الباحث القرآني

﴿ألَمْ يَعْلَمُوا﴾ أيْ: أُولَئِكَ المُنافِقُونَ، والِاسْتِفْهامُ لِلتَّوْبِيخِ عَلى ما أقْدَمُوا عَلَيْهِ مِنَ العَظِيمَةِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِما سَمِعُوا مِنَ الرَّسُولِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِوَخامَةِ عاقِبَتِها، وقُرِئَ ( تَعْلَمُوا ) بِالتّاءِ عَلى الِالتِفاتِ لِزِيادَةِ التَّقْرِيعِ والتَّوْبِيخِ إذا كانَ الخِطابُ لِلْمُنافِقِينَ لا لِلْمُؤْمِنِينَ كَما قِيلَ بِهِ، وفي قِراءَةٍ ( ألَمْ تَعْلَمْ ) والخِطابُ إمّا لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أوْ لِكُلِّ واقِفٍ عَلَيْهِ، والعِلْمُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُتَعَدِّيَ لِمَفْعُولَيْنِ وأنْ يَكُونَ المُتَعَدِّيَ لِواحِدٍ ( أنَّهُ ) أيِ: الشَّأْنَ ﴿مَن يُحادِدِ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ أيْ يُخالِفُ أمْرَ اللَّهِ وأمْرَ رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وأصْلُ المُحادَّةِ مُفاعَلَةٌ مِنَ الحَدِّ بِمَعْنى الجِهَةِ والجانِبِ كالمُشاقَّةِ مِنَ الشَّقِّ والمُعاداةِ مِنَ العُدْوَةِ بِمَعْناهُ أيْضًا فَإنْ كانَ واحِدٌ مِن مُباشِرِي كُلٍّ مِنَ الأفْعالِ المَذْكُورَةِ في حَدٍّ وشَقٍّ وعُدْوَةٍ غَيْرَ ما عَلَيْهِ صاحِبُهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مِنَ الحَدِّ بِمَعْنى المَنعِ، و( مَن ) شَرْطِيَّةٌ جَوابُها قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿فَأنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ﴾ عَلى أنَّ خَبَرَهُ مَحْذُوفٌ أيْ فَحَقٌّ أنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ، وقَدَّرَ ذَلِكَ لِأنَّ جَوابَ الشَّرْطِ لا يَكُونُ إلّا جُمْلَةً، وأنَّ المَفْتُوحَةَ مَعَ ما في حَيِّزِها مُفْرَدٌ تَأْوِيلًا، وقَدَّرَ مُقَدَّمًا لِأنَّها لا تَقَعُ في ابْتِداءِ الكَلامِ كالمَكْسُورَةِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المُقَدَّرُ خَبَرًا أيِ الأمْرُ أنَّ لَهُ إلَخْ، وقِيلَ المُرادُ فَلَهُ نارُ جَهَنَّمَ وأنَّ تَكْرِيرَ ( أنَّ ) في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ( أنَّهُ ) تَوْكِيدًا قِيلَ: وفِيهِ بَحْثٌ لِأنَّهُ لَوْ كانَ المُرادُ فَلَهُ وأنَّ تَوْكِيدًا لَكانَ نارُ جَهَنَّمَ مَرْفُوعًا ولَمْ يَعْمَلْ ( أنَّ ) فِيهِ، ولَما فُصِلَ بَيْنَ المُؤَكِّدِ والمُؤَكَّدِ بِجُمْلَةِ الشَّرْطِ، ولِما وقَعَ أجْنَبِيٌّ بَيْنَ فاءِ الجَزاءِ وما في حَيِّزِهِ، وأُجِيبُ بِأنَّهُ لَيْسَ مِن بابِ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ بَلِ التَّكْرِيرِ لِبُعْدِ العَهْدِ وهو مِن بابِ التَّطْرِيَةِ، ومِثْلُ ذَلِكَ لا يَمْنَعُ العَمَلَ ودُخُولَ الفاءِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وأصْلَحُوا إنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وقَوْلُهُ: ؎لَقَدْ عَلِمَ الحَيُّ اليَمانُونَ أنَّنِي إذا قُلْتُ أمّا بَعْدُ أنِّي خَطِيبُها وكَمْ وكَمْ، وجَعْلُ الآيَةِ مِن هَذا البابِ نَقَلَهُ سِيبَوَيْهَ في الكِتابِ عَنِ الخَلِيلِ وهو –هُوَ- ولَيْسَ ( زَعَمَ ) في كَلامِهِ تَمْرِيضًا لَهُ لِأنَّهُ عادَتُهُ في كُلِّ ما نَقَلَهُ كَما بَيَّنَهُ شُرّاحُهُ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى ( أنَّهُ ) وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ أيْ: ألَمْ يَعْلَمُوا أنَّهُ مَن يُحادِدِ اللَّهَ ورَسُولَهُ يَهْلَكُ فَإنَّ لَهُ إلَخْ، وحاصِلُهُ: ألَمْ يَعْلَمُوا هَذا وهَذا عَقِيبُهُ ولا يَخْفى بَعْدَهُ مَعَ أنَّ أبا حَيّانَ قالَ: إنَّهُ لا يَصِحُّ لِأنَّهم نَصُّوا عَلى أنَّ حَذْفَ الجَوابِ إنَّما يَكُونُ إذا كانَ فِعْلُ الشَّرْطِ ماضِيًا أوْ مُضارِعًا مَجْزُومًا بِلَمْ وما هُنا لَيْسَ كَذَلِكَ. وتَعَقَّبَهُ بَعْضُهم بِأنَّ ما ذَكَرَهُ لَيْسَ مُتَّفِقًا عَلَيْهِ فَقَدْ نَصَّ ابْنُ هِشامٍ عَلى خِلافِهِ، فَكَأنَّهُ شَرْطٌ لِلْأكْثَرِيَّةِ، والقَوْلُ بِأنَّ حَقَّ العَطْفِ فِيما ذُكِرَ أنْ يَكُونَ بِالواوِ قالَ فِيهِ الشِّهابُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ إلّا أنَّ اسْتِحْقاقَهُ النّارُ بِسَبَبِ المُحادَّةِ بِلا شُبْهَةٍ، وقُرِئَ. ( فَإنَّ ) بِالكَسْرِ ولا يَحْتاجُ إلى تَوْجِيهٍ لِظُهُورِهِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿خالِدًا فِيها﴾ حالٌ مُقَدَّرَةٌ مِنَ الضَّمِيرِ المَجْرُورِ إنِ اعْتُبِرَ في الظَّرْفِ ابْتِداءُ الِاسْتِقْرارِ وحُدُوثُهُ وأنَّهُ اعْتُبِرَ مُطْلَقُ (p-130)الِاسْتِقْرارِ فالأمْرُ واضِحٌ ( ذَلِكَ ) أيْ: ما ذُكِرَ مِنَ العَذابِ ﴿الخِزْيُ العَظِيمُ﴾ أيِ: الذُّلُّ والهَوانُ المُقارِنُ لِلْفَضِيحَةِ، ولا يَخْفى ما في الحَمْلِ مِنَ المُبالَغَةِ، والجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ لِما سَبَقَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب