الباحث القرآني

﴿فَما آمَنَ لِمُوسى إلّا ذُرِّيَّةٌ مِن قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أنْ يَفْتِنَهم وإنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ في الأرْضِ وإنَّهُ لَمِنَ المُسْرِفِينَ﴾ ﴿وقالَ مُوسى ياقَوْمِ إنْ كُنْتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾ ﴿فَقالُوا عَلى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ ﴿ونَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القَوْمِ الكافِرِينَ﴾: الظّاهِرُ في الفاءِ مِن حَيْثُ أنَّ مَدْلُولَها التَّعْقِيبُ: أنَّ هَذا الإيمانَ الصّادِرَ مِنَ الذُّرِّيَّةِ لَمْ يَتَأخَّرْ عَنْ قِصَّةِ الإلْقاءِ. والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ (p-١٨٤)فِي قَوْمِهِ عائِدٌ عَلى مُوسى، وأنَّهُ لا يَعُودُ عَلى فِرْعَوْنَ، لِأنَّ مُوسى هو المُحَدَّثُ عَنْهُ في هَذِهِ الآيَةِ، وهو أقْرَبُ مَذْكُورٍ. ولِأنَّهُ لَوْ كانَ عائِدًا عَلى فِرْعَوْنَ لَمْ يَظْهَرْ لَفْظُ فِرْعَوْنَ، وكانَ التَّرْكِيبُ عَلى خَوْفٍ مِنهُ. ومِن مَلَئِهِمْ أنْ يَفْتِنَهم، وهَذا الإيمانُ مِنَ الذُّرِّيَّةِ كانَ أوَّلَ مَبْعَثِهِ إذْ قَدْ آمَنَ بِهِ بَنُو إسْرائِيلَ قَوْمُهُ كُلُّهم، كانَ أوَّلًا دَعا الآباءَ فَلَمْ يُجِيبُوهُ خَوْفًا مِن فِرْعَوْنَ، وأجابَتْهُ طائِفَةٌ مِن أبْنائِهِمْ مَعَ الخَوْفِ. وقالَ مُجاهِدٌ والأعْمَشُ: مَعْنى الآيَةِ أنَّ قَوْمًا أدْرَكَهم مُوسى ولَمْ يُؤْمِنُوا، وإنَّما آمَنَ ذَرارِيهِمْ بَعْدَ هَلاكِهِمْ لِطُولِ الزَّمَنِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا قَوْلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، إذا آمَنَ قَوْمٌ بَعْدَ مَوْتِ آبائِهِمْ فَلا مَعْنى لِتَخْصِيصِهِمْ باسِمِ الذُّرِّيَّةِ. وأيْضًا فَما رُوِيَ مِن أخْبارِ بَنِي إسْرائِيلَ لا يُعْطِي هَذا ويَنْفِيهِ قَوْلُهُ: فَما آمَنَ، لِأنَّهُ يُعْطِي تَقْلِيلَ المُؤْمِنِينَ بِهِ، لِأنَّهُ نَفى الإيمانَ ثُمَّ أوْجَبَهُ لِبَعْضِهِمْ، ولَوْ كانَ الأكْثَرُ مُؤْمِنًا لَأوْجَبَ الإيمانَ أوَّلًا ثُمَّ نَفاهُ عَنِ الأقَلِّ، وعَلى هَذا الوَجْهِ يَتَخَرَّجُ قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ في الذُّرِّيَّةِ: أنَّهُ القَلِيلُ، لا أنَّهُ أرادَ أنَّ لَفْظَ الذُّرِّيَّةِ بِمَعْنى القَلِيلِ كَما ظَنَّ مَكِّيٌّ وغَيْرُهُ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: إنَّما سَمّاهم ذُرِّيَّةً لِأنَّ أُمَّهاتِهِمْ كانَتْ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، وإماؤُهم مِنَ القِبْطِ. رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: فَكانَ يُقالُ لَهُمُ: الذُّرِّيَّةُ كَما قِيلَ لِفُرْسِ اليَمَنِ: الأبْناءُ، وهُمُ الفُرْسُ المُنْتَقِلُونَ مَعَ وهُوزَ بِسِعايَةِ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ. ومِمَّنْ ذَهَبَ إلى أنَّ الضَّمِيرَ في قَوْمِهِ عَلى مُوسى ابْنُ عَبّاسٍ قالَ: وكانُوا سِتَّمِائَةِ ألْفٍ، وذَلِكَ أنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ دَخَلَ مِصْرَ في اثْنَيْنِ وسَبْعِينَ نُفْسًا، فَتَوالَدُوا بِـ مِصْرَ حَتّى صارُوا سِتَّمِائَةِ ألْفٍ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ في قَوْمِهِ يَعُودُ عَلى فِرْعَوْنَ، رُوِيَ أنَّهُ آمَنَتْ زَوْجَةُ فِرْعَوْنَ وخازِنُهُ وامْرَأةُ خازِنِهِ وشَبابٌ مِن قَوْمِهِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: والسَّحَرَةُ أيْضًا فَإنَّهم مَعْدُودُونَ في قَوْمِ فِرْعَوْنَ. وقالَ السُّدِّيُّ: كانُوا سَبْعِينَ أهْلَ بَيْتٍ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ومِمّا يُضَعِّفُ عَوْدَ الضَّمِيرِ عَلى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ المَعْرُوفَ مِن أخْبارِ بَنِي إسْرائِيلَ أنَّهم كانُوا قَوْمًا قَدْ فَشَتْ فِيهِمُ السَّوْآتُ، وكانُوا في مُدَّةِ فِرْعَوْنَ قَدْ نالَهم ذُلٌّ مُفْرِطٌ، وقَدْ رَجَوْا كَشْفَهُ عَلى يَدِ مَوْلُودٍ يَخْرُجُ فِيهِمْ يَكُونُ نَبِيًّا، فَلَمّا جاءَهم مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أصْفَقُوا عَلَيْهِ وبايَعُوهُ، ولَمْ يُحْفَظْ قَطُّ أنَّ طائِفَةً مِن بَنِي إسْرائِيلَ كَفَرَتْ بِهِ، فَكَيْفَ تُعْطِي هَذِهِ الآيَةُ أنَّ الأقَلَّ مِنهم كانَ الَّذِي آمَنَ، فالَّذِي يَتَرَجَّحُ بِحَسَبِ هَذا أنَّ الضَّمِيرَ عائِدٌ عَلى فِرْعَوْنَ. ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ أيْضًا ما تَقَدَّمَ مِن مُحاوَرَةِ مُوسى ورَدِّهِ عَلَيْهِمْ، وتَوْبِيخِهِمْ عَلى قَوْلِهِمْ هَذا سِحْرٌ، فَذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهم ثُمَّ قالَ: فَما آمَنَ لِمُوسى إلّا ذُرِّيَّةٌ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ الَّذِي هَذِهِ أقْوالُهم. وتَكُونُ القِصَّةُ عَلى هَذا التَّأْوِيلِ بَعْدَ ظُهُورِ الآيَةِ والتَّعْجِيزِ بِالعَصا، وتَكُونُ الفاءُ مُرَتِّبَةً لِلْمَعانِي الَّتِي عُطِفَتْ، انْتَهى. ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ مَعْنى ﴿فَما آمَنَ﴾، أيْ: ما أظْهَرَ إيمانَهُ وأعْلَنَ بِهِ إلّا ذُرِّيَّةٌ مِن قَوْمِ مُوسى، فَلا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلى أنَّ طائِفَةً مِن بَنِي إسْرائِيلَ كَفَرَتْ بِهِ. والظّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ: ومَلَئِهِمْ، عَلى الذُّرِّيَّةِ وقالَهُ الأخْفَشُ واخْتارَهُ الطَّبَرِيُّ، أيْ: أخْوَفُ بَنِي إسْرائِيلَ الذَّرِّيَّةُ وهم أشْرافُ بَنِي إسْرائِيلَ إنْ كانَ الضَّمِيرُ في قَوْمِهِ عائِدًا عَلى مُوسى، لِأنَّهم كانُوا يَمْنَعُونَ أعْقابَهم خَوْفًا مِن فِرْعَوْنَ عَلى أنْفُسِهِمْ. ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ يَفْتِنَهُمْ﴾ أيْ: يُعَذِّبَهم. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أنْ يَقْتُلَهم. وقِيلَ: يَعُودُ عَلى قَوْمِهِ، أيْ: ومَلَإ قَوْمِ مُوسى، أوْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ. وقِيلَ: يَعُودُ عَلى المُضافِ المَحْذُوفِ تَقْدِيرُهُ: عَلى خَوْفٍ مِن آلِ فِرْعَوْنَ، قالَهُ الفَرّاءُ. كَما حُذِفَ في ﴿واسْألِ القَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢] ورُدَّ عَلَيْهِ بِأنَّ الخَوْفَ يُمْكِنُ مِن فِرْعَوْنَ ولا يُمْكِنُ سُؤالُ القَرْيَةِ، فَلا يُحْذَفُ إلّا ما دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ. وقَدْ يُقالُ: ويَدُلُّ عَلى هَذا المَحْذُوفِ جَمْعُ الضَّمِيرِ في ومَلَئِهِمْ. وقِيلَ: ثُمَّ مَعْطُوفٌ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَوْنُ المَلِكِ لا يَكُونُ وحْدَهُ، بَلْ لَهُ حاشِيَةٌ وأجْنادٌ، وكَأنَّهُ قِيلَ: عَلى خَوْفٍ مِن فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ ومَلَئِهِمْ، أيْ: مَلَإ فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ وقالَهُ الفَرّاءُ أيْضًا، وقِيلَ: لَمّا كانَ مَلِكًا جَبّارًا أُخْبِرَ عَنْهُ بِفِعْلِ الجَمِيعِ. وقِيلَ: سُمِّيَتِ (p-١٨٥)الجَماعَةُ بِـ فِرْعَوْنَ مِثْلُ هُودٍ. وأنْ يَفْتِنَهم بَدَلٌ مِن فِرْعَوْنَ بَدَلَ اشْتِمالٍ، أيْ: فِتْنَتِهِ، فَيَكُونُ في مَوْضِعِ جَرٍّ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِخَوْفٍ إمّا عَلى التَّعْلِيلِ، وإمّا عَلى أنَّهُ في مَوْضِعِ المَفْعُولِ بِهِ، أيْ: عَلى خَوْفٍ لِأجْلِ فِتْنَتِهِ، أوْ عَلى خَوْفِ فِتْنَتِهِ. وقَرَأ الحَسَنُ وجَرّاحٌ ونُبَيْحٌ: ﴿يَفْتِنَهُمْ﴾ بِضَمِّ الياءِ مِن أفْتَنَ، ولَعالٍ مُتَجَبِّرٍ أوْ باغٍ ظالِمٍ، أوْ مُتَعالٍ أوْ قاهِرٍ كَما قالَ: ؎فاعْمَدْ لِما تَعْلُو فَما لَكَ بِالَّذِي لا تَسْتَطِيعُ مِنَ الأُمُورِ يَدانِ أيْ: لِما تَقْهَرُ أقْوالٌ مُتَقارِبَةٌ، وإسْرافُهُ كَوْنُهُ كَثِيرَ القَتْلِ والتَّعْذِيبِ. وقِيلَ: كَوْنُهُ مِن أخَسِّ العَبِيدِ فادَّعى الإلَهِيَّةَ، وهَذا الإخْبارُ مُبَيِّنٌ سَبَبَ خَوْفِ أُولَئِكَ المُؤْمِنِينَ مِنهُ. وفِي الآيَةِ مَسْلاةٌ لِلرَّسُولِ ﷺ بِقِلَّةِ مَن آمَنَ لِـ مُوسى ومَنِ اسْتَجابَ لَهُ مَعَ ظُهُورِ ذَلِكَ المُعْجِزِ الباهِرِ، ولَمْ يُؤْمِن لَهُ إلّا ذُرِّيَّةٌ مِن قَوْمِهِ، وخِطابُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لِمَن آمَنَ بِقَوْلِهِ: (يا قَوْمِ)، دَلِيلٌ عَلى أنَّ المُؤْمِنِينَ الذُّرِّيَّةُ كانُوا مِن قَوْمِهِ، وخاطَبَهم بِذَلِكَ حِينَ اشْتَدَّ خَوْفُهم مِمّا تَوَعَّدَهم بِهِ فِرْعَوْنُ مِن قَتْلِ الآباءِ وذَبْحِ الذُّرِّيَّةِ. وقِيلَ: قالَ لَهم ذَلِكَ حِينَ قالُوا: إنّا لَمُدْرَكُونَ. وقِيلَ: حِينَ قالُوا: ﴿أُوذِينا مِن قَبْلِ أنْ تَأْتِيَنا ومِن بَعْدِ ما جِئْتَنا﴾ [الأعراف: ١٢٩]، قِيلَ: والأوَّلُ هو الصَّوابُ، لِأنَّ جَوابَ كُلٍّ مِنَ القَوْلَيْنِ مَذْكُورٌ بَعْدَهُ وهو: ﴿كَلّا إنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: ٦٢] وقَوْلُهُ: ﴿عَسى رَبُّكم أنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٢٩] الآيَةَ، وعُلِّقَ تَوَكُّلُهم عَلى شَرْطَيْنِ: مُتَقَدِّمٍ ومُتَأخِّرٍ. ومَتى كانَ الشَّرْطانِ لا يَتَرَتَّبانِ في الوُجُودِ فالشَّرْطُ الثّانِي شَرْطٌ في الأوَّلِ، فَمِن حَيْثُ هو شَرْطٌ فِيهِ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ. فالإسْلامُ هو الِانْقِيادُ لِلتَّكالِيفِ الصّادِرَةِ مِنَ اللَّهِ، وإظْهارُ الخُضُوعِ وتَرْكُ التَّمَرُّدِ، والإيمانُ: عِرْفانُ القَلْبِ بِاللَّهِ تَعالى ووَحْدانِيَّتُهُ وسائِرُ صِفاتِهِ، وأنَّ ما سِواهُ مُحْدَثٌ تَحْتَ قَهْرِهِ وتَدْبِيرِهِ. وإذا حَصَلَ هَذانِ الشَّرْطانِ فَوَّضَ العَبْدُ جَمِيعَ أُمُورِهِ إلى اللَّهِ تَعالى، واعْتَمَدَ عَلَيْهِ في كُلِّ الأحْوالِ. وأُدْخِلَ عَلى أنَّ فِعْلَيِّ الشَّرْطِ وإنْ كانَتْ في الأغْلَبِ إنَّما تَدْخُلُ عَلى غَيْرِ المُحَقَّقِ، مَعَ عِلْمِهِ بِإيمانِهِمْ عَلى وجْهِ إقامَةِ الحُجَّةِ وتَنْبِيهِ الأنْفُسِ وإثارَةِ الأنَفَةِ، كَما تَقُولُ: إنْ كُنْتَ رَجُلًا فَقاتِلْ، تُخاطِبُ بِذَلِكَ رَجُلًا تُرِيدُ إقامَةَ البَيِّنَةِ. وطَوَّلَ ابْنُ عَطِيَّةَ هُنا في مَسْألَةِ التَّوَكُّلِ بِما يُوقَفُ عَلَيْهِ في كِتابِهِ، وأجابُوا مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِما أمَرَهم بِهِ مِنَ التَّوَكُّلِ عَلى اللَّهِ لِأنَّهم كانُوا مُخْلِصِينَ في إيمانِهِمْ وإسْلامِهِمْ، ثُمَّ سَألُوا اللَّهَ تَعالى شَيْئَيْنِ، أحَدُهُما: أنْ لا يَجْعَلَهم فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أيْ مَوْضِعَ فِتْنَةٍ لَهم، أيْ عَذابٍ تُعَذِّبُونَنا أوْ تَفْتِنُونَنا عَنْ دِينِنا، أوْ فِتْنَةً لَهم يُفْتَنُونَ بِها ويَقُولُونَ: لَوْ كانَ هَؤُلاءِ عَلى الحَقِّ ما أُصِيبُوا. وقالَ مُجاهِدٌ وأبُو مِجْلَزٍ وأبُو الضُّحى وغَيْرُهم: مَعْنى القَوْلِ الآخَرِ قالَ: المَعْنى لا يَنْزِلُ بِنا، مَلَأُنا بِأيْدِيهِمْ أوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مُدَّةَ مُحارَبَتِنا لَهم فَيُفْتَنُونَ ويَعْتَقِدُونَ أنَّ هَلاكَنا إنَّما هو بِقَصْدٍ مِنكَ لِسُوءِ دِينِنا وصَلاحِ دِينِهِمْ وأنَّهم أهْلُ الحَقِّ. وقالَتْ فِرْقَةٌ، المَعْنى: لا نَفْتِنُهم ونَبْتَلِيهِمْ بِقَتْلِنا وأذِيَّتِنا فَنُعَذِّبُهم عَلى ذَلِكَ في الآخِرَةِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وفي هَذا التَّأْوِيلِ قَلَقٌ. وقالَ ابْنُ الكَلْبِيِّ: لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً بِتَقْتِيرِ الرِّزْقِ عَلَيْنا وبَسْطِهِ لَهم. والآخَرُ: يُنْجِيهِمْ مِنَ الكافِرِينَ، أيْ: مِن تَسْخِيرِهِمْ واسْتِعْبادِهِمْ. والَّذِي يَظْهَرُ أنَّهم سَألُوا اللَّهَ تَعالى أنْ لا يُفْتَنُوا عَنْ دِينِهِمْ وأنْ يَخْلُصُوا مِنَ الكُفّارِ، فَقَدَّمُوا ما كانَ عِنْدَهم أهَمُّ وهو سَلامَةُ دِينِهِمْ لَهم، وأخَّرُوا سَلامَةَ أنْفُسِهِمْ، إذْ الِاهْتِمامُ بِمَصالِحِ الدِّينِ آكَدُ مِنَ الِاهْتِمامِ بِمَصالِحِ الأبْدانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب