الباحث القرآني

﴿والَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا﴾ بِما نَصَبْناهُ دَلِيلًا عَلى الحَقِّ مِن كِتابٍ وحُجَّةٍ أوْ بِالقُرْآنِ. ﴿هم أصْحابُ المَشْأمَةِ﴾ أيْ: جِهَةَ الشِّمالِ الَّتِي فِيها الأشْقِياءُ أوِ الشُّؤْمُ عَلى أنْفُسِهِمْ وعَلى غَيْرِهِمْ. ﴿عَلَيْهِمْ نارٌ﴾ عَظِيمَةٌ ﴿مُؤْصَدَةٌ﴾ مُطْبَقَةٌ مَن آصَدْتُ (p-140)البابَ إذا غَلَّقَتْهُ وأطْبَقْتَهُ وهي لُغَةُ قُرَيْشٍ عَلى ما رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ. وظاهِرُ كَلامِ ابْنِ عَبّاسٍ عَدَمُ الِاخْتِصاصِ بِهِمْ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎تَحِنُّ إلى أجْبالِ مَكَّةَ ناقَتِي ومِن دُونِها أبْوابُ صَنْعاءَ مُؤْصَدَهْ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن أُوصِدَتْ بِمَعْنى غُلِّقَتْ أيْضًا، وهُمِزَ عَلى حَدِّ مَن قَرَأ بِالسُّؤْقِ مَهْمُوزًا وقَرَأ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ السَّبْعَةِ: مُوصَدَةٌ بِغَيْرِ هَمْزٍ. فَيَظْهَرُ أنَّهُ مِن أُوصِدَتْ وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن آصَدْتُ وسُهِّلَتِ الهَمْزَةُ وقالَ الشّاعِرُ: ؎قَوْمًا يُعالِجُ قُمَّلًا أبْناؤُهم ∗∗∗ وسَلاسِلًا مُلْسًا وبابًا مُوصَدا والمُرادُ مُغَلَّقَةٌ أبْوابُها، وإنَّما أُغْلِقَتْ لِتَشْدِيدِ العَذابِ والعِياذُ بِاللَّهِ تَعالى عَلَيْهِمْ. وصَرَّحَ بِوَعِيدِهِمْ ولَمْ يُصَرِّحْ بِوَعْدِ المُؤْمِنِينَ لِأنَّهُ الأنْسَبُ بِما سِيقَ لَهُ الكَلامُ، والأوْفَقُ بِالغَرَضِ والمَرامُ ولِذا جِيءَ بِضَمِيرِ الفَصْلِ مَعَهم لِإفادَةِ الحَصْرِ واعْتَبَرُوا غَيْبًا كَأنَّهم بِحَيْثُ لا يُصْلِحُونَ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ لِأنْ يَكُونُوا مُشارًا إلَيْهِمْ ولَمْ يَسْلُكْ نَحْوُ هَذا المَسْلَكِ في الجُمْلَةِ الأُولى الَّتِي في شَأْنِ المُؤْمِنِينَ. ونُقِلَ عَنِ الشِّمْنِيِّ أنَّهُ قالَ: الحِكْمَةُ في تَرْكِ ضَمِيرِ الفَصْلِ في الأوَّلَيْنِ والإتْيانِ بَدَلَهُ بِاسْمِ الإشارَةِ أنَّ اسْمَ الإشارَةِ يُؤْتى بِهِ لِتَمْيِيزِ ما أُرِيدَ بِهِ أكْمَلُ تَمْيِيزٍ كَقَوْلِهِ: ؎هَذا أبُو الصَّقْرِ فَرْدًا في مَحاسِنِهِ ∗∗∗ مِن نَسْلِ شَيْبانَ بَيْنَ الضّالِ والسُّلَمِ ولا كَذَلِكَ الضَّمِيرُ؛ فَإنَّ اسْمَ الإشارَةِ البَعِيدَ يُفِيدُ التَّعْظِيمَ لِتَنْزِيلِ رِفْعَةِ مَحَلِّ المُشارِ بِهِ إلَيْهِ مَنزِلَةً بَعْدَ دَرَجَتِهِ فاسْمُ الإشارَةِ لِلتَّعْظِيمِ والإشارَةُ إلى تَمْيِيزِهِمْ واسْتِحْقاقِهِمْ كَمالَ الشُّهْرَةِ بِخِلافِ أصْحابِ المَشْأمَةِ، والضَّمِيرُ لا يُفِيدُ ذَلِكَ انْتَهى. وفِيهِ أنَّ اسْمَ الإشارَةِ كَما يُفِيدُ التَّعْظِيمَ يُفِيدُ التَّحْقِيرَ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ﴾ وكَمالُ الشُّهْرَةِ كَما يَكُونُ في الخَيْرِ يَكُونُ في الشَّرِّ، فَأيُّ مانِعٍ مِنَ اعْتِبارِ اسْتِحْقاقِهِمْ كَمالَ الشُّهْرَةِ في الشَّرِّ. وبِالجُمْلَةِ ما ذَكَرَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ ولَعَلَّ ما ذَكَرْناهُ هو الأوْلى فَتَدَبَّرْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب