الباحث القرآني

﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ في مَواطِنَ﴾ خِطابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ خاصَّةً وامْتِنانٌ عَلَيْهِمْ بِالنُّصْرَةِ عَلى الأعْداءِ الَّتِي يَتْرُكُ لَها الغَيُورُ أحَبَّ الأشْياءِ إلَيْهِ، والمُواطِنُ جَمْعُ مَوْطِنٍ وهو المَوْضِعُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ صاحِبُهُ، وأُرِيدَ بِها مُواطِنُ الحَرْبِ أيْ مَقاماتُها ومَواقِفُها ومِن ذَلِكَ قَوْلُهُ: ؎كَمْ مَوْطِنٍ لَوْلايَ طِحْتَ كَما هَوى بِأجْرامِهِ مِن قُلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي والمَنعُ مِنَ الصَّرْفِ لِصِيغَةِ مُنْتَهى الجُمُوعِ، واللّامُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقِسْمِ أيْ أُقْسِمُ واللَّهِ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ في مَواقِفَ ووَقائِعَ ( ﴿كَثِيرَةٍ﴾ ) مِنها وقْعَةُ بَدْرٍ الَّتِي ظَهَرَتْ بِها شَمْسُ الإسْلامِ، ووَقْعَةُ قُرَيْظَةَ، والنَّضِيرُ، والحُدَيْبِيَةُ وأنْهاها بَعْضُهم إلى ثَمانِينَ، ورُوِيَ أنَّ المُتَوَكِّلَ اشْتَكى شِكايَةً شَدِيدَةً فَنَذَرَ أنْ يَتَصَدَّقَ إنْ شَفاهُ اللَّهُ تَعالى بِمالٍ كَثِيرٍ، (p-73)فَلَمّا شُفِيَ سَألَ العُلَماءَ عَنْ حَدِّ الكَثِيرِ فاخْتَلَفَتْ أقْوالُهم فَأُشِيرَ إلَيْهِ أنْ يَسْألَ أبا الحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسى الكاظِمَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم وقَدْ كانَ حَبَسَهُ في دارِهِ، فَأمَرَ أنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ، فَكَتَبَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: يَتَصَدَّقُ بِثَمانِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ سَألُوهُ عَنِ العِلَّةِ فَقَرَأ هَذِهِ الآيَةَ وقالَ: عَدَدْنا تِلْكَ المَواطِنَ فَبَلَغَتْ ثَمانِينَ ﴿ويَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ عَطْفٌ عَلى مَحَلِّ مُواطِنَ وعَطْفُ ظَرْفِ الزَّمانِ عَلى المَكانِ وعَكْسُهُ جائِزٌ عَلى ما يَقْتَضِيهِ كَلامُ أبِي عَلِيٍّ ومَن تَبِعَهُ، نَعَمْ ظاهِرُ كَلامِ البَعْضِ المَنعُ لِأنَّ كُلًّا مِنَ الظَّرْفَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِالفِعْلِ بِلا تَوَسُّطِ العاطِفِ، ومُتَعَلِّقاتُ الفِعْلِ إنَّما يُعْطَفُ بَعْضُها عَلى بَعْضٍ إذا كانَتْ مِن جِنْسٍ واحِدٍ، وقالَ آخَرُونَ: لا مَنعَ مِن نَسَقِ زَمانٍ عَلى مَكانٍ وبِالعَكْسِ إلّا أنَّ الأحْسَنَ تَرْكُ العاطِفِ في مِثْلِهِ، ومَن مَنَعَ العَطْفَ أوِ اسْتَحْسَنَ تَرْكَهُ قالَ: إنَّهُ مَعْطُوفٌ بِحَذْفِ المُضافِ أيْ ومَوْطِنَ يَوْمِ حُنَيْنٍ، ولَعَلَّ التَّغْيِيرَ لِلْإيماءِ إلى ما وقَعَ فِيهِ مِن قِلَّةِ الثَّباتِ مِن أوَّلِ الأمْرِ. وقَدْ يُعْتَبَرُ الحَذْفُ في جانِبِ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ، أيْ في أيّامِ مُواطِنَ، والعَطْفُ حِينَئِذٍ مِن عَطْفِ الخاصِّ عَلى العامِّ، ومَزِيَّةُ هَذا الخاصِّ الَّتِي أشارَ إلَيْها العَطْفُ هي كَوْنُ شَأْنِهِ عَجِيبًا وما وقَعَ فِيهِ غَرِيبًا لِلظَّفَرِ بَعْدَ اليَأْسِ والفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ، ولَيْسَ المُرادُ بِها كَثْرَةَ الثَّوابِ وعِظَمَ النَّفْعِ لِيُرَدَّ أنَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ لَيْسَ بِأفْضَلَ مِن يَوْمِ بَدْرٍ الَّذِي نالُوا بِهِ القِدْحَ المُعَلّى وفازُوا فِيهِ بِالدَّرَجاتِ العُلا، فَلا تَتَأتّى فِيهِ نُكْتَةُ العَطْفِ؛ وقِيلَ: إنَّ مَوْطِنَ اسْمِ زَمانٍ كَمَقْتَلِ الحُسَيْنِ فالمَعْطُوفانِ مُتَجانِسانِ وهو بَعِيدٌ عَنِ الفَهْمِ، وأوْجَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَوْنَ ( يَوْمَ ) مَنصُوبًا بِمُضْمَرٍ والعَطْفُ مِن عَطْفِ جُمْلَةٍ عَلى جُمْلَةٍ أيْ ونَصَرَكم يَوْمَ حُنَيْنٍ، ولا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ ناصِبُهُ ( نَصَرَكُمُ ) المَذْكُورَ لِأنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿إذْ أعْجَبَتْكم كَثْرَتُكُمْ﴾ بَدَلٌ مِن يَوْمِ حُنَيْنٍ فَيَلْزَمُ كَوْنُ زَمانِ الإعْجابِ بِالكَثْرَةِ ظَرْفَ النُّصْرَةِ الواقِعَةِ في المَواطِنِ الكَثِيرَةِ لِاتِّحادِ الفِعْلِ ولِتَقْيِيدِ المَعْطُوفِ بِما يُقَيَّدُ بِهِ المَعْطُوفُ عَلَيْهِ وبِالعَكْسِ. واليَوْمُ مُقَيَّدٌ بِالإعْجابِ بِالكَثْرَةِ والعامِلُ مُنْسَحِبٌ عَلى البَدَلِ والمُبْدَلِ مِنهُ جَمِيعًا، ويَلْزَمُ مِن ذَلِكَ أنْ يَكُونَ زَمانُ الإعْجابِ ظَرْفًا وقَيْدًا لِلنُّصْرَةِ الواقِعَةِ في المَواطِنِ الكَثِيرَةِ وهو باطِلٌ إذْ لا إعْجابَ في تِلْكَ المَواطِنِ. وأُجِيبُ بِأنَّ الفِعْلَ في المُتَعاطِفَيْنِ لا يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ واحِدًا بِحَيْثُ لا يَكُونُ لَهُ تَعَدُّدُ أفْرادٍ كَضَرَبْتُ زَيْدًا اليَوْمَ وعَمْرًا قَبْلَهُ، وأضْرِبُهُ حِينَ يَقُومُ وحِينَ يَقْعُدُ إلى غَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ لا بُدَّ في نَحْوِ قَوْلِكَ: زَيْدٌ وعَمْرٌو مِنِ اعْتِبارِ الأفْرادِ وإلّا لَزِمَ قِيامُ العَرْضِ الواحِدِ بِالشَّخْصِ بِمَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وهو لا يَجُوزُ ضَرُورَةً فَلا يَلْزَمُ مِن تَقْيِيدِهِ في حَقِّ المَعْطُوفِ بِقَيْدِ تَقْيِيدِهِ في حَقِّ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ هَذا هو الأصْلُ حَتّى يَفْتَقِرَ غَيْرُهُ إلى دَلِيلٍ، وقالَ بَعْضُهم: إنَّ ذَلِكَ إنَّما يَلْزَمُ لَوْ كانَ المُبْدَلُ مِنهُ في حُكْمِ التَّنْحِيَةِ مَعَ حَرْفِ العَطْفِ لِيُؤَوَّلَ إلى نَصَرَكُمُ اللَّهُ في مَواطِنَ كَثِيرَةٍ إذْ أعْجَبَتْكُمْ، ولَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُؤَوَّلُ إلى نَصَرَكُمُ اللَّهُ في مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وإذْ أعْجَبَتْكم ولا مَحْذُورَ فِيهِ، وفي كَوْنِ البَدَلِ قَيْدًا لِلْمُبْدَلِ مِنهُ نَظَرٌ، وحُنَيْنٌ وادٍ بَيْنَ مَكَّةَ والطّائِفِ عَلى ثَلاثَةِ أمْيالٍ مِن مَكَّةَ حارَبَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ والمُسْلِمُونَ هَوازِنَ، وثَقِيفًا، وحَشَمًا وفِيهِمْ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ يَتَيَمَّنُونَ بِرَأْيِهِ وأُناسًا مِن بَنِي هِلالٍ وغَيْرَهُمْ، وكانُوا أرْبَعَةَ آلافٍ وكانَ المُسْلِمُونَ عَلى ما رَوى الكَلْبِيُّ عَشَرَةَ آلافٍ وعَلى ما رُوِيَ عَنْ عَطاءٍ سِتَّةَ عَشَرَ ألْفًا، وقِيلَ: ثَمانِيَةَ آلافٍ، وصُحِّحَ أنَّهم كانُوا اثْنَيْ عَشَرَ ألْفًا العَشْرُ الَّذِينَ حَضَرُوا مَكَّةَ وألْفانِ انْضَمُّوا إلَيْهِمْ مِنَ الطُّلَقاءِ، فَلَمّا التَقَوْا قالَ سَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ أوْ أبُو بَكْرٍ (p-74)رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: لَنْ نُغْلَبَ اليَوْمَ مِن قِلَّةٍ إعْجابًا بِكَثْرَتِهِمْ، وقِيلَ: إنَّ قائِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، واسْتَبْعَدَ ذَلِكَ الإمامُ لِانْقِطاعِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سِوى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ ما أخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ عَنِ الرَّبِيعِ أنَّ رَجُلًا قالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: لَنْ نُغْلَبَ مِن قِلَّةٍ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والظّاهِرُ أنَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ إذا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْها أمْرٌ آخَرُ لا تُنافِي التَّوَكُّلَ عَلى اللَّهِ تَعالى ولا تَسْتَلْزِمُ الِاعْتِمادَ عَلى الأسْبابِ، وإنَّما شَقَّتْ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِما انْضَمَّ إلَيْها مِن قَرائِنِ الأحْوالِ مِمّا يَدُلُّ عَلى الإعْجابِ، ولَعَلَّ القائِلَ أخَذَها مِن قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «خَيْرُ الأصْحابِ أرْبَعَةٌ وخَيْرُ السَّرايا أرْبَعُمِائَةٍ وخَيْرُ الجُيُوشِ أرْبَعَةُ آلافٍ، ولا يُغْلَبُ اثْنا عَشَرَ ألْفًا مِن قِلَّةٍ كَلِمَتُهم واحِدَةٌ» لَكِنْ صَحِبَها ما صَحِبَها مِنَ الإعْجابِ، ثُمَّ إنَّ القَوْمَ اقْتَتَلُوا قِتالًا شَدِيدًا فَأدْرَكَ المُسْلِمُونَ إعْجابَهم، والجَمْعُ قَدْ يُؤْخَذُ بِفِعْلِ بَعْضِهِمْ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ وكانَ أوَّلَ مَنِ انْهَزَمَ الطُّلَقاءُ مَكْرًا مِنهم وكانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِوُقُوعِ الخَلَلِ وهَزِيمَةِ غَيْرِهِمْ، وقِيلَ: إنَّهم حَمَلُوا أوَّلًا عَلى المُشْرِكِينَ فَهَزَمُوهُمْ، فَأقْبَلُوا عَلى الغَنائِمِ فَتَراجَعُوا عَلَيْهِمْ، فَكانَ ما كانَ والنَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلى بَغْلَتِهِ الشَّهْباءِ تَزُولُ الجِبالُ ولا يَزُولُ ومَعَهُ العَبّاسُ، وابْنُ عَمِّهِ أبُو سُفْيانَ بْنُ الحارِثِ، وابْنُهُ جَعْفَرٌ، وعَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ، ورَبِيعَةُ بْنُ الحارِثِ، والفَضْلُ بْنُ العَبّاسِ، وأُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وأيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ وقُتِلَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وهَؤُلاءِ مِن أهْلِ بَيْتِهِ، وثَبَتَ مَعَهُ أبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما فَكانُوا عَشَرَةَ رِجالٍ، ولِذا قالَ العَبّاسُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: ؎نَصَرْنا رَسُولَ اللَّهِ في الحَرْبِ تِسْعَةً ∗∗∗ وقَدْ فَرَّ مَن قَدْ فَرَّ مِنهم وأقْشَعُوا ؎وعاشِرْنا لاقِيَ الحِمامَ بِنَفْسِهِ ∗∗∗ بِما مَسَّهُ في اللَّهِ لا يَتَوَجَّعُ وقَدْ ظَهَرَ مِنهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ الشَّجاعَةِ في تِلْكَ الوَقْعَةِ ما أبْهَرَ العُقُولَ وقَطَعَ لِأجْلِهِ أصْحابُهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم بِأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أشْجَعُ النّاسِ، وكانَ يَقُولُ إذْ ذاكَ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِأعْداءِ اللَّهِ تَعالى: ؎أنا النَّبِيُّ لا كَذِبْ ∗∗∗ أنا ابْنُ عَبْدِ المَطْلَبْ واخْتارَ رُكُوبَ البَغْلَةِ إظْهارًا لِثَباتِهِ الَّذِي لا يُنْكِرُهُ إلّا الحِمارُ وأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمْ يَخْطُرْ بِبالِهِ مُفارَقَةُ القِتالِ «فَقالَ لِلْعَبّاسِ وكانَ صَيِّتًا: ”صِحْ بِالنّاسِ“ فَنادِ يا عِبادَ اللَّهِ، يا أصْحابَ الشَّجَرَةِ، يا أصْحابَ سُورَةِ البَقَرَةِ، فَكَّرُوا عُنُقًا واحِدًا لَهم حَنِينٌ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، ونَزَلَتِ المَلائِكَةُ فالتَقَوْا مَعَ المُشْرِكِينَ، فَقالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ هَذا حِينَ حَمى الوَطِيسُ، ثُمَّ أخَذَ كَفًّا مِن تُرابٍ فَرَماهم ثُمَّ قالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ”انْهَزَمُوا ورَبِّ الكَعْبَةِ“» فانْهَزَمُوا، وتَفْصِيلُ القِصَّةِ عَلى أتَمِّ وجْهٍ في كُتُبِ السِّيَرِ ﴿فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ﴾ أيْ: لَمْ تَنْفَعْكم تِلْكَ الكَثْرَةُ ( ﴿شَيْئًا﴾ ) مِنَ النَّفْعِ في أمْرِ العَدُوِّ أوْ لَمْ تُعْطِكم شَيْئًا يَدْفَعُ حاجَتَكم ﴿وضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِما رَحُبَتْ﴾ أيْ بِرَحَبِها وسِعَتِها عَلى أنَّ ( ما ) مَصْدَرِيَّةٌ والباءُ لِلْمُلابَسَةِ والمُصاحَبَةِ أيْ ضاقَتْ مَعَ سِعَتِها عَلَيْكم، وفِيهِ اسْتِعارَةٌ تَبَعِيَّةٌ إمّا لِعَدَمِ وُجْدانِ مَكانٍ يَقِرُّونَ بِهِ مُطْمَئِنِّينَ أوْ أنَّهم لا يَجْلِسُونَ في مَكانٍ كَما لا يُجْلَسُ في المَكانِ الضَّيِّقِ ﴿ثُمَّ ولَّيْتُمْ﴾ أيِ: الكُفّارَ ظُهُورَكم عَلى أنَّ ولّى مُتَعَدِّيَةٌ إلى مَفْعُولَيْنِ كَما في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبارَ﴾ ويَدُلُّ عَلَيْهِ كَلامُ الرّاغِبِ، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّهُ لا حاجَةَ إلى تَقْدِيرِ مَفْعُولَيْنِ لِما في ”القامُوسِ“ ولّى تَوْلِيَةً أدْبَرَ بَلْ لا وجْهَ لَهُ عِنْدَ بَعْضٍ ولَيْسَ بِشَيْءٍ، والِاعْتِمادُ عَلى كَلامِ (p-75)الرّاغِبِ في مِثْلِ ذَلِكَ أرْغَبُ عِنْدَ المُحَقِّقِينَ بَلْ قِيامُ: إنَّ كَلامَ ”القامُوسِ“ لَيْسَ بِعُمْدَةٍ في مِثْلِهِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ( ﴿مُدْبِرِينَ﴾ ) حالٌ مُؤَكِّدَةٌ وهو مِنَ الإدْبارِ بِمَعْنى الذَّهابِ إلى خَلْفٍ والمُرادُ مُنْهَزِمِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب