الباحث القرآني
﴿كالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ التِفاتٌ مِنَ الغَيْبَةِ إلى الخِطابِ لِلتَّشْدِيدِ، والكافُ في مَحَلِّ رَفْعِ خَبَرٍ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ أنْتُمْ مِثْلُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكم مِنَ الأُمَمِ المُهْلَكَةِ أوْ في حَيِّزِ النَّصْبِ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ أيْ فَعَلْتُمْ مِثْلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكم، ونَحْوُهُ قَوْلُ النَّمِرِ يَصِفُ ثَوْرَ وحْشٍ وكِلابًا:
؎حَتّى إذا الكِلابُ قالَ لَها كاليَوْمِ مَطْلُوبًا ولا طالِبا
فَإنَّ أصْلَهُ لَمْ أرَ مَطْلُوبًا كَمَطْلُوبٍ رَأيْتُهُ اليَوْمَ ولا طِلْبَةً كَطِلْبَةَ رَأيْتُها اليَوْمَ فاخْتَصَرَ الكَلامَ فَقِيلَ: لَمْ أرَ مَطْلُوبًا كَمَطْلُوبِ اليَوْمِ لِمُلابَسَتِهِ لَهُ ثُمَّ حُذِفَ المُضافُ اتِّساعًا وعُدِمَ الباسُّ، وقِيلَ: كاليَوْمِ وقُدِّمَ عَلى المَوْصُوفِ فَصارَ (p-134)حالًا لِلِاعْتِناءِ والمُبالَغَةِ وحُذِفَ الفِعْلُ لِلْقَرِينَةِ الحالِيَّةِ ووَجْهُ الشَّبَهِ المَعْمُولِيَّةُ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿كانُوا أشَدَّ مِنكم قُوَّةً وأكْثَرَ أمْوالا وأوْلادًا﴾ إلَخْ تَفْسِيرٌ لِلتَّشْبِيهِ وبَيانٌ لِوَجْهِ الشَّبَهِ بَيْنَ المُخاطَبِينَ ومَن قَبْلَهم فَلا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرابِ، وفِيهِ إيذانٌ بِأنَّ المُخاطَبِينَ أوْلى وأحَقُّ بِأنْ يُصِيبَهم ما أصابَهم ﴿فاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ﴾ أيْ تَمَتَّعُوا بِنَصِيبِهِمْ مِن مَلاذِ الدُّنْيا، وفي صِيغَةِ الِاسْتِفْعالِ ما لَيْسَ في التَّفَعُّلِ مِنَ الِاسْتِفادَةِ والِاسْتِدامَةِ في التَّمَتُّعِ، واشْتِقاقُ الخَلاقِ مِنَ الخَلْقِ بِمَعْنى التَّقْدِيرِ وهو أصْلُ مَعْناهُ لُغَةً ﴿فاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكم كَما اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكم بِخَلاقِهِمْ﴾ ذَمَّ الأوَّلِينَ بِاسْتِمْتاعِهِمْ بِحُظُوظِهِمُ الخَسِيسَةِ مِنَ الشَّهَواتِ الفانِيَةِ والتِهائِهِمْ فِيها عَنِ النَّظَرِ في العاقِبَةِ والسَّعْيِ في تَحْصِيلِ اللَّذائِذِ الحَقِيقِيَّةِ تَمْهِيدًا لِذَمِّ المُخاطَبِينَ بِمُشابِهَتِهِمْ واقْتِفاءِ أثَرِهِمْ، ولِذَلِكَ اخْتِيرَ الإطْنابُ بِزِيادَةِ ﴿فاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ﴾ وهَذا كَما تُرِيدُ أنَّ تُنَبِّهَ بَعْضَ الظَّلَمَةِ عَلى سَماجَةِ فِعْلِهِ فَتَقُولُ أنْتَ مِثْلُ فِرْعَوْنَ كانَ يَقْتُلُ بِغَيْرِ جُرْمٍ ويُعَذِّبُ ويَعْسِفُ وأنْتَ تَفْعَلُ مِثْلَهُ، ومَحَلُّ الكافِ النَّصْبُ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أيِ اسْتَمْتَعْتُمُ اسْتِمْتاعًا كاسْتِمْتاعِ الَّذِينَ ( ﴿وخُضْتُمْ﴾ ) أيْ دَخَلْتُمْ في الباطِلِ ﴿كالَّذِي خاضُوا﴾ أيْ كالَّذِينِ فَحُذِفَتْ نُونُهُ تَخْفِيفًا كَما في قَوْلِهِ:
؎إنَّ الَّذِينَ حانَتْ بِفَلْجٍ دِماؤُهم ∗∗∗ هُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْمِ يا أُمَّ خالِدِ
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الَّذِي صِفَةً لِمُفْرَدِ اللَّفْظِ مَجْمُوعَ المَعْنى كالفَوْجِ والفَرِيقِ فَلُوحِظَ في الصِّفَةِ اللَّفْظُ وفي الضَّمِيرِ المَعْنى أوْ هو صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أيْ كالخَوْضِ الَّذِي خاضُوهُ ورُجِّحَ بِعَدَمِ التَّكَلُّفِ فِيهِ، وقالَ الفَرّاءُ: إنَّ الَّذِي تَكُونُ مَصْدَرِيَّةً وخَرَجَ هَذا عَلَيْهِ أيْ كَخَوْضِهِمْ وهو كَما قالَ أبُو البَقاءِ نادِرٌ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلى ما قَبْلَها، وحِينَئِذٍ إمّا أنْ يُقَدَّرَ فِيها ما يَجْعَلُها عَلى طَرْزِهِ لِعَطْفِها عَلَيْهِ أوْ لا يُقَدَّرُ إشارَةً إلى الِاعْتِناءِ بِالأوَّلِ ( أُولَئِكَ ) إشارَةٌ إلى المُتَّصِفِينَ بِالصِّفاتِ المَعْدُودَةِ مِنَ المُشَبَّهِينَ والمُشَبَّهِ بِهِمْ، وكَوْنُهُ إشارَةً إلى الأخِيرِ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ حُكْمُ المُشَبَّهِينَ مَفْهُومًا ضِمْنًا ويُؤَدِّي إلى خُلُوِّ تَلْوِينِ الخِطابِ عَنِ الفائِدَةِ إذِ الظّاهِرُ حِينَئِذٍ أُولَئِكم والخِطابُ لِسَيِّدِ المُخاطَبِينَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أوْ لِكُلِّ مَن يَصْلُحُ لَهُ أيْ: أُولَئِكَ المُتَّصِفُونَ بِما ذُكِرَ مِنَ القَبائِحِ ﴿حَبِطَتْ أعْمالُهُمْ﴾ أيِ: الَّتِي كانُوا يَسْتَحِقُّونَ بِها أُجُورًا حَسَنَةً لَوْ قارَنَتِ الإيمانَ، والحَبْطُ السُّقُوطُ والبُطْلانُ والِاضْمِحْلالُ؛ والمُرادُ لَمْ يَسْتَحِقُّوا عَلَيْها ثَوابًا وكَرامَةً ﴿فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ﴾ أمّا في الآخِرَةِ فَظاهِرٌ وأمّا في الدُّنْيا فَلِأنَّ ما حَصَلَ لَهم مِنَ الصِّحَّةِ والسِّعَةِ ونَحْوِهِما لَيْسَ إلّا بِطَرِيقِ الِاسْتِدْراجِ كَما نَطَقَتْ بِهِ الآياتُ دُونَ الكَرامَةِ ( ﴿وأُولَئِكَ﴾ ) المَوْصُوفُونَ بِحَبْطِ الأعْمالِ في الدّارَيْنِ ﴿هُمُ الخاسِرُونَ﴾ أيِ الكامِلُونَ في الخُسْرانِ الجامِعُونَ لِمَبادِيهِ وأسْبابِهِ طُرًّا.
وإيرادُ اسْمِ الإشارَةِ في المَوْضِعَيْنِ لِلْأشْعارِ بِعِلِّيَّةِ الأوْصافِ المُشارِ إلَيْها لِلْحَبْطِ والخُسْرانِ.
{"ayah":"كَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوۤا۟ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةࣰ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَ ٰلࣰا وَأَوۡلَـٰدࣰا فَٱسۡتَمۡتَعُوا۟ بِخَلَـٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَـٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَـٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِی خَاضُوۤا۟ۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











