الباحث القرآني

(p-١٩٤)﴿قُلِ انْظُرُوا ماذا في السَّماواتِ والأرْضِ وما تُغْنِي الآياتُ والنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إلّا مِثْلَ أيّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فانْتَظِرُوا إنِّي مَعَكم مِنَ المُنْتَظِرِينَ﴾: أمَرَ تَعالى بِالفِكْرِ فِيما أوْدَعَهُ تَعالى في السَّماواتِ والأرْضِ، إذِ السَّبِيلُ إلى مَعْرِفَتِهِ تَعالى هو بِالتَّفَكُّرِ في مَصْنُوعاتِهِ، فَفي العالَمِ العُلْوِيِّ في حَرَكاتِ الأفْلاكِ ومَقادِيرِها وأوْضاعِها والكَواكِبِ، وما يَخْتَصُّ بِذَلِكَ مِنَ المَنافِعِ والفَوائِدِ، وفي العالَمِ السُّفْلِيِّ في أحْوالِ العَناصِرِ والمَعادِنِ والنَّباتِ والحَيَوانِ، وخُصُوصًا حالُ الإنْسانِ. وكَثِيرًا ما ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى في كِتابِهِ الحَضَّ عَلى الفِكْرِ في مَخْلُوقاتِهِ تَعالى وقالَ: ﴿ماذا في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ تَنْبِيهًا عَلى القاعِدَةِ الكُلِّيَّةِ، والعاقِلُ يَتَنَبَّهُ لِتَفاصِيلِها وأقْسامِها. ثُمَّ لَمّا أمَرَ بِالنَّظَرِ أخْبَرَ أنَّهُ مَن لا يُؤْمِنُ لا تُغْنِيهِ الآياتُ. والنُّذُرُ: جَمْعُ نَذِيرٍ، إمّا مَصْدَرٌ فَمَعْناهُ: الإنْذاراتُ، وإمّا بِمَعْنى: مُنْذِرٌ فَمَعْناهُ: المُنْذِرُونَ والرُّسُلُ. وما: الظّاهِرُ أنَّها لِلنَّفْيِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ اسْتِفْهامًا، أيْ: وأيُّ شَيْءٍ تُغْنِي الآياتُ وهي الدَّلائِلُ ؟ وهو اسْتِفْهامٌ عَلى جِهَةِ التَّقْرِيرِ. وفي الآيَةِ تَوْبِيخٌ لِحاضِرِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ المُشْرِكِينَ. وقَرَأ الحَرَمِيّانِ والعَرَبِيّانِ والكِسائِيُّ: ﴿قُلِ انْظُرُوا﴾ بِضَمِّ اللّامِ، وقُرِئَ: ﴿وما تُغْنِي﴾ بِالتّاءِ وهي قِراءَةُ الجُمْهُورِ، وبِالياءِ. وماذا: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ اسْتِفْهامًا في مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِداءِ، والخَبَرُ: (في السَّماواتِ) . ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الخَبَرُ: ذا بِمَعْنى الَّذِي، وصِلَتُهُ (في السَّماواتِ) . وانْظُرُوا مُعَلَّقَةٌ، فالجُمْلَةُ الِابْتِدائِيَّةُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ، ويَبْعُدُ أنْ تَكُونَ ماذا كُلُّهُ مَوْصُولًا بِمَعْنى الَّذِي، ويَكُونُ مَفْعُولًا لِقَوْلِهِ: انْظُرُوا؛ لِأنَّهُ إنْ كانَتْ بَصَرِيَّةً تَعَدَّتْ بِإلى، وإنْ كانَتْ قَلْبِيَّةً تَعَدَّتْ بِفي. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ ما في قَوْلِهِ: وما تُغْنِي، مَفْعُولَةً لِقَوْلِهِ: (انْظُرُوا)، مَعْطُوفَةً عَلى قَوْلِهِ: ماذا، أيْ: تَأمَّلُوا نُذُرَ غِنى الآياتِ والنُّذُرِ عَنِ الكُفّارِ إذا قَبِلُوا ذَلِكَ كَفِعْلِ قَوْمِ يُونُسَ، فَإنَّهُ يَرْفَعُ العَذابَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ ويُنْجِي مِنَ الهَلَكاتِ. والآيَةُ عَلى هَذا تَحْرِيضٌ عَلى الإيمانِ، وتَجَوُّزُ اللَّفْظِ عَلى هَذا التَّأْوِيلِ إنَّما هو في قَوْلِهِ: لا يُؤْمِنُونَ، انْتَهى. وهَذا احْتِمالٌ فِيهِ ضَعْفٌ. وفي قَوْلِهِ: مَفْعُولَةً مَعْطُوفَةً عَلى قَوْلِهِ (ماذا) تَجَوُّزٌ يَعْنِي أنَّ الجُمْلَةَ الِاسْتِفْهامِيَّةَ الَّتِي هي ماذا في السَّماواتِ والأرْضِ في مَوْضِعِ المَفْعُولِ، لِأنَّ ماذا مَنصُوبٌ وحْدَهُ بِانْظُرُوا، فَيَكُونُ ماذا مَوْصُولَةً، وانْظُرُوا بَصَرِيَّةً لِما تَقَدَّمَ، والأيّامُ هُنا: وقائِعُ اللَّهِ فِيهِمْ، كَما يُقالُ أيّامُ العَرَبِ لِوَقائِعِها. وفِي الِاسْتِفْهامِ تَقْرِيرٌ وتَوَعَّدٌ وحَضٌّ عَلى الإيمانِ، والمَعْنى: إذا لَجُّوا في الكُفْرِ حَلَّ بِهِمُ العَذابُ، وإذا آمَنُوا نَجَوْا، هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ في الأُمَمِ الخالِيَةِ. قُلْ فانْتَظِرُوا: أمْرُ تَهْدِيدٍ، أيِ: انْتَظِرُوا ما يَحِلُّ بِكم كَما حَلَّ بِمَن قَبْلَكم مِن مُكَذِّبِي الرُّسُلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب