الباحث القرآني
﴿وأمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ فَإنَّ التَّحَدُّثَ بِها شُكْرٌ لَها كَما قالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ والحَسَنُ وقَتادَةُ والفُضَيْلُ بْنُ عِياضٍ.
وأخْرَجَ البُخارِيُّ في الأدَبِ وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ وأبُو يَعْلى وابْنُ حِبّانَ والبَيْهَقِيُّ والضِّياءُ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا: ««مَن أُعْطِيَ عَطاءً فَوَجَدَ فَلْيُجْزِ بِهِ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَثْنِ بِهِ، فَمَن أثْنى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ، ومَن كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ، ومَن تَحَلّى بِما لَمْ يُعْطَ كانَ كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ»».
ولِذا اسْتَحَبَّ بَعْضُ السَّلَفِ التَّحَدُّثَ بِما عَمِلَهُ مِنَ الخَيْرِ إذْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الرِّياءَ والِافْتِخارَ وعَلِمَ الِاقْتِداءَ بِهِ بَلْ بَعْضُ أهْلِ البَيْتِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم حَمَلَ الآيَةَ عَلى ذَلِكَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مِقْسَمٍ قالَ: لَقِيتُ الحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وأرْضاهُما فَقُلْتُ: أخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعالى: ﴿وأمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ فَقالَ: الرَّجُلُ المُؤْمِنُ يَعْمَلُ عَمَلًا صالِحًا فَيُخْبِرُ بِهِ أهْلَ بَيْتِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ قالَ فِيها: إذا أصَبْتَ خَيْرًا فَحَدِّثْ إخْوانَكَ، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِالنِّعْمَةِ ما أفاضَهُ اللَّهُ تَعالى عَلى نَبِيِّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِن فُنُونِ النِّعَمِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما تَقَدَّمَ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وغَيْرُهُ عَنْ مُجاهِدٍ تَفْسِيرَها بِالنُّبُوَّةِ ورَوَوْا عَنْهُ أيْضًا تَفْسِيرَها بِالقُرْآنِ ووافَقَهُ في الأوَّلِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ وفي الثّانِي الكَلْبِيُّ، وعَلَيْهِما المُرادُ بِالتَّحْدِيثِ التَّبْلِيغُ، ولا يَخْفى أنَّ كِلا التَّفْسِيرَيْنِ غَيْرُ مُناسِبٍ لِما قَبْلُ، وهَذِهِ الجُمَلُ الثَّلاثُ مُرَتَّبَةٌ عَلى ما قَبْلَها فَقِيلَ: عَلى اللَّفِّ والنَّشْرِ المُشَوَّشِ، وحاصِلُ المَعْنى: أنَّكَ كُنْتَ يَتِيمًا وضالًّا وعائِلًا فَآواكَ وهَداكَ وأغْناكَ فَمَهْما يَكُنْ مِن شَيْءٍ فَلا تَنْسَ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعالى عَلَيْكَ في هَذِهِ الثَّلاثِ، واقْتَدِ بِاللَّهِ تَعالى فَتَعَطَّفْ عَلى اليَتِيمِ وتَرَحَّمْ عَلى السّائِلِ فَقَدْ ذُقْتَ اليُتْمَ والفَقْرَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأمّا بِنِعْمَةِ﴾ إلَخْ في مُقابَلَةِ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ووَجَدَكَ ضالا فَهَدى﴾ لِعُمُومِهِ وشُمُولِهِ لِهِدايَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنَ (p-165)الضَّلالِ بِتَعْلِيمِ الشَّرائِعِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ، ولَمْ يُراعِ التَّرْتِيبَ لِتَقْدِيمِ حُقُوقِ العِبادِ عَلى حَقِّهِ عَزَّ وجَلَّ فَإنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى غَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ، وقِيلَ: لِتَقْدِيمِ التَّخْلِيَةِ عَلى التَّحْلِيَةِ أوْ لِلتَّرَقِّي أوْ لِمُراعاةِ الفَواصِلِ ونُظِرَ في كُلِّ ذَلِكَ. وقالَ الطِّيبِيُّ: الظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِالسّائِلِ طالِبُ العِلْمِ لا المُسْتَجْدِي وعَلَيْهِ لا مانِعَ مِن كَوْنِ التَّفْصِيلِ عَلى التَّرْتِيبِ فَيُقالُ: إنَّهُ تَعالى ذَكَرَ أحْوالَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلى وفْقِ التَّرْتِيبِ الخارِجِيِّ بِأنْ يُرادَ بِهِدايَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ما يَعُمُّ تَوْفِيقَهُ لِلنَّظَرِ الصَّحِيحِ في صِباهُ؛ فَقَدْ كانَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُوَفَّقًا لِذَلِكَ ولِذا لَمْ يَعْبُدْ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ صَنَمًا، أوْ يُرادُ بِإغْنائِهِ ما كانَ بَعْدَ البَعْثَةِ ثُمَّ فَصَّلَ سُبْحانَهُ عَلى ذَلِكَ التَّرْتِيبِ فَجَعَلَ عَدَمَ قَهْرِ اليَتِيمِ في مُقابَلَةِ إيوائِهِ تَعالى لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في يُتْمِهِ، وعَدَمَ زَجْرِ السّائِلِ طالِبِ العِلْمِ والمُتَعَلِّمِ مِنهُ في مُقابَلَةِ هِدايَتِهِ لَهُ، والتَّحَدُّثُ بِالنِّعْمَةِ في مُقابَلَةِ الغِنى، وإنْ كانَتِ النِّعْمَةُ شامِلَةً لَهُ ولِغَيْرِهِ. وآثَرَ سُبْحانَهُ: ﴿فَحَدِّثْ﴾ عَلى «فَخَبِّرْ» قِيلَ: لِيَكُونَ ذِكْرُ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حَدِيثًا لا يَنْساهُ ويُوجِدُهُ ساعَةً غِبَّ ساعَةٍ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
ونُدِبَ التَّكْبِيرُ عِنْدَ خاتِمَةِ هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ وكَذا ما بَعْدَها إلى آخِرِ القُرْآنِ العَظِيمِ؛ فَقَدْ أخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ مِن طَرِيقِ أبِي الحَسَنِ البَزِّيِّ المُقْرِي قالَ: «سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنَ سُلَيْمانَ يَقُولُ: قَرَأْتُ عَلى إسْماعِيلَ بْنِ قُسْطَنْطِينَ فَلَمّا بَلَغْتُ: ﴿والضُّحى﴾ قالَ: كَبِّرْ عِنْدَ خاتِمَةِ كُلِّ سُورَةٍ حَتّى تَخْتِمَ؛ فَإنِّي قَرَأْتُ عَلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ فَلَمّا بَلَغْتُ: ﴿والضُّحى﴾ قالَ: كَبِّرْ حَتّى تَخْتِمَ، وأخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ أنَّهُ قَرَأ عَلى مُجاهِدٍ فَأمَرَهُ بِذَلِكَ وأخْبَرَهُ أنَّ ابْنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أمَرَهُ بِذَلِكَ وأخْبَرَهُ أنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أمَرَهُ بِذَلِكَ، وأخْبَرَهُ أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أمَرَهُ بِذَلِكَ،» وكانَ ذَلِكَ مِنهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَرَحًا بِنُزُولِ الوَحْيِ بَعْدَ تَأخُّرِهِ وبُطْئِهِ حَتّى قِيلَ ما قِيلَ، هَذا وعَلى ذَلِكَ عَمَلُ النّاسِ اليَوْمَ والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ.
{"ayah":"وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











