الباحث القرآني

﴿كَلا﴾ رَدْعٌ لِلنّاهِي اللَّعِينِ وزَجْرٌ لَهُ. واللّامُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ﴾ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ؛ أيْ: واللَّهِ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ عَمّا هو عَلَيْهِ ولَمْ يَنْزَجِرْ ﴿لَنَسْفَعًا بِالنّاصِيَةِ﴾ أيْ: لَنَأْخُذَنَّ بِناصِيَتِهِ ولَنَسْحَبَنَّهُ بِها إلى النّارِ يَوْمَ القِيامَةِ، والسَّفْعُ قالَ المُبَرِّدُ: الجَذْبُ بِشِدَّةٍ، وسَفَعَ بِناصِيَةِ فَرَسِهِ جَذَبَ. قالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يكَرِبَ: ؎قَوْمٌ إذا كَثُرَ الصِّياحُ رَأيْتَهم ما بَيْنَ مُلْجِمِ مُهْرِهِ أوْ سافِعِ (p-187)وقالَ مُؤَرِّجٌ: السَّفْعُ الأخْذُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ. والنّاصِيَةُ شَعْرُ الجَبْهَةِ، وتُطْلَقُ عَلى مَكانِ الشَّعْرِ، وألْ فِيها لِلْعَهْدِ، واكْتُفِيَ بِها عَنِ الإضافَةِ وهو مَعْنى كَوْنِها عِوَضًا عَنِ المُضافِ إلَيْهِ في مِثْلِهِ، والكَلامُ كِنايَةٌ عَنْ سَحْبِهِ إلى النّارِ، وقَوْلُ أبِي حَيّانَ إنَّهُ عَبَّرَ بِالنّاصِيَةِ عَنْ جَمِيعِ الشَّخْصِ لا يَخْفى ما فِيهِ. وقِيلَ: المُرادُ لَنَسْحَبَنَّهُ عَلى وجْهِهِ في الدُّنْيا يَوْمَ بَدْرٍ وفِيهِ بِشارَةٌ بِأنَّهُ تَعالى يُمَكِّنُ المُسْلِمِينَ مِن ناصِيَتِهِ حَتّى يَجُرُّوهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِ، وقَدْ فَعَلَ عَزَّ وجَلَّ؛ فَقَدْ رُوِيَ «أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ سُورَةُ الرَّحْمَنِ قالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «مَن يَقْرَؤُها عَلى رُؤَساءِ قُرَيْشٍ؟» فَقامَ ابْنُ مَسْعُودٍ وقالَ: أنا يا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِضَعْفِهِ وصِغَرِ جُثَّتِهِ حَتّى قالَها ثَلاثًا وفي كُلِّ مَرَّةٍ كانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: أنا يا رَسُولَ اللَّهِ، فَأذِنَ لَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَأتاهم وهم مُجْتَمِعُونَ حَوْلَ الكَعْبَةِ فَشَرَعَ في القِراءَةِ فَقامَ أبُو جَهْلٍ فَلَطَمَهُ وشَقَّ أُذُنَهُ وأدْماهُ، فَرَجَعَ وعَيْناهُ تَدْمَعانِ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ ضاحِكًا فَقالَ لَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ في ذَلِكَ، فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «سَتَعْلَمُ» فَلَمّا كانَ يَوْمَبَدْرٍ قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: التَمِسُوا أبا جَهْلٍ في القَتْلى. فَرَآهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مَصْرُوعًا يَخُورُ فارْتَقى عَلى صَدْرِهِ فَفَتَحَ عَيْنَهُ فَعَرَفَهُ، فَقالَ: لَقَدِ ارْتَقَيْتَ مُرْتَقًى صَعْبًا يا رُوَيْعِيَّ الغَنَمِ، فَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الإسْلامُ يَعْلُو ولا يُعْلى عَلَيْهِ. فَعالَجَ قَطْعَ رَأْسِهِ فَقالَ اللَّعِينُ: دُونَكَ فاقْطَعْهُ بِسَيْفِي. فَقَطَعَهُ ولَمْ يَقْدِرْ عَلى حَمْلِهِ فَشَقَّ أُذُنَهُ وجَعَلَ فِيها خَيْطًا وجَعَلَ يَجُرُّهُ حَتّى جاءَ بِهِ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَجاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَضْحَكُ ويَقُولُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أُذُنٌ بِأُذُنٍ والرَّأْسُ زِيادَةٌ،» وكَأنَّ تَخْصِيصَ النّاصِيَةِ بِالذِّكْرِ لِأنَّ اللَّعِينَ كانَ شَدِيدَ الِاهْتِمامِ بِتَرْجِيلِها وتَطْيِيبِها، أوْ لِأنَّ السَّفْعَ بِها غايَةَ الإذْلالِ عِنْدَ العَرَبِ؛ إذْ لا يَكُونُ إلّا مَعَ مَزِيدِ التَّمَكُّنِ والِاسْتِيلاءِ ولِأنَّ عادَتَهم ذَلِكَ في البَهائِمِ. وقَرَأ مَحْبُوبٌ وهارُونُ كِلاهُما عَنْ أبِي عَمْرٍو: «لَنَسْفَعَنَّ» بِالنُّونِ الشَّدِيدَةِ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: «لَأسْفَعَنَّ» كَذَلِكَ مَعَ إسْنادِ الفِعْلِ إلى ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ وحْدَهُ، وكُتِبَتِ النُّونُ الخَفِيفَةُ في قِراءَةِ الجُمْهُورِ ألِفًا اعْتِبارًا بِحالِ الوَقْفِ فَإنَّهُ يُوقَفُ عَلَيْها بِالألِفِ تَشْبِيهًا لَها بِالتَّنْوِينِ، وقاعِدَةُ الكِتابَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلى حالِ الوَقْفِ والِابْتِداءِ ومِن ذَلِكَ قَوْلُهُ: ومَهْما تَشَأْ مِنهُ فَزارَةُ تَمْنَعا وقَوْلُهُ: يَحْسَبُهُ الجاهِلُ ما لَمْ يَعْلَما
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب