الباحث القرآني

﴿تُسْقى مِن عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾ بَلَغَتْ إناها أيْ غايَتَها في الحَرِّ فَهي مُتَناهِيَةٌ فِيهِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ وهو التَّفْسِيرُ المَشْهُورُ. وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والحَسَنِ ومُجاهِدٍ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: أيْ: حاضِرَةٌ لَهم مِن قَوْلِهِمْ: أنى الشَّيْءُ حَضَرَ ولَيْسَ بِذاكَ. ﴿لَيْسَ لَهم طَعامٌ إلا مِن ضَرِيعٍ﴾ بَيانٌ لِطَعامِهِمْ إثْرَ بَيانِ شَرابِهِمْ، والضَّرِيعُ كَما أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ الشَّبْرَقُ اليابِسُ وهي عَلى ما قالَهُ عِكْرِمَةُ شَجَرَةٌ ذاتُ شَوْكٍ لاطِئَةٌ بِالأرْضِ. وقالَ غَيْرُ واحِدٍ: هو جِنْسٌ مِنَ الشَّوْكِ تَرْعاهُ الإبِلُ رَطْبًا فَإذا يَبِسَ تَحامَتْهُ وهو سُمٌّ قاتِلٌ. قالَ أبُو ذُؤَيْبٍ: ؎رَعى الشِّبْرِقَ الرَّيّانَ حَتّى إذا ذَوى وصارَ ضَرِيعًا بانَ عَنْهُ النَّحائِصُ وقالَ ابْنُ غِرارَةَ الهُذَلِيُّ يَذْكُرُ إبِلًا وسُوءَ مَرْعى: ؎وحُبِسْنَ في هَزَمِ الضَّرِيعِ فَكُلُّها ∗∗∗ حَدْباءُ دامِيَةُ اليَدَيْنِ حَرُودُ وقالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ: الضَّرِيعُ يَبِيسُ العَرْفَجِ إذا انْحَطَمَ. وقالَ الزَّجّاجُ: نَبْتٌ كالعَوْسَجِ. وقالَ الخَلِيلُ: نَبْتٌ أخْضَرُ مُنْتِنُ الرِّيحِ يَرْمِي بِهِ البَحْرُ. والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ ما هو ضَرِيعٌ حَقِيقَةً. وقِيلَ: هو شَجَرَةٌ نارِيَّةٌ تُشْبِهُ الضَّرِيعَ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ لا يُعْجِزُ اللَّهَ تَعالى الَّذِي أخْرَجَ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نارًا أنْ يُنْبِتَ في النّارِ شَجَرَ الضَّرِيعِ. نَعَمْ يُؤَيِّدُ ما قِيلَ: ما حَكاهُ في البُحُورِ الزّاخِرَةِ عَنِ البَغَوِيِّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ يَرْفَعُهُ: ««الضَّرِيعُ شَيْءٌ في النّارِ شِبْهُ الشَّوْكِ أمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، وأنْتَنُ مِنَ الجِيفَةِ، وأشَدُّ حَرًّا مِنَ النّارِ»». فَإنْ صَحَّ فَذاكَ. وقالَ ابْنُ كَيْسانَ: هو طَعامٌ يَضْرَعُونَ عِنْدَهُ ويَذِلُّونَ ويَتَضَرَّعُونَ إلى اللَّهِ تَعالى طَلَبًا لِلْخَلاصِ مِنهُ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ وعَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ شَجَرًا وغَيْرَهُ. وعَنِ الحَسَنِ وجَماعَةٍ أنَّهُ الزَّقُّومُ. وعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ أنَّهُ حِجارَةٌ في النّارِ، وقِيلَ: هو وادٍ في جَهَنَّمَ أيْ لَيْسَ لَهم طَعامٌ إلّا مِن ذَلِكَ المَوْضِعِ، ولَعَلَّهُ هو المَوْضِعُ الَّذِي يَسِيلُ إلَيْهِ صَدِيدُ أهْلِ النّارِ وهو الغِسْلِينُ وعَلَيْهِ يَكُونُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذا الحَصْرِ والحَصْرِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا طَعامٌ إلا مِن غِسْلِينٍ﴾ ظاهِرًا بِأنْ يَكُونَ طَعامُهم مِن ذَلِكَ الوادِي هو الغِسْلِينَ الَّذِي يَسِيلُ إلَيْهِ، وكَذا إذا أُرِيدَ بِهِ ما قالَهُ ابْنُ كَيْسانَ واتَّحَدَ بِهِ وقَدْ يَتَّحِدُ بِهِما عَلَيْهِ أيْضًا الزَّقُّومُ، واتِّحادُهُ بِالضَّرِيعِ عَلى القَوْلِ بِأنَّهُ شَجَرَةٌ قَرِيبٌ. وقِيلَ: في التَّوْفِيقِ: إنَّ الضَّرِيعَ مَجازٌ أوْ كِنايَةٌ أُرِيدَ بِهِ طَعامٌ مَكْرُوهٌ حَتّى لِلْإبِلِ وغَيْرِها مِنَ الحَيَواناتِ الَّتِي تَلْتَذُّ رَعْيَ الشَّوْكِ فَلا يُنافِي كَوْنَهُ زَقُّومًا أوْ غِسْلِينًا، وقِيلَ: إنَّهُ أُرِيدَ أنْ لا طَعامَ لَهم أصْلًا لِأنَّ الضَّرِيعَ لَيْسَ بِطَعامٍ لِلْبَهائِمِ فَضْلًا عَنِ النّاسِ كَما يُقالُ: لَيْسَ لِفُلانٍ إلّا ظِلٌّ إلّا الشَّمْسُ. أيْ لا ظِلَّ لَهُ وعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا طَعامٌ إلا مِن غِسْلِينٍ﴾ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ﴾ ﴿طَعامُ الأثِيمِ﴾ فَلا مُخالَفَةَ أصْلًا. وقِيلَ: إنَّ الغِسْلِينَ وهو الصَّدِيدُ في القُدْرَةِ الإلَهِيَّةِ أنْ تَجْعَلَهُ عَلى هَيْئَةِ الضَّرِيعِ والزَّقُّومِ فَطَعامُهُمُ الغِسْلِينُ والزَّقُّومُ اللَّذانِ هُما الضَّرِيعُ ولا يَخْفى تَعَسُّفُهُ عَلى الرَّضِيعِ. وقَدْ يُقالُ في التَّوْفِيقِ عَلى القَوْلِ بِأنَّ الثَّلاثَةَ مُتَغايِرَةٌ بِالذّاتِ أنَّ العَذابَ ألْوانٌ، والمُعَذَّبُونَ طَبَقاتٌ فَمِنهم أكَلَةُ الزَّقُّومِ، ومِنهم أكَلَةُ الغِسْلِينِ، ومِنهم أكَلَةُ الضَّرِيعِ، لِكُلِّ بابٍ مِنهم جُزْءٌ مَقْسُومٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب