الباحث القرآني

﴿وأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَها﴾ فَقَدْ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أيْ: مَوْتاها. وقالَ النَّقّاشُ والزَّجّاجُ ومُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ: أيْ: كُنُوزَها ومَوْتاها. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا: وهَذِهِ الكُنُوزُ عَلى هَذا القَوْلِ غَيْرُ الكُنُوزِ الَّتِي تَخْرُجُ أيّامَ الدَّجّالِ عَلى ما ورَدَتْ بِهِ الأخْبارُ؛ وذَلِكَ بِأنْ تُخْرِجَ بَعْضًا في أيّامِهِ وبَعْضًا عِنْدَ النَّفْخَةِ الثّانِيَةِ ولا بُعْدَ في أنْ تَكُونَ بَعْدَ الدَّجّالِ كُنُوزٌ أيْضًا فَتُخْرِجَها مَعَ ما كانَ قَدْ بَقِيَ يَوْمَئِذٍ. وقِيلَ: هو عِنْدَ النَّفْخَةِ الأُولى، وأثْقالُها ما في جَوْفِها مِنَ الكُنُوزِ أوْ مِنها ومِنَ الأمْواتِ ويُعْتَبَرُ الوَقْتُ مُمْتَدًّا وقِيلَ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ إخْراجُ المَوْتى كالكُنُوزِ عِنْدَ النَّفْخَةِ الأُولى وإحْياؤُها في النَّفْخَةِ الثّانِيَةِ، وتَكُونُ عَلى وجْهِ الأرْضِ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ خِلافُ ما تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّصُوصُ، وقِيلَ: إنَّها تُزَلْزَلُ عِنْدَ النَّفْخَةِ الأُولى فَتُخْرِجُ كُنُوزَها، وتُزَلْزَلُ عِنْدَ الثّانِيَةِ فَتُخْرِجُ مَوْتاها. وأُرِيدَ هُنا بِوَقْتِ الزِّلْزالِ ما يَعُمُّ الوَقْتَيْنِ. واقْتَصَرَ بَعْضُهم عَلى تَفْسِيرِ الأثْقالِ بِالكُنُوزِ مَعَ كَوْنِ المُرادِ بِالوَقْتِ وقْتَ النَّفْخَةِ الثّانِيَةِ وقالَ: تُخْرِجُ الأرْضُ كُنُوزَها يَوْمَ القِيامَةِ لِيَراها أهْلُ المَوْقِفِ فَيَتَحَسَّرُ العُصاةُ إذا نَظَرُوا إلَيْها حَيْثُ عَصَوُا اللَّهَ تَعالى فِيها، ثُمَّ تَرَكُوها لا تُغْنِي عَنْهم شَيْئًا. وفِي الحَدِيثِ: ««تُلْقِي الأرْضُ أفْلاذَ كَبِدِها أمْثالَ الأُسْطُواناتِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ فَيَجِيءُ القاتِلُ فَيَقُولُ: في هَذا قَتَلْتُ. ويَجِيءُ القاطِعُ فَيَقُولُ: في هَذا قَطَعْتُ رَحِمِي، ويَجِيءُ السّارِقُ فَيَقُولُ: في هَذا قُطِعَتْ يَدِي، ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلا يَأْخُذُونَ مِنهُ شَيْئًا،» وقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ لِتُكْوى بِها جِباهُ الَّذِينَ كَنَزُوا وجَنُوبُهم وظُهُورُهم. وأيًّا ما كانَ فالأثْقالُ جَمْعُ ثِقَلٍ بِالتَّحْرِيكِ وهو عَلى ما في القامُوسِ مَتاعُ المُسافِرِ وكُلُّ نَفِيسٍ مَصُونٍ، وتَجُوزُ بِهِ هاهُنا عَلى سَبِيلِ الِاسْتِعارَةِ عَنِ الثّانِي ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ جَمْعَ ثِقْلٍ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ بِمَعْنى حَمْلِ البَطْنِ عَلى التَّشْبِيهِ والِاسْتِعارَةِ أيْضًا كَما قالَ الشَّرِيفُ المُرْتَضى في الدُّرَرِ، وأشارَ إلى أنَّهُ لا يُطْلَقُ عَلى ما ذُكِرَ إلّا بِطْرِيقِ الِاسْتِعارَةِ ومِنهم مَن فَسَّرَ الأثْقالَ هاهُنا بِالأسْرارِ وهو مَعَ مُخالَفَتِهِ لِلْمَأْثُورِ بَعِيدٌ، وإظْهارُ الأرْضِ في مَوْقِعِ الإضْمارِ لِزِيادَةِ التَّقْرِيرِ، وقِيلَ: لِلْإيماءِ إلى تَبْدِيلِ الأرْضِ غَيْرَ الأرْضِ، أوْ لِأنَّ إخْراجَ الأرْضِ حالُ بَعْضِ أجْزائِها. والظّاهِرُ أنَّ إخْراجَها ذَلِكَ مُسَبَّبٌ عَنِ الزِّلْزالِ كَما يُنْفَضُ البِساطُ لِيُخْرِجَ ما فِيهِ مِنَ الغُبارِ ونَحْوِهِ، وإنَّما اخْتِيرَتِ الواوُ عَلى الفاءِ تَفْوِيضًا لِذِهْنِ السّامِعِ كَذا قِيلَ. ولَعَلَّ الظّاهِرَ أنَّهُ لَمْ تُرَدِ السَّبَبِيَّةُ والمُسَبَّبِيَّةُ بَلْ ذُكِرَ كُلٌّ مِمّا ذُكِرَ مِنَ الحَوادِثِ مِن غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتُسَبِّبِ شَيْءٍ مِنها عَلى الآخَرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب