الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ عَوْدٌ إلى تَرْغِيبِ المُؤْمِنِينَ وحَثِّهِمْ عَلى المُقاتَلَةِ بَعْدَ ذِكْرِ طَرَفٍ مِن فَضائِحِ أعْدائِهِمْ ( ﴿ما لَكُمْ﴾ ) اسْتِفْهامٌ فِيهِ مَعْنى الإنْكارِ والتَّوْبِيخِ ( ﴿إذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ) أيِ اخْرُجُوا لِلْجِهادِ، وأصْلُ النَّفْرِ عَلى ما قِيلَ الخُرُوجُ (p-95)لِأمْرٍ أوْجَبَ ذَلِكَ ( ﴿اثّاقَلْتُمْ﴾ ) أيْ تَباطَأْتُمْ ولَمْ تُسْرِعُوا وأصْلُهُ تَثاقَلْتُمْ وبِهِ قَرَأ الأعْمَشُ فَأُدْغِمَتِ التّاءُ في الثّاءِ واجْتُلِبَتْ هَمْزَةُ الوَصْلِ لِلتَّوَصُّلِ إلى الِابْتِداءِ بِالسّاكِنِ ونَظِيرُهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎تُؤْتِي الضَّجِيعَ إذا ما اشْتاقَها خَفَرًا عَذْبَ المَذاقِ إذا ما اتّابَعَ القُبُلَ
وبِهِ تَتَعَلَّقُ ( إذا ) والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ، والفِعْلُ ماضٍ لَفْظًا مُضارِعٌ مَعْنًى أيْ ما لَكم مُتَثاقِلِينَ حِينَ قالَ لَكم رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ انْفِرُوا، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ العامِلُ في ( إذا ) الِاسْتِقْرارَ المُقَدَّرَ في ( لَكم ) أوْ مَعْنى الفِعْلِ المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أيْ أيُّ شَيْءٍ حاصِلٌ أوْ حَصَلَ لَكم أوْ ما تَصْنَعُونَ حِينَ قِيلَ لَكُمُ انْفَرُوا، وقُرِئَ ( أثّاقَلْتُمْ ) بِفَتْحِ الهَمْزَةِ عَلى أنَّها لِلِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ التَّوْبِيخِيِّ وهَمْزَةُ الوَصْلِ سَقَطَتْ في الدَّرْجِ، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ لا يَصِحُّ تَعَلُّقِ ( إذا ) بِهَذا الفِعْلِ لِأنَّ الِاسْتِفْهامَ لَهُ الصَّدارَةُ فَلا يَتَقَدَّمُ مَعْمُولُهُ عَلَيْهِ، ولَعَلَّ مَن يَقُولُ: يُتَوَسَّعُ في الظَّرْفِ ما لا يُتَوَسَّعُ في غَيْرِهِ يَجَوِّزُ ذَلِكَ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ( ﴿إلى الأرْضِ﴾ ) مُتَعَلِّقٌ بِاثّاقَلْتُمْ عَلى تَضْمِينِهِ مَعْنى المَيْلِ والإخْلادِ ولَوْلاهُ لَمْ يُعَدَّ بِإلى، أيِ اثّاقَلْتُمْ مائِلِينَ إلى الدُّنْيا وشَهَواتِها الفانِيَةِ عَمّا قَلِيلٍ وكَرِهْتُمْ مَشاقَّ الجِهادِ ومَتاعِبَهُ المُسْتَتْبَعَةَ لِلرّاحَةِ الخالِدَةِ والحَياةِ الباقِيَةِ أوْ إلى الإقامَةِ بِأرْضِكم ودِيارِكم والأوَّلُ أبْلَغُ في الإنْكارِ والتَّوْبِيخِ، ورُجِّحَ الثّانِي بِأنَّهُ أبْعَدُ عَنْ تَوَهُّمِ شائِبَةِ التَّكْرارِ في الآيَةِ، وكانَ هَذا التَّثاقُلُ في غَزْوَةِ تَبُوكَ وكانَتْ في رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ فَإنَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعْدَ أنْ رَجَعَ مِنَ الطّائِفِ أقامَ بِالمَدِينَةِ قَلِيلًا ثُمَّ اسْتَنْفَرَ النّاسَ في وقْتِ عُسْرَةٍ وشِدَّةٍ مِنَ الحَرِّ وجَدْبٍ مِنَ البِلادِ، وقَدْ أُدْرِكَتْ ثِمارُ المَدِينَةِ وطابَتْ ظِلالُها مَعَ بَعْدِ الشُّقَّةِ وكَثْرَةِ العَدُوِّ فَشَقَّ عَلَيْهِ الشُّخُوصُ لِذَلِكَ.
وذَكَرَ ابْنُ هِشامٍ «أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كانَ قَلَّما يَخْرُجُ في غَزْوَةٍ إلّا كَنّى عَنْها وأخْبَرَ أنَّهُ يُرِيدُ غَيْرَ الوَجْهِ الَّذِي يَصْمُدُ لَهُ إلّا ما كانَ مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ فَإنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بَيَّنَها لِلنّاسِ لِيَتَأهَّبُوا لِذَلِكَ أُهْبَتَهُ» ( ﴿أرَضِيتُمْ بِالحَياةِ الدُّنْيا﴾ ) وغُرُورِها ( ﴿مِنَ الآخِرَةِ﴾ ) أيْ: بَدَلَ الآخِرَةِ ونَعِيمِها الدّائِمِ ( ﴿فَما مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ ) أيْ فَما فَوائِدُها ومَقاصِدُها أوْ فَما التَّمَتُّعُ بِها وبِلَذائِذِها ( ﴿فِي الآخِرَةِ﴾ ) أيْ في جَنْبِ الآخِرَةِ ( ﴿إلا قَلِيلٌ﴾ ) مُسْتَحْقَرٌ لا يُعْبَأُ بِهِ، والإظْهارُ في مَقامِ الإضْمارِ لِزِيادَةِ التَّقْرِيرِ، و( في ) هَذِهِ تُسَمّى القِياسِيَّةَ لِأنَّ المَقِيسَ يُوضَعُ في جَنْبِ ما يُقاسُ بِهِ، وفي تَرْشِيحِ الحَياةِ الدُّنْيا بِما يُؤْذِنُ بِنَفاسَتِها ويَسْتَدْعِي الرَّغْبَةَ فِيها وتَجْرِيدُ الآخِرَةِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ مُبالَغَةٌ في بَيانِ حَقارَةِ الدُّنْيا ودَناءَتِها وعِظَمِ شَأْنِ الآخِرَةِ ورِفْعَتِها.
وقَدْ أخْرَجَ أحْمَدُ، ومُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ، وغَيْرُهم عَنِ المِسْوَرِ قالَ: ”قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ واللَّهُ «ما الدُّنْيا في الآخِرَةِ إلّا كَما يَجْعَلُ أحَدُكم أُصْبُعَهُ في اليَمِّ ثُمَّ يَرْفَعُها فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ»“ . وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ سَهْلٍ قالَ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذِي الحُلَيْفَةِ فَرَأى شاةً شائِلَةً بِرِجْلِها فَقالَ: أتَرَوْنَ هَذِهِ الشّاةَ هَيِّنَةً عَلى صاحِبِها؟ قالُوا: نَعَمْ، قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ”والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيا أهْوَنُ عَلى اللَّهِ تَعالى مِن هَذِهِ عَلى صاحِبِها ولَوْ كانَتْ تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ ما سَقى كافِرًا مِنها شَرْبَةَ ماءٍ»“ ولا أرى الِاسْتِدْلالَ عَلى رَداءَةِ الدُّنْيا إلّا اسْتِدْلالًا في مَقامِ الضَّرُورَةِ، نَعَمْ هي نِعْمَتُ الدّارُ لِمَن تَزَوَّدَ مِنها لِآخِرَتِهِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَا لَكُمۡ إِذَا قِیلَ لَكُمُ ٱنفِرُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِیتُم بِٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا مِنَ ٱلۡـَٔاخِرَةِۚ فَمَا مَتَـٰعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِلَّا قَلِیلٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











