَقِيلَ: هو مَجازٌ مُعَبَّرٌ بِهِ عَنْ طَلاقَةِ الوَجْهِ وسُرُورِهِ بِنَجاةِ أخِيها وهَلاكِ قَوْمِهِ، يُقالُ: أتَيْتُ عَلى رَوْضَةٍ تَضْحَكُ، أيْ: مُشْرِقَةٍ. وقِيلَ: هو حَقِيقَةٌ. فَقالَ مُقاتِلٌ: ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ضَحِكَتْ مِن شِدَّةِ خَوْفِ إبْراهِيمَ (p-٢٤٣)وهُوَ في أهْلِهِ وغِلْمانِهِ. والَّذِينَ جاءُوهُ ثَلاثَةٌ، وهي تَعْهَدُهُ يَغْلِبُ الأرْبَعِينَ، وقِيلَ: المِائَةَ. وقالَ قَتادَةُ: ضَحِكَتْ مِن غَفْلَةِ قَوْمِ لُوطٍ وقُرْبِ العَذابِ مِنهم.
وقالَ السُّدِّيُّ: ضَحِكَتْ مِن إمْساكِ الأضْيافِ عَنِ الأكْلِ وقالَتْ: عَجَبًا لِأضْيافِنا نَخْدُمُهم بِأنْفُسِنا وهم لا يَأْكُلُونَ طَعامَنا. وقالَ وهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ضَحِكَتْ مِنَ البِشارَةِ بِإسْحاقَ، وقالَ: هَذا مُقَدَّمٌ بِمَعْنى التَّأْخِيرِ. وذَكَرَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: أنَّ ضَحِكَها كانَ سُرُورًا بِصِدْقِ ظَنِّها، لِأنَّها كانَتْ تَقُولُ لِإبْراهِيمَ: اضْمُمْ إلَيْكَ ابْنَ أخِيكَ لُوطًا وكانَ أخاها، فَإنَّهُ سَيَنْزِلُ العَذابُ بِقَوْمِهِ. وقِيلَ: ضَحِكَتْ لِما رَأتْ مِنَ المُعْجِزِ، وهو أنَّ المَلائِكَةَ مَسَحَتِ العِجْلَ الحَنِيذَ فَقامَ حَيًّا يَطْفِرُ، والَّذِي يَظْهَرُ واللَّهُ أعْلَمُ أنَّهم لَمّا لَمْ يَأْكُلُوا، وأوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفَةً بَعْدَما نَكِرَ حالَهم، لَحِقَ المَرْأةَ مِن ذَلِكَ أعْظَمُ ما لَحِقَ الرَّجُلَ.
فَلَمّا قالُوا: لا تَخَفْ، وذَكَرُوا سَبَبَ مَجِيئِهِمْ زالَ عَنْهُ الخَوْفُ وسُرَّ، فَلَحِقَها هي مِنَ السُّرُورِ أنْ ضَحِكَتْ، إذِ النِّساءُ في بابِ الفَرَحِ والسُّرُورِ أطْرَبُ مِنَ الرِّجالِ وغالَبٌ عَلَيْهِنَّ ذَلِكَ. وقَدْ أشارَ الزَّمَخْشَرِيُّ إلى طَرَفٍ مِن هَذا فَقالَ: ضَحِكَتْ سُرُورًا بِزَوالِ الخِيفَةِ.
وذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ سَبَبًا لِضَحِكِها تَرَكْنا ذِكْرَهُ لِفَظاعَتِهِ، يُوقَفُ عَلَيْهِ في تَفْسِيرِ ابْنِ عَطِيَّةَ: وقَرَأ مُحَمَّدُ بْنُ زِيادٍ الأعْرابِيُّ رَجُلٌ مِن قُرّاءِ مَكَّةَ: ﴿فَضَحِكَتْ﴾ بِفَتْحِ الحاءِ. قالَ المَهَدَوِيُّ: وفَتْحُ الحاءِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، ﴿فَبَشَّرْناها﴾ هَذا مُوافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إبْراهِيمَ بِالبُشْرى﴾، والمَعْنى: فَبَشَّرْناها عَلى لِسانِ رُسُلِنا، بَشَّرَتْها المَلائِكَةُ بِإسْحاقَ، وبِأنَّ إسْحاقَ سَيَلِدُ يَعْقُوبَ.
قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أضافَ فِعْلَ المَلائِكَةِ إلى ضَمِيرِ اسْمِ اللَّهِ تَعالى، إذْ كانَ ذَلِكَ بِأمْرِهِ ووَحْيِهِ. وقالَ غَيْرُهُ: لَمّا وُلِدَ لِإبْراهِيمَ إسْماعِيلُ عَلَيْهِما السَّلامُ مِن هاجَرَ تَمَنَّتْ سارَةُ أنْ يَكُونَ لَها ابْنٌ، وأيِسَتْ لِكِبَرِ سِنِّها، فَبُشِّرَتْ بِوَلَدٍ يَكُونُ نَبِيًّا ويَلِدُ نَبِيًّا، فَكانَ هَذا بِشارَةً لَها بِأنْ تَرى ولَدَ ولَدِها. وإنَّما بَشَّرُوها دُونَهُ: لِأنَّ المَرْأةَ أعْجَلُ فَرَحًا بِالوَلَدِ، ولِأنَّ إبْراهِيمَ قَدْ بَشَّرُوهُ وأمَّنُوهُ مِن خَوْفِهِ، فَأتْبَعُوا بِشارَتَهُ بِبِشارَتِها. وقِيلَ: خُصِّتْ بِالبِشارَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَها ولَدٌ، وكانَلِإبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ ولَدُهُ إسْماعِيلُ.
والظّاهِرُ أنَّ (وراءِ) هُنا: ظَرْفٌ اسْتُعْمِلَ اسْمًا غَيْرَ ظَرْفٍ بِدُخُولِ (مِن) عَلَيْهِ كَأنَّهُ قِيلَ: ومِن بَعْدِ إسْحاقَ، أوْ مِن خَلْفِ إسْحاقَ، وبِمَعْنى بَعْدُ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ واخْتارَهُ مُقاتِلٌ وابْنُ قُتَيْبَةَ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا: أنَّ الوَراءَ: ولَدُ الوَلَدِ، وبِهِ قالَ الشَّعْبِيُّ: واخْتارَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. وتَسْمِيَتُهُ وراءَ هي قَرِيبَةٌ مِن مَعْنى (وراءَ) الظَّرْفِ، إذْ هو ما يَكُونُ خَلْفَ الشَّيْءِ وبَعْدَهُ.
فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ يَعْقُوبُ وراءً لِإسْحاقَ وهو ولَدُهُ لِصُلْبِهِ، وإنَّما الوَراءُ ولَدُ الوَلَدِ ؟ فَقَدْ أجابَ عَنْهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ فَقالَ: المَعْنى ومِنَ الوَراءِ المَنسُوبِ إلى إسْحاقَ يَعْقُوبُ، لِأنَّهُ قَدْ كانَ الوَراءُ لِإبْراهِيمَ مِن جِهَةِ إسْحاقَ، فَلَوْ قالَ: ومِنَ الوَراءِ يَعْقُوبُ، لَمْ يُعْلَمْ أهَذا الوَراءُ مَنسُوبٌ إلى إسْحاقَ أمْ إلى إسْماعِيلَ ؟ فَأُضِيفَ إلى إسْحاقَ لِيَنْكَشِفَ المَعْنى ويَزُولَ اللَّبْسُ، انْتَهى.
وبُشِّرَتْ مِن بَيْنِ أوْلادِ إسْحاقَ بِـ يَعْقُوبَ، لِأنَّها رَأتْهُ ولَمْ تَرَ غَيْرَهُ، وهَذِهِ البِشارَةُ لِسارَةَ كانْتَ وهي بِنْتُ تِسْعٍ وتِسْعِينَ سَنَةً، وإبْراهِيمُ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ. وقِيلَ: كانَ بَيْنَهُما غَيْرُ ذَلِكَ، وهي أقْوالٌ مُتَناقِضَةٌ.
وهَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ إسْماعِيلَ هو الذَّبِيحُ، لِأنَّ سارَةَ حِينَ أخْدَمَها المَلِكُ الجَبّارُ هاجَرَ أُمَّ إسْماعِيلَ كانَتْ شابَّةً جَمِيلَةً، فاتَّخَذَ إبْراهِيمُ هاجَرَ سُرِّيَّةً، فَغارَتْ مِنها سارَةُ، فَخَرَجَ بِها وبِابْنِها إسْماعِيلَ مِنَ الشّامِ عَلى البُراقِ، وجاءَ مِن يَوْمِهِ مَكَّةَ، وانْصَرَفَ إلى الشّامِ مِن يَوْمِهِ، ثُمَّ كانَتِ البِشارَةُ بِـ إسْحاقَ وسارَةُ عَجُوزٌ مُحالَةً، وسَيَأْتِي الدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ أيْضًا مِن سُورَةِ ﴿والصّافّاتِ﴾ [الصافات: ١] . ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ اللَّهُ سَمّاها حالَةَ البِشارَةِ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الِاسْمانِ حَدَثا لَها وقْتَ الوِلادَةِ، وتَكُونُ البِشارَةُ بِوَلَدٍ ذَكَرٍ بَعْدَهُ ولَدٌ ذَكَرٌ، وحالَةُ الإخْبارِ عَنِ البِشارَةِ ذَكَرًا بِاسْمِها كَما يَقُولُ المُخْبِرُ: إذا بُشِّرَ في النَّوْمِ بِوَلَدٍ ذَكَرٍ فَوُلِدَ لَهُ ولَدٌ ذَكَرٌ فَسَمّاهُ مَثَلًا: عَبْدَ اللَّهِ بُشِّرْتُ بِعَبْدِ (p-٢٤٤)اللَّهِ. وقَرَأ الحَرَمِيّانِ والنَّحْوِيّانِ وأبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ: بِالرَّفْعِ عَلى الِابْتِداءِ و﴿مِن وراءِ﴾ [الأحزاب: ٥٣] الخَبَرُ كَأنَّهُ قِيلَ: ومِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبُ كائِنٌ، وقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مَوْلُودٌ أوْ مَوْجُودٌ. قالَ النَّحّاسُ: والجُمْلَةُ حالٌ داخِلَةٌ في البِشارَةِ، أيْ: فَبَشَّرْناها بِـ إسْحاقَ مُتَّصِلًا بِهِ يَعْقُوبُ.
وأجازَ أبُو عَلِيٍّ أنْ يَرْتَفِعَ بِالجارِّ والمَجْرُورِ، كَما أجازَهُ الأخْفَشُ، أيْ: واسْتَقَرَّ لَها مِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبُ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: رَفْعُهُ عَلى القَطْعِ بِمَعْنى: ومِن وراءِ إسْحاقَ يَحْدُثُ يَعْقُوبُ. وقالَ النَّحّاسُ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ فاعِلًا بِإضْمارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: ويَحْدُثُ مِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبُ.
قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وعَلى هَذا لا تَدْخُلُ البِشارَةُ، انْتَهى. ولا حاجَةَ إلى تَكَلُّفِ القَطْعِ والعُدُولِ عَنِ الظّاهِرِ المُقْتَضِي لِلدُّخُولِ في البِشارَةِ.
وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحَمْزَةُ وحَفْصٌ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: يَعْقُوبَ بِالنَّصْبِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَأنَّهُ قِيلَ ووَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ ومِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ: لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً، ولا ناعِبٍ، انْتَهى. يَعْنِي أنَّهُ عُطِفَ عَلى التَّوَهُّمِ، والعَطْفُ عَلى التَّوَهُّمِ لا يَنْقاسُ، والأظْهَرُ أنْ يَنْتَصِبَ (يَعْقُوبَ) بِإضْمارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: ومِن وراءِ إسْحاقَ وهَبْنا يَعْقُوبَ، ودَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَبَشَّرْناها لِأنَّ البِشارَةَ في مَعْنى الهِبَةِ، ورَجَّحَ هَذا الوَجْهَ أبُو عَلِيٍّ، ومَن ذَهَبَ إلى أنَّهُ مَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ عَلى لَفْظِ (بِإسْحاقَ)، أوْ عَلى مَوْضِعِهِ. فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ، لِأنَّهُ لا يَجُوزُ الفَصْلُ بِالظَّرْفِ أوِ المَجْرُورِ بَيْنَ حَرْفِ العَطْفِ ومَعْطُوفِهِ المَجْرُورِ، لا يَجُوزُ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ اليَوْمَ وأمْسَ عَمْرٍو، فَإنْ جاءَ فَفي شِعْرٍ.
فَإنْ كانَ المَعْطُوفُ مَنصُوبًا أوْ مَرْفُوعًا، فَفي جَوازِ ذَلِكَ خِلافٌ نَحْوَ: قامَ زَيْدٌ واليَوْمَ عَمْرٌو، وضَرَبْتُ زَيْدًا واليَوْمَ عَمْرًا والظّاهِرُ أنَّ الألِفَ في ﴿ياوَيْلَتا﴾ [المائدة: ٣١] بَدَلٌ مِن ياءِ الإضافَةِ نَحْوَ: يا لَهْفا ويا عَجَبا، وأمالَ الألِفَ مِن ﴿ياوَيْلَتا﴾ [المائدة: ٣١] عاصِمٌ وأبُو عَمْرٍو والأعْشى، إذْ هي بَدَلٌ مِنَ الياءِ. وقَرَأ الحَسَنُ: (يا ويْلَتِي) بِالياءِ عَلى الأصْلِ.
وقِيلَ: الألِفُ: ألِفُ النُّدْبَةِ، ويُوقَفُ عَلَيْها بِالهاءِ. وأصْلُهُ الدُّعاءِ بِالوَيْلِ ونَحْوِهِ في التَّفَجُّعِ لِشِدَّةِ مَكْرُوهٍ يَدْهَمُ النَّفْسَ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ بَعْدُ في عَجَبٍ يَدْهَمُ النَّفْسَ. (ويا ويْلَتا) كَلِمَةٌ تَخِفُّ عَلى أفْواهِ النِّساءِ إذا طَرَأ عَلَيْهِنَّ ما يَعْجَبْنَ مِنهُ، واسْتَفْهَمَتْ بِقَوْلِها: ﴿أألِدُ﴾ اسْتِفْهامَ إنْكارٍ وتَعَجُّبٍ، و(أنا عَجُوزٌ) وما بَعْدَهُ جُمْلَتا حالٍ، وانْتَصَبَ (شَيْخًا) عَلى الحالِ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، وخَبَرِ التَّقْرِيبِ عِنْدَ الكُوفِيِّينَ. ولا يُسْتَغْنى عَنْ هَذِهِ الحالِ إذا كانَ الخَبَرُ مَعْرُوفًا عِنْدَ المُخاطَبِ، لِأنَّ الفائِدَةَ إنَّما تَقَعُ بِهَذِهِ الحالِ، أمّا إذا كانَ مَجْهُولًا عِنْدَهُ فَأرَدْتَ أنْ تُفِيدَ المُخاطَبَ ما كانَ يَجْهَلُهُ، فَتَجِيءُ الحالُ عَلى بابِها مُسْتَغْنًى عَنْها.
وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ وهو في مُصْحَفِهِ والأعْمَشُ: ﴿شَيْخٌ﴾ [القصص: ٢٣] بِالرَّفْعِ. وجَوَّزُوا فِيهِ وفي ﴿بَعْلِي﴾ أنْ يَكُونا خَبَرَيْنِ كَقَوْلِهِمْ: هَذا حُلْوٌ حامِضٌ، وأنْ يَكُونَ ﴿بَعْلِي﴾: الخَبَرَ، و﴿شَيْخٌ﴾ [القصص: ٢٣] خَبَرٌ مَحْذُوفٍ، أوْ بَدَلٌ مِن بَعْلِي، وأنْ يَكُونَ ﴿بَعْلِي﴾ بَدَلًا أوْ عَطْفَ بَيانٍ، و﴿شَيْخٌ﴾ [القصص: ٢٣] الخَبَرَ.
والإشارَةُ بِهَذا إلى الوِلادَةِ أوِ البِشارَةِ بِها تَعَجَّبَتْ مِن حُدُوثِ ولَدٍ بَيْنَ شَيْخَيْنِ هَرِمَيْنِ، واسْتَغْرَبَتْ ذَلِكَ مِن حَيْثُ العادَةُ، لا إنْكارًا لِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى. قالُوا: أيِ المَلائِكَةُ، ﴿أتَعْجَبِينَ﴾ اسْتِفْهامُ إنْكارٍ لِعَجَبِها. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِأنَّها كانَتْ في بَيْتِ الآياتِ ومَهْبِطِ المُعْجِزاتِ والأُمُورِ الخارِقَةِ لِلْعادَةِ، فَكانَ عَلَيْها أنْ تَتَوَفَّرَ ولا يَزْدَهِيَها ما يَزْدَهِي سائِرَ النِّساءِ في غَيْرِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وأنْ تُسَبِّحَ اللَّهَ وتُمَجِّدَهُ مَكانَ التَّعَجُّبِ.
وإلى ذَلِكَ أشارَتِ المَلائِكَةُ في قَوْلِهِمْ ﴿رَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكاتُهُ عَلَيْكم أهْلَ البَيْتِ﴾ أرادُوا: أنَّ هَذِهِ وأمْثالَها مِمّا يُكْرِمُكم رَبُّ العِزَّةِ ويَخُصُّكم بِالإنْعامِ بِهِ يا أهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ ؟ فَلَيْسَتْ بِمَكانٍ عَجِيبٍ، و﴿أمَرَ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٧]: قُدْرَتُهُ وحِكْمَتُهُ. وقَوْلُهُ: ﴿رَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ عُلِّلَ بِهِ إنْكارُ التَّعَجُّبِ، كَأنَّهُ قِيلَ: إيّاكَ والتَّعَجُّبَ، فَإنَّ أمْثالَ هَذِهِ الرَّحْمَةِ والبَرَكَةِ مُتَكاثِرَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْكم.
وقِيلَ: الرَّحْمَةُ: النُّبُوَّةُ، والبَرَكاتُ: الأسْباطُ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، لِأنَّ الأنْبِياءَ مِنهم، وكُلُّهم مِن ولَدِ إبْراهِيمَ، انْتَهى.
وقِيلَ: رَحْمَتُهُ: تَحِيَّتُهُ، وبَرَكاتُهُ: فَواضِلُ خَيْرِهِ بِالخِلَّةِ والإمامَةِ. ورُوِيَ (p-٢٤٥)أنَّ سارَةَ قالَتْ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ما آيَةُ ذَلِكَ ؟ فَأخَذَ عُودًا يابِسًا فَلَواهُ بَيْنَ أصابِعِهِ، فاهْتَزَّ أخْضَرَ، فَسَكَنَ رَوْعُها وزالَ عَجَبُها. وهَذِهِ الجُمْلَةُ المُسْتَأْنَفَةُ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ خَبَرًا وهو الأظْهَرُ، لِأنَّهُ يَقْتَضِي حُصُولَ الرَّحْمَةِ والبَرَكَةِ لَهم، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ دُعاءً، وهو مَرْجُوحٌ، لِأنَّ الدُّعاءَ إنَّما يَقْتَضِي أنَّهُ أمْرٌ يُتَرَجّى ولَمْ يَتَحَصَّلْ بَعْدُ. و(أهْلَ): مَنصُوبٌ عَلى النِّداءِ، أوْ عَلى الِاخْتِصاصِ، وبَيْنَ النَّصْبِ عَلى المَدْحِ والنَّصْبِ عَلى الِاخْتِصاصِ فَرْقٌ، ولِذَلِكَ جَعَلَهُما سِيبَوَيْهِ في بابَيْنِ وهو أنَّ المَنصُوبَ عَلى المَدْحِ لَفْظٌ يَتَضَمَّنُ بِوَضْعِهِ المَدْحَ، كَما أنَّ المَنصُوبَ عَلى الذَّمِّ يَتَضَمَّنُ بِوَضْعِهِ الذَّمَّ، والمَنصُوبُ عَلى الِاخْتِصاصِ لا يَكُونُ إلّا لِمَدْحٍ أوْ ذَمٍّ، لَكِنَّ لَفْظَهُ لا يَتَضَمَّنُ بِوَضْعِهِ المَدْحَ ولا الذَّمَّ كَقَوْلِهِ: بِنا تَمِيمًا يُكْشَفُ الضَّبابُ. وقَوْلِهِ: ولا الحَجّاجَ عَيْنِي بِنْتُ ماءٍ. وخِطابُ المَلائِكَةِ إيّاها بِقَوْلِهِمْ: ﴿أهْلَ البَيْتِ﴾: دَلِيلٌ عَلى انْدِراجِ الزَّوْجَةِ في أهْلِ البَيْتِ، وقَدْ دَلَّ عَلى ذَلِكَ أيْضًا في سُورَةِ الأحْزابِ، خِلافًا لِلشِّيعَةِ إذْ لا يَعُدُّونَ الزَّوْجَةَ مِن أهْلِ بَيْتِ زَوْجِها، والبَيْتُ يُرادُ بِهِ: بَيْتُ السُّكْنى.
﴿إنَّهُ حَمِيدٌ﴾: وقالَ أبُو الهَيْثَمِ: تُحْمَدُ أفْعالُهُ، وهو بِمَعْنى: المَحْمُودِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فاعِلٌ ما يُسْتَوْجَبُ مِن عِبادِهِ، مَجِيدٌ كَرِيمٌ كَثِيرُ الإحْسانِ إلَيْهِمْ.
{"ayahs_start":69,"ayahs":["وَلَقَدۡ جَاۤءَتۡ رُسُلُنَاۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُوا۟ سَلَـٰمࣰاۖ قَالَ سَلَـٰمࣱۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاۤءَ بِعِجۡلٍ حَنِیذࣲ","فَلَمَّا رَءَاۤ أَیۡدِیَهُمۡ لَا تَصِلُ إِلَیۡهِ نَكِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِیفَةࣰۚ قَالُوا۟ لَا تَخَفۡ إِنَّاۤ أُرۡسِلۡنَاۤ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوطࣲ","وَٱمۡرَأَتُهُۥ قَاۤىِٕمَةࣱ فَضَحِكَتۡ فَبَشَّرۡنَـٰهَا بِإِسۡحَـٰقَ وَمِن وَرَاۤءِ إِسۡحَـٰقَ یَعۡقُوبَ","قَالَتۡ یَـٰوَیۡلَتَىٰۤ ءَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزࣱ وَهَـٰذَا بَعۡلِی شَیۡخًاۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءٌ عَجِیبࣱ","قَالُوۤا۟ أَتَعۡجَبِینَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۖ رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَـٰتُهُۥ عَلَیۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَیۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِیدࣱ مَّجِیدࣱ"],"ayah":"فَلَمَّا رَءَاۤ أَیۡدِیَهُمۡ لَا تَصِلُ إِلَیۡهِ نَكِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِیفَةࣰۚ قَالُوا۟ لَا تَخَفۡ إِنَّاۤ أُرۡسِلۡنَاۤ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوطࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق