الباحث القرآني

﴿إنَّ في اخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ وما خَلَقَ اللَّهُ في السَّماواتِ والأرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾ والِاخْتِلافُ تَعاقُبُ اللَّيْلِ والنَّهارِ، وكَوْنُ أحَدِهِما يَخْلُفُ الآخَرَ. وما خَلَقَ اللَّهُ في السَّماواتِ مِنَ الأجْرامِ النَّيِّرَةِ الَّتِي فِيها، والمَلائِكَةِ المُقِيمِينَ بِها، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعالى، والأرْضِ مِنَ الجَوامِدِ والمَعادِنِ والنَّباتِ والحَيَوانِ. وخَصَّ المُتَّقِينَ لِأنَّهُمُ الَّذِينَ يَخافُونَ العَواقِبَ فَيَحْمِلُهُمُ الخَوْفُ عَلى تَدَبُّرِهِمْ ونَظَرِهِمْ. ﴿إنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ورَضُوا بِالحَياةِ الدُّنْيا واطْمَأنُّوا بِها والَّذِينَ هم عَنْ آياتِنا غافِلُونَ﴾ ﴿أُولَئِكَ مَأْواهُمُ النّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾: الظّاهِرُ أنَّ الرَّجاءَ هو التَّأْمِيلُ والطَّمَعُ، أيْ: لا يُؤَمِّلُونَ لِقاءَ ثَوابِنا وعِقابِنا. وقِيلَ: مَعْناهُ لا يَخافُونَ. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: وهَذِهِ الآيَةُ في الكُفّارِ، والمَعْنى أنَّ المُكَذِّبَ بِالبَعْثِ لَيْسَ يَرْجُو رَحْمَةً في الآخِرَةِ، ولا يُحْسِنُ ظَنًّا بِأنَّهُ يَلْقى اللَّهَ. وفي الكَلامِ مَحْذُوفٌ، أيْ: ورَضُوا بِالحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الآخِرَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿أرَضِيتُمْ بِالحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الآخِرَةِ﴾ [التوبة: ٣٨] والمَعْنى أنَّ مُنْتَهى غَرَضِهِمْ وقُصارى آمالِهِمْ إنَّما هو مَقْصُورٌ عَلى ما يَصِلُونَ إلَيْهِ في الدُّنْيا. واطْمَأنُّوا أيْ سَكَنُوا إلَيْها، وقَنِعُوا بِها، ورَفَضُوا ما سِواها. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: (والَّذِينَ هم) هو قِسْمٌ مِنَ الكُفّارِ غَيْرُ القِسْمِ الأوَّلِ، وذَلِكَ التَّكْرِيرُ المَوْصُولُ، فَيَدُلُّ عَلى المُغايَرَةِ، ويَكُونُ مَعْطُوفًا عَلى اسْمِ ”إنَّ“ ويَكُونُ ”أُولَئِكَ“ إشارَةً إلى صِنْفَيِ الكُفّارِ ذِي الدُّنْيا المُتَوَسِّعِ فِيها النّاظِرِ في الآياتِ، فَلَمْ يُؤْثِرْ عِنْدَهُ رَجاءَ لِقاءِ اللَّهِ، بَلْ رَضِيَ بِالحَياةِ الدُّنْيا لِتَكْذِيبِهِ بِالبَعْثِ والجَزاءِ، والعادِمِ التَّوَسُّعَ الغافِلِ عَنْ آياتِ اللَّهِ الدّالَّةِ عَلى الهِدايَةِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن عَطْفِ الصِّفاتِ، فَيَكُونُ ﴿والَّذِينَ هم عَنْ آياتِنا غافِلُونَ﴾ هُمُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَ اللَّهِ. والظّاهِرُ أنَّ ﴿واطْمَأنُّوا بِها﴾ عَطْفٌ عَلى الصِّلَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ واوَ الحالِ، أيْ: وقَدِ اطْمَأنُّوا بِها. والآياتُ قِيلَ: آياتُ القُرْآنِ. وقِيلَ: العَلاماتُ الدّالَّةُ عَلى الوَحْدانِيَّةِ والقُدْرَةِ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: ما أنْزَلْناهُ مِن حَلالٍ وحَرامٍ وفَرْضٍ مِن حُدُودٍ وشَرائِعِ أحْكامٍ، و(بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) إشْعارٌ بِأنَّ الأعْمالَ السّابِقَةَ يَكُونُ عَنْها العَذابُ، وفي ذَلِكَ رَدٌّ عَلى الجَبْرِيَّةِ، ونَصٌّ عَلى تَعَلُّقِ العِقابِ بِالكَسْبِ. ومَجِيئُهُ بِالمُضارِعِ دَلِيلٌ عَلى أنَّهم لَمْ يَزالُوا مُسْتَمِرِّينَ عَلى ذَلِكَ ماضِيَ زَمانِهِمْ ومُسْتَقْبَلَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب