الباحث القرآني
﴿وأمّا مَن بَخِلَ﴾ بِمالِهِ فَلَمْ يَبْذُلْهُ في سَبِيلِ الخَيْرِ وقِيلَ: أيْ: بَخِلَ بِفِعْلِ ما أُمِرَ بِهِ وفِيهِ ما فِيهِ.
﴿واسْتَغْنى﴾ أيْ: وزَهِدَ فِيما عِنْدَهُ عَزَّ وجَلَّ كَأنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ سُبْحانَهُ فَلَمْ يَتَّقِهِ جَلَّ وعَلا أوِ اسْتَغْنى بِشَهَواتِ الدُّنْيا عَنْ نَعِيمِ العُقْبى؛ لِأنَّهُ في مُقابَلَةِ: واتَّقى. كَما أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وكَذَّبَ بِالحُسْنى﴾ في مُقابَلَةِ: وصَدَّقَ بِالحُسْنى، والمُرادُ بِالحُسْنى فِيهِ ما مَرَّ في الأقْوالِ قَبْلُ.
﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى﴾ أيْ: لِلْخَصْلَةِ المُؤَدِّيَةِ إلى العُسْرِ والشِّدَّةِ كَدُخُولِ النّارِ ومَبادِيهِ، ووَصَفَها بِالعُسْرى عَلى نَحْوِ ما ذُكِرَ، وأصْلُ التَّيْسِيرِ مِنَ اليُسْرِ بِمَعْنى السُّهُولَةِ لَكِنْ أُرِيدَ التَّهْيِئَةُ والإعْدادُ لِلْأمْرِ أعْنِي ما يُفْضِي إلى راحَةٍ وما يُفْضِي إلى شِدَّةٍ. والسِّينُ في ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ﴾ قِيلَ: لِلتَّأْكِيدِ وقِيلَ: لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ الجَزاءَ المَوْعُودَ مُعْظَمُهُ يَكُونُ في الآخِرَةِ الَّتِي هي أمْرٌ مُنْتَظَرٌ مُتَراخٍ، وتَقْدِيمُ البُخْلِ فالِاسْتِغْناءُ فالتَّكْذِيبُ يُعْلَمُ وجْهُهُ مِمّا تَقَدَّمَ. وفي الإرْشادِ لَعَلَّ تَصْدِيرَ القِسْمَيْنِ بِالإعْطاءِ والبُخْلِ مَعَ أنَّ كُلًّا مِنهُما أدْنى رُتْبَةً مِمّا بَعْدُ في اسْتِتْباعِ التَّيْسِيرِ لِلْيُسْرى والتَّعْسِيرِ لِلْعُسْرى لِلْإيذانِ بِأنَّ كُلًّا مِنهُما أصِيلٌ فِيما ذُكِرَ لِما بَعْدَهُما مِنَ التَّصْدِيقِ والتَّقْوى والتَّكْذِيبِ والِاسْتِغْناءِ.
وقِيلَ: التَّيْسِيرُ أوَّلًا بِمَعْنى اللُّطْفِ وثانِيًا بِمَعْنى الخِذْلانِ، واليُسْرى والعُسْرى الطّاعَةُ لِكَوْنِها أيْسَرَ شَيْءٍ عَلى المُتَّقِي وأعْسَرَهُ عَلى غَيْرِهِ، والمَعْنى: أمّا مَن أعْطى فَسَنَلْطُفُ بِهِ ونُوَفِّقُهُ حَتّى تَكُونَ الطّاعَةُ عَلَيْهِ أيْسَرَ الأُمُورِ وأهْوَنَها مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ﴾ ﴿وأمّا مَن بَخِلَ﴾ إلَخْ فَسَنَخْذُلُهُ ونَمْنَعُهُ الإلْطافَ حَتّى تَكُونَ الطّاعَةُ أعْسَرَ شَيْءٍ عَلَيْهِ وأشَدَّ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأنَّما يَصَّعَّدُ في السَّماءِ﴾ . وأصْلُ هَذا فَسَنُيَسِّرُهُ لِلطّاعَةِ العُسْرى ثُمَّ أُرِيدَ ما ذُكِرَ عَلى أنَّ الوَصْفَ هو المَقْصُودُ بِتَعَلُّقِ التَّيْسِيرِ أعْنِي التَّعْسِيرَ لا المَوْصُوفَ أعْنِي الطّاعَةَ، ومَعَ هَذا إطْلاقُ التَّيْسِيرِ لِلْعُسْرى مُشاكَلَةً. وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِاليُسْرى طَرِيقُ الجَنَّةِ وبِالعُسْرى طَرِيقُ النّارِ وبِالتَّيْسِيرِ في المَوْضِعَيْنِ مَعْنى الهِدايَةِ وهو في الآخِرَةِ وعْدًا ووَعِيدًا، وأمْرُ المُشاكَلَةِ فِيهِ عَلى حالِهِ. وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِالتَّيْسِيرِ التَّهْيِئَةُ والإعْدادُ واليُسْرى والعُسْرى الطّاعَةُ والمَعْصِيَةُ ومَبادِئُهُما مِنَ الصِّفاتِ المَحْمُودَةِ والمَذْمُومَةِ، وهو وجْهٌ حَسَنٌ غَيْرُ بَعِيدٍ عَنِ الأوَّلِ وكِلاهُما حَسَنُ الطِّباقِ لِما صَحَّ في الأخْبارِ.
أخْرَجَ الإمامُ أحْمَدُ والبُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ وغَيْرُهم عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ قالَ: «كُنّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ في جِنازَةٍ فَقالَ: «ما مِنكم مِن أحَدٍ إلّا وقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ ومَقْعَدُهُ مِنَ النّارِ». فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، أفَلا نَتَّكِلُ؟ فَقالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ، أمّا مَن كانَ مِن أهْلِ السَّعادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ السَّعادَةِ، وأمّا مَن كانَ مِن أهْلِ الشَّقاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقاءِ». ثُمَّ قَرَأ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «﴿فَأمّا مَن أعْطى واتَّقى﴾» الآيَتَيْنِ».
وكانَ حاصِلُ ما أرادَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «اعْمَلُوا» إلَخْ عَلَيْكم شَأْنَ العُبُودِيَّةِ وما خُلِقْتُمْ لِأجْلِهِ وأُمِرْتُمْ بِهِ وكِلُوا أُمُورَ الرُّبُوبِيَّةِ المُغَيَّبَةَ إلى صاحِبِها فَلا عَلَيْكم بِشَأْنِها. وأيًّا ما كانَ فالمُرادُ بِمَن أعْطى إلَخْ وبِمَن بَخِلَ إلَخِ المُتَّصِفُ بِعُنْوانِ الصِّلَةِ مُطْلَقًا وإنْ كانَ السَّبَبُ خاصًّا؛ إذِ العِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. نَعَمْ هو قَطْعِيُّ الدُّخُولِ وقِيلَ: مَن أعْطى أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، ومَن بَخِلَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ وابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ الأوَّلَ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ والثّانِي أبُو سُفْيانَ بْنُ حَرْبٍ ونَحْوَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي أوْفى وفي هَذا نَظَرٌ؛ لِأنَّ أبا سُفْيانَ أسْلَمَ وقَوِيَ إسْلامُهُ في آخِرِ أمْرِهِ عِنْدَ أهْلِ السُّنَّةِ. وفي رِوايَةِ الطَّسْتِيِّ عَنْهُ أنَّ ﴿وأمّا مَن بَخِلَ﴾ إلَخْ نَزَلَ في أبِي جَهْلٍ ولَعَلَّ كُلَّ ما قِيلَ: مِنَ التَّخْصِيصِ فَهو مِن بابِ التَّنْصِيصِ عَلى بَعْضِ أفْرادِ العامِّ لِتَحَقُّقِ دُخُولِهِ فِيهِ عِنْدَ مَن خَصَّصَ.
{"ayahs_start":8,"ayahs":["وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ","وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ","فَسَنُیَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ"],"ayah":"وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق