الباحث القرآني
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ونَفْسٍ وما سَوّاها﴾ أيْ: أنْشَأها وأبْدَعَها مُسْتَعِدَّةً لِكَمالِها؛ وذَلِكَ بِتَعْدِيلِ أعْضائِها وقُواها الظّاهِرَةِ والباطِنَةِ، والتَّنْكِيرُ لِلتَّكْثِيرِ، وقِيلَ: لِلتَّفْخِيمِ عَلى أنَّ المُرادَ بِالنَّفْسِ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ والأوَّلُ أنْسَبُ بِجَوابِ القَسَمِ الآتِي، ومَن ذَهَبَ إلى ذَلِكَ جَعَلَهُ مِنَ الِاسْتِخْدامِ. وذَهَبَ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ والمُبَرِّدُ وقَتادَةُ وغَيْرُهم إلى أنَّ «ما» في المَواضِعِ الثَّلاثَةِ مَصْدَرِيَّةٌ؛ أيْ: (p-143)وبِنائِها وطَحْوِها وتَسْوِيَتِها. وتَعَقَّبَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِأنَّهُ لَيْسَ بِالوَجْهِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها﴾ وما يُؤَدِّي إلَيْهِ مِن فَسادِ النَّظْمِ؛ وذَلِكَ عَلى ما في الحَواشِي لِما يَلْزَمُ مِن عَطْفِ الفِعْلِ عَلى الِاسْمِ وأنَّهُ لا يَكُونُ لَهُ فاعِلٌ لا ظاهِرٌ وهو ظاهِرٌ ولا مُضْمَرٌ لِعَدَمِ مَرْجِعِهِ. واعْتُرِضَ بِأنَّ الأخِيرَ مُنْتَقَضٌ بِالأفْعالِ السّابِقَةِ؛ أعْنِي «بَناها، طَحاها، سَوّاها» عَلى أنَّ دَلالَةَ السِّياقِ كافِيَةٌ في صِحَّةِ الإضْمارِ، وأمّا الأوَّلُ فَفِيهِ أنَّ عَطْفَ الفِعْلِ عَلى الِاسْمِ لَيْسَ بِفاسِدٍ وإنْ كانَ خِلافَ الظّاهِرِ عَلى أنَّهُ عَلى ما بَعْدَ «ما» كَأنَّهُ قِيلَ:
ونَفْسٍ وتَسْوِيَتِها فَإلْهامِها فُجُورَها وتَقْواها. واعْتُرِضَ هَذا بِأنَّ الفاءَ يَدُلُّ عَلى التَّرْتِيبِ مِن غَيْرِ مُهْلَةٍ، والتَّسْوِيَةُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ والإلْهامُ بَعْدَ البُلُوغِ، وأُجِيبَ بِأنَّ التَّسْوِيَةَ تَعْدِيلُ الأعْضاءِ والقُوى ومِنها المُفَكِّرَةُ والإلْهامُ عِبارَةٌ عَنْ بَيانِ كَيْفِيَّةِ اسْتِعْمالِها في النَّجْدَيْنِ في هَذا المَحَلِّ وهو غَيْرُ مُفارِقٍ عَنْهُ مُنْذُ سُوِّيَ، نَعَمْ يَزْدادُ بِحَسْبِ ازْدِيادِ القُوى كَيْفِيَّةً لا وُجُودًا عَلى أنَّ المُهْلَةَ في نَحْوِها عُرْفِيٌّ، وقَدْ يُعَدُّ مُتَعَقَّبًا دُونَ تَراخٍ ثُمَّ إنَّهُ مُشْتَرَكُ الإلْزامِ ولا مَعْنى لِقَوْلِ الطِّيبِيِّ: النَّظْمُ السِّرِّيُّ يُوجِبُ مُوافَقَةَ القَرائِنِ فَلا يَجُوزُ، ونَفْسٍ وتَسْوِيَتِها فَألْهَمَها اللَّهُ؛ فَهي حاصِلَةٌ وإنَّما ذَلِكَ بِناءً عَلى تَوَهُّمِ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَألْهَمَها﴾ جُمْلَةٌ، وبِالجُمْلَةِ لا يَلُوحُ فَسادُ هَذا الوَجْهِ. وأبى القاضِي عَبْدُ الجَبّارِ إلّا المَصْدَرِيَّةَ دُونَ المَوْصُولِيَّةِ قالَ: لِما يَلْزَمُ مِنها تَقْدِيمُ الإقْسامِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى عَلى إقْسامِهِ سُبْحانَهُ بِنَفْسِهِ عَزَّ وجَلَّ.
وأجابَ عَنْهُ الإمامُ بِأنْ أعْظَمَ المَحْسُوساتِ الشَّمْسُ فَذَكَرَها اللَّهُ تَعالى مَعَ أوْصافِها الأرْبَعَةِ الدّالَّةِ عَلى عِظَمِها ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ ذاتَهُ المُقَدَّسَةَ ووَصَفَها جَلَّ وعَلا بِصِفاتٍ ثَلاثٍ لِيَحْظى العَقْلُ بِإدْراكِ جَلالِ اللَّهِ تَعالى وعَظَمَتِهِ سُبْحانَهُ كَما يَلِيقُ بِهِ جَلَّ جَلالُهُ ولا يُنازِعُهُ الحِسُّ فَكانَ ذَلِكَ طَرِيقًا إلى جَذْبِ العَقْلِ مِن حَضِيضِ عالَمِ المَحْسُوساتِ إلى بَيْداءِ أوْجِ كِبْرِيائِهِ جَلَّ شَأْنُهُ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ ما عِبارَةً عَنِ الأمْرِ الَّذِي لَهُ بُنِيَتِ السَّماءُ وطُحِيَتِ الأرْضُ وسُوِّيَتِ النَّفْسُ مِنَ الحِكَمِ والمَصالِحِ الَّتِي لا تُحْصى، ويَكُونُ إسْنادُ الأفْعالِ إلَيْها مَجازًا، وفاعِلُ «ألْهَمَها» يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ أمْرٌ ويَكُونُ الإسْنادُ مَجازًا أيْضًا وهو كَما تَرى، والفُجُورُ والتَّقْوى عَلى ما أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وغَيْرُهُ عَنِ الضَّحّاكِ المَعْصِيَةُ والطّاعَةُ مُطْلَقًا قَلْبِيَّيْنِ كانا أوْ قالِبِيَّيْنِ وإلْهامُهُما النَّفْسَ عَلى ما أخْرَجَ هو وابْنُ جَرِيرٍ وجَماعَةٌ عَنْ مُجاهِدٍ تَعْرِيفَهُما إيّاها بِحَيْثُ تُمَيِّزُ رُشْدَها مِن ضَلالِها، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ كَما في البَحْرِ، وقَرِيبٌ مِنهُ قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ ( ألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها ) بَيَّنَهُما لَها.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وغَيْرُهُما نَحْوَهُ عَنْ قَتادَةَ والآيَةُ عَلى ذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ﴾ وقَدَّمَ الفُجُورَ عَلى التَّقْوى لِأنَّ إلْهامَهُ بِهَذا المَعْنى مِن مَبادِئِ تَجَنُّبِهِ وهو تَخْلِيَةٌ، والتَّخْلِيَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلى التَّحْلِيَةِ، وقِيلَ: قُدِّمَ مُراعاةً لِلْفَواصِلِ وأُضِيفا إلى ضَمِيرِ النَّفْسِ قِيلَ: إشارَةً إلى أنَّ المُلْهَمَ لِلنَّفْسِ فُجُورٌ وتَقْوى قَدِ اسْتَعَدَّتْ لَهُما فَهُما لَها بِحُكْمِ الِاسْتِعْدادِ، وقِيلَ: رِعايَةً لِلْفَواصِلِ أيْضًا.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّىٰهَا","فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا"],"ayah":"وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّىٰهَا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











