الباحث القرآني
﴿وأنِ اسْتَغْفِرُوا﴾: مَعْطُوفٌ عَلى ﴿أنْ لا تَعْبُدُوا﴾ [هود: ٢٦]: نَهْيٌ أوْ نَفْيٌ: أيْ: لا يُعْبَدُ إلّا اللَّهُ. وأمْرٌ بِالِاسْتِغْفارِ مِنَ الذُّنُوبِ، ثُمَّ بِالتَّوْبَةِ، وهُما مَعْنَيانِ مُتَبايِنانِ، لِأنَّ الِاسْتِغْفارَ: طَلَبُ المَغْفِرَةَ وهي: السَّتْرُ، والمَعْنى: أنَّهُ لا يَبْقى لَها تَبِعَةٌ. والتَّوْبَةُ: الِانْسِلاخُ مِنَ المَعاصِي، والنَّدَمُ عَلى ما سَلَفَ مِنها، والعَزْمُ عَلى عَدَمِ العَوْدِ إلَيْها.
ومَن قالَ: الِاسْتِغْفارُ: تَوْبَةٌ، جَعَلَ قَوْلَهُ: ثُمَّ تُوبُوا، بِمَعْنى: أخْلِصُوا التَّوْبَةَ واسْتَقِيمُوا عَلَيْها. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وثُمَّ مُرَتِّبَةٌ، لِأنَّ الكافِرَ أوَّلُ ما يُنِيبُ، فَإنَّهُ في طَلَبِ مَغْفِرَةِ رَبِّهِ، فَإذا تابَ وتَجَرَّدَ مِنَ الكُفْرِ تَمَّ إيمانُهُ.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): ما مَعْنى ثُمَّ في قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ﴾ ؟ (قُلْتُ): مَعْناهُ: اسْتَغْفِرُوا مِنَ الشِّرْكِ، ثُمَّ ارْجِعُوا إلَيْهِ بِالطّاعَةِ. وقَرَأ الحَسَنُ وابْنُ هُرْمُزَ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وابْنُ مُحَيْصِنٍ: يُمْتِعْكم بِالتَّخْفِيفِ مِن أمْتَعَ، وانْتَصَبَ مَتاعًا عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ جازَ عَلى غَيْرِ الفِعْلِ، أوْ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ لِأنَّكَ تَقُولُ: مَتَّعْتُ زَيْدًا ثَوْبًا، والمَتاعُ الحَسَنُ: الرِّضا بِالمَيْسُورِ والصَّبْرُ عَلى المَقْدُورِ، أوْ: حُسْنُ العَمَلِ وقَطْعُ الأمَلِ، أوِ: النِّعْمَةُ الكافِيَةُ مَعَ الصِّحَّةِ والعافِيَةِ، أوِ: الحَلالُ الَّذِي لا طَلَبَ فِيهِ ولا تَعَبَ، أوْ: لُزُومُ القَناعَةِ وتَوْفِيقُ الطّاعَةِ أقْوالٌ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَطُولُ نَفْعُكم في الدُّنْيا بِمَنافِعَ حَسَنَةٍ مُرْضِيَةٍ، وعِيشَةٍ واسِعَةٍ، ونِعْمَةٍ مُتَتابِعَةٍ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقِيلَ هو فَوائِدُ الدُّنْيا وزِينَتُها، وهَذا ضَعِيفٌ. لِأنَّ الكُفّارَ يُشارِكُونَ في ذَلِكَ أعْظَمَ مُشارَكَةٍ، ورُبَّما زادُوا عَلى المُسْلِمِينَ في ذَلِكَ. قالَ: ووَصْفُ المَتاعِ بِالحُسْنِ إنَّما هو لِطِيبِ عَيْشِ المُؤْمِنِ بِرَجائِهِ في اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وفي ثَوابِهِ وفَرَحِهِ بِالتَّقَرُّبِ إلَيْهِ بِمَفْرُوضاتِهِ، والسُّرُورِ بِمَواعِيدِهِ، والكافِرُ لَيْسَ في شَيْءٍ مِن هَذا، والأجَلُ المُسَمّى: هو أجَلُ المَوْتِ، قالَهُ: ابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: يَوْمُ القِيامَةِ، والضَّمِيرُ في فَضْلِهِ يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى اللَّهِ تَعالى، أيْ: يُعْطِي في الآخِرَةِ كُلَّ مَن كانَ لَهُ فَضْلٌ في عَمَلِ الخَيْرِ، وزِيادَةً عَلى ما تَفَضَّلَ بِهِ تَعالى وزادَهُ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى (كُلَّ) أيْ: جَزاءُ ذَلِكَ الفَضْلِ الَّذِي عَمَلَهُ في الدُّنْيا لا يُبْخَسُ مِنهُ شَيْءٌ، كَما قالَ: ﴿نُوَفِّ إلَيْهِمْ أعْمالَهم فِيها﴾ [هود: ١٥] أيْ: جَزاءَها. والدَّرَجاتُ تَتَفاضَلُ في الجَنَّةِ بِتَفاضُلِ الطّاعاتِ، وتَقَدَّمَ أمْرانِ بَيْنَهُما تَراخٍ، ورُتِّبَ عَلَيْهِما جَوابانِ بَيْنَهُما تَراخٍ، تَرَتَّبَ عَلى الِاسْتِغْفارِ التَّمْتِيعُ: المَتاعُ الحَسَنُ في الدُّنْيا، كَما قالَ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكم إنَّهُ كانَ غَفّارًا﴾ [نوح: ١٠] ﴿يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكم مِدْرارًا﴾ [هود: ٥٢] الآيَةَ، وتَرَتَّبَ عَلى التَّوْبَةِ: إيتاءُ الفَضْلِ في الآخِرَةِ، وناسَبَ كُلَّ جَوابٍ لِما وقَعَ جَوابًا لَهُ، لِأنَّ الِاسْتِغْفارَ مِنَ الذَّنْبِ أوَّلُ حالِ الرّاجِعِ إلى اللَّهِ، فَناسَبَ أنْ يُرَتَّبَ عَلَيْهِ حالُ الدُّنْيا.
والتَّوْبَةُ هي المُنْجِيَةُ مِنَ النّارِ، والَّتِي تُدْخِلُ الجَنَّةَ، فَناسَبَ أنْ يُرَتَّبَ عَلَيْها حالُ الآخِرَةِ. والظّاهِرُ أنَّ (تَوَلَّوْا): مُضارِعٌ حُذِفَ مِنهُ التّاءُ، أيْ: وإنْ تَتَوَلَّوْا. وقِيلَ: هو ماضٍ لِلْغائِبِينَ، والتَّقْدِيرُ: قِيلَ لَهم: إنِّي أخافُ عَلَيْكم. وقَرَأ اليَمانِيُّ وعِيسى بْنُ عُمَرَ: ﴿وإنْ تَوَلَّوْا﴾ بِضَمِّ التّاءِ واللّامِ وفَتْحِ الواوِ، مُضارِعُ ولّى، والأُولى: مُضارِعُ تَوَلّى. وفي كِتابِ اللَّوامِحِ اليَمانِيُّ وعِيسى البَصْرَةِ: ﴿وإنْ تَوَلَّوْا﴾ بِثَلاثِ ضَمّاتٍ مُرَتَّبًا لِلْمَفْعُولِ بِهِ، وهو ضِدُّ التَّبَرِّي. وقَرَأ الأعْرَجُ: تُولُوا بِضَمِّ التّاءِ واللّامِ. وسُكُونِ الواوِ، مُضارِعُ أوْلى، ووُصِفَ يَوْمٌ بِكَبِيرٍ وهو يَوْمُ القِيامَةِ لِما يَقَعُ فِيهِ مِنَ الأهْوالِ.
وقِيلَ: هو يَوْمُ بَدْرٍ وغَيْرِهِ مِنَ الأيّامِ الَّتِي يُرْمُوا فِيها بِالخِذْلانِ والقَتْلِ والسَّبْيِ والنَّهْبِ، (p-٢٠٢)وأبْعَدَ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ (كَبِيرٍ) صِفَةٌ لِعَذابٍ، وخُفِضَ عَلى الجِوارِ. وباقِي الآيَةِ تَضَمَّنَتْ تَهْدِيدًا عَظِيمًا وصَرَّحَتْ بِالبَعْثِ، وذَكَرَ أنَّ قُدْرَتَهُ عامَّةٌ لِجَمِيعِ ما يَشاءُ، ومِن ذَلِكَ: البَعْثُ، فَهو لا يُعْجِزُهُ ما شاءَ مِن عَذابِهِمْ.
{"ayahs_start":3,"ayahs":["وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوۤا۟ إِلَیۡهِ یُمَتِّعۡكُم مَّتَـٰعًا حَسَنًا إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى وَیُؤۡتِ كُلَّ ذِی فَضۡلࣲ فَضۡلَهُۥۖ وَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَإِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمࣲ كَبِیرٍ","إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ"],"ayah":"إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق