الباحث القرآني

﴿وأوْحَيْنا إلى مُوسى وأخِيهِ أنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُوا بُيُوتَكم قِبْلَةً وأقِيمُوا الصَّلاةَ وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾: لَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِ أخِيهِ لِأنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أوَّلًا في قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ بَعَثْنا مِن بَعْدِهِمْ مُوسى وهارُونَ﴾ [يونس: ٧٥] وتَبَوَّآ: اتِّخِذا مَباءَةً، أيْ: مَرْجِعًا لِلْعِبادَةِ والصَّلاةِ كَما تَقُولُ: تَوَطَّنَ: اتَّخَذَ مَوْطِنًا، والظّاهِرُ اتِّخاذُ البُيُوتِ بِـ مِصْرَ. قالَ الضَّحّاكُ: وهي مِصْرُ المَحْرُوسَةُ، ومِصْرُ مِنَ البَحْرِ إلى أسْوانَ، والأسْكَنْدَرِيَّةُ مِن أرْضِ مِصْرَ. وقالَ مُجاهِدٌ: هي (p-١٨٦)الأسْكَنْدَرِيَّةُ، وكانَ فِرْعَوْنُ قَدِ اسْتَوْلى عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، خَرَّبَ مَساجِدَهم ومَواضِعَ عِباداتِهِمْ، ومَنَعَهم مِنَ الصَّلَواتِ، وكَلَّفَهُمُ الأعْمالَ الشّاقَّةَ. وكانُوا في أوَّلِ أمْرِهِمْ مَأْمُورِينَ بِأنْ يُصَلُّوا في بُيُوتِهِمْ في خُفْيَةٍ مِنَ الكَفَرَةِ لِئَلّا يَظْهَرُوا عَلَيْهِمْ، فَيَرُدُّوهم ويَفْتِنُوهم عَنْ دِينِهِمْ، كَما كانَ المُؤْمِنُونَ عَلى ذَلِكَ في أوَّلِ الإسْلامِ. وقَرَأ حَفْصٌ في رِوايَةِ هُبَيْرَةَ: تَبَوَّيا بِالياءِ، وهَذا تَسْهِيلٌ غَيْرُ قِياسِيٍّ، ولَوْ جَرى عَلى القِياسِ لَكانَ بَيْنَ الهَمْزَةِ والألِفِ، والظّاهِرُ أنَّ المَأْمُورَ بِأنْ يَجْعَلَ قِبْلَةً هي المَأْمُورُ بِتَبَوُّئِها. ومَعْنى قِبْلَةً: مَساجِدَ، أُمِرُوا بِأنْ يَتَّخِذُوا بُيُوتَهم مَساجِدَ، قالَهُ النَّخَعِيُّ وابْنُ زَيْدٍ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا: واجْعَلُوا بُيُوتَكم قِبَلَ القِبْلَةِ، وعَنْهُ أيْضًا: قِبَلَ مَكَّةَ. وقالَ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ ومُقاتِلٌ والفَرّاءُ: أُمِرُوا بِأنْ يَجْعَلُوها مُسْتَقْبِلَةَ الكَعْبَةِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا وابْنِ جُبَيْرٍ: قِبْلَةً يُقابِلُ بَعْضُها بَعْضًا. ﴿وأقِيمُوا الصَّلاةَ﴾: وهَذا قَبْلَ نُزُولِ التَّوْراةِ، لِأنَّها لَمْ تَنْزِلْ إلّا بَعْدَ إجارَةِ البَحْرِ. ﴿وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾ يَعْنِي: بِالنَّصْرِ في الدُّنْيا وبِالجَنَّةِ في الآخِرَةِ، وهو أمْرٌ لِـ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنْ يَتَبَوَّآ لِقَوْمِهِما ويَخْتاراها لِلْعِبادَةِ، وذَلِكَ مِمّا يُفَوَّضُ إلى الأنْبِياءِ. ثُمَّ نَسَّقَ الخِطابَ عامًّا لَهُما ولِقَوْمِهِما بِاتِّخاذِ المَساجِدِ والصَّلاةِ فِيها، لِأنَّ ذَلِكَ واجِبٌ عَلى الجُمْهُورِ، ثُمَّ خَصَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِالتَّبْشِيرِ الَّذِي هو الغَرَضُ، تَعْظِيمًا لَهُ ولِلْمُبَشَّرِ بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب