الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: (p-163)﴿ووَجَدَكَ عائِلا فَأغْنى﴾ عَلى نَمَطِ سابِقِهِ، والعائِلُ المُفْتَقِرُ مِن عالَ يَعِيلُ عَيْلًا وعَيْلَةً وعُيُولًا ومَعِيلًا افْتَقَرَ؛ أيْ: وجَدَكَ عَدِيمَ المُقْتَنَياتِ فَأغْناكَ بِما حَصَلَ لَكَ مِن رِبْحِ التِّجارَةِ وذَلِكَ في سَفَرِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَعَ مَيْسَرَةَ إلى الشّامِ وبِما وهَبَتْهُ لَكَ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها مِنَ المالِ وكانَتْ ذا مالٍ كَثِيرٍ فَلَمّا تَزَوَّجَها عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وهَبَتْهُ جَمِيعَهُ لَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِئَلّا يَقُولَ قائِلٌ ما يَثْقُلُ عَلى سَمْعِهِ الشَّرِيفِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وبِمالِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، وكانَ أيْضًا ذا مالٍ فَأتى بِهِ كُلِّهِ رَسُولَ اللَّهِ. «فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «ما تَرَكْتَ لِعِيالِكَ؟» فَقالَ: تَرَكْتُ اللَّهَ تَعالى ورَسُولَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ». وقِيلَ: بِما أفاءَ عَلَيْكَ مِنَ الغَنائِمِ وفِيهِ أنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ والغَنائِمَ إنَّما كانَتْ بَعْدَ الهِجْرَةِ وقِيلَ: المُرادُ قَنَّعَكَ وأغْنى قَلْبَكَ؛ فَإنَّ غِنى القَلْبِ هو الغِنى، وقَدْ قِيلَ: مَن عُدِمَ القَناعَةَ لَمْ يُفِدْهُ المالُ غِنًى، وقِيلَ: أغْناكَ بِهِ عَزَّ وجَلَّ عَمّا سِواهُ وهَذا الغِنى بِالِافْتِقارِ إلَيْهِ تَعالى. وفِي الحَدِيثِ: ««اللَّهُمَّ أغْنِنِي بِالِافْتِقارِ إلَيْكَ ولا تُفْقِرْنِي بِالِاسْتِغْناءِ عَنْكَ»». وبِهَذا ألَمَّ بَعْضُ الشُّعَراءِ فَقالَ: ؎ويُعْجِبُنِي فَقْرِي إلَيْكَ ولَمْ يَكُنْ لِيُعْجِبَنِي لَوْلا مَحَبَّتُكَ الفَقْرُ وشاعَ حَدِيثُ: ««الفَقْرُ فَخْرِي»». وحُمِلَ الفَقْرُ فِيهِ عَلى هَذا المَعْنى وهو عَلى ما قالَ ابْنُ حَجَرٍ باطِلٌ مَوْضُوعٌ وأشَدُّ مِنهُ وضْعًا وبُطْلانًا ما يَذْكُرُهُ بَعْضُ المُتَصَوِّفَةِ إذا تَمَّ الفَقْرُ فَهو اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا وقَدْ خاضُوا في بَيانِ المُرادِ بِهِ بِما لا يَدْفَعُ بَشاعَتَهُ بَلْ لا يَقْتَضِي اسْتِقامَتَهُ. وقِيلَ: ﴿عائِلا﴾ أيْ: ذا عِيالٍ مِن عالَ يَعُولُ عَوْلًا وعِيالَةً كَثُرَ عِيالُهُ، ويَحْتَمِلُ المَعْنَيَيْنِ قَوْلُ جَرِيرٍ: ؎اللَّهُ نَزَّلَ في الكِتابِ فَرِيضَةً ∗∗∗ لِابْنِ السَّبِيلِ ولِلْفَقِيرِ العائِلِ ولَعَلَّ الثّانِيَ فِيهِ أظْهَرُ ورُجِّحَ الأوَّلُ في الآيَةِ بِقِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «عَدِيمًا» وأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمْ يَكُنْ ذا عِيالٍ في أوَّلِ أمْرِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ. وقَرَأ اليَمانِيُّ: «عَيِّلًا» كَ «سَيٍّدًا» بِشَدِّ الياءِ المَكْسُورَةِ، هَذا وذَكَرَ عِصامُ الدِّينِ في هَذِهِ الآياتِ أنَّهُ يُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِاليَتِيمِ فاقِدُ المُعَلِّمِ؛ فَإنَّ الآباءَ ثَلاثَةٌ: مَن عَلَّمَكَ ومَن زَوَّجَكَ ومَن ولَدَكَ، ويُناسِبُهُ حَمْلُ الضَّلالِ عَلى الضَّلالِ عَنِ العِلْمِ، وحَمْلُ العِيالِ أيْ: عَلى تَفْسِيرِ ﴿عائِلا﴾ بِذا عِيالٍ عَلى عَيّالِ الأُمَّةِ الطّالِبَةِ مِنهُ مَعْرِفَةَ مَصالِحِ الدِّينِ مَعَ احْتِياجِهِ إلى المَعْرِفَةِ فَأغْناهُ اللَّهُ تَعالى بِالوَحْيِ إلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ولا يَخْفى ما فِيهِ. وحُذِفَ المَفْعُولُ في الأفْعالِ الثَّلاثَةِ لِظُهُورِ المُرادِ مَعَ رِعايَةِ الفَواصِلِ. وقِيلَ: لِيَدُلَّ عَلى سِعَةِ الكَرَمِ، والمُرادُ آواكَ وآوى لَكَ وبِكَ وهَداكَ ولَكَ وبِكَ وأغْناكَ ولَكَ وبِكَ وظاهِرُ الفاءِ مَعَ تِلْكَ الأفْعالِ تَأْبى ذَلِكَ. وأطالَ الإمامُ الكَلامَ في الآياتِ وأتى فِيها بِغَثٍّ وسَمِينٍ ولَوْلا خَشْيَةُ المَلَلِ لَذَكَرْنا ما فِيهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب