الباحث القرآني
قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِن ألْفِ شَهْرٍ﴾ فَإنَّهُ بَيانٌ إجْمالِيٌّ لِشَأْنِها إثْرَ تَشْوِيقِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى دِرايَتِها؛ فَإنَّ ذَلِكَ مُعْرِبٌ عَنِ الوَعْدِ بِإدْرائِها، وعَنْ سُفْيانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أنَّ كُلَّ ما في القُرْآنِ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ( ما أدْراكَ ) أعْلَمَ اللَّهُ تَعالى بِهِ نَبِيَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وما فِيهِ مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ( وما يُدْرِيكَ ) لَمْ يُعْلِمْهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ.
وقَدْ مَرَّ بَيانُ كَيْفِيَّةِ إعْرابِ الجُمْلَتَيْنِ وفي إظْهارِ لَيْلَةِ القَدْرِ في المَوْضِعَيْنِ مِن تَأْكِيدِ التَّعْظِيمِ والتَّفْخِيمِ ما لا يَخْفى، والمُرادُ بِإنْزالِهِ فِيها إنْزالُهُ كُلِّهِ جُمْلَةً واحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، فَقَدْ صَحَّ «عَنِ ابْنِ عَبّاسِ أنَّهُ قالَ: أُنْزِلَ القُرْآنُ في لَيْلَةِ القَدْرِ جُمْلَةً واحِدَةً إلى السَّماءِ الدُّنْيا، وكانَ بِمَواقِعِ النُّجُومِ. وكانَ اللَّهُ تَعالى يُنْزِلُهُ عَلى رَسُولِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعْضُهُ في أثَرِ بَعْضٍ،» وفي رِوايَةٍ بَدَلَ: وكانَ بِمَواقِعَ... إلَخْ ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ في عِشْرِينَ سَنَةً، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ أيْضًا: أُنْزِلَ القُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً حَتّى وُضِعَ في بَيْتِ العِزَّةِ في السَّماءِ، ونَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِجَوابِ كَلامِ العِبادِ وأعْمالِهِمْ. وفي أُخْرى أنَّهُ أُنْزِلَ في رَمَضانَ لَيْلَةَ القَدْرِ جُمْلَةً واحِدَةً ثُمَّ أُنْزِلَ عَلى مَواقِعِ النُّجُومِ رُسُلًا في الشُّهُورِ والأيّامِ. وكَوْنُ النُّزُولِ بَعْدُ في عِشْرِينَ سَنَةً قَوْلٌ لَهُمْ، وقالَ بَعْضُهم -وهُوَ الأشْهَرُ- في ثَلاثٍ وعِشْرِينَ. وقالَ آخَرُ: في خَمْسٍ وعِشْرِينَ وهَذا لِلْخِلافِ في مُدَّةِ إقامَتِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ البَعْثِ. وقالَ الشَّعْبِيُّ: المُرادُ ابْتَدَأْنا بِإنْزالِهِ فِيها. والمَشْهُورُ أنَّ أوَّلَ ما نَزَلَ مِنَ الآياتِ: ﴿اقْرَأْ﴾ وأنَّهُ كانَ نُزُولُها بِحِراءَ نَهارًا.
نَعَمْ في البَحْرِ رَوى أنَّ نُزُولَ المَلَكِ في حِراءَ كانَ في العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ، فَإنْ صَحَّ وكانَ المُرادُ كانَ لَيْلًا فَذاكَ وإلّا فَظاهِرُ كَلامِ الشَّعْبِيِّ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، اللَّهُمَّ إلّا أنْ يُقالَ: إنَّهُ أرادَ ابْتِداءَ إنْزالِهِ إلى السَّماءِ الدُّنْيا فِيها ولا يَلْزَمُ أنْ يَتَّحِدَ ذَلِكَ، وابْتِداءُ إنْزالِهِ عَلَيْهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ في الزَّمانِ ثُمَّ إنَّ في ( أنْزَلْناهُ ) عَلى ما ذُكِرَ تَجُوَّزًا في الإسْنادِ؛ لِأنَّهُ أُسْنِدَ فِيهِ ما لِلْجُزْءِ إلى الكُلِّ أوْ مَجازًا الطَّرَفِ أوْ تَضْمِينًا. وقِيلَ: المُرادُ إنْزالُهُ مِنَ اللَّوْحِ إلى السَّماءِ الدُّنْيا مُفَرَّقًا في لَيالِي قَدْرٍ عَلى أنَّ المُرادَ (بِلَيْلَةِ) الجِنْسُ؛ فَقَدْ قِيلَ: إنَّ القُرْآنَ أُنْزِلَ إلى السَّماءِ الدُّنْيا في عِشْرِينَ لَيْلَةَ قَدْرٍ أوْ ثَلاثٍ وعِشْرِينَ أوْ خَمْسٍ وعِشْرِينَ، وكانَ يَنْزِلُ في كُلِّ لَيْلَةٍ ما يُقَدِّرُ اللَّهُ تَعالى إنْزالَهُ في كُلِّ السَّنَةِ ثُمَّ يُنْزِلُهُ سُبْحانَهُ مُنَجَّمًا في جَمِيعِ السَّنَةِ. وهَذا القَوْلُ ذَكَرَهُ الإمامُ احْتِمالًا ونَقَلَهُ القُرْطُبِيُّ كَما قالَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُقاتِلٍ لَكِنَّهُ مِمّا لا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، والصَّحِيحُ المُعْتَمَدُ عَلَيْهِ كَما قالَ (p-190)ابْنُ حَجَرٍ في شَرْحِ البُخارِيِّ أنَّهُ أُنْزِلَ جُمْلَةً واحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ إلى بَيْتِ العِزَّةِ في السَّماءِ الدُّنْيا بَلْ حَكى بَعْضُهُمُ الإجْماعَ عَلَيْهِ. نَعَمْ لا يَبْعُدُ القَوْلُ بِأنَّ السَّفَرَةَ هُناكَ نَجَّمُوهُ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ في اللَّيالِي المَذْكُورَةِ. وأجابَ السَّيِّدُ عِيسى الصَّفْوِيُّ بِأنَّهُ مَحْذُورٌ في ذَلِكَ بِناءً عَلى جَوازِ مِثْلِ: أتَكَلَّمُ مُخْبَرًا بِهِ عَنِ التَّكَلُّمِ بِقَوْلِكَ أتَكَلَّمُ، وفي ذَلِكَ اخْتِلافٌ بَيْنَ الدَّوانِيِّ وغَيْرِهِ ذَكَرَهُ في رِسالَتِهِ الَّتِي ألَّفَها في الجَوابِ عَنْ مَسْألَةِ الحَذَرِ الأصَمِّ، أوْ يُقالُ: يَرْجِعُ الضَّمِيرُ لِلْقُرْآنِ بِاعْتِبارِ جُمْلَتِهِ وقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أجْزائِهِ فَيُخْبَرُ عَنِ الجُمْلَةِ «بِأنّا» أنْزَلْناهُ وإنْ كانَ مِن جُمْلَتِهِ: ( إنّا أنْزَلْناهُ ) المُنْدَرِجُ في جُمْلَتِهِ مِن غَيْرِ نَظِيرٍ لَهُ بِخُصُوصِهِ. وقَدْ ذَكَرُوا أنَّ الجُزْءَ مِن حَيْثُ هو مُسْتَقِلٌّ مُغايِرٌ لَهُ مِن حَيْثُ هو في ضِمْنِ الكُلِّ، وفي الإتْقانِ عَنْ أبِي شامَةَ: فَإنْ قُلْتَ: إنّا أنْزَلْناهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِن جُمْلَةِ القُرْآنِ الَّذِي نَزَلَ جُمْلَةً فَما نَزَلَ جُمْلَةً، وإنْ كانَ مِنَ الجُمْلَةِ فَما وجْهُ هَذِهِ العِبارَةِ؟ قُلْتُ: لَها وجْهانِ؛ أحَدُهُما أنْ يَكُونَ المَعْنى: ( إنّا ) حَكَمْنا بِإنْزالِهِ في لَيْلَةِ القَدْرِ وقَضَيْنا بِهِ «وقَدَّرْناهُ» في الأزَلِ، والثّانِي أنَّ لَفْظَ أنْزَلْناهُ ماضٍ ومَعْناهُ عَلى الِاسْتِقْبالِ؛ أيْ: تَنْزُّلُهُ جُمْلَةً في لَيْلَةِ القَدْرِ. انْتَهى. ولَمْ يَظْهَرْ لِي في كِلا وجْهَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى شامَةُ حُسْنٍ، فَأجِلْ في ذَلِكَ نَظَرًا فَلَعَلَّكَ تَرى.
وقِيلَ: المَعْنى: ﴿إنّا أنْزَلْناهُ﴾ في فَضْلِ لَيْلَةِ القَدْرِ أوْ في شَأْنِها وحَقِّها، فالكَلامُ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ أوِ الظَّرْفِيَّةُ مَجازِيَّةٌ كَما في قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: خَشِيتُ أنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، وقَوْلِ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها: لَأنا أحْقَرُ في نَفْسِي مِن أنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ. وجَعَلَ بَعْضُهم في ذَلِكَ لِلسَّبِيَّةِ والضَّمِيرِ، قِيلَ لِلْقُرْآنِ بِالمَعْنى الدّائِرِ بَيْنَ الكُلِّ والجُزْءِ. وقِيلَ: بِمَعْنى السُّورَةِ ولا يَأْباهُ كَوْنُ إنّا أنْزَلْناهُ فِيها لِما مَرَّ آنِفًا فَلا حاجَةَ إلى أنْ يُقالَ: المُرادُ بِها ما عَدا ﴿إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ المَجْمُوعُ لِاشْتِمالِهِ عَلى ذَلِكَ وأيًّا ما كانَ فَحَمْلُ الآيَةِ عَلى هَذا المَعْنى غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ، وإنَّما المُعَوَّلُ عَلَيْهِ ما تَقَدَّمَ، والمُرادُ بِالإنْزالِ إظْهارُ القُرْآنِ مِن عالَمِ الغَيْبِ إلى عالَمِ الشَّهادَةِ أوْ إثْباتُهُ لَدى السَّفَرَةِ هُناكَ أوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمّا لا يَشْكُلُ نِسْبَتُهُ إلى القُرْآنِ.
واخْتَلَفُوا في تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَقِيلَ إنَّها لِخَبَرٍ في ذَلِكَ وهو كَما قالَ الكِرْمانِيُّ غَلَطٌ؛ لِأنَّ آخِرَ الخَبَرِ يَرُدُّهُ والمُرادُ بِرَفْعِ تَعْيِينِها فِيهِ. وعَنْ عِكْرِمَةَ أنَّها لَيْلَةُ النِّصْفِ مِن شَعْبانَ وهو قَوْلٌ شاذٌّ غَرِيبٌ كَما في تُحْفَةِ المُحْتاجِ. وظاهِرُ ما هُنا مَعَ ظاهِرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ﴾ يَرُدُّهُ. وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّها تَنْتَقِلُ في لَيالِي السَّنَةِ فَتَكُونُ في كُلِّ سَنَةٍ في لَيْلَةٍ، ونَسَبَهُ النَّوَوِيُّ إلى أبِي حَنِيفَةَ وصاحِبَيْهِ، والأكْثَرُونَ عَلى أنَّها في شَهْرِ رَمَضانَ. فَعَنِ ابْنِ رَزِينٍ أنَّها اللَّيْلَةُ الأُولى مِنهُ. وعَنِ الحَسَنِ البَصَرِيِّ السّابِعَةَ عَشْرَةَ لِأنَّ وقْعَةَ بَدْرٍ كانَتْ في صَبِيحَتِها. وحُكِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أرْقَمَ وابْنِ مَسْعُودٍ أيْضًا.
وعَنْ أنَسٍ مَرْفُوعًا التّاسِعَةَ عَشْرَةَ.
وحُكِيَ مَوْقُوفًا عَلى ابْنِ مَسْعُودٍ أيْضًا وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ الحادِيَةُ والعِشْرُونَ؛ لِما في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما مِن حَدِيثِ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ: ««قَدْ رَأيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ - يَعْنِي لَيْلَةَ القَدْرِ - ثُمَّ نُسِّيتُها، وقَدْ رَأيْتِنِي أسْجُدُ مِن صَبِيحَتِها في ماءٍ وطِينٍ»».
قالَ أبُو سَعِيدٍ: فَمَطَرَتِ السَّماءُ مِن تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَوَكَفَ المَسْجِدُ فَأبْصَرَتْ عَيْنايَ رَسُولَ اللَّهِ عَلى جَبْهَتِهِ وأنْفِهِ أثَرُ الماءِ والطِّينِ مِن صَبِيحَةِ إحْدى وعِشْرِينَ. وفي مُسْلِمٍ مِن صَبِيحَةِ ثَلاثٍ وعِشْرِينَ، ومِنهُ مَعَ ما قَبْلَهُ مالَ الشّافِعِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ إلى أنَّها اللَّيْلَةَ الحادِيَةُ أوِ الثّالِثَةُ والعِشْرُونَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسِ أنَّهُ سُئِلَ عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «التَمِسُوها اللَّيْلَةَ» وتِلْكَ اللَّيْلَةُ لَيْلَةُ ثَلاثٍ وعِشْرِينَ».
وأخْرَجَ أحْمَدُ وأبُو داوُدَ وابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهم عَنْ بِلالٍ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ أرْبَعٍ وعِشْرِينَ»». وفي الإتْقانِ وغَيْرِهِ أنَّها اللَّيْلَةُ الَّتِي أنْزِلُ فِيها القُرْآنُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ أبِي ذَرٍّ أنَّهُ سُئِلَ عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ فَقالَ: كانَ عُمَرُ وحُذَيْفَةُ وناسٌ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لا يَشُكُّونَ أنَّها لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرِينَ.
وأخْرَجَ ابْنُ نَصْرٍ وابْنُ جَرِيرٍ في تَهْذِيبِهِ عَنْ مُعاوِيَةَ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «التَمِسُوا لَيْلَةَ القَدْرِ (p-191)فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ»».
وفِي رِوايَةِ أحْمَدَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أنَّهُ آخِرُ لَيْلَةٍ.
وقِيلَ: هي في العَشْرِ الأوْسَطِ تَنْتَقِلُ فِيهِ، قِيلَ: في أوْتارِهِ وقِيلَ في أشْفاعِهِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ والبُخارِيُّ ومُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ««تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوَتْرِ مِنَ العَشْرِ الأواخِرِ مِن شَهْرِ رَمَضانَ»».
وفِي حَدِيثٍ أخْرَجَهُ أحْمَدُ وجَماعَةٌ عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ مَرْفُوعًا وحَدِيثَيْنِ أخْرَجَهُما ابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُ عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جابِرٍ كَذَلِكَ ما يَدُلُّ عَلى ما ذُكِرَ أيْضًا بَلِ الأخْبارُ الصَّحِيحَةُ الدّالَّةُ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ، وبِالجُمْلَةِ الأقْوالُ فِيها مُخْتَلِفَةٌ جِدًّا إلّا أنَّ الأكْثَرِينَ عَلى أنَّها في العَشْرِ الأواخِرِ لِكَثْرَةِ الأحادِيثِ الصَّحِيحَةِ في ذَلِكَ، وأكْثَرُهم عَلى أنَّها في أوْتارِها؛ لِذَلِكَ أيْضًا وكَثِيرٌ مِنهم ذَهَبَ إلى أنَّها اللَّيْلَةُ السّابِعَةُ مِن تِلْكَ الأوْتارِ.
وصَحَّ مِن رِوايَةِ الإمامِ أحْمَدَ ومُسْلِمٍ وأبِي داوُدَ والتِّرْمِذِيِّ والنَّسائِيِّ وابْنِ حِبّانَ وغَيْرِهِمْ «أنَّ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ سَألَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنْها فَحَلَفَ لا يَسْتَثْنِي أنَّها لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرِينَ فَقالَ لَهُ: بِمَ تَقُولُ ذَلِكَ يا أبا المُنْذِرِ؟
فَقالَ: بِالآيَةِ والعَلامَةِ الَّتِي قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ «إنَّها تُصْبِحُ مِن ذَلِكَ اليَوْمِ تَطْلُعُ الشَّمْسُ لَيْسَ لَها شُعاعٌ»».
وبَعْضُ الأخْبارِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ظاهِرَةٌ في ذَلِكَ، وفي بَعْضِ الِاسْتِئْناسِ لَهُ بِما يَدُلُّ عَلى جَلالَةِ شَأْنِ السَّبْعَةِ الَّتِي قالُوا فِيها إنَّها عَدَدٌ تامٌّ مِن كَوْنِ السَّماواتِ، سَبْعًا والأرْضِينَ سَبْعًا، والأيّامِ سَبْعًا، والجِمارِ سَبْعًا، والطَّوافِ بِالبَيْتِ سَبْعًا، والسُّجُودِ عَلى سَبْعٍ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا ذَكَرَهُ لِما عَلِمْتَ مِنَ الأخْبارِ الصَّحِيحَةِ المُتَضافِرَةِ وهو زَمانُ ضَعْفِ البَدَنِ وفِيهِ يَزِيدُ أجْرُ العَمَلِ ووَقْتُ قُوَّةِ الِاسْتِعْدادِ لِلتَّجَلِّياتِ لِمَزِيدِ التَّصْفِيَةِ، وأنَّها في الأوْتارِ أرْجى لِلْأحادِيثِ أيْضًا مَعَ أنَّ اللَّهَ تَعالى وتْرٌ يُحِبُّ الوَتْرَ. وقالَ ابْنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيُّ: اخْتارَ جَمْعٌ أنَّها لا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِها مِنَ العَشْرِ الأواخِرِ بَلْ تَنْتَقِلُ في لَيالِيهِ فَعامًا أوْ أعْوامًا تَكُونُ وتْرًا إحْدى أوْ ثَلاثًا أوْ غَيْرَهُما، وعامًا أوْ أعْوامًا تَكُونُ شَفْعًا اثْنَتَيْنِ أوْ أرْبَعًا أوْ غَيْرَهُما. قالُوا: ولا تَجْتَمِعُ الأحادِيثُ المُتَعارِضَةُ فِيها إلّا بِذَلِكَ.
وكَلامُ الشّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ في الجَمْعِ بَيْنَ الأحادِيثِ يَقْتَضِيهِ. انْتَهى. ولا يَخْفى أنَّ الجَمْعَ بِذَلِكَ بَيْنَ الأحادِيثِ المُتَعارِضَةِ فِيها مُطْلَقًا مِمّا لا يُتَسَنّى وإنَّما يُتَسَنّى الجَمْعُ بِذَلِكَ بَيْنَ الأحادِيثِ المُتَعارِضَةِ فِيها بِالنَّظَرِ إلى العَشْرِ، وقِيلَ في الجَمْعِ مُطْلَقًا أنَّها تَنْتَقِلُ وما صَحَّ مِنَ التَّعْيِينِ في الجُمْلَةِ أوْ عَلى التَّحْقِيقِ مَحْمُولٌ عَلى لَيْلَةِ قَدْرٍ في شَهْرِ رَمَضانَ مَخْصُوصٍ بِأنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّها في أوَّلِ شَهْرِ رَمَضانَ فُرِضَ لَيْلَةَ كَذا.
فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «هِيَ لَيْلَةُ كَذا».
أيْ في هَذا الشَّهْرِ رَمَضانَ المَخْصُوصِ، وعَلِمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّها في شَهْرِ رَمَضانَ بَعْدَهُ لَيْلَةَ كَذا غَيْرَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي ذَكَرَها قَبْلُ.
فَقالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «هِيَ لَيْلَةُ كَذا».
وعَلِمَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّها في آخِرِهِ في العَشْرِ الأخِيرِ مِنهُ فَقالَ: «هِيَ في العَشْرِ الأخِيرِ».
أيْ مِن هَذا الشَّهْرِ المَخْصُوصِ وهَكَذا وهو كَما تَرى. وعَلى القَوْلِ بِانْتِقالِها ادَّعى بَعْضُهم أنَّهُ إذا كانَ أوَّلُ الشَّهْرِ لَيْلَةَ كَذا فَهي اللَّيْلَةُ السّابِعَةُ والعِشْرُونَ، وإنْ كانَتْ لَيْلَةَ كَذا فَهي اللَّيْلَةُ الحادِيَةُ والعِشْرُونَ إلى آخِرِ ما قالَ. وقَدْ ذَكَرْناهُ مَعَ نَظْمِهِ في الطِّرازِ المُذَهَّبِ ولَيْسَ في ذَلِكَ ما يَقُومُ حُجَّةً عَلى الغَيْرِ.
وفِي بَعْضِ الأخْبارِ ذِكْرُ عَلاماتٍ لَها؛ فَفي حَدِيثِ الإمامِ أحْمَدَ والبَيْهَقِيِّ وغَيْرِهِما عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ مِن أماراتِها أنَّها لَيْلَةٌ بَلْجَةٌ صافِيَةٌ ساكِنَةٌ لا حارَّةٌ ولا بارِدَةٌ كَأنَّ فِيها قَمَرًا ساطِعًا، لا يُرْمى فِيها بِنَجْمٍ حَتّى الصَّباحِ.
وأخْرَجَ نَحْوًا مِنهُ ابْنُ جَرِيرٍ في تَهْذِيبِهِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا، وحَمْلُ ذَلِكَ إنْ صَحَّ عَلى لَيْلَةِ قَدْرٍ مِن شَهْرِ رَمَضانَ مَخْصُوصٍ كالمُتَعَيِّنِ لِعَدَمِ اطِّرادِهِ ولا أغْلَبِيَّتِهِ فِيما يَظْهَرُ.
والحِكْمَةُ في إخْفائِها أنْ يَجْتَهِدَ مَن يَطْلُبُها في العِبادَةِ في غَيْرِها لِيُصادِفَها كَأنْ يُحْيِيَ لَيالِيَ شَهْرِ رَمَضانَ كُلَّها كَما كانَ دَأْبُ السَّلَفِ، ولِلْإمامِ في هَذا المَقامِ كَلامٌ يُجَلُّ مِثْلُهُ عَنِ التَّكَلُّمِ بِمِثْلِهِ، ولَعَمْرِي لَقَدْ سَها فِيهِ سَهْوًا بَيِّنًا وأتى فِيهِ بِما يُوشِكُ أنْ يَدُلَّ عَلى جَهْلِهِ، ومَعْنى لَيْلَةِ القَدْرِ لَيْلَةُ التَّقْدِيرِ وسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وغَيْرِهِ أنَّهُ يُقَدَّرُ (p-192)فِيها ويَقْضى ما يَكُونُ في تِلْكَ السَّنَةِ مِن مَطَرٍ ورِزْقٍ وإحْياءٍ وإماتَةٍ إلى السَّنَةِ القابِلَةِ، والمُرادُ إظْهارُ تَقْدِيرِهِ تَعالى ذَلِكَ لِلْمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ المَأْمُورِينَ بِالحَوادِثِ الكَوْنِيَّةِ وإلّا فَتَقْدِيرُهُ تَعالى جَمِيعَ الأشْياءِ أزَلِيٌّ قَبْلَ خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ، لَكِنْ قالَ بَعْضُ الأجِلَّةِ: كَوْنُ التَّقْدِيرِ في هَذِهِ اللَّيْلَةِ يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُ كَثِيرٍ أنَّهُ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِن شَعْبانَ وهي المُرادُ بِاللَّيْلَةِ، والمُبارَكَةُ الَّتِي قالَ اللَّهُ تَعالى فِيها: ﴿فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيمٍ﴾ وأجابَ بِأنَّ هاهُنا ثَلاثَةَ أشْياءَ: الأوَّلُ نَفْسُ تَقْدِيرِ الأُمُورِ أيْ تَعْيِينُ مَقادِيرِها وأوْقاتِها، وذَلِكَ في الأزَلِ، والثّانِي إظْهارُ تِلْكَ المَقادِيرِ لِلْمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بِأنْ تُكْتَبَ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ؛ وذَلِكَ في لَيْلَةِ النِّصْفِ مِن شَعْبانَ، والثّالِثُ إثْباتُ تِلْكَ المَقادِيرِ في نُسَخٍ وتَسْلِيمُها إلى أرْبابِها مِنَ المُدَبِّراتِ فَتُدْفَعُ نُسْخَةُ الأرْزاقِ والنَّباتاتِ والأمْطارِ إلى مِيكائِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، ونُسْخَةُ الحُرُوبِ والرِّياحِ والجُنُودِ والزَّلازِلِ والصَّواعِقِ والخَسْفِ إلى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، ونُسْخَةُ الأعْمالِ إلى إسْرافِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، ونُسْخَةُ المَصائِبِ إلى مَلَكِ المَوْتِ وذَلِكَ في لَيْلَةِ القَدْرِ. وقِيلَ: يُقَدَّرُ في لَيْلَةِ النِّصْفِ الآجالُ والأرْزاقُ، وفي لَيْلَةِ القَدْرِ الأُمُورُ الَّتِي فِيها الخَيْرُ والبَرَكَةُ والسَّلامَةُ. وقِيلَ: يُقَدَّرُ في هَذِهِ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ إعْزازُ الدِّينِ وما فِيهِ النَّفْعُ العَظِيمُ لِلْمُسْلِمِينَ وفي لَيْلَةِ النِّصْفِ يُكْتَبُ أسْماءُ مَن يَمُوتُ ويُسَلَّمُ إلى مَلَكِ المَوْتِ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الحالِ.
وقالَ الزُّهْرِيُّ: المَعْنى لَيْلَةُ العَظَمَةِ والشَّرَفِ مِن قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ لَهُ قَدْرٌ عِنْدَ فُلانٍ أيْ مَنزِلَةٌ وشَرَفٌ. وسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّ مَن أتى بِفِعْلِ الطّاعاتِ فِيها صارَ ذا قَدْرٍ وشَرَفٍ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ أوْ لِأنَّ الطّاعاتِ لَها فِيها ذَلِكَ. وقِيلَ: لِأنَّهُ نَزَلَ فِيها كِتابُ ذُو قَدْرٍ بِواسِطَةِ مَلَكٍ ذِي قَدْرٍ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ذِي قَدْرٍ لِأُمَّةٍ ذاتِ قَدْرٍ. وقِيلَ: لِأنَّهُ يَتَنَزَّلُ فِيها مَلائِكَةٌ ذَواتُ قَدْرٍ. وقالَ الخَلِيلُ بْنُ أحْمَدَ: المَعْنى لَيْلَةُ الضِّيقِ مِن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ضُيِّقَ، وسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّ الأرْضَ تَضِيقُ فِيها بِالمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وخَيْرِيَّتُها مِن ألْفِ شَهْرٍ بِاعْتِبارِ العِبادَةِ عِنْدَ الأكْثَرِينَ عَلى مَعْنى أنَّ العِبادَةَ فِيها خَيْرٌ مِنَ العِبادَةِ في ألْفِ شَهْرٍ، ولا يَعْلَمُ مِقْدارَ خَيْرِيَّتِها مِنها إلّا هو سُبْحانَهُ وتَعالى، وهَذا تَفَضُّلٌ مِنهُ تَعالى ولَهُ عَزَّ وجَلَّ أنْ يَخُصَّ ما شاءَ بِما شاءَ، ورُبَّ عَمَلٍ قَلِيلٍ خَيْرٌ مِن عَمَلٍ كَثِيرٍ. ولا يُنافِي هَذا قاعِدَةَ أنَّ كُلَّ ما كَثُرَ وشَقَّ كانَ أفْضَلَ؛ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أنَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ لِعائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها: «أجْرُكِ عَلى قَدْرِ نَصَبِكِ»».
لِأنَّها أغْلَبِيَّةٌ عَلى ما قالَ غَيْرُ واحِدٍ، ولا شَكَّ أنَّ العَمَلَ القَلِيلَ قَدْ يَفْضُلُ الكَثِيرَ بِاعْتِبارِ الزَّمانِ وبِاعْتِبارِ المَكانِ وبِاعْتِبارِ كَيْفِيَّةِ الأداءِ كَصَلاةٍ واحِدَةٍ أُدِّيَتْ بِجَماعَةٍ فَإنَّها تَعْدِلُ خَمْسًا وعِشْرِينَ مَرَّةً صَلاةً مِثْلَها أُدِّيَتْ عَلى الِانْفِرادِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ. نَعَمْ هَذِهِ الأفْضَلِيَّةُ قَدْ تُعْقَلُ في بَعْضٍ وقَدْ لا؛ كَما فِيما نَحْنُ فِيهِ ولا حَجْرَ عَلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ولا يَعْلَمُ ما عِنْدَهُ سُبْحانَهُ إلّا هو جَلَّ شَأْنُهُ.
وتَخْصِيصُ الألْفِ بِالذِّكْرِ قِيلَ إمّا لِلتَّكْثِيرِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوَدُّ أحَدُهم لَوْ يُعَمَّرُ ألْفَ سَنَةٍ﴾ وكَثِيرًا ما يُرادُ بِالأعْدادِ ذَلِكَ. وفي البَحْرِ حِكايَةُ أنَّ المَعْنى عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنَ الدَّهْرِ كُلِّهِ، أوْ لِما أخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ مُجاهِدٍ «أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ذَكَرَ رَجُلًا مِن بَنِي إسْرائِيلَ لَبِسَ السِّلاحَ في سَبِيلِ اللَّهِ تَعالى ألْفَ شَهْرٍ، فَعَجِبَ المُسْلِمُونَ مِن ذَلِكَ وتَقاصَرَتْ إلَيْهِمْ أعْمالُهُمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى السُّورَةَ».
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُرْوَةَ قالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَوْمًا أرْبَعَةً مِن بَنِي إسْرائِيلَ عَبَدُوا اللَّهَ تَعالى ثَمانِينَ عامًا لَمْ يَعْصُوهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَذَكَرَ أيُّوبَ وزَكَرِيّا وحِزْقِيلَ بْنَ العَجُوزِ، ويُوشَعَ بْنَ نُونٍ، فَعَجِبَ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِن ذَلِكَ، فَأتاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، عَجِبَتْ أُمَّتُكَ مِن عِبادَةِ هَؤُلاءِ النَّفَرِ ثَمانِينَ سَنَةً فَقَدْ أنْزَلَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْكَ خَيْرًا مِن ذَلِكَ. فَقَرَأ عَلَيْهِ: ﴿إنّا أنْزَلْناهُ﴾ إلَخْ. ثُمَّ قالَ: هَذا أفْضَلُ مِمّا عَجِبْتَ أنْتَ وأُمَّتُكَ مِنهُ فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ».
وقِيلَ: إنَّ الرَّجُلَ فِيما مَضى ما كانَ يُقالُ لَهُ عابِدٌ حَتّى يَعْبُدَ اللَّهَ تَعالى ألْفَ شَهْرٍ فَأُعْطُوا لَيْلَةً إنْ أحْيَوْها كانُوا أحَقَّ (p-193)بِأنْ يُسَمَّوْا عابِدِينَ مِن أُولَئِكَ العُبّادِ. وقالَ أبُو بَكْرٍ الوَرّاقُ: كانَ مُلْكُ كُلٍّ مِن سُلَيْمانَ وذِي القَرْنَيْنِ خَمْسَمِائَةِ شَهْرٍ فَجَعَلَ اللَّهُ تَعالى العَمَلَ في هَذِهِ اللَّيْلَةِ لِمَن أدْرَكَها خَيْرًا مِن مُلْكِهِما، وفي هَذا نَظَرٌ لِأنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِذِي القَرْنَيْنِ الأوَّلُ فَهو عَلى القَوْلِ بِهِ قَدْ مَلَكَ أكْثَرَ مِن ذَلِكَ بِكَثِيرٍ، وإنْ أُرِيدَ بِهِ الثّانِي أعْنِي قاتِلَ دارا فَهو قَدْ مَلَكَ أقَلَّ مِن ذَلِكَ بِكَثِيرٍ. وقِيلَ: أُرِيَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أعْمارَ الأُمَمِ كافَّةً فاسْتَقْصَرَ أعْمارَ أُمَّتِهِ فَخافَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنْ لا يَبْلُغُوا مِنَ العَمَلِ مِثْلَ ما بَلَغَ غَيْرُهم في طُولِ العُمْرِ فَأعْطاهُ اللَّهُ تَعالى لَيْلَةَ القَدْرِ وجَعَلَها خَيْرًا مِن ألْفِ شَهْرٍ لِسائِرِ الأُمَمِ، وذَكَرَهُ الإمامُ مالِكٌ في المُوَطَّأِ، وقَدْ سَمِعْتُ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ الألِفَ إشارَةٌ إلى مُلْكِ بَنِي أُمَيَّةَ، وكانَ عَلى ما قالَ القاسِمُ بْنُ الفَضْلِ ألْفَ شَهْرٍ لا يَزِيدُ يَوْمٌ ولا يَنْقُصُ يَوْمٌ عَلى ما قِيلَ ثَمانِينَ سَنَةً وهي ألْفُ شَهْرٍ تَقْرِيبًا؛ لِأنَّها ثَلاثَةٌ وثَمانُونَ سَنَةً وأرْبَعَةَ أشْهُرٍ، ولا يُعَكِّرُ عَلى ذَلِكَ مُلْكُهم في جَزِيرَةِ الأنْدَلُسِ بَعْدُ؛ لِأنَّهُ مُلْكٌ يَسِيرٌ في بَعْضِ أطْرافِ الأرْضِ وآخِرِ عِمارَةِ العَرَبِ ولِذا لَمْ يَعُدْ مَن مَلَكَ مِنهم هُناكَ مِن خُلَفائِهِمْ.
وقالُوا بِانْقِراضِهِمْ بِهَلاكِ مَرْوانَ الحِمارِ. وطَعَنَ القاضِي عَبْدُ الجَبّارِ في كَوْنِ الآيَةِ إشارَةً لِما ذُكِرَ بِأنَّ أيّامَ بَنِي أُمَيَّةَ كانَتْ مَذْمُومَةً؛ أيْ بِاعْتِبارِ الغالِبِ فَيَبْعُدُ أنْ يُقالَ في شَأْنِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ إنَّها خَيْرٌ مِن ألْفِ شَهْرٍ مَذْمُومَةٍ:
؎ألَمْ تَرَ أنَّ السَّيْفَ يَنْقُصُ قَدْرُهُ إذا قِيلَ إنَّ السَّيْفَ خَيْرٌ مِنَ العَصا
وأُجِيبَ بِأنَّ تِلْكَ الأيّامَ كانَتْ عَظِيمَةً بِحَسْبِ السَّعاداتِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلا يَبْعُدُ أنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعالى: أعْطَيْتُكَ لَيْلَةً في السَّعاداتِ الدِّينِيَّةِ أفْضَلُ مِن تِلْكَ في السَّعاداتِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلا تَبْقى فائِدَةٌ، واخْتُلِفَ في أنَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ تَسْتَتْبِعُ يَوْمَها أمْ لا. فَقالَ الشَّعْبِيُّ: نَعَمْ يَوْمُها مِثْلُها، وقِيلَ: لَعَلَّ الوَجْهَ فِيهِ أنَّ ذِكْرَ اللَّيالِي يَسْتَتْبِعُ الأيّامَ ومِنهُ إذا نَذَرَ اعْتِكافَ لَيْلَتَيْنِ لَزِمَتاهُ بِيَوْمَيْهِما، والكَثِيرُ لا، لَكِنْ قِيلَ: يُسَنُّ الِاجْتِهادُ في يَوْمِها كَما يُسَنُّ فِيها. ولِذا جاءَ في وصْفِها أنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ صَبِيحَتَها ولَيْسَ لَها شُعاعٌ كَما تَقَدَّمَ أيْ لِعِظَمِ أنْوارِ المَلائِكَةِ الصّاعِدِينَ والنّازِلِينَ فِيها فَإنَّهُ لا فائِدَةَ فِيهِ سِوى مَعْرِفَةِ يَوْمِها ولا فائِدَةَ فِيها لَوْ لَمْ يُسَنَّ الِاجْتِهادُ فِيهِ. ومُنِعَ بِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ الفائِدَةُ مَعْرِفَتَها نَفْسِها لِيُجْتَهَدَ فِيها مِن قابِلٍ بِناءً عَلى أنَّها لا تَنْتَقِلُ، وظاهِرُ الآيَةِ أنَّها أفْضَلُ مِن لَيْلَةِ الجُمْعَةِ والمَسْألَةُ خِلافِيَّةٌ، وأكْثَرُ الأئِمَّةِ عَلى أنَّها أفْضَلُ مِنها لِلْآيَةِ، ولِأنَّ اللَّهَ تَعالى أنْزَلَ فِيها القُرْآنَ وهو هو ولَمْ يُنْزِلْهُ في غَيْرِها، ولِأنَّهُ سُبْحانَهُ أمَرَ بِطَلَبِها. فَعَنِ ابْنِ عَبّاسِ أنَّهُ قالَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ لَيْلَةَ القَدْرِ، ولِأنَّهُ عَزَّ وجَلَّ جَعَلَها لَيْلَةَ الفَرْقِ والحُكْمِ فَقالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيمٍ﴾ وسَمّاها جَلَّ وعَلا لَيْلَةَ القَدْرِ؛ أيِ التَّقْدِيرِ، ولِما رُوِيَ عَنْ كَعْبٍ أنَّهُ قالَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى اخْتارَ السّاعاتِ فاخْتارَ ساعاتِ أوْقاتِ الصَّلاةِ، واخْتارَ الأيّامَ فاخْتارَ يَوْمَ الجُمْعَةِ، واخْتارَ الشُّهُورَ فاخْتارَ شَهْرَ رَمَضانَ، واخْتارَ اللَّيالِيَ فاخْتارَ لَيْلَةَ القَدْرِ؛ فَهي أفْضَلُ لَيْلَةٍ في أفْضَلِ شَهْرٍ، ولِأنَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَثَّ عَلى العَمَلِ فِيها؛ فَقَدْ صَحَّ: ««مَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ». وفي رِوايَةِ: «وما تَأخَّرَ»».
ونَهى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنْ يُخَصَّ لَيْلَةُ الجُمْعَةِ بِقِيامٍ ويَوْمُها بِصِيامٍ، ولِأنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أخْفاها ولَمْ يُعَيِّنْها كَما أخْفى سُبْحانَهُ أعْظَمَ أسْمائِهِ عَزَّ وجَلَّ، وكَما أخْفى جَلَّ شَأْنُهُ أفْضَلَ الصَّلَواتِ وهي الصَّلاةُ الوُسْطى إلى غَيْرِ ذَلِكَ. وذَهَبَ أكْثَرُ الحَنابِلَةِ كَأبِي الحَسَنِ الجَزَرِيِّ وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ وأبِي حَفْصٍ البَرْمَكِيِّ وغَيْرِهِمْ إلى أنَّ لَيْلَةَ الجُمْعَةِ أفْضَلُ لِما أخْرَجَ مُقاتِلٌ عَنِ الضَّحّاكِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ««يَغْفِرُ اللَّهُ تَعالى لَيْلَةَ الجُمْعَةِ لِأهْلِ الإسْلامِ أجْمَعِينَ، وهَذِهِ فَضِيلَةٌ لَمْ تَجِئْ لِغَيْرِها»».
ونَحْوَهُ ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ««ما مِن لَيْلَةِ جُمْعَةٍ إلّا ويَنْظُرُ اللَّهُ تَعالى إلى خَلْقِهِ ثَلاثَ مَرّاتٍ، فَيَغْفِرُ لِمَن لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ تَعالى شَيْئًا»».
ولِأنَّهُ رَوى ابْنُ بَشْكُوالَ في كِتابِهِ: (p-194)القُرْبَةُ إلى رَبِّ العالَمِينَ بِسَنَدِهِ إلى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ««أكْثِرُوا الصَّلاةَ عَلَيَّ في اللَّيْلَةِ الغَرّاءِ واليَوْمِ الأزْهَرِ؛ لَيْلَةِ الجُمْعَةِ، ويَوْمِ الجُمْعَةِ»».
والغُرَّةُ مِنَ الشَّيْءِ خِيارُهُ ولِأنَّهُ قَدْ رَوى كَثِيرُونَ مِنهُمُ الإمامُ أحْمَدُ أنَّ يَوْمَها سَيِّدُ الأيّامِ وأعْظَمُها وأعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى مِن يَوْمِ الفِطْرِ ويَوْمَ الأضْحى.
وصَحَّحَ ابْنُ حِبّانَ خَبَرَ: ««لا تَطْلُعُ الشَّمْسُ ولا تَغْرُبُ عَلى يَوْمٍ أفْضَلَ مِن يَوْمِ الجُمْعَةِ»».
فَهِيَ لِذَلِكَ سَيِّدَةُ اللَّيالِي وأعْظَمُها وأفْضَلُها ولِأنَّها مُعَيَّنَةٌ مَشْهُودَةٌ يَشْهَدُها الخاصُّ والعامُّ مِن ذَكَرٍ وأُنْثى وصَغِيرٍ وكَبِيرٍ بَصِيرٍ وضَرِيرٍ، وتَصِلُ بَرَكَتُها إلى الأحْياءِ والأمْواتِ، ولَيْلَةُ القَدْرِ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَلا يَنْتَفِعُ بِها إلّا قَلِيلٌ إلى غَيْرِ ذَلِكَ.
وأجابَ هَؤُلاءِ عَنِ الآيَةِ بِأنَّهُ لَمّا أُرِيدَ فِيها أنَّها خَيْرٌ مِن ألْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيها لَيْلَةُ القَدْرِ كَما قالَ قَتادَةُ وغَيْرُهُ فَلْيَرِدْ أيْضًا أنَّها خَيْرٌ مِن ألْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيها لَيْلَةُ جُمْعَةٍ، ويَدُلُّ لِلْأمْرَيْنِ أنَّ أكْثَرَ أسْبابِ النُّزُولِ السّابِقَةِ تَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِالشُّهُورِ شُهُورُ مَن تَقَدَّمَنا وهي لَيْسَ فِيها لَيْلَةُ قَدْرٍ ولا لَيْلَةُ جُمْعَةٍ، وعَنْ سائِرِ المُسْتَنَداتِ بِأنَّ بَعْضَها مَعارَضٌ وبَعْضَها لا يَدُلُّ عَلى أكْثَرَ مِن فَضْلِها وهو ما لَمْ يُنْكِرْهُ أحَدٌ، والأوَّلُونَ أجابُوا عَنْ مُسْتَنَداتِهِمْ بِنَحْوِ ما أجابُوا ولِلتَّعارُضِ قالَ أحْمَدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ قاسِمٍ المُقْرِيُّ مِنَ الحَنابِلَةِ: إنَّ القَوْلَيْنِ في المَسْألَةِ قَوْلانِ شائِعانِ بَيْنَ الأصْحابِ ولِكُلٍّ دَلائِلَ تَدُلُّ عَلى صَوابِيَّتِهِ فَلا يَنْبَغِي لِأحَدٍ أنْ يُطْلِقَ الخَطَأ عَلى قائِلِ كُلٍّ مِنهُما، وأنْتَ بَعْدَ التَّأمُّلِ في أدِلَّةِ الطَّرَفَيْنِ والوُقُوفِ عَلى أحْوالِها يَتَعَيَّنُ عِنْدَكَ أفْضَلِيَّةُ لَيْلَةِ القَدْرِ وتَعَيُّنِ لَيْلَةِ الجُمْعَةِ، وهاهُنا قَوْلٌ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ القَوْلَيْنِ، حَكى القاضِي أبُو يَعْلى أنَّ أبا الحَسَنِ التَّمِيمِيَّ مِنَ الحَنابِلَةِ أيْضًا كانَ يَقُولُ: لَيْلَةُ القَدْرِ الَّتِي أُنْزِلَ فِيها القُرْآنُ أفْضَلُ مِن لَيْلَةِ الجُمْعَةِ لِما حَصَلَ فِيها مِنَ الخَيْرِ الكَثِيرِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ في غَيْرِها، فَأمّا أمْثالُها مِن لَيالِي القَدْرِ فَلَيْلَةُ الجُمْعَةِ أفْضَلُ مِنها، وقِيلَ: نَظِيرُهُ في لَيْلَةِ المِعْراجِ مَعَ لَيْلَةِ الجُمْعَةِ ونَحْوِها. ثُمَّ إنَّ ظاهِرَ كَلامِ بَعْضِ الحَنَفِيَّةِ كَصاحِبِ الجَوْهَرَةِ أنَّ لَيْلَةَ النَّحْرِ أفْضَلُ مِن لَيْلَةِ القَدْرِ وسائِرِ لَيالِي السَّنَةِ، ويَرِدُ عَلَيْهِ ظاهِرُ الآيَةِ أيْضًا، ولَعَلَّهُ يُجِيبُ بِنَحْوِ ما سَبَقَ آنِفًا. ونَقَلَ الطَّحاوِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ في حَواشِي المُخْتارِ عَنْ بَعْضِ الشّافِعِيَّةِ أنَّ أفْضَلَ اللَّيالِي لَيْلَةُ مَوْلِدِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ثُمَّ لَيْلَةُ القَدْرِ ثُمَّ لَيْلَةُ الإسْراءِ والمِعْراجِ ثُمَّ لَيْلَةُ عَرَفَةَ ثُمَّ لَيْلَةُ الجُمْعَةِ ثُمَّ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِن شَعْبانَ ثُمَّ لَيْلَةُ العِيدِ وأنا لا أرى أنَّ لَهُ ما يُعَوِّلُ عَلَيْهِ في ذَلِكَ. واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
وما أُشِيرَ إلَيْهِ مِن كَوْنِها مِن خَصائِصِ هَذِهِ الأُمَّةِ هو الَّذِي يَقْتَضِيهِ أكْثَرُ الأخْبارِ الوارِدَةِ في سَبَبِ النُّزُولِ، وصَرَّحَ بِهِ الهَيْتَمِيُّ وغَيْرُهُ. وقالَ القَسْطَلانِيُّ: إنَّهُ مُعْتَرَضٌ بِحَدِيثِ أبِي ذَرٍّ عِنْدَ النَّسائِيِّ حَيْثُ قالَ فِيهِ: «يا رَسُولَ اللَّهِ، أتَكُونُ مَعَ الأنْبِياءِ فَإذا ماتُوا رُفِعَتْ؟ قالَ: «بَلْ هي باقِيَةٌ»».
ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ عُمْدَةَ القائِلِينَ بِذَلِكَ الخَبَرِ الَّذِي قَدَّمْناهُ في سَبَبِ النُّزُولِ مِن رُؤْيَتِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَقاصُرَ أعْمارِ أُمَّتِهِ عَنْ أعْمارِ الأُمَمِ وتَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: هَذا مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَلا يَدْفَعُ الصَّرِيحَ في حَدِيثِ أبِي ذَرٍّ كَما قالَهُ الحافِظانِ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ وابْنُ حَجَرٍ في فَتْحِ البارِي انْتَهى. والحَقُّ الأوَّلُ والصَّراحَةُ في حَيِّزِ المَنعِ.
وقَدْ أخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ أنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ««إنَّ اللَّهَ تَعالى وهَبَ لِأُمَّتِي لَيْلَةَ القَدْرِ لَمْ يُعْطِها مَن كانَ قَبْلَهُمْ»». فَتَأمَّلْ ولا تَغْفُلْ.
{"ayah":"لَیۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَیۡرࣱ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











