الباحث القرآني

﴿والشَّفْعِ والوَتْرِ﴾ هُما عَلى ما في حَدِيثِ جابِرٍ المَرْفُوعِ الَّذِي أشَرْنا إلَيْهِ فِيما تَقَدَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ ويَوْمَ عَرَفَةَ. وقالَ الطِّيبِيُّ: رُوِّينا عَنِ الإمامِ أحْمَدَ والتِّرْمِذِيِّ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الشَّفْعِ والوَتَرِ فَقالَ: «الصَّلاةُ بَعْضُها شَفْعٌ وبَعْضُها وتْرٌ»». ثُمَّ قالَ: «هَذا هو التَّفْسِيرُ الَّذِي لا مَحِيدَ عَنْهُ» انْتَهى. وقَدْ رَواهُ عَنْ عِمْرانَ أيْضًا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وصَحَّحَهُ، لَكِنْ في البَحْرِ أنَّ حَدِيثَ جابِرٍ أصَحُّ إسْنادًا مِن حَدِيثِ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ، ووَراءَ ذَلِكَ أقْوالٌ كَثِيرَةٌ، فَأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الحَسَنِ أنَّهُ قالَ: «أقْسَمَ رَبُّنا بِالعَدَدِ كُلِّهِ مِنهُ الشَّفْعُ ومِنهُ الوَتْرُ». وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ قالَ: «الخَلْقُ كُلُّهُ شَفْعٌ ووَتَرٌ، فَأقْسَمَ سُبْحانَهُ بِخَلْقِهِ». وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وجَماعَةٌ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: «اللَّهُ تَعالى الوَتْرُ، وخَلْقُهُ سُبْحانَهُ الشَّفْعُ؛ الذَّكَرُ والأُنْثى». ورُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أبِي صالِحٍ ومَسْرُوقٍ وقَرَآ: ﴿ومِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ﴾ وقِيلَ: المُرادُ شَفْعُ تِلْكَ اللَّيالِي ووَتْرُها، وقِيلَ: الشَّفْعُ أيّامُ عادٍ والوَتَرُ لَيالِيها. وقِيلَ: الشَّفْعُ أبْوابُ الجَنَّةِ والوَتْرُ أبْوابُ النّارِ. وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وقَدْ ذَكَرَ في كِتابِ التَّحْرِيرِ والتَّحْبِيرِ مِمّا قِيلَ: فِيهِما سِتًّا وثَلاثِينَ قَوْلًا، وفي الكَشّافِ: قَدْ أكْثَرُوا في الشَّفْعِ والوَتَرِ حَتّى كادُوا يَسْتَوْعِبُونَ أجْناسَ ما يَقَعانِ فِيهِ وذَلِكَ قَلِيلُ الطّائِلِ جَدِيرٌ (p-121)بِالتَّلَهِّي عَنْهُ. وقالَ بَعْضُ الأفاضِلِ: لا إشْعارَ لِلَفْظِ الشَّفْعِ والوَتْرِ بِتَخْصِيصِ شَيْءٍ مِمّا ذَكَرُوهُ وتَعْيِينِهِ بَلْ هو إنَّما يَدُلُّ عَلى مَعْنًى كُلِّيٍّ مُتَناوِلٍ لِذَلِكَ، ولَعَلَّ مَن فَسَّرَهُما بِما فَسَّرَهُما لَمْ يَدَّعِ الِانْحِصارَ فِيما فَسَّرَ بِهِ بَلْ أفْرَدَ بِالذِّكْرِ مِن أنْواعِ مَدْلُولِهِما ما رَآهُ أظْهَرَ دَلالَةً عَلى التَّوْحِيدِ أوْ مَدْخَلًا في الدِّينِ أوْ مُناسَبَةً لِما قَبْلُ أوْ لِما بَعْدُ أوْ أكْثَرَ مَنفَعَةً مُوجِبَةٍ لِلشُّكْرِ أوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ النِّكاتِ، وإذا ثَبَتَ مِنَ الشّارِعِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ تَفْسِيرُهُما بِبَعْضِ الوُجُوهِ فالظّاهِرُ أنَّهُ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلى تَخْصِيصِ المَدْلُولِ بَلْ وارِدٌ عَلى طَرِيقِ التَّمْثِيلِ بِما رَأى في تَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ فائِدَةً مُعْتَدًّا بِها فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِلْمُفَسِّرِ أنْ يَحْمِلَ اللَّفْظَ عَلى بَعْضٍ آخَرَ مِن مُحْتَمَلاتِهِ لِفائِدَةٍ أُخْرى. انْتَهى. وهُوَ مَيْلٌ إلى أنَّ ألْ فِيهِما لِلْجِنْسِ لا لِلْعَهْدِ، والظّاهِرُ أنَّ ما تَقَدَّمَ مِنَ الحَدِيثَيْنِ مِن بابِ القَطْعِ بِالتَّعْيِينِ دُونَ التَّمْثِيلِ لَكِنْ يُشْكِلُ أمْرُ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُما حِينَئِذٍ، وإذا صَحَّ ما قالَ في البَحْرِ كانَ المُعَوَّلُ عَلَيْهِ حَدِيثَ جابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الحالِ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ والأغَرُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وأبُو رَجاءٍ وابْنُ وثّابٍ وقَتادَةُ وطَلْحَةُ والأعْمَشُ والحَسَنُ بِخِلافٍ عَنْهُ: «والوِتْرِ» بِكَسْرِ الواوِ، وهي لُغَةُ تَمِيمٍ، والجُمْهُورُ عَلى فَتْحِها وهي لُغَةُ قُرَيْشٍ، وهُما لُغَتانِ كالحَبْرِ والحِبْرِ بِمَعْنى العالِمِ عَلى ما قالَ صاحِبُ المَطْلَعِ في الوَتَرِ المُقابِلِ لِلشَّفْعِ، وأمّا في «الوِتْرِ» بِمَعْنى التِّرَةِ أيِ الحِقْدِ فالكَسْرُ هو المَسْمُوعُ وحْدَهُ، والأصْمَعِيُّ حَكى فِيهِ أيْضًا اللُّغَتَيْنِ وقَرَأ يُونُسُ عَنْ أبِي عَمْرٍو بِفَتْحِ الواوِ وكَسْرِ التّاءِ وهو إمّا لُغَةٌ أوْ نَقْلُ حَرَكَةِ الواوِ في الوَقْفِ لِما قَبْلَها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب