الباحث القرآني
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
إخْوَةٌ قَرَّشُوا الذُّنُوبَ عَلَيْنا في حَدِيثٍ مِن دَهْرِهِمْ وقَدِيمِ
كانُوا مُتَفَرِّقِينَ في غَيْرِ الحَرَمِ، فَجَمَعَهم قُصَيُّ بْنُ كِلابٍ في الحَرَمِ حَتّى اتَّخَذُوهُ مَسْكَنًا، ومِنهُ قَوْلُهُ:أبُونا قُصَيُّ كانَ يُدْعى مُجَمِّعًا ∗∗∗ بِهِ جَمَعَ اللَّهُ القَبائِلَ مِن فِهْرِ
وقالَ الفَرّاءُ: التَّقَرُّشُ: التَّكَسُّبُ، وقَدْ قَرَشَ يَقْرِشُ قَرْشًا، إذا كَسَبَ وجَمَعَ، ومِنهُ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ، وقِيلَ: كانُوا يُفَتِّشُونَ عَلى ذِي الخَلَّةِ مِنَ الحاجِّ لِيَسُدُّوها، والقَرْشِ: التَّفْتِيشُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:أيُّها النّاطِقُ المُقَرِّشُ عَنّا ∗∗∗ عِنْدَ عَمْرٍو وهَلْ لِذاكَ بَقاءُ
وسَألَ مُعاوِيَةُ ابْنَ عَبّاسٍ: بِمَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا ؟ فَقالَ: بِدابَّةٍ في البَحْرِ أقْوى دَوابِّهِ يُقالُ لَها القِرْشُ، تَأْكُلُ ولا تُؤْكَلُ، وتَعْلُو ولا تُعْلى، ومِنهُ قَوْلُ تُبَّعٍ:وقُرَيْشٌ هي الَّتِي تَسْكُنُ البَحْرَ ∗∗∗ بِها سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشا
تَأْكُلُ الغَثَّ والسَّمِينَ ولا تَتْرُكُ ∗∗∗ فِيها لِذِي جَناحَيْنِ رِيشا
هَكَذا في البِلادِ حَيُّ قُرَيْشٍ ∗∗∗ يَأْكُلُونَ البِلادَ أكْلًا كَمِيشا
ولَهم آخِرُ الزَّمانِ نَبِيٌّ ∗∗∗ يُكْثِرُ القَتْلَ فِيهِمْ والخُمُوشا
وفِي الكَشّافِ: دابَّةٌ تَعْبَثُ بِالسُّفُنِ ولا تُطاقُ إلّا بِالنّارِ، فَإنْ كانَ قُرَيْشٌ مِن مَزِيدٍ فِيهِ فَهو تَصْغِيرُ تَرْخِيمٍ، وإنْ كانَ مِن ثُلاثِيٍّ مُجَرَّدٍ فَهو تَصْغِيرٌ عَلى أصْلِ التَّصْغِيرِ.مِنَ المُؤَلَّفاتِ الرَّمْلِ أدْماءُ حُرَّةٌ ∗∗∗ شُعاعُ الضُّحى في مَتْنِها يَتَوَضَّحُ
ولَمْ يَخْتَلِفِ القُرّاءُ السَّبْعَةُ في قِراءَةِ إيلافِهِمْ مَصْدَرًا لِلرُّباعِيِّ. ورُوِيَ عَنْ أبِي بَكْرٍ، عَنْ عاصِمٍ أنَّهُ قَرَأ بِهَمْزَتَيْنِ، فِيهِما الثّانِيَةُ ساكِنَةٌ، وهَذا شاذٌّ، وإنْ كانَ الأصْلَ أبْدَلُوا الهَمْزَةَ الَّتِي هي فاءُ الكَلِمَةِ لِثِقَلِ اجْتِماعِ هَمْزَتَيْنِ، ولَمْ يُبْدِلُوا في نَحْوٍ يُؤَلَّفُ عَلى جِهَةِ اللُّزُومِ لِزَوالِ الِاسْتِثْقالِ بِحَذْفِ الهَمْزَةِ فِيهِ، وهَذا المَرْوِيُّ عَنْ عاصِمٍ هو مِن طَرِيقِ الشُّمُنِّيِّ عَنِ الأعْشى عَنْ أبِي بَكْرٍ، ورَوى مُحَمَّدُ بْنُ داوُدَ النَّقّارُ عَنْ عاصِمٍ: (إإيلافِهِمْ) بِهَمْزَتَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ بَعْدَهُما ياءٌ ساكِنَةٌ ناشِئَةٌ عَنْ حَرَكَةِ الهَمْزَةِ الثّانِيَةِ لَمّا أشْبَعَ كَسْرَتَها، والصَّحِيحُ رُجُوعُ عاصِمٍ عَنِ الهَمْزَةِ الثّانِيَةِ، وأنَّهُ قَرَأ كالجَماعَةِ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ فِيما حَكى الزَّمَخْشَرِيُّ: (لِإلْفِ قُرَيْشٍ)، وقَرَأ فِيما حَكى ابْنُ عَطِيَّةَ (إلْفَهم)، قالَ الشّاعِرُ:زَعَمْتُمْ أنَّ إخْوَتَكم قُرَيْشًا ∗∗∗ لَهم إلْفٌ ولَيْسَ لَكم إلافُ
جَمَعَ بَيْنَ مَصْدَرِي ألِفَ الثُّلاثِيِّ، وعَنْ أبِي جَعْفَرٍ وابْنِ عامِرٍ: (إلافَهم) عَلى وزْنِ فِعالٍ، وعَنْ أبِي جَعْفَرٍ وابْنِ كَثِيرٍ: (إلْفَهم) عَلى وزْنِ فِعْلٍ، وبِذَلِكَ قَرَأ عِكْرِمَةُ، وعَنْ أبِي جَعْفَرٍ أيْضًا: (لِيلافِ) بِياءٍ ساكِنَةٍ بَعْدَ اللّامِ أتْبَعَ لَمّا أبْدَلَ الثّانِيَةَ ياءً حَذْفَ الأُولى حَذْفًا عَلى غَيْرِ قِياسٍ، وعَنْ عِكْرِمَةَ: (لِيَأْلَفَ قُرَيْشٌ)، وعَنْهُ أيْضًا: (لِتَأْلَفْ قُرَيْشٌ) عَلى الأمْرِ، وعَنْهُ وعَنْ هِلالِ بْنِ فِتْيانَ: بِفَتْحِ لامِ الأمْرِ، وأجْمَعُوا هُنا عَلى صَرْفِ قُرَيْشٍ، راعَوْا فِيهِ مَعْنى الحَيِّ، ويَجُوزُ مَنعُ صَرْفِهِ مَلْحُوظًا فِيهِ مَعْنى القَبِيلَةِ لِلتَّأْنِيثِ والعَلَمِيَّةِ، قالَ الشّاعِرُ:وكَفى قُرَيْشَ المُعْضِلاتِ وسادَها
جَعَلَهُ اسْمًا لِلْقَبِيلَةِ سِيبَوَيْهِ في نَحْوِ مَعَدَّ وقُرَيْشَ وثَقِيفَ، وكَيْنُونَةُ هَذِهِ لِلْأحْياءِ أكْثَرُ، وإنْ جَعَلْتَها اسْمًا لِلْقَبائِلِ فَجائِزٌ حَسَنٌ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿رِحْلَةَ﴾ بِكَسْرِ الرّاءِ، وأبُو السَّمّالِ: بِضَمِّها، فَبِالكَسْرِ مَصْدَرٌ، وبِالضَّمِّ الجِهَةُ الَّتِي يُرْحَلُ إلَيْها، والجُمْهُورُ عَلى أنَّهُما رِحْلَتانِ، فَقِيلَ: إلى الشّامِ في التِّجارَةِ ونَيْلِ الأرْباحِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:سَفَرَيْنِ بَيْنَهُما لَهُ ولِغَيْرِهِ ∗∗∗ سَفَرَ الشِّتاءِ ورِحْلَةَ الأصْيافِ
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: رِحْلَةٌ إلى اليَمَنِ، ورِحْلَةٌ إلى بُصْرى، وقالَ: يَرْحَلُونَ في الصَّيْفِ إلى الطّائِفِ حَيْثُ الماءُ والظِّلُّ، ويَرْحَلُونَ في الشِّتاءِ إلى مَكَّةَ لِلتِّجارَةِ وسائِرِ أغْراضِهِمْ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وأرادَ رِحْلَتَيِ الشِّتاءِ والصَّيْفِ، فَأفْرَدَ لِأمْنِ الإلْباسِ، كَقَوْلِهِ:كُلُوا في بَعْضِ بَطْنِكم تَعِفُّوا ∗∗∗ فَإنَّ زَمانَكم زَمَنٌ خَمِيصُ
انْتَهى. وهَذا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ لا يَجُوزُ إلّا في الضَّرُورَةِ، ومِثْلُهُ:حَمامَةَ بَطْنِ الوادِيَيْنِ تَرَنَّمِي
يُرِيدُ: بَطْنَيِ الوادِيَيْنِ، أنْشَدَهُ أصْحابُنا عَلى الضَّرُورَةِ، وقالَ النَّقّاشُ: كانَتْ لَهم أرْبَعُ رِحَلٍ، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا قَوْلٌ مَرْدُودٌ. انْتَهى. ولا يَنْبَغِي أنْ يَرِدَ، فَإنَّ أصْحابَ الإيلافِ كانُوا أرْبَعَةَ إخْوَةٍ وهم بَنُو عَبْدِ مَنافٍ: هاشِمٌ كانَ يُؤَلِّفُ مَلِكَ الشّامِ، أخَذَ مِنهُ خَيْلًا، فَأمِنَ بِهِ في تِجارَتِهِ إلى الشّامِ، وعَبْدُ شَمْسٍ يُؤَلِّفُ إلى الحَبَشَةِ، والمُطَّلِبُ إلى اليَمَنِ، ونَوْفَلٌ إلى فارِسَ، فَكانَ هَؤُلاءِ يُسَمَّوْنَ المُجْبِرِينَ، فَتَخْتَلِفُ تَجْرُ قُرَيْشٍ إلى الأمْصارِ بِحَبْلِ هَؤُلاءِ الإخْوَةِ، فَلا يُتَعَرَّضُ لَهم.يا أيُّها الرَّجُلُ المُحَوِّلُ رَحْلَهُ ∗∗∗ هَلّا نَزَلْتَ بِآلِ عَبْدِ مَنافِ
الآخِذُونَ العَهْدَ مِن آفاقِها ∗∗∗ والرّاحِلُونَ لِرِحْلَةِ الإيلافِ
والرّائِشُونَ ولَيْسَ يُوجَدُ رائِشٌ ∗∗∗ والقائِلُونَ هَلُمَّ لِلْأضْيافِ
والخالِطُونَ غَنِيَّهم لِفَقِيرِهِمْ ∗∗∗ حَتّى يَصِيرَ فَقِيرُهم كالكافِ
فَتَكُونُ (رِحْلَةَ) هُنا اسْمَ جِنْسٍ يَصْلُحُ لِلْواحِدِ ولِأكْثَرَ، وإيلافُهم بَدَلٌ مِن ﴿لِإيلافِ قُرَيْشٍ﴾ أطْلَقَ المُبْدَلَ مِنهُ وقَيَّدَ البَدَلَ بِالمَفْعُولِ بِهِ، وهو رِحْلَةٌ، أيْ لِأنْ ألِفُوا رِحْلَةً تَفْخِيمًا لِأمْرِ الإيلافِ وتَذْكِيرًا بِعَظِيمِ النِّعْمَةِ فِيهِ ﴿هَذا البَيْتِ﴾ هو الكَعْبَةُ، وتَمَكَّنَ هُنا هَذا اللَّفْظُ لِتَقَدُّمِ حِمايَتِهِ في السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَها، ومِن هُنا لِلتَّعْلِيلِ، أيْ لِأجْلِ الجُوعِ، كانُوا قُطّانًا بِبَلَدٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عُرْضَةً لِلْجُوعِ والخَوْفِ لَوْلا لُطْفُ اللَّهِ تَعالى بِهِمْ، وذَلِكَ بِدَعْوَةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، قالَ تَعالى: ﴿يُجْبى إلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [القصص: ٥٧] .فَقُومُوا فَصِلُوا رَبَّكم وتَمَسَّحُوا ∗∗∗ بِأرْكانِ هَذا البَيْتِ بَيْنَ الأخاشِبِ
فَعِنْدَكم مِنهُ بَلاءٌ ومُصَدِّقٌ ∗∗∗ غَداةَ أبى مَكْسُومٍ هادِي الكَتائِبِ
كَثِيبَةٌ بِالسَّهْلِ تَمْشِي ورِحْلَةٌ ∗∗∗ عَلى العادِقاتِ في رُءُوسِ المَناقِبِ
فَلَمّا أتاكم نَصْرُ ذِي العَرْشِ رَدَّهم ∗∗∗ جُنُودُ المَلِيكِ بَيْنَ ساقٍ وحاجِبِ
فَوَلَّوْا سِراعًا هارِبِينَ ولَمْ يَؤُبْ ∗∗∗ إلى أهْلِهِ مِلْجَيْشِ غَيْرُ عَصائِبِ