الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ نَكَثُوا﴾ عُطِفَ عَلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَإنْ تابُوا﴾ أيْ وإنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ بَلْ نَقَضُوا ﴿أيْمانَهم مِن بَعْدِ عَهْدِهِمْ﴾ المُوَثَّقِ بِها وأظْهَرُوا ما في ضَمائِرِهِمْ مِنَ الشَّرِّ وأخْرَجُوهُ مِنَ القُوَّةِ إلى الفِعْلِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المُرادُ وإنْ ثَبَتُوا واسْتَمَرُّوا عَلى ما هم عَلَيْهِ مِنَ النَّكْثِ، وفَسَّرَ بَعْضُهُمُ النَّكْثَ بِالِارْتِدادِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ في مُقابَلَةِ ﴿فَإنْ تابُوا﴾ والأوَّلُ أوْلى بِالمَقامِ ﴿وطَعَنُوا في دِينِكُمْ﴾ قَدَحُوا فِيهِ بِأنْ أعابُوهُ وقَبَّحُوا أحْكامَهُ عَلانِيَةً. وجَعَلَ ابْنُ المُنِيرِ طَعْنَ الذِّمِّيِّ في دِينِنا بَيْنَ أهْلِ دِينِهِ إذا بَلَغَنا كَذَلِكَ، وعَدَّ هَذا كَثِيرٌ ومِنهُمُ الفاضِلُ المَذْكُورُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ، فالعَطْفُ مِن عَطْفِ الخاصِّ عَلى العامِّ وبِهِ يَنْحَلُّ ما يُقالُ: كانَ الظّاهِرُ أوْ طَعَنُوا لِأنَّ كُلًّا مِنَ الطَّعْنِ وما قَبْلَهُ كافٍ في اسْتِحْقاقِ القَتْلِ والقِتالِ، وكَوْنُ الواوِ بِمَعْنى أوْ بَعِيدٌ، وقِيلَ: العَطْفُ لِلتَّفْسِيرِ كَما في قَوْلِكَ: اسْتَخَفَّ فُلانٌ بِي وفَعَلَ مَعِي كَذا، عَلى مَعْنى وإنْ نَكَثُوا أيْمانَهم بِطَعْنِهِمْ في دِينِكُمْ، والأوَّلُ أوْلى، ولا فَرْقَ بَيْنَ تَوْجِيهِ الطَّعْنِ إلى الدِّينِ نَفْسِهِ إجْمالًا وبَيْنَ تَوْجِيهِهِ إلى بَعْضِ تَفاصِيلِهِ كالصَّلاةِ والحَجِّ مَثَلًا، ومِن ذَلِكَ الطَّعْنُ بِالقُرْآنِ وذِكْرُ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وحاشاهُ بِسُوءٍ فَيُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِهِ عِنْدَ جَمْعٍ مُسْتَدِلِّينَ بِالآيَةِ سَواءٌ شُرِطَ انْتِقاضُ العَهْدِ بِهِ أمْ لا، ومِمَّنْ قالَ بِقَتْلِهِ إذا أظْهَرَ الشَّتْمَ والعِياذُ بِاللَّهِ مالِكٌ والشّافِعِيُّ وهو قَوْلُ اللَّيْثِ وأفْتى بِهِ ابْنُ الهُمامِ، والقَوْلُ بِأنَّ أهْلَ الذِّمَّةِ يُقِرُّونَ عَلى كُفْرِهِمُ الأصْلِيِّ بِالجِزْيَةِ وذا لَيْسَ بِأعْظَمَ مِنهُ فَيَقَرُّونَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أيْضًا، ولَيْسَ هو مِنَ الطَّعْنِ المَذْكُورِ في شَيْءٍ لَيْسَ مِنَ الإنْصافِ في شَيْءٍ، ويَلْزَمُ عَلَيْهِ أنْ لا يُعَزَّرُوا أيْضًا كَما لا يُعَزَّرُونَ بَعْدَ الجِزْيَةِ عَلى الكُفْرِ الأصْلِيِّ، وفِيهِ لَعَمْرِي بَيْعُ يَتِيمَةِ الوُجُودِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ (p-59)بِثَمَنٍ بَخْسٍ والدُّنْيا بِحَذافِيرِها بَلْ والآخِرَةُ بِأسْرِها في جَنْبِ جَنابِهِ الرَّفِيعِ جَناحُ بَعُوضَةٍ أوْ أدْنى، وقالَ بَعْضُهم: إنَّ الآيَةَ لا تَدُلُّ عَلى ما ادَّعاهُ الجَمْعُ بِفَرْدٍ مِنَ الدَّلالاتِ وإنَّها صَرِيحَةٌ في أنَّ اجْتِماعَ النَّكْثِ والطَّعْنِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ما يَتَرَتَّبُ فَكَيْفَ تَدُلُّ عَلى القَتْلِ بِمُجَرَّدِ الطَّعْنِ وفِيهِ ما فِيهِ، ولا يَخْفى حُسْنُ مَوْقِعِ الطَّعْنِ مِنَ القِتالِ المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَقاتِلُوا أئِمَّةَ الكُفْرِ﴾ أيْ فَقاتِلُوهم، ووُضِعَ فِيهِ الظّاهِرُ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ وسُمُّوا أئِمَّةً لِأنَّهم صارُوا بِذَلِكَ رُؤَساءَ مُتَقَدِّمِينَ عَلى غَيْرِهِمْ بِزَعْمِهِمْ فَهم أحِقّاءُ بِالقِتالِ والقَتْلِ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الحَسَنِ، وقِيلَ: المُرادُ بِأئِمَّتِهِمْ رُؤَساؤُهم وصَنادِيدُهم مِثْلُ أبِي سُفْيانَ، والحارِثِ بْنِ هِشامٍ، وتَخْصِيصُهم بِالذِّكْرِ لِأنَّ قَتْلَهم أهَمُّ لا لِأنَّهُ لا يُقْتَلُ غَيْرُهم، وقِيلَ: لِلْمَنعِ مِن مُراقَبَتِهِمْ لِكَوْنِهِمْ مَظِنَّةً لَها أوْ لِلدَّلالَةِ عَلى اسْتِئْصالِهِمْ فَإنَّ قَتْلَهم غالِبًا يَكُونُ بَعْدَ قَتْلِ مَن دُونَهم، وعَنْ مُجاهِدٍ أنَّهم فارِسُ والرُّومُ وفِيهِ بُعْدٌ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وغَيْرُهُ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ قالَ: ما قُوتِلَ أهْلُ هَذِهِ الآيَةِ بَعْدُ وما أدْرِي ما مُرادُهُ واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِمُرادِهِ، وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو ( أئِمَّةَ ) بِهَمْزَتَيْنِ ثانِيَتُهُما بَيْنَ بَيْنَ أيْ بَيْنَ مَخْرَجِ الهَمْزَةِ والياءِ والألِفِ بَيْنَهُما، والكُوفِيُّونَ، وابْنُ ذَكْوانَ عَنِ ابْنِ عامِرٍ بِتَحْقِيقِهِما مِن غَيْرِ إدْخالِ ألِفٍ، وهِشامٌ كَذَلِكَ إلّا أنَّهُ أدْخَلَ بَيْنَهُما الألِفَ هَذا هو المَشْهُورُ عَنِ القُرّاءِ السَّبْعَةِ، ونَقَلَ أبُو حَيّانَ عَنْ نافِعٍ المَدَّ بَيْنَ الهَمْزَتَيْنِ والياءِ. وضَعَّفَ كَما قالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ قِراءَةَ التَّحْقِيقِ وبَيْنَ بَيْنَ جَماعَةٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ كالفارِسِيِّ، ومِنهم مَن أنْكَرَ التَّسْهِيلَ بَيْنَ بَيْنَ وقَرَأ بِياءٍ خَفِيفَةِ الكَسْرَةِ، وأمّا القِراءَةُ بِالياءِ فارْتَضاها أبُو عَلِيٍّ، وجَماعَةٌ، والزَّمَخْشَرِيُّ جَعَلَها لَحْنًا، وخَطَّأهُ أبُو حَيّانَ في ذَلِكَ لِأنَّها قِراءَةُ رَأْسِ القُرّاءِ والنُّحاةِ أبُو عَمْرٍو، وقِراءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ ونافِعٍ وهي صَحِيحَةٌ رِوايَةً، وعَدَمُ ثُبُوتِها مِن طَرِيقِ التَّيْسِيرِ يُوجِبُ التَّضْيِيقَ؛ وكَذا دِرايَةً فَقَدْ ذَكَرَ هو في المُفَصَّلِ وسائِرُ الأئِمَّةِ في كُتُبِهِمْ أنَّهُ إذا اجْتَمَعَتْ هَمْزَتانِ في كَلِمَةٍ فالوَجْهُ قَلْبُ الثّانِيَةِ حَرْفَ لِينٍ كَما في آدَمَ وأئِمَّةٍ فَما اعْتَذَرَ بِهِ عَنْهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، والحاصِلُ أنَّ القِراءاتِ هُنا تَحْقِيقُ الهَمْزَتَيْنِ وجَعْلُ الثّانِيَةِ بَيْنَ بَيْنَ بِلا إدْخالِ ألِفٍ وبِهِ والخامِسَةُ بِياءٍ صَرِيحَةٍ وكُلُّها صَحِيحَةٌ لا وجْهَ لِإنْكارِها، ووَزْنُ أئِمَّةٍ أفْعِلَةٌ كَحِمارِ وأحْمِرَةٍ، وأصْلُهُ أئِمْمَةٌ فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ المِيمِ إلى الهَمْزَةِ وأُدْغِمَتْ، ولَمّا ثَقُلَ اجْتِماعُ الهَمْزَتَيْنِ فَرُّوا مِنهُ فَفَعَلُوا ما فَعَلُوا ﴿إنَّهم لا أيْمانَ لَهُمْ﴾ أيْ: عَلى الحَقِيقَةِ حَيْثُ لا يُراعُونَها ولا يَفُونَ بِها ولا يَرَوْنَ نَقْضَها نَقْصًا وإنْ أجْرَوْها عَلى ألْسِنَتِهِمْ، وإنَّما عُلِّقَ النَّفْيُ بِها كالنَّكْثِ فِيما سَلَفَ لا بِالعَهْدِ المُؤَكَّدِ بِها لِأنَّها العُمْدَةُ في المَواثِيقِ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ إمّا لِمَضْمُونِ الشَّرْطِ كَأنَّهُ قِيلَ: وإنْ نَكَثُوا وطَعَنُوا كَما هو المُتَوَقَّعُ مِنهم إذْ لا أيْمانَ لَهم حَقِيقَةً حَتّى يَنْكُثُوها فَقاتِلُوا، أوْ لِاسْتِمْرارِ القِتالِ المَأْمُورِ بِهِ المُسْتَفادِ مِنَ السِّياقِ فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَقاتِلُوهم إلى أنْ يُؤْمِنُوا إنَّهم لا أيْمانَ لَهم حَتّى يُعْقَدَ مَعَهم عَقْدٌ آخَرُ، وجَعَلَها تَعْلِيلًا لِلْأمْرِ بِالقِتالِ لا يُساعِدُهُ تَعْلِيقُهُ بِالنَّكْثِ والطَّعْنِ لِأنَّ حالَهم في أنْ لا أيْمانَ لَهم حَقِيقَةً بَعْدَ ذَلِكَ كَحالِهِمْ قَبْلَهُ، والحَمْلُ عَلى مَعْنى عَدَمِ بَقاءِ أيْمانِهِمْ بَعْدَ النَّكْثِ والطَّعْنِ مَعَ أنَّهُ لا حاجَةَ إلى بَيانِهِ خِلافَ الظّاهِرِ، وقِيلَ: هو تَعْلِيلٌ لِما يُسْتَفادُ مِنَ الكَلامِ مِنَ الحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم أئِمَّةُ الكُفْرِ أيْ إنَّهم رُؤَساءُ الكَفَرَةِ وأعْظَمُهم شَرًّا حَيْثُ ضَمُّوا إلى كُفْرِهِمْ عَدَمَ مُراعاةِ الأيْمانِ وهو كَما تَرى، والنَّفْيُ في الآيَةِ عِنْدَ الإمامِ أبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ عَلى ما هو المُتَبادَرُ، فَيَمِينُ الكافِرِ لَيْسَتْ يَمِينًا عِنْدَهُ مُعْتَدًّا بِها شَرْعًا، وعِنْدَ الشّافِعِيِّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ هي يَمِينٌ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى وصَفَها بِالنَّكْثِ في صَدْرِ الآيَةِ وهو لا يَكُونُ حَيْثُ لا يَمِينَ (p-60)ولا أيْمانَ لَهم بِما عَلِمْتَ. وأُجِيبُ بِأنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبارِ اعْتِقادِهِمْ أنَّهُ يَمِينٌ، ويَبْعُدُهُ أنَّ الإخْبارَ مِنَ اللَّهِ تَعالى والخِطابَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وقالَ آخَرُونَ: إنَّ الِاسْتِدْلالَ بِالنَّكْثِ عَلى اليَمِينِ إشارَةٌ أوِ اقْتِضاءٌ ولا أيْمانَ لَهم عِبارَةً فَتَتَرَجَّحُ، والقَوْلُ بِأنَّها تُؤَوَّلُ جَمْعًا بَيْنَ الأدِلَّةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأنَّهُ إذا كانَ لا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ في أحَدِ الجانِبَيْنِ فَتَأْوِيلُ غَيْرِ الصَّرِيحِ أوْلى، ولَعَلَّهُ لا يُعْتَبَرُ في ذَلِكَ التَّقَدُّمُ والتَّأخُّرُ، وثَمَرَةُ الخِلافِ أنَّهُ لَوْ أسْلَمَ الكافِرُ بَعْدَ يَمِينٍ انْعَقَدَتْ في كُفْرِهِ ثُمَّ حَنِثَ هَلْ تَلْزَمُهُ الكَفّارَةُ؟ فَعِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ لا، وعِنْدَ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى نَعَمْ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ ( إيمانَ ) بِكَسْرِ الهَمْزَةِ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ آمَنَهُ إيمانًا بِمَعْنى أعْطاهُ الأمانَ، ويُسْتَعْمَلُ بِمَعْنى الحاصِلِ بِالمَصْدَرِ وهو الأمانُ، والمُرادُ أنَّهُ لا سَبِيلَ إلى أنْ تُعْطُوهم أمانًا بَعْدَ ذَلِكَ أبَدًا، قِيلَ: وهَذا النَّفْيُ بِناءً عَلى أنَّ الآيَةَ في مُشْرِكِي العَرَبِ ولَيْسَ لَهم إلّا الإسْلامُ أوِ السَّيْفُ؛ ومِنَ النّاسِ مَن زَعَمَ أنَّ المُرادَ لا سَبِيلَ إلى أنْ يُعْطُوكُمُ الأمانَ بَعْدُ، وفِيهِ أنَّهُ مُشْعِرٌ بِأنَّ مُعاهَدَتَهم مَعَنا عَلى طَرِيقَةِ أنْ يَكُونَ إعْطاءُ الأمانِ مِن قِبَلِهم وهو بَيْنَ البُطْلانِ، أوْ عَلى أنَّ الإيمانَ بِمَعْنى الإسْلامِ، والجُمْلَةُ عَلى هَذا تَعْلِيلٌ لِمَضْمُونِ الشَّرْطِ لا غَيْرَ عَلى ما بَيَّنَهُ شَيْخُ الإسْلامِ كَأنَّهُ قِيلَ، إنْ نَكَثُوا وطَعَنُوا كَما هو الظّاهِرُ مِن حالِهِمْ لِأنَّهُ إسْلامٌ لَهم حَتّى يَرْتَدِعُوا عَنْ نَقْضِ جِنْسِ إيمانِهِمْ وعَنِ الطَّعْنِ في دِينِكم، وتَشَبَّثَ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ مَن قالَ: إنَّ المُرْتَدَّ لا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بِناءً عَلى أنَّ النّاكِثَ هو المُرْتَدُّ وقَدْ نَفى الإيمانَ عَنْهُ، ونَفْيُهُ مَعَ أنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنهُ نَفْيٌ لِصِحَّتِهِ والِاعْتِدادِ بِهِ ولا يَخْفى ضَعْفُهُ لِما عَلِمْتَ مِن مَعْنى الآيَةِ، وقَدْ قالُوا: الِاحْتِمالُ يُسْقِطُ الِاسْتِدْلالَ، وقالَ القاضِي بَيَّضَ اللَّهُ تَعالى غُرَّةَ أحْوالِهِ في بَيانِ ضَعْفِهِ: إنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ نَفْيَ الإيمانِ عَنْ قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ والإخْبارَ عَنْهم بِأنَّهُ طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يَصْدُرُ مِنهم إيمانٌ أصْلًا، أوْ يَكُونُ المُرادُ أنَّ المُشْرِكِينَ لا إيمانَ لَهم حَتّى يُراقَبُوا ويُمْهَلُوا لِأجَلِهِ، ويُفْهَمُ مِن هَذا أنَّهُ لَمْ يَجْعَلِ الجُمْلَةَ تَعْلِيلًا لِمَضْمُونِ الشَّرْطِ كَما ذَكَرْنا، والظّاهِرُ أنَّهُ جَعَلَها تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ( ﴿فَقاتِلُوا﴾ ) يَعْنِي أنَّ المانِعَ مِن قَتْلِهِمْ أحَدُ أمْرَيْنِ إمّا العَهْدُ وقَدْ نَقَضُوهُ أوِ الإيمانُ وقَدْ حَرَّمُوهُ، ورُبَّما يُؤَوَّلُ ذَلِكَ إلى جَعْلِها عِلَّةً لِما يُفْهَمُ مِنَ الكَلامِ كَأنَّهُ قِيلَ: إنْ نَكَثُوا وطَعَنُوا فَقاتِلُوهم ولا تَتَوَقَّفُوا لِأنَّهُ لا مانِعَ أصْلًا بَعْدَ ذَلِكَ لِأنَّهم لا إيمانَ لَهم لِيَكُونَ مانِعًا ولا يَخْفى ما فِيهِ. وإنْ قِيلَ: إنَّهُ سَقَطَ بِهِ ما قِيلَ: إنَّ وصْفَ أئِمَّةِ الكُفْرِ بِأنَّهم لا إسْلامَ لَهم تَكْرارٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وجَعْلُ الجُمْلَةِ تَعْلِيلًا لِما يُسْتَفادُ مِنَ الكَلامِ مِنَ الحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم أئِمَّةُ الكُفْرِ أيْ رُؤَساؤُهُ عَلى احْتِمالِ أنْ يُرادَ الإخْبارُ عَنْ قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ بِالطَّبْعِ أظْهَرُ مِن جَعْلِها تَعْلِيلًا لَها عَلى القِراءَةِ السّابِقَةِ، نَعَمْ يَأْبى حَدِيثُ الإخْبارِ بِالطَّبْعِ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿لَعَلَّهم يَنْتَهُونَ﴾ إذْ مَعَ الطَّبْعِ لا يُتَصَوَّرُ الِانْتِهاءُ وهو مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ( ﴿فَقاتِلُوا﴾ ) أيْ قاتِلُوهم إرادَةَ أنْ يَنْتَهُوا، أيْ لِيَكُنْ غَرَضُكم مِنَ القِتالِ انْتِهاءَهم عَمّا هم عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ وسائِرِ العَظائِمِ لا مُجَرَّدَ إيصالِ الأذِيَّةِ بِهِمْ كَما هو شَنْشَنَةُ المُؤْذِينَ، ومِمّا قُرِّرَ يُعْلَمُ أنَّ التَّرَجِّيَ مِنَ المُخاطِبِينَ لا مِنَ اللَّهِ عَزَّ شَأْنُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب