الباحث القرآني
(p-٥٠٦)سُورَةُ القارِعَةِ مَكِّيَّةٌ وهي إحْدى عَشْرَةَ آيَةً
﷽
﴿القارِعَةُ﴾ ﴿ما القارِعَةُ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما القارِعَةُ﴾ ﴿يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كالفَراشِ المَبْثُوثِ﴾ ﴿وتَكُونُ الجِبالُ كالعِهْنِ المَنفُوشِ﴾ ﴿فَأمّا مَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ﴾ ﴿فَهُوَ في عِيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ ﴿وأمّا مَن خَفَّتْ مَوازِينُهُ﴾ ﴿فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما هِيَهْ﴾ ﴿نارٌ حامِيَةٌ﴾
الفَراشُ، قالَ الفَرّاءُ: هو الهَمَجُ الطّائِرُ مِن بَعُوضٍ وغَيْرِهِ، ومِنهُ الجَرادُ، ويُقالُ: هو أطْيَشُ مِن فَراشَةٍ، قالَ: وقَدْ كانَ أقْوامٌ رَدَدْتُ قُلُوبَهم عَلَيْهِمْ، وكانُوا كالفَراشِ مِنَ الجَهْلِ، وقِيلَ: فَراشَةُ الحِلْمِ نَفَشَتِ الصُّوفَ والقُطْنَ: فَرَّقَتْ ما كانَ مُلَبَّدًا مِن أجْزائِهِ.
﴿القارِعَةُ﴾ ﴿ما القارِعَةُ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما القارِعَةُ﴾ ﴿يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كالفَراشِ المَبْثُوثِ﴾ ﴿وتَكُونُ الجِبالُ كالعِهْنِ المَنفُوشِ﴾ ﴿فَأمّا مَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ﴾ ﴿فَهُوَ في عِيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ ﴿وأمّا مَن خَفَّتْ مَوازِينُهُ﴾ ﴿فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما هِيَهْ﴾ ﴿نارٌ حامِيَةٌ﴾
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، ومُناسَبَتُها لِما قَبْلَها ظاهِرَةٌ؛ لِأنَّهُ ذَكَرَ وقْتَ بُعْثِرَتِ القُبُورُ، وذَلِكَ هو وقْتُ السّاعَةِ، وقالَ الجُمْهُورُ: (القارِعَةُ) القِيامَةُ نَفْسُها؛ لِأنَّها تَقْرَعُ القُلُوبَ بِهَوْلِها، وقِيلَ: صَيْحَةُ النَّفْخَةِ في الصُّورِ؛ لِأنَّها تَقْرَعُ الأسْماعَ وفي ضِمْنِ ذَلِكَ القُلُوبُ، وقالَ الضَّحّاكُ: هي النّارُ ذاتُ التَّغَيُّظِ والزَّفِيرِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿القارِعَةُ﴾ ﴿ما القارِعَةُ﴾ بِالرَّفْعِ، فَما اسْتِفْهامٌ فِيهِ مَعْنى الِاسْتِعْظامِ والتَّعَجُّبِ وهو مُبْتَدَأٌ، والقارِعَةُ خَبَرُهُ، وتَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ في ﴿الحاقَّةُ﴾ [الحاقة: ١] ﴿ما الحاقَّةُ﴾ [الحاقة: ٢] وقِيلَ ذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿فَأصْحابُ المَيْمَنَةِ ما أصْحابُ المَيْمَنَةِ﴾ [الواقعة: ٨] وقالَ الزَّجّاجُ: هو تَحْذِيرٌ، والعَرَبُ تُحَذِّرُ وتُغْرِي بِالرَّفْعِ كالنَّصْبِ، قالَ الشّاعِرُ:
؎أخُو النَّجْدَةِ السِّلاحُ السِّلاحُ
وقَرَأ عِيسى: بِالنَّصْبِ، وتَخْرِيجُهُ عَلى أنَّهُ مَنصُوبٌ بِإضْمارِ فِعْلٍ، أيِ اذْكُرُوا القارِعَةَ، وما زائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، والقارِعَةُ تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ لِلْأُولى، وقَرَأ الجُمْهُورُ: (يَوْمَ) بِالنَّصْبِ، وهو ظَرْفٌ، العامِلُ فِيهِ، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: القارِعَةُ، فَإنْ كانَ عَنى بِالقارِعَةِ اللَّفْظَ الأوَّلَ، فَلا يَجُوزُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ العامِلِ، وهو في صِلَةِ ألْ، والمَعْمُولِ بِالخَبَرِ، وكَذا لَوْ صارَ القارِعَةُ عَلَمًا لِلْقِيامَةِ لا يَجُوزُ أيْضًا، وإنْ كانَ عَنى اللَّفْظَ الثّانِيَ أوِ الثّالِثَ، فَلا يَلْتَئِمُ مَعْنى الظَّرْفِ مَعَهُ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الظَّرْفُ نُصِبَ بِمُضْمَرٍ دَلَّ عَلَيْهِ القارِعَةُ، أيْ تَقْرَعُ يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ، وقالَ الحَوْفِيُّ: تَأْتِي يَوْمَ يَكُونُ، وقِيلَ: اذْكُرْ يَوْمَ، وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: (يَوْمُ يَكُونُ) مَرْفُوعَ المِيمِ، أيْ وقْتُها ﴿يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كالفَراشِ المَبْثُوثِ﴾ قالَ قَتادَةُ: هو الطَّيْرُ الَّذِي يَتَساقَطُ في النّارِ. وقالَ الفَرّاءُ: غَوْغاءُ الجَرادِ، وهو صَغِيرُهُ الَّذِي يَنْتَشِرُ في الأرْضِ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا مِنَ الهَوْلِ. وقِيلَ: الفَراشُ طَيْرٌ دَقِيقٌ يَقْصِدُ النّارَ، ولا يَزالُ يَتَقَحَّمُ عَلى المِصْباحِ ونَحْوِهِ حَتّى يَحْتَرِقَ، شُبِّهُوا في الكَثْرَةِ والِانْتِشارِ والضَّعْفِ والذِّلَّةِ والمَجِيءِ والذَّهابِ عَلى غَيْرِ نِظامٍ، والتَّطايُرِ إلى الدّاعِي مِن كُلِّ جِهَةٍ حَتّى تَدْعُوَهم إلى ناحِيَةِ المَحْشَرِ، كالفَراشِ المُتَطايِرِ إلى النّارِ، قالَ جَرِيرٌ:
؎إنَّ الفَرَزْدَقَ ما عَلِمْتُ وقَوْمَهُ ∗∗∗ مِثْلُ الفَراشِ غَشَيْنَ نارَ المُصْطَلِي
وقَرَنَ بَيْنَ النّاسِ والجِبالِ تَنْبِيهًا عَلى تَأْثِيرِ تِلْكَ القارِعَةِ في الجِبالِ حَتّى صارَتْ كالعِهْنِ المَنفُوشِ، (p-٥٠٧)فَكَيْفَ يَكُونُ حالُ الإنْسانِ عِنْدَ سَماعِها ؟ وتَقَدَّمَ الكَلامُ في المَوازِينِ وثِقَلِها وخِفَّتِها في الأعْرافِ، و”عِيشَةٍ راضِيَةٍ“ في الحاقَّةِ ﴿فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ﴾ الهاوِيَةُ دَرَكَةٌ مِن دَرَكاتِ النّارِ، وأُمُّهُ مَعْناهُ مَأْواهُ، كَما قِيلَ لِلْأرْضِ أُمُّ النّاسِ لِأنَّها تُئْوِيهِمْ، وكَما قالَ عُتْبَةُ بْنُ أبِي سُفْيانَ في الحَرْبِ: فَنَحْنُ بَنُوها وهي أُمُّنا، وقالَ قَتادَةُ وأبُو صالِحٍ وغَيْرُهُ: فَأُمُّ رَأْسِهِ هاوِيَةٌ في قَعْرِ جَهَنَّمَ لِأنَّهُ يُطْرَحُ فِيها مَنكُوسًا، وقِيلَ: هو تَفاؤُلٌ بِشَرٍّ، وإذا دَعَوْا بِالهَلَكَةِ قالُوا هَوَتْ أُمُّهُ، لِأنَّهُ إذا هَوى، أيْ سَقَطَ وهَلَكَ فَقَدْ هَوَتْ أُمُّهُ ثُكْلًا وحُزْنًا، قالَ الشّاعِرُ:
؎هَوَتْ أُمُّهُ ما يَبْعَثُ الصُّبْحُ غادِيًا ∗∗∗ وماذا يَوَدُّ اللَّيْلُ حِينَ يَئُوبُ
وقَرَأ الجُمْهُورُ: (فَأُمُّهُ) بِضَمِّ الهَمْزَةِ، وطَلْحَةُ بِكَسْرِها، قالَ ابْنُ خالَوَيْهِ: وحَكى ابْنُ دُرَيْدٍ أنَّها لُغَةٌ، وأمّا النَّحْوِيُّونَ فَإنَّهم يَقُولُونَ: لا يَجُوزُ كَسْرُ الهَمْزَةِ إلّا أنْ يَتَقَدَّمَها كَسْرَةٌ أوْ ياءٌ. انْتَهى.
﴿وما أدْراكَ ما هِيَهْ﴾ هي ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلى هاوِيَةٍ إنْ كانَتْ كَما قِيلَ دَرَكَةٌ مِن دَرَكاتِ النّارِ مَعْرُوفَةٌ بِهَذا الِاسْمِ، وإنْ كانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمّا قِيلَ فَهي ضَمِيرُ الدّاهِيَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْها قَوْلُهُ: ﴿فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ﴾ والهاءُ في ﴿ما هِيَهْ﴾ هاءُ السَّكْتِ، وحَذَفَها في الوَصْلِ ابْنُ أبِي إسْحاقَ والأعْمَشُ وحَمْزَةُ، وأثْبَتَها الجُمْهُورُ. (نارٌ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ هي نارٌ، أعاذَنا اللَّهُ مِنها بِمَنِّهِ وكَرَمِهِ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["ٱلۡقَارِعَةُ","مَا ٱلۡقَارِعَةُ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ","یَوۡمَ یَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ","وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ","فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ","فَهُوَ فِی عِیشَةࣲ رَّاضِیَةࣲ","وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ","فَأُمُّهُۥ هَاوِیَةࣱ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا هِیَهۡ","نَارٌ حَامِیَةُۢ"],"ayah":"وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق