الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فَإنَّهُ عُطِفَ عَلى المَنفِيِّ؛ أعْنِي ﴿اقْتَحَمَ﴾ فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَلا اقْتَحَمَ ولا آمَنَ، ولا يَلْزَمُ مِنهُ كَوْنُ الإيمانِ غَيْرَ داخِلٍ في مَفْهُومِ العَقَبَةِ؛ لِأنَّهُ يَكْفِي في صِحَّةِ العَطْفِ والتَّكْرارِ كَوْنُهُ جُزْءًا أشْرَفَ خُصَّ بِالذِّكْرِ عَطْفًا فَجاءَتْ صُورَةُ التَّكْرارِ ضَرُورَةً إذِ الحَمْلُ عَلى غَيْرِ ذَلِكَ (p-139)مُفْسِدٌ لِلْمَعْنى، ويَلْزَمُهُ جَوازُ: لا أكَلَ زَيْدٌ وشَرِبَ عَلى العَطْفِ عَلى المَنفِيِّ، والبَعْضُ المُتَقَدِّمُ يَمْنَعُهُ. وقِيلَ: إنَّ «لا» لِلدُّعاءِ والكَلامُ دُعاءٌ عَلى ذَلِكَ الكافِرِ أنْ لا يَرْزُقَهُ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ الخَيْرَ. وقِيلَ: «لا» مُخَفَّفُ «إلّا» لِلتَّخْضِيضِ كَ «هَلّا»، فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَهَلّا اقْتَحَمَ، أوِ الِاسْتِفْهامُ مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ: أفَلا اقْتَحَمَ، ونُقِلَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ والجُبّائِيِّ وأبِي مُسْلِمٍ. وفِيهِ أنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ تَخْفِيفَ ألا التَّحْضِيضِيَّةَ، وأنَّهُ كَما قالَ المُرْتَضى: يَقْبُحُ حَذْفُ حَرْفِ الِاسْتِفْهامِ في مِثْلِ هَذا المَوْضِعِ، وقَدْ عِيبَ عَلى عُمَرَ بْنِ أبِي رَبِيعَةَ قَوْلُهُ:
؎ثُمَّ قالُوا تُحِبُّها قُلْتُ بَهْرًا عَدَدَ الرَّمْلِ والحَصى والتُّرابِ
وقَوْلُهُمْ: لَوْ أُرِيدَ النَّفْيُ لَمْ يَتَّصِلِ الكَلامُ بِشَيْءٍ لِظُهُورِ كانَ تَحْتَ النَّفْيِ واتِّصالِ الكَلامِ عَلَيْهِ، قِيلَ: الكَلامُ إخْبارٌ عَنِ المُسْتَقْبَلِ فَلَيْسَ مِمّا يَلْزَمُ فِيهِ التَّكْرِيرُ؛ أيْ: فَلا يَقْتَحِمُ العَقَبَةَ لِأنَّ ماضِيَهُ مَعْلُومٌ بِالمُشاهَدَةِ فالأهَمُّ الإخْبارُ عَنْ حالِهِ في الِاسْتِقْبالِ لِكَيْ لِتَحَقُّقِ الوُقُوعِ عَبْرَ بِالماضِي. ونَقَلَ الطِّيبِيُّ عَنْ أبِي عَلِيٍّ الفارِسِيِّ عَدَمَ وُجُوبِ تَكْرِيرِها رادًّا عَلى الزَّجّاجِ في زَعْمِهِ ذَلِكَ. وقالَ: هي كَلَمْ، والتَّكَرُّرُ في نَحْوِ ﴿فَلا صَدَّقَ ولا صَلّى﴾ لا يَدُلُّ عَلى الوُجُوبِ كَما في ﴿لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُرُوا﴾ وعَلى عَدَمِ التَّكْرارِ جاءَ قَوْلُ أُمَيَّةَ السّابِقُ:
؎إنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمّا ∗∗∗ وأيُّ عَبْدٍ لَكَ لا ألَمّا
والمُتَيَقَّنُ عِنْدِي أكْثَرِيَّةُ التَّكَرُّرِ، وأمّا وُجُوبُهُ فَلَيْسَ بِمُتَيَقَّنٍ واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ والنَّحْوِيّانِ: «فَكَّ» فِعْلًا ماضِيًا «رَقَبَةً» بِالنَّصْبِ «أوْ أطْعَمَ» فِعْلًا ماضِيًا أيْضًا وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ فَفَكَّ مُبْدَلَةٌ مَنِ اقْتَحَمَ وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ. ومَعْناهُ أنَّكَ لَمْ تَدْرِ كُنْهَ صُعُوبَتِها عَلى النَّفْسِ وكُنْهَ ثَوابِها عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ.
وقَرَأ أبُو رَجاءٍ كَذَلِكَ إلّا أنَّهُ قَرَأ «ذا مَسْغَبَةٍ» بِالألِفِ عَلى أنَّ «ذا» مَنصُوبٌ عَلى المَفْعُولِيَّةِ بِأطْعَمَ؛ أيْ: أطْعَمَ في يَوْمٍ مِنَ الأيّامِ إنْسانًا ذا مَسْغَبَةٍ، ويَكُونُ يَتِيمًا بَدَلًا مِنهُ أوْ صِفَةً لَهُ. وقَرَأ هو أيْضًا والحَسَنُ: «أوْ إطْعامٌ في يَوْمٍ ذا» بِالألِفِ أيْضًا عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ لِلْمَصْدَرِ. وقَرَأ بَعْضُ التّابِعِينَ: «فَكُّ رَقَبَةٍ» بِالإضافَةِ «أوْ أطْعَمَ» فِعْلًا ماضِيًا وهو مَعْطُوفٌ عَلى المَصْدَرِ لِتَأْوِيلِهِ بِهِ.
والتَّراخِي المَفْهُومُ مِن «ثُّمَ» في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ كانَ﴾ إلَخْ رُتَبِيٌّ فالإيمانُ فَوْقَ جَمِيعِ ما قَبْلَهُ لِأنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلنَّجاةِ وشُكْرًا بِدُونِ الأعْمالِ كَما فِيمَن آمَنَ بِشَرْطِهِ وماتَ في يَوْمِهِ قَبْلَ أنْ يَجِبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الأعْمالِ فَإنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ ويُخَلِّصُهُ بِخِلافِ ما عَداهُ فَإنَّهُ لا يُعْتَدُّ بِهِ بِدُونِهِ. وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ عُطِفَ عَلى آمَنُوا؛ أيْ: أوْصى بَعْضُهم بَعْضًا بِالصَّبْرِ عَلى الإيمانِ والثَّباتِ عَلَيْهِ أوْ بِذَلِكَ والصَّبْرِ عَلى الطّاعاتِ أوْ بِهِ، والصَّبْرُ عَلى المَعاصِي وعَلى المِحَنِ الَّتِي يُبْتَلى بِها الإنْسانُ.
﴿وتَواصَوْا بِالمَرْحَمَةِ﴾ أيْ: بِالرَّحْمَةِ عَلى عِبادِهِ عَزَّ وجَلَّ ومِن ذَلِكَ الأمْرُ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، أوْ تَواصَوْا بِأسْبابِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى وما يُؤَدِّي إلَيْها مِنَ الخَيْراتِ عَلى أنَّ المَرْحَمَةَ مَجازٌ عَنْ سَبَبِها أوِ الكَلامُ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ. وذَكَرَ أنَّ ﴿وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ إشارَةٌ إلى تَعْظِيمِ أمْرِ اللَّهِ تَعالى: ﴿وتَواصَوْا بِالمَرْحَمَةِ﴾ إشارَةٌ إلى الشَّفَقَةِ عَلى خَلْقِ اللَّهِ تَعالى وهُما أصْلانِ عَلَيْهِما مَدارُ الطّاعَةِ وهو الَّذِي قالَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ الأصْلُ في التَّصَوُّفِ أمْرانِ: صِدْقٌ مَعَ الحَقِّ، وخُلُقٌ مَعَ الخَلْقِ ﴿أُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى المَوْصُولِ بِاعْتِبارِ اتِّصافِهِ بِما في حَيِّزِ صِلَتِهِ وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ مَعَ قُرْبِ المُشارِ إلَيْهِ لِما مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ؛ أيْ: أُولَئِكَ المَوْصُوفُونَ بِالنُّعُوتِ الجَلِيلَةِ المَذْكُورَةِ ﴿أصْحابُ المَيْمَنَةِ﴾ أيْ: جِهَةَ اليَمِينِ الَّتِي فِيها السُّعَداءُ أوِ اليُمْنِ لِكَوْنِهِمْ مَيامِينَ عَلى أنْفُسِهِمْ وعَلى غَيْرِهِمْ
{"ayahs_start":17,"ayahs":["ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡمَیۡمَنَةِ"],"ayah":"ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











