الباحث القرآني
(p-٥١٣)سُورَةُ لِإيلافِ قُرَيْشٍ مَكِّيَّةٌ وهي أرْبَعُ آياتٍ
﷽
﴿لِإيلافِ قُرَيْشٍ﴾ ﴿إيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ والصَّيْفِ﴾ ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذا البَيْتِ﴾ ﴿الَّذِي أطْعَمَهم مِن جُوعٍ وآمَنَهم مِن خَوْفٍ﴾
قُرَيْشٌ: عَلَمٌ اسْمُ قَبِيلَةٍ، وهم بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنانَةَ، فَمَن كانَ مِن بَنِي النَّضْرِ فَهو مِن قُرَيْشٍ دُونَ بَنِي كِنانَةَ، وقِيلَ: هم بَنُو فِهْرِ بْنِ مالِكِ بْنِ النَّضْرِ، فَمَن لَمْ يَلِدْهُ فِهْرٌ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ، قالَ القُرْطُبِيُّ: والقَوْلُ الأوَّلُ أصَحُّ وأثْبَتُ، وسُمُّوا بِذَلِكَ لِتَجَمُّعِهِمْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، والتَّقْرِيشُ: التَّجَمُّعُ والِالئِتامُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎إخْوَةٌ قَرَّشُوا الذُّنُوبَ عَلَيْنا في حَدِيثٍ مِن دَهْرِهِمْ وقَدِيمِ
كانُوا مُتَفَرِّقِينَ في غَيْرِ الحَرَمِ، فَجَمَعَهم قُصَيُّ بْنُ كِلابٍ في الحَرَمِ حَتّى اتَّخَذُوهُ مَسْكَنًا، ومِنهُ قَوْلُهُ:
؎أبُونا قُصَيُّ كانَ يُدْعى مُجَمِّعًا ∗∗∗ بِهِ جَمَعَ اللَّهُ القَبائِلَ مِن فِهْرِ
وقالَ الفَرّاءُ: التَّقَرُّشُ: التَّكَسُّبُ، وقَدْ قَرَشَ يَقْرِشُ قَرْشًا، إذا كَسَبَ وجَمَعَ، ومِنهُ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ، وقِيلَ: كانُوا يُفَتِّشُونَ عَلى ذِي الخَلَّةِ مِنَ الحاجِّ لِيَسُدُّوها، والقَرْشِ: التَّفْتِيشُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎أيُّها النّاطِقُ المُقَرِّشُ عَنّا ∗∗∗ عِنْدَ عَمْرٍو وهَلْ لِذاكَ بَقاءُ
وسَألَ مُعاوِيَةُ ابْنَ عَبّاسٍ: بِمَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا ؟ فَقالَ: بِدابَّةٍ في البَحْرِ أقْوى دَوابِّهِ يُقالُ لَها القِرْشُ، تَأْكُلُ ولا تُؤْكَلُ، وتَعْلُو ولا تُعْلى، ومِنهُ قَوْلُ تُبَّعٍ:
؎وقُرَيْشٌ هي الَّتِي تَسْكُنُ البَحْرَ ∗∗∗ بِها سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشا
؎تَأْكُلُ الغَثَّ والسَّمِينَ ولا تَتْرُكُ ∗∗∗ فِيها لِذِي جَناحَيْنِ رِيشا
؎هَكَذا في البِلادِ حَيُّ قُرَيْشٍ ∗∗∗ يَأْكُلُونَ البِلادَ أكْلًا كَمِيشا
؎ولَهم آخِرُ الزَّمانِ نَبِيٌّ ∗∗∗ يُكْثِرُ القَتْلَ فِيهِمْ والخُمُوشا
وفِي الكَشّافِ: دابَّةٌ تَعْبَثُ بِالسُّفُنِ ولا تُطاقُ إلّا بِالنّارِ، فَإنْ كانَ قُرَيْشٌ مِن مَزِيدٍ فِيهِ فَهو تَصْغِيرُ تَرْخِيمٍ، وإنْ كانَ مِن ثُلاثِيٍّ مُجَرَّدٍ فَهو تَصْغِيرٌ عَلى أصْلِ التَّصْغِيرِ.
الشِّتاءُ والصَّيْفُ فَصْلانِ مَعْرُوفانِ مِن فُصُولِ السَّنَةِ الأرْبَعَةِ، وهَمْزَةُ الشِّتاءِ مُبْدَلَةٌ مِن واوٍ، قالُوا: شَتا يَشْتُو، وقالُوا: شَتْوَةً، والشِّتاءُ مُفْرَدٌ ولَيْسَ بِجَمْعِ شَتْوَةٍ.
﴿لِإيلافِ قُرَيْشٍ﴾ ﴿إيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ والصَّيْفِ﴾ ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذا البَيْتِ﴾ ﴿الَّذِي أطْعَمَهم مِن جُوعٍ وآمَنَهم مِن خَوْفٍ﴾ .
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ الجُمْهُورِ، مَدَنِيَّةٌ في قَوْلِ الضَّحّاكِ وابْنِ السّائِبِ، ومُناسَبَتُها لِما قَبْلَها ظاهِرَةٌ، ولا سِيَّما أنْ جُعِلَتِ اللّامُ مُتَعَلِّقَةً بِنَفْسِ فَجَعَلَهم، وهو قَوْلُ الأخْفَشِ، أوْ بِإضْمارِ فَعَلْنا ذَلِكَ لِإيلافِ قُرَيْشٍ، وهو مَرْوِيٌّ عَنِ الأخْفَشِ حَتّى تَطْمَئِنَّ في بَلَدِها، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلِامْتِنانِ عَلَيْهِمْ، إذْ لَوْ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ أصْحابُ الفِيلِ لَتَشَتَّتُوا في البِلادِ والأقالِيمِ، ولَمْ تَجْتَمِعْ لَهم كَلِمَةٌ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وهَذا بِمَنزِلَةِ التَّضْمِينِ في الشِّعْرِ، وهو أنْ يَتَعَلَّقَ مَعْنى البَيْتِ بِالَّذِي قَبْلَهُ تَعَلُّقًا لا يَصِحُّ إلّا بِهِ، وهُما في مُصْحَفِ أُبَيٍّ سُورَةٌ واحِدَةٌ بِلا فَصْلٍ. وعَنْ عُمَرَ: أنَّهُ قَرَأهُما في الثّانِيَةِ مِن صَلاةِ (p-٥١٤)المَغْرِبِ، وقَرَأ في الأُولى والتِّينِ، والمَعْنى أنَّهُ أهْلَكَ أهْلَ الحَبَشَةِ الَّذِينَ قَصَدُوهم لِيَتَسامَعَ النّاسُ بِذَلِكَ، فَيَتَهَيَّبُوهم زِيادَةَ تَهَيُّبٍ، ويَحْتَرِمُوهم فَضْلَ احْتِرامٍ حَتّى يَنْتَظِمَ لَهُمُ الأمْنُ في رِحْلَتِهِمْ. انْتَهى.
قالَ الحَوْفِيُّ: ورَّدَ هَذا القَوْلَ جَماعَةٌ، وقالُوا: لَوْ كانَ كَذا لَكانَ لِإيلافِ بَعْضَ سُورَةِ ألَمْ تَرَ، وفي إجْماعِ الجَمِيعِ عَلى الفَصْلِ بَيْنَهُما ما يَدُلُّ عَلى غَيْرِ ما قالَ، يَعْنِي الأخْفَشَ والكِسائِيَّ والفَرّاءَ، تَتَعَلَّقُ بِاعْجَبُوا مُضْمِرَةً، أيْ اعَجَبُوا لِإيلافِ قُرَيْشٍ رِحْلَةَ الشِّتاءِ والصَّيْفِ، وتَرْكِهِمْ عِبادَةَ رَبِّ هَذا البَيْتِ، ثُمَّ أمْرَهم بِالعِبادَةِ بَعْدُ وأعْلَمَهم أنَّ اللَّهَ هو الَّذِي أطْعَمَهم وآمَنَهم لا إسافُهم، أيْ فَلْيَعْبُدُوا الَّذِي أطْعَمَهم بِدَعْوَةِ أبِيهِمْ حَيْثُ قالَ: ﴿وارْزُقْهم مِنَ الثَّمَراتِ﴾ [إبراهيم: ٣٧] وآمَنَهم بِدَعْوَتِهِ حَيْثُ قالَ: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذا البَلَدَ آمِنًا﴾ [إبراهيم: ٣٥] ولا تَشْتَغِلُوا بِالأسْفارِ الَّتِي إنَّما هي طَلَبُ كَسْبٍ وعَرْضِ دُنْيا. وقالَ الخَلِيلُ بْنُ أحْمَدَ: تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلْيَعْبُدُوا﴾ والمَعْنى لِأنْ فَعَلَ اللَّهُ بِقُرَيْشٍ هَذا ومَكَّنَهم مِن إلْفِهِمْ هَذِهِ النِّعْمَةَ ﴿فَلْيَعْبُدُوا﴾ أمَرَهم أنْ يَعْبُدُوهُ لِأجْلِ إيلافِهِمْ الرِّحْلَةَ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: فَلِمَ دَخَلَتِ الفاءُ ؟ قُلْتُ: لِما في الكَلامِ مِن مَعْنى الشَّرْطِ؛ لِأنَّ المَعْنى: إمّا لا فَلْيَعْبُدُوا لِإيلافِهِمْ عَلى مَعْنى أنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لا تُحْصى، فَإنْ لَمْ يَعْبُدُوهُ لِسائِرِ نِعَمِهِ، فَلْيَعْبُدُوهُ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ الواحِدَةِ الَّتِي هي نِعْمَةٌ ظاهِرَةٌ. انْتَهى.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿لِإيلافِ قُرَيْشٍ﴾ مَصْدَرُ آلَفَ رُباعِيًّا، وابْنُ عامِرٍ: (لِإلافِ) عَلى وزْنِ فِعالٍ، مَصْدَرُ ألِفَ ثُلاثِيًّا، يُقالُ: ألِفَ الرَّجُلُ الأمْرَ إلْفًا وإلافًا، وآلَفَهُ غَيْرُهُ إيّاهُ إيلافًا، وقَدْ يَأْتِي آلَفَ مُتَعَدِّيًا لِواحِدٍ كَألِفَ، قالَ الشّاعِرُ:
؎مِنَ المُؤَلَّفاتِ الرَّمْلِ أدْماءُ حُرَّةٌ ∗∗∗ شُعاعُ الضُّحى في مَتْنِها يَتَوَضَّحُ
ولَمْ يَخْتَلِفِ القُرّاءُ السَّبْعَةُ في قِراءَةِ إيلافِهِمْ مَصْدَرًا لِلرُّباعِيِّ. ورُوِيَ عَنْ أبِي بَكْرٍ، عَنْ عاصِمٍ أنَّهُ قَرَأ بِهَمْزَتَيْنِ، فِيهِما الثّانِيَةُ ساكِنَةٌ، وهَذا شاذٌّ، وإنْ كانَ الأصْلَ أبْدَلُوا الهَمْزَةَ الَّتِي هي فاءُ الكَلِمَةِ لِثِقَلِ اجْتِماعِ هَمْزَتَيْنِ، ولَمْ يُبْدِلُوا في نَحْوٍ يُؤَلَّفُ عَلى جِهَةِ اللُّزُومِ لِزَوالِ الِاسْتِثْقالِ بِحَذْفِ الهَمْزَةِ فِيهِ، وهَذا المَرْوِيُّ عَنْ عاصِمٍ هو مِن طَرِيقِ الشُّمُنِّيِّ عَنِ الأعْشى عَنْ أبِي بَكْرٍ، ورَوى مُحَمَّدُ بْنُ داوُدَ النَّقّارُ عَنْ عاصِمٍ: (إإيلافِهِمْ) بِهَمْزَتَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ بَعْدَهُما ياءٌ ساكِنَةٌ ناشِئَةٌ عَنْ حَرَكَةِ الهَمْزَةِ الثّانِيَةِ لَمّا أشْبَعَ كَسْرَتَها، والصَّحِيحُ رُجُوعُ عاصِمٍ عَنِ الهَمْزَةِ الثّانِيَةِ، وأنَّهُ قَرَأ كالجَماعَةِ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ فِيما حَكى الزَّمَخْشَرِيُّ: (لِإلْفِ قُرَيْشٍ)، وقَرَأ فِيما حَكى ابْنُ عَطِيَّةَ (إلْفَهم)، قالَ الشّاعِرُ:
؎زَعَمْتُمْ أنَّ إخْوَتَكم قُرَيْشًا ∗∗∗ لَهم إلْفٌ ولَيْسَ لَكم إلافُ
جَمَعَ بَيْنَ مَصْدَرِي ألِفَ الثُّلاثِيِّ، وعَنْ أبِي جَعْفَرٍ وابْنِ عامِرٍ: (إلافَهم) عَلى وزْنِ فِعالٍ، وعَنْ أبِي جَعْفَرٍ وابْنِ كَثِيرٍ: (إلْفَهم) عَلى وزْنِ فِعْلٍ، وبِذَلِكَ قَرَأ عِكْرِمَةُ، وعَنْ أبِي جَعْفَرٍ أيْضًا: (لِيلافِ) بِياءٍ ساكِنَةٍ بَعْدَ اللّامِ أتْبَعَ لَمّا أبْدَلَ الثّانِيَةَ ياءً حَذْفَ الأُولى حَذْفًا عَلى غَيْرِ قِياسٍ، وعَنْ عِكْرِمَةَ: (لِيَأْلَفَ قُرَيْشٌ)، وعَنْهُ أيْضًا: (لِتَأْلَفْ قُرَيْشٌ) عَلى الأمْرِ، وعَنْهُ وعَنْ هِلالِ بْنِ فِتْيانَ: بِفَتْحِ لامِ الأمْرِ، وأجْمَعُوا هُنا عَلى صَرْفِ قُرَيْشٍ، راعَوْا فِيهِ مَعْنى الحَيِّ، ويَجُوزُ مَنعُ صَرْفِهِ مَلْحُوظًا فِيهِ مَعْنى القَبِيلَةِ لِلتَّأْنِيثِ والعَلَمِيَّةِ، قالَ الشّاعِرُ:
؎وكَفى قُرَيْشَ المُعْضِلاتِ وسادَها
جَعَلَهُ اسْمًا لِلْقَبِيلَةِ سِيبَوَيْهِ في نَحْوِ مَعَدَّ وقُرَيْشَ وثَقِيفَ، وكَيْنُونَةُ هَذِهِ لِلْأحْياءِ أكْثَرُ، وإنْ جَعَلْتَها اسْمًا لِلْقَبائِلِ فَجائِزٌ حَسَنٌ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿رِحْلَةَ﴾ بِكَسْرِ الرّاءِ، وأبُو السَّمّالِ: بِضَمِّها، فَبِالكَسْرِ مَصْدَرٌ، وبِالضَّمِّ الجِهَةُ الَّتِي يُرْحَلُ إلَيْها، والجُمْهُورُ عَلى أنَّهُما رِحْلَتانِ، فَقِيلَ: إلى الشّامِ في التِّجارَةِ ونَيْلِ الأرْباحِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎سَفَرَيْنِ بَيْنَهُما لَهُ ولِغَيْرِهِ ∗∗∗ سَفَرَ الشِّتاءِ ورِحْلَةَ الأصْيافِ
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: رِحْلَةٌ إلى اليَمَنِ، ورِحْلَةٌ إلى بُصْرى، وقالَ: يَرْحَلُونَ في الصَّيْفِ إلى الطّائِفِ (p-٥١٥)حَيْثُ الماءُ والظِّلُّ، ويَرْحَلُونَ في الشِّتاءِ إلى مَكَّةَ لِلتِّجارَةِ وسائِرِ أغْراضِهِمْ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وأرادَ رِحْلَتَيِ الشِّتاءِ والصَّيْفِ، فَأفْرَدَ لِأمْنِ الإلْباسِ، كَقَوْلِهِ:
؎كُلُوا في بَعْضِ بَطْنِكم تَعِفُّوا ∗∗∗ فَإنَّ زَمانَكم زَمَنٌ خَمِيصُ
انْتَهى. وهَذا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ لا يَجُوزُ إلّا في الضَّرُورَةِ، ومِثْلُهُ:
؎حَمامَةَ بَطْنِ الوادِيَيْنِ تَرَنَّمِي
يُرِيدُ: بَطْنَيِ الوادِيَيْنِ، أنْشَدَهُ أصْحابُنا عَلى الضَّرُورَةِ، وقالَ النَّقّاشُ: كانَتْ لَهم أرْبَعُ رِحَلٍ، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا قَوْلٌ مَرْدُودٌ. انْتَهى. ولا يَنْبَغِي أنْ يَرِدَ، فَإنَّ أصْحابَ الإيلافِ كانُوا أرْبَعَةَ إخْوَةٍ وهم بَنُو عَبْدِ مَنافٍ: هاشِمٌ كانَ يُؤَلِّفُ مَلِكَ الشّامِ، أخَذَ مِنهُ خَيْلًا، فَأمِنَ بِهِ في تِجارَتِهِ إلى الشّامِ، وعَبْدُ شَمْسٍ يُؤَلِّفُ إلى الحَبَشَةِ، والمُطَّلِبُ إلى اليَمَنِ، ونَوْفَلٌ إلى فارِسَ، فَكانَ هَؤُلاءِ يُسَمَّوْنَ المُجْبِرِينَ، فَتَخْتَلِفُ تَجْرُ قُرَيْشٍ إلى الأمْصارِ بِحَبْلِ هَؤُلاءِ الإخْوَةِ، فَلا يُتَعَرَّضُ لَهم.
قالَ الأزْهَرِيُّ: الإيلافُ شِبْهُ الإجارَةِ بِالخِفارَةِ، فَإذا كانَ كَذَلِكَ جازَ أنْ يَكُونَ لَهم رِحَلٌ أرْبَعٌ، بِاعْتِبارِ هَذِهِ الأماكِنِ الَّتِي كانَتِ التُّجّارُ في خِفارَةِ هَؤُلاءِ الأرْبَعَةِ فِيها، وفِيهِمْ يَقُولُ الشّاعِرُ يَمْدَحُهم:
؎يا أيُّها الرَّجُلُ المُحَوِّلُ رَحْلَهُ ∗∗∗ هَلّا نَزَلْتَ بِآلِ عَبْدِ مَنافِ
؎الآخِذُونَ العَهْدَ مِن آفاقِها ∗∗∗ والرّاحِلُونَ لِرِحْلَةِ الإيلافِ
؎والرّائِشُونَ ولَيْسَ يُوجَدُ رائِشٌ ∗∗∗ والقائِلُونَ هَلُمَّ لِلْأضْيافِ
؎والخالِطُونَ غَنِيَّهم لِفَقِيرِهِمْ ∗∗∗ حَتّى يَصِيرَ فَقِيرُهم كالكافِ
فَتَكُونُ (رِحْلَةَ) هُنا اسْمَ جِنْسٍ يَصْلُحُ لِلْواحِدِ ولِأكْثَرَ، وإيلافُهم بَدَلٌ مِن ﴿لِإيلافِ قُرَيْشٍ﴾ أطْلَقَ المُبْدَلَ مِنهُ وقَيَّدَ البَدَلَ بِالمَفْعُولِ بِهِ، وهو رِحْلَةٌ، أيْ لِأنْ ألِفُوا رِحْلَةً تَفْخِيمًا لِأمْرِ الإيلافِ وتَذْكِيرًا بِعَظِيمِ النِّعْمَةِ فِيهِ ﴿هَذا البَيْتِ﴾ هو الكَعْبَةُ، وتَمَكَّنَ هُنا هَذا اللَّفْظُ لِتَقَدُّمِ حِمايَتِهِ في السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَها، ومِن هُنا لِلتَّعْلِيلِ، أيْ لِأجْلِ الجُوعِ، كانُوا قُطّانًا بِبَلَدٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عُرْضَةً لِلْجُوعِ والخَوْفِ لَوْلا لُطْفُ اللَّهِ تَعالى بِهِمْ، وذَلِكَ بِدَعْوَةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، قالَ تَعالى: ﴿يُجْبى إلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [القصص: ٥٧] .
﴿الَّذِي أطْعَمَهم مِن﴾ فَضَّلَهم عَلى العَرَبِ بِكَوْنِهِمْ يَأْمَنُونَ حَيْثُ ما حَلُّوا، فَيُقالُ: هَؤُلاءِ قُطّانُ بَيْتِ اللَّهِ، فَلا يَتَعَرَّضُ إلَيْهِمْ أحَدٌ، وغَيْرُهم خائِفُونَ.
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ والضَّحّاكُ: ﴿الَّذِي أطْعَمَهم مِن﴾ مَعْناهُ مِنَ الجُذامِ، فَلا تَرى بِمَكَّةَ مَجْذُومًا، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: والتَّنْكِيرُ في جُوعٍ وخَوْفٍ لِشِدَّتِهِما، يَعْنِي أطْعَمَهم بِالرِّحْلَتَيْنِ مِن جُوعٍ شَدِيدٍ كانُوا فِيهِ قَبْلَهُما، وآمَنَهم مِن خَوْفٍ عَظِيمٍ، وهو خَوْفُ أصْحابِ الفِيلِ، أوْ خَوْفُ التَّخَطُّفِ في بَلَدِهِمْ ومَسايِرِهِمْ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿مِن خَوْفٍ﴾ بِإظْهارِ النُّونِ عِنْدَ الخاءِ، والمُسَيَّبِيُّ عَنْ نافِعٍ: بِإخْفائِها، وكَذَلِكَ مَعَ العَيْنِ، نَحْوَ: مِن عَلى، وهي لُغَةٌ حَكاها سِيبَوَيْهِ، وقالَ ابْنُ الأسْلَتِ يُخاطِبُ قُرَيْشًا:
؎فَقُومُوا فَصِلُوا رَبَّكم وتَمَسَّحُوا ∗∗∗ بِأرْكانِ هَذا البَيْتِ بَيْنَ الأخاشِبِ
؎فَعِنْدَكم مِنهُ بَلاءٌ ومُصَدِّقٌ ∗∗∗ غَداةَ أبى مَكْسُومٍ هادِي الكَتائِبِ
؎كَثِيبَةٌ بِالسَّهْلِ تَمْشِي ورِحْلَةٌ ∗∗∗ عَلى العادِقاتِ في رُءُوسِ المَناقِبِ
؎فَلَمّا أتاكم نَصْرُ ذِي العَرْشِ رَدَّهم ∗∗∗ جُنُودُ المَلِيكِ بَيْنَ ساقٍ وحاجِبِ
؎فَوَلَّوْا سِراعًا هارِبِينَ ولَمْ يَؤُبْ ∗∗∗ إلى أهْلِهِ مِلْجَيْشِ غَيْرُ عَصائِبِ
{"ayahs_start":1,"ayahs":["لِإِیلَـٰفِ قُرَیۡشٍ","إِۦلَـٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَاۤءِ وَٱلصَّیۡفِ","فَلۡیَعۡبُدُوا۟ رَبَّ هَـٰذَا ٱلۡبَیۡتِ","ٱلَّذِیۤ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعࣲ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ"],"ayah":"إِۦلَـٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَاۤءِ وَٱلصَّیۡفِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











