الباحث القرآني
﴿فَإنْ كُنْتَ في شَكٍّ مِمّا أنْزَلْنا إلَيْكَ فاسْألِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الحَقُّ مِن رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ﴾ ﴿ولا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ (p-١٩١)الظّاهِرُ أنَّ (إنْ) شَرْطِيَّةٌ. ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ والحُسَيْنِ بْنِ الفَضْلِ أنَّ (إنْ) نافِيَةٌ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أيْ مِمّا كُنْتَ في شَكٍّ فَسْألْ، يَعْنِي: لا نَأْمُرُكَ بِالسُّؤالِ لِأنَّكَ شاكٌّ، ولَكِنْ لِتَزْدادَ يَقِينًا كَما ازْدادَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِمُعايَنَةِ إحْياءِ المَوْتى، انْتَهى.
وإذا كانَتْ إنْ شَرْطِيَّةً فَذَكَرُوا أنَّها تَدْخُلُ عَلى المُمْكِنِ وجُودُهُ، أوِ المُحَقَّقِ وُجُودُهُ المُنْبَهِمُ زَمانُ وُقُوعِهِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَإنْ مِتَّ فَهُمُ الخالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٤] والَّذِي أقُولُهُ: أنَّ إنِ الشَّرْطِيَّةَ تَقْتَضِي تَعْلِيقَ شَيْءٍ عَلى شَيْءٍ، ولا تَسْتَلْزِمُ تَحَتُّمَ وُقُوعِهِ ولا إمْكانِهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ في المُسْتَحِيلِ عَقْلًا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ إنْ كانَ لِلرَّحْمَنِ ولَدٌ فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ﴾ [الزخرف: ٨١] ومُسْتَحِيلٌ أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ، فَكَذَلِكَ هَذا مُسْتَحِيلٌ أنْ يَكُونَ في شَكٍّ، وفي المُسْتَحِيلِ عادَةً كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا في الأرْضِ أوْ سُلَّمًا في السَّماءِ فَتَأْتِيَهم بِآيَةٍ﴾ [الأنعام: ٣٥]، أيْ: فافْعَلْ. لَكِنَّ وُقُوعَ إنْ لِلتَّعْلِيقِ عَلى المُسْتَحِيلِ قَلِيلٌ، وهَذِهِ الآيَةُ مِن ذَلِكَ. ولَمّا خَفِيَ هَذا الوَجْهُ عَلى أكْثَرِ النّاسِ اخْتَلَفُوا في تَخْرِيجِ هَذِهِ الآيَةِ، فَقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الصَّوابُ أنَّها مُخاطَبَةٌ لِلنَّبِيِّ، والمُرادُ بِها سِواهُ مِن كُلِّ مَن يُمْكِنُ أنْ يَشُكَّ أوْ يُعارِضَ، انْتَهى.
ولِذَلِكَ جاءَ: ﴿قُلْ ياأيُّها النّاسُ إنْ كُنْتُمْ في شَكٍّ مِن دِينِي﴾ [يونس: ١٠٤] وقالَ قَوْمٌ: الكَلامُ بِمَنزِلَةِ قَوْلِكَ: إنْ كُنْتَ ابْنِي فَبِرَّنِي، ولَيْسَ هَذا المِثالُ بِجَيِّدٍ، وإنَّما مِثالُ هَذِهِ قَوْلُهُ تَعالى لِعِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿أأنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ﴾ [المائدة: ١١٦]، انْتَهى.
وهَذا القَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنِ الفَرّاءِ. قالَ الكِرْمانِيُّ: واخْتارَهُ جَماعَةٌ، وضَعُفَ بِأنَّهُ يَصِيرُ تَقْدِيرُ الآيَةَ: أأنْتَ في شَكٍّ ؟ إذْ لَيْسَ في الآيَةِ ما يَدُلُّ عَلى نَفْيِ الشَّكِّ. وقِيلَ: كَنّى هُنا بِالشَّكِّ عَنِ الضِّيقِ، أيْ: فَإنْ كُنْتَ في ضَيْقٍ مِنَ اخْتِلافِهِمْ فِيما أُنْزِلَ إلَيْكَ وتَعَنُّتِهِمْ عَلَيْكَ. وقِيلَ: كَنّى بِالشَّكِّ عَنِ العَجَبِ، أيْ: فَإنْ كُنْتَ في تَعَجُّبٍ مِن عِنادِ فِرْعَوْنَ.
ومُناسَبَةُ المَجازِ أنَّ التَّعَجُّبَ فِيهِ تَرَدُّدٌ، كَما أنَّ الشَّكَّ تَرَدُّدٌ بَيْنَ أمْرَيْنِ. وقالَ الكِسائِيُّ: مَعْناهُ إنْ كُنْتَ في شَكٍّ أنَّ هَذا عادَتُهم مَعَ الأنْبِياءِ فَسَلْهم كَيْفَ كانَ صَبْرُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ ؟ وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ كُنْتَ في شَكٍّ بِمَعْنى: العَرْضِ والتَّمْثِيلِ، كَأنَّهُ قِيلَ: فَإنْ وقَعَ لَكَ شَكٌّ مَثَلًا وخَيَّلَ لَكَ الشَّيْطانُ خَيالًا مِنهُ تَقْدِيرًا فَسْألِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتابَ، والمَعْنى: أنَّ اللَّهَ تَعالى قَدَّمَ ذِكْرَ بَنِي إسْرائِيلَ وهم قَرَأةُ الكِتابِ، ووَصَفَهم بِأنَّ العِلْمَ قَدْ جاءَهم، لِأنَّ أمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَكْتُوبٌ عِنْدَهم في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ وهم يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أبْناءَهم، فَأرادَ أنْ يُؤَكِّدَ عَلَيْهِمْ بِصِحَّةِ القُرْآنِ وصِحَّةِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، ويُبالِغَ في ذَلِكَ فَقالَ تَعالى: فَإنْ وقَعَ لَكَ شَكٌّ فَرْضًا وتَقْدِيرًا، وسَبِيلُ مَن خالَجَتْهُ شُبْهَةٌ في الدِّينِ أنْ يُسارِعَ إلى حَلِّها وإماطَتِها، إمّا بِالرُّجُوعِ إلى قَوانِينِ الدِّينِ وأدِلَّتِهِ، وإمّا بِمُقادَحَةِ العُلَماءِ المُنَبِّهِينَ عَلى الحَقِّ، انْتَهى.
وقِيلَ أقْوالٌ غَيْرُ هَذِهِ، وقَرَأ يَحْيى وإبْراهِيمُ: يَقْرَءُونَ الكُتُبَ عَلى الجَمْعِ. والحَقُّ هُنا: الإسْلامُ أوِ القُرْآنُ أوِ النُّبُوَّةُ أوِ الآياتُ والبَراهِينُ القاطِعَةُ، أقْوالٌ: فاثْبُتْ ودُمْ عَلى ما أنْتَ فِيهِ مِنَ انْتِفاءِ المِرْيَةِ والتَّكْذِيبِ.
والخِطابُ لِلسّامِعِ غَيْرِ الرَّسُولِ. وكَثِيرًا ما يَأْتِي الخِطابُ في ظاهِرِهِ لِشَخْصٍ والمُرادُ غَيْرُهُ، ورُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: «لا أشُكُّ ولا أسْألُ بَلْ أشْهَدُ أنَّهُ الحَقُّ» وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: واللَّهِ ما شَكَّ طَرْفَةَ عَيْنٍ، ولا سَألَ أحَدًا مِنهم.
والِامْتِراءُ: التَّوَقُّفُ في الشَّيْءِ والشَّكُّ فِيهِ، وأمْرُهُ أسْهَلُ مِن أمْرِ المُكَذِّبِ فَبُدِئَ بِهِ أوَّلًا فَنُهِيَ عَنْهُ، وأُتْبِعَ بِذِكْرِ المُكَذِّبِ ونُهِيَ أنْ يَكُونَ مِنهم.
{"ayahs_start":94,"ayahs":["فَإِن كُنتَ فِی شَكࣲّ مِّمَّاۤ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ فَسۡـَٔلِ ٱلَّذِینَ یَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَاۤءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ","وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ"],"ayah":"وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق