الباحث القرآني
(p-٢٦٥)﴿فَلا تَكُ في مِرْيَةٍ مِمّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إلّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهم مِن قَبْلُ وإنّا لَمُوَفُّوهم نَصِيبَهم غَيْرَ مَنقُوصٍ﴾ ﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ فاخْتُلِفَ فِيهِ ولَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهم وإنَّهم لَفي شَكٍّ مِنهُ مُرِيبٍ﴾ ﴿وإنَّ كُلًّا لَمّا لَيُوَفِّيَنَّهم رَبُّكَ أعْمالَهم إنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [هود: ١١١] ﴿فاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ومَن تابَ مَعَكَ ولا تَطْغَوْا إنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [هود: ١١٢] ﴿ولا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ وما لَكم مِن دُونِ اللَّهِ مِن أوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾ [هود: ١١٣] ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذَلِكَ ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ﴾ [هود: ١١٤] ﴿واصْبِرْ فَإنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنِينَ﴾ [هود: ١١٥] ﴿فَلَوْلا كانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبْلِكم أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسادِ في الأرْضِ إلّا قَلِيلًا مِمَّنْ أنْجَيْنا مِنهم واتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وكانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: ١١٦]: الزُّلْفَةُ: قالَ اللَّيْثُ: طائِفَةٌ مِن أوَّلِ اللَّيْلِ، والجَمْعُ: الزُّلَفُ، وقالَ ثَعْلَبٌ: الزُّلَفُ: أوَّلُ ساعاتِ اللَّيْلِ، واحِدُها زُلْفَةٌ.
وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ والأخْفَشُ وابْنُ قُتَيْبَةَ: الزُّلَفُ: ساعاتُ اللَّيْلِ وآناؤُهُ، وكُلُّ ساعَةٍ زُلْفَةٌ. وقالَ العَجّاجُ:
؎ناحٍ طَواهُ الأيْنُ مِنّا وجَفا طَيَّ اللَّيالِي زُلَفًا فَزُلَفا
؎سَماؤُهُ الهِلالُ حَتّى احْقَوْقَفا
وأصْلُ الكَلِمَةِ مِنَ الزُّلْفى وهي: القُرْبَةُ، ويُقالُ: أزْلَفَهُ فازْدَلَفَ، أيْ: قَرَّبَهُ فاقْتَرَبَ، وأزْلَفَنِي: أدْنانِي. التَّرَفُ: النِّعْمَةُ، صَبِيٌّ مُتْرَفٌ: مُنَعَّمُ البَدَنِ، ومُتْرَفٌ: أبْطَرَتْهُ النِّعْمَةُ وسَعَةُ العَيْشِ. وقالَ الفَرّاءُ: أتْرَفَ: عُوِّدَ التُّرْفَةَ وهي النِّعْمَةُ.
﴿فَلا تَكُ في مِرْيَةٍ مِمّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إلّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهم مِن قَبْلُ وإنّا لَمُوَفُّوهم نَصِيبَهم غَيْرَ مَنقُوصٍ﴾ (، لَمّا ذَكَرَ تَعالى قَصَصَ عَبَدَةِ الأوْثانِ مِنَ الأُمَمِ السّالِفَةِ، وأتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِ أحْوالِ الأشْقِياءِ والسُّعَداءِ، شَرَحَ لِلرَّسُولِ ﷺ أحْوالَ الكُفّارِ مِن قَوْمِهِ، وأنَّهم مُتَّبِعُو آبائِهِمْ كَحالِ مَن تَقَدَّمَ مِنَ الأُمَمِ في اتِّباعِ آبائِهِمْ في الضَّلالِ.
وهَؤُلاءِ: إشارَةٌ إلى مُشْرِكِي العَرَبِ بِاتِّفاقٍ، وأنَّ دَيْدَنَهم كَدَيْدَنِ الأُمَمِ الماضِيَةِ في التَّقْلِيدِ والعَمى عَنِ النَّظَرِ في الدَّلائِلِ والحُجَجِ. وهَذِهِ تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ ﷺ، وعِدَةٌ بِالِانْتِقامِ مِنهم، إذْ حالُهم في ذَلِكَ حالُ الأُمَمِ السّالِفَةِ، والأُمَمُ السّالِفَةُ قَدْ قَصَصْنا عَلَيْكَ ما جَرى لَهم مِن سُوءِ العاقِبَةِ.
والتَّشْبِيهُ في قَوْلِهِ: ( ﴿كَما يَعْبُدُ﴾ مَعْناهُ: أنَّ حالَهم في الشِّرْكِ مِثْلُ حالِ آبائِهِمْ مِن غَيْرِ تَفاوُتٍ، وقَدْ بَلَغَكَ ما نَزَلَ بِأسْلافِهِمْ، فَسَيَنْزِلُ بِهِمْ مِثْلُهُ.
(وما يَعْبُدُ): اسْتِئْنافٌ جَرى مَجْرى التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ عَنِ المِرْيَةِ، وما في (مِمّا) وفي (كَما) يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً وبِمَعْنى الَّذِي. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿لَمُوَفُّوهُمْ﴾ مُشَدَّدًا مِن وفّى، وابْنُ مُحَيْصِنٍ مُخَفَّفًا مِن أوْفى، والنَّصِيبُ هُنا قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ما قُدِّرَ لَهم مِن خَيْرٍ ومِن شَرٍّ.
وقالَ أبُو العالِيَةِ: مِنَ الرِّزْقِ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: مِنَ العَذابِ، وكَذا قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ قالَ: كَما وفَّيْنا آباءَهم أنْصِباءَهم، و﴿غَيْرَ مَنقُوصٍ﴾: حالٌ مِن نَصِيبِهِمْ، وهو عِنْدِي: حالٌ مُؤَكِّدَةٌ، لِأنَّ التَّوْفِيَةَ تَقْتَضِي التَّكْمِيلَ.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): كَيْفَ نُصِبَ ﴿غَيْرَ مَنقُوصٍ﴾ حالًا (p-٢٦٦)مِنَ النَّصِيبِ المُوَفّى ؟ (قُلْتُ): يَجُوزُ أنْ يُوَفّى وهو ناقِصٌ، ويُوَفّى وهو كامِلٌ.
ألا تَراكَ تَقُولُ: وفَّيْتُهُ شَطْرَ حَقِّهِ، وثُلُثَ حَقِّهِ، وحَقَّهُ كامِلًا وناقِصًا ؟ انْتَهى. وهَذِهِ مَغْلَطَةٌ إذا قالَ: وفَّيْتُهُ شَطْرَ حَقِّهِ، فالتَّوْفِيَةُ وقَعَتْ في الشَّطْرِ، وكَذا ثُلُثَ حَقِّهِ، والمَعْنى: أعْطَيْتُهُ الشَّطْرَ أوِ الثُّلُثَ كامِلًا لَمْ أنْقُصْهُ مِنهُ شَيْئًا.
وأمّا قَوْلُهُ: وحَقَّهُ كامِلًا وناقِصًا، أمّا كامِلًا فَصَحِيحٌ، وهي حالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِأنَّ التَّوْفِيَةَ تَقْتَضِي الإكْمالَ، وأمّا وناقِصًا فَلا يُقالُ لِمُنافاتِهِ التَّوْفِيَةَ. والخِطابُ في ﴿فَلا تَكُ﴾ [هود: ١٧] مُتَوَجِّهٌ إلى مَن داخَلَهُ الشَّكُّ لا إلى الرَّسُولِ، والمَعْنى: واللَّهُ أعْلَمُ: قُلْ يا مُحَمَّدُ لِكُلِّ مَن شَكَّ لا تَكُ في مِرْيَةٍ مِمّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ، فَإنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْهم بِذَلِكَ، وإنَّما اتَّبَعُوا في ذَلِكَ آباءَهم تَقْلِيدًا لَهم وإعْراضًا عَنْ حُجَجِ العُقُولِ.
﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ فاخْتُلِفَ فِيهِ ولَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهم وإنَّهم لَفي شَكٍّ مِنهُ مُرِيبٍ﴾ لَمّا بَيَّنَ تَعالى إصْرارَ كُفّارِ مَكَّةَ عَلى إنْكارِ التَّوْحِيدِ ونُبُوَّةِ الرَّسُولِ والقُرْآنِ الَّذِي أتى بِهِ، بَيَّنَ أنَّ الكُفّارَ مِنَ الأُمَمِ السّابِقَةِ كانُوا عَلى هَذِهِ السِّيرَةِ الفاجِرَةِ مَعَ أنْبِيائِهِمْ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِبِدْعٍ مِمَّنْ عاصَرَ الرَّسُولَ، وضَرَبَ لِذَلِكَ مَثَلًا وهو: إنْزالُ التَّوْراةِ عَلى مُوسى فاخْتَلَفُوا فِيها.
والكِتابُ هُنا: التَّوْراةُ، فَقَبِلَهُ بَعْضٌ وأنْكَرَهُ بَعْضٌ، كَما اخْتَلَفَ هَؤُلاءِ في القُرْآنِ. والظّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِيهِ عَلى الكِتابِ لِقُرْبِهِ، ويَجُوزُ أنْ يَعُودَ عَلى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ.
ويَلْزَمُ مِنَ الِاخْتِلافِ في أحَدِهِما الِاخْتِلافُ في الآخَرِ. وجازَ أنْ تَكُونَ (في) بِمَعْنى (عَلى)، أيْ: فاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، وكانَ بَنُو إسْرائِيلَ أشَدَّ تَعَنُّتًا عَلى مُوسى وأكْثَرَ اخْتِلافًا عَلَيْهِ.
وقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ﴿ولَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ والظّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ في بَيْنَهم عَلى قَوْمِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، إذْ هُمُ المُخْتَلِفُونَ فِيهِ، أوْ في الكِتابِ. وقِيلَ: يَعُودُ عَلى المُخْتَلِفِينَ في الرَّسُولِ مِن مُعاصِرِيهِ.
قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وأنْ يَعُمَّهُمُ اللَّفْظُ أحْسَنُ عِنْدِي، وهَذِهِ الجُمْلَةُ مِن جُمْلَةِ تَسْلِيَتِهِ أيْضًا.
{"ayahs_start":109,"ayahs":["فَلَا تَكُ فِی مِرۡیَةࣲ مِّمَّا یَعۡبُدُ هَـٰۤؤُلَاۤءِۚ مَا یَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا یَعۡبُدُ ءَابَاۤؤُهُم مِّن قَبۡلُۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِیبَهُمۡ غَیۡرَ مَنقُوصࣲ","وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِیهِۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةࣱ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِیَ بَیۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِی شَكࣲّ مِّنۡهُ مُرِیبࣲ"],"ayah":"فَلَا تَكُ فِی مِرۡیَةࣲ مِّمَّا یَعۡبُدُ هَـٰۤؤُلَاۤءِۚ مَا یَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا یَعۡبُدُ ءَابَاۤؤُهُم مِّن قَبۡلُۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِیبَهُمۡ غَیۡرَ مَنقُوصࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق