الباحث القرآني

﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وعِنْدَ رَسُولِهِ﴾ تَبْيِينٌ لِلْحِكْمَةِ الدّاعِيَةِ لِما سَبَقَ مِنَ البَراءَةِ ولَواحِقِها والمُرادُ ”مِنَ المُشْرِكِينَ“ النّاكِثُونَ لِأنَّ البَراءَةَ إنَّما هي في شَأْنِهِمْ، والِاسْتِفْهامُ لِإنْكارِ الوُقُوعِ، و( يَكُونُ ) تامَّةٌ و( كَيْفَ ) في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى التَّشْبِيهِ بِالحالِ أوِ الظَّرْفِ. وقالَ غَيْرُ واحِدٍ: ناقِصَةٌ و( كَيْفَ ) خَبَرُها وهو واجِبُ التَّقْدِيمِ لِأنَّ الِاسْتِفْهامَ لَهُ صَدْرُ الكَلامِ و( المُشْرِكِينَ ) مُتَعَلِّقٌ بِيكُونُ عِنْدَ مَن يُجَوِّزُ عَمَلَ الأفْعالِ النّاقِصَةِ بِالظُّرُوفِ، أوْ صِفَةٌ لِعُهَدٍ قُدِّمَتْ فَصارَتْ حالًا و( عِنْدَ ) إمّا مُتَعَلِّقٌ بِيكُونُ عَلى ما مَرَّ أوْ بِعَهْدٍ لِأنَّهُ مَصْدَرٌ، أوْ بِمَحْذُوفٌ وقَعَ صِفَةً لَهُ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ الخَبَرُ ( لِلْمُشْرِكِينَ) و( عِنْدَ ) فِيها الأوْجُهُ المُتَقَدِّمَةُ، ويَجُوزُ أيْضًا تَعَلُّقُها بِالِاسْتِقْرارِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ ( لِلْمُشْرِكِينَ ) أوِ الخَبَرُ ( عِنْدَ اللَّهِ ) ولِلْمُشْرِكِينَ إمّا تَبْيِينٌ كَما في سُقْيًا لَكَ، فَيَتَعَلَّقُ بِمُقَدَّرٍ مِثْلِ أقُولُ هَذا الإنْكارَ لَهُمْ، أوْ مُتَعَلِّقٌ بِيكُونُ، وإمّا حالٌ مِن عَهْدٍ أوْ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِقْرارِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الخَبَرُ، ويُغْتَفَرُ تَقَدُّمُ مَعْمُولِ الخَبَرِ لِكَوْنِهِ جارًّا ومَجْرُورًا، و( كَيْفَ ) عَلى الوَجْهَيْنِ الأخِيرَيْنِ شَبِيهَةٌ بِالظَّرْفِ أوْ بِالحالِ كَما في احْتِمالِ كَوْنِ الفِعْلِ تامًّا وهو عَلى ما قالَهُ شَيْخُ الإسْلامِ الأوْلى؛ لِأنَّ في إنْكارِ ثُبُوتِ العَهْدِ في نَفْسِهِ مِنَ المُبالَغَةِ ما لَيْسَ في إنْكارِ ثُبُوتِهِ لِلْمُشْرِكِينَ؛ لِأنَّ ثُبُوتَهُ الرّابِطِيَّ فَرْعُ ثُبُوتِهِ العَيْنِيِّ، فانْتِفاءُ الأصْلِ يُوجِبُ انْتِفاءَ الفَرْعِ رَأْسًا، وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِما تَقَرَّرَ أنَّ انْتِفاءَ مَبْدَأِ المَحْمُولِ في الخارِجِ لا يُوجِبُ انْتِفاءَ الحِمْلِ الخارِجِيِّ لِاتِّصافِ الأعْيانِ بِالِاعْتِبارِيّاتِ والعَدَمِيّاتِ حَتّى صَرَّحُوا بِأنَّ زَيْدًا عَمِيَ قَضِيَّةٌ خارِجِيَّةٌ مَعَ أنَّهُ لا ثُبُوتَ عَيْنًا لِلْعَمى، وصَرَّحُوا بِأنَّ ثُبُوتَ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ وإنْ لَمْ يَقْتَضِ ثُبُوتَ الشَّيْءِ الثّابِتِ في ظَرْفِ الِاتِّصافِ لَكِنَّهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ في نَفْسِهِ ولَوْ في مَحَلِّ انْتِزاعِهِ، وتَحْقِيقُ ذَلِكَ في مَحَلِّهِ نَعَمْ في تَوْجِيهِ الإنْكارِ إلى كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِ العَهْدِ مِنَ المُبالَغَةِ ما لَيْسَ في تَوْجِيهِهِ إلى ثُبُوتِهِ لِأنَّهُ إذا انْتَفى جَمِيعُ أحْوالِ وُجُودِ الشَّيْءِ وكُلُّ مَوْجُودٍ يَجِبُ أنْ يَكُونَ وُجُودُهُ عَلى حالٍ فَقَدِ انْتَفى وُجُودُهُ عَلى الطَّرِيقِ البُرْهانِيِّ أيْ في أيِّ حالٍ يُوجَدُ لَهم عَهْدٌ مُعْتَدٍ بِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى وعِنْدَ رَسُولِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَسْتَحِقُّ أنْ يُراعى حُقُوقُهُ ويُحافَظَ عَلَيْهِ إلى تَمامِ المُدَّةِ ولا يَتَعَرَّضُ لَهم بِحَسَبِهِ قَتْلًا وأخْذًا. (p-55)وتَكْرِيرُ كَلِمَةِ عِنْدَ لِلْإيذانِ بِعَدَمِ الِاعْتِدادِ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ اللَّهِ تَعالى ورَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى حِدَةٍ ﴿إلا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ﴾ وهُمُ المُسْتَثْنَوْنَ فِيما سَلَفَ، والخِلافُ هو الخِلافُ والمُعْتَمَدُ هو المُعْتَمَدُ، والتَّعَرُّضُ لِكَوْنِ المُعاهَدَةِ ﴿عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ لِزِيادَةِ بَيانِ أصْحابِها والإشْعارِ بِسَبَبِ وِكادَتِها، والِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعٌ وهو بِمَعْنى الِاسْتِدْراكِ مِنَ النَّفْيِ المَفْهُومِ مِنَ الِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ المُتَبادَرِ شُمُولُهُ بِجَمِيعِ المُعاهِدِينَ، ومَحَلُّ المَوْصُولِ الرَّفْعُ عَلى الِابْتِداءِ، وخَبَرُهُ مُقَدَّرٌ أوْ هو ﴿فَما اسْتَقامُوا لَكم فاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ والفاءُ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنى الشَّرْطِ عَلى ما مَرَّ و( ما ) كَما قالَ غَيْرُ واحِدٍ إمّا مَصْدَرِيَّةٌ مَنصُوبَةُ المَحَلِّ عَلى الظَّرْفِيَّةِ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ أيْ فاسْتَقِيمُوا لَهم مُدَّةَ اسْتِقامَتِهِمْ لَكُمْ، وإمّا شَرْطِيَّةٌ مَنصُوبَةُ المَحَلِّ عَلى الظَّرْفِيَّةِ الزَّمانِيَّةِ أيْ: أيَّ زَمانٍ اسْتَقامُوا لَكم فاسْتَقِيمُوا لَهم وهو أسْلَمُ مِنَ القِيلِ صِناعَةً مِنَ الِاحْتِمالِ الأوَّلِ عَلى التَّقْدِيرِ الثّانِي، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مَرْفُوعَةَ المَحَلِّ عَلى الِابْتِداءِ وفي خَبَرِها الخِلافُ المَشْهُورُ، واسْتَقِيمُوا جَوابُ الشَّرْطِ والفاءُ واقِعَةٌ في الجَوابِ، وعَلى احْتِمالِ المَصْدَرِيَّةِ مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ. وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ الِاسْتِثْناءُ مُتَّصِلًا ومُحَلُّ المَوْصُولِ النَّصْبُ أوِ الجَرُّ عَلى أنَّهُ بَدَلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ؛ لِأنَّ الِاسْتِفْهامَ بِمَعْنى النَّفْيِ، والمُرادُ بِهِمُ الجِنْسُ لا المَعْهُودُونَ، وأيًّا ما كانَ فَحُكْمُ الأمْرِ بِالِاسْتِقامَةِ يَنْتَهِي بِانْتِهاءِ مُدَّةِ العَهْدِ فَيَرْجِعُ هَذا إلى الأمْرِ بِالإتْمامِ المارِّ خَلا أنَّهُ قَدْ صَرَّحَ هاهُنا بِما لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ هُناكَ مَعَ كَوْنِهِ مُعْتَبَرًا فِيهِ قَطْعًا، وهو تَقْيِيدُ الإتْمامِ المَأْمُورِ بِهِ بِبَقائِهِمْ عَلى ما كانُوا عَلَيْهِ مِنَ الوَفاءِ، وعَلَّلَ سُبْحانَهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ( ﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ﴾ ) عَلى طَرْزِ ما تَقَدَّمَ حَذْوَ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب