الباحث القرآني
﴿والقَمَرِ إذا اتَّسَقَ﴾ أيِ اجْتَمَعَ نُورُهُ وصارَ بَدْرًا.
﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ خِطابٌ لِجِنْسِ الإنْسانِ المُنادى أوَّلًا بِاعْتِبارَ شُمُولِهِ لِأفْرادِهِ، والمُرادُ بِالرُّكُوبِ المُلاقاةُ، والطَّبَقُ في الأصْلِ ما طابَقَ غَيْرَهُ مُطْلَقًا، وخُصَّ في العُرْفِ بِالحالِ المُطابِقَةِ لِغَيْرِها، ومِنهُ قَوْلُ الأقْرَعِ بْنِ حابِسٍ:
؎إنِّي امْرُؤٌ قَدْ حَلَبْتُ الدَّهْرَ أشْطُرَهُ وساقَنِي طَبَقٌ مِنهُ إلى طَبَقِ
و«عِنْ» لِلْمُجاوَزَةِ. وقالَ غَيْرُ واحِدٍ: هي بِمَعْنى بَعْدَ، كَما في قَوْلِهِما: سادُوكَ كابِرًا عَنْ كابِرٍ، وقَوْلِهِ:
؎ما زِلْتُ أقْطَعُ مَنهَلًا عَنْ مَنهَلٍ ∗∗∗ حَتّى أنَخْتُ بِبابِ عَبْدِ الواحِدِ
والمُجاوَزَةُ والبَعْدِيَّةُ مُتَقارِبانِ، والجارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِ «طَبَقًا» أوْ حالًا مِن فاعِلِ: (تَرْكَبُنَّ) والظّاهِرُ أنَّ نَصْبَ ﴿طَبَقًا﴾ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ؛ أيْ: لَتُلاقُنَّ حالًا مُجاوِزَةً لِحالٍ أوْ كائِنَةً بَعْدَ حالٍ أوْ مُجاوَزِينَ لِحالٍ أوْ كائِنِينَ بَعْدَ حالٍ، كُلُّ واحِدَةٍ مُطابِقَةٌ لِأُخْتِها في الشِّدَّةِ والهَوْلِ، وجُوِّزَ كَوْنُ الرُّكُوبِ عَلى حَقِيقَتِهِ، وتُجْعَلُ الحالُ مَرْكُوبَةً مَجازًا. وقِيلَ: نَصْبُ ﴿طَبَقًا﴾ عَلى التَّشْبِيهِ بِالظَّرْفِ أوِ الحالِيَّةِ، وقالَ جَمْعٌ: الطَّبَقُ جَمْعُ طَبَقَةٍ كَتُخَمٍ وتُخَمَةٍ وهي المَرْتَبَةُ، ويُقالُ: إنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٌّ واحِدُهُ ذَلِكَ، والمَعْنى: لَتَرْكَبُنَّ أحْوالًا بَعْدَ أحْوالٍ هي طَبَقاتٌ في الشِّدَّةِ بَعْضُها أرْفَعُ مِن بَعْضٍ وهي المَوْتُ وما بَعْدَهُ مِن مُواطِنِ القِيامَةِ وأهْوالِها، ورَجَّحَهُ الطِّيبِيُّ فَقالَ: هَذا الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظْمُ وتَرَتُّبُ الفاءِ في ﴿فَلا أُقْسِمُ﴾ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَلى إنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيرًا﴾ وفَسَّرَ بَعْضُهُمُ الأحْوالَ بِما يَكُونُ في الدُّنْيا مِن كَوْنِهِمْ نُطْفَةً إلى المَوْتِ وما يَكُونُ في الآخِرَةِ مِنَ البَعْثِ إلى حِينِ المُسْتَقَرِّ في إحْدى الدّارَيْنِ. وقِيلَ: يُمْكِنُ أنْ يُرادَ بِ «طَبَقًا» عَنْ طَبَقِ المَوْتِ المُطابِقِ لِلْعَدَمِ الأصْلِيِّ والإحْياءِ المُطابِقِ لِلْإحْياءِ السّابِقِ، فَيَكُونُ الكَلامُ قَسَمًا عَلى البَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ ويَجْرِي فِيهِ ما ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ.
وأخْرَجَ نُعَيْمُ بْنُ حَمّادٍ وأبُو نُعَيْمٍ عَنْ مَكْحُولٍ أنَّهُ قالَ في الآيَةِ: تَكُونُونَ في كُلِّ عِشْرِينَ سَنَةً عَلى حالٍ لَمْ تَكُونُوا عَلى مِثْلِها. وفي رِوايَةِ ابْنِ المُنْذِرِ وابْنِ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ: في كُلِّ عِشْرِينَ عامًا تُحْدِثُونَ أمْرًا لَمْ تَكُونُوا عَلَيْهِ، فالطَّبَقُ بِمَعْنى عِشْرِينَ عامًا، وقَدْ عَدَّ ذَلِكَ في القامُوسِ مِن جُمْلَةِ مَعانِيهِ، وما ذُكِرَ بَيانٌ لِلْمَعْنى المُرادِ. وقِيلَ:
الطَّبَقُ هُنا القَرْنُ مِنَ النّاسِ مِثْلُهُ في قَوْلِ العَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ يَمْدَحُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ:
؎وأنْتَ لَمّا وُلِدْتَ أشْرَقَتِ الأرْ ∗∗∗ ضُ وضاءَتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ
؎تَنَقَّلَ مِن صالِبٍ إلى رَحِمٍ ∗∗∗ إذا مَضى عالَمٌ بَدا طَبَقُ
وإنَّ المَعْنى: لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَن مَضى قَبْلَكم قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وكِلا القَوْلَيْنِ خِلافُ الظّاهِرِ. وقَرَأ عُمَرُ وابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ والأسْوَدُ وابْنُ جُبَيْرٍ ومَسْرُوقٌ والشَّعْبِيُّ وأبُو العالِيَةِ وابْنُ وثّابٍ وطَلْحَةُ وعِيسى والأخَوانِ وابْنُ كَثِيرٍ: «لَتَرْكَبُنَّ» بِتاءِ الخِطابِ وفَتْحِ الباءِ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُما أيْضًا كَسَرا تاءَ المُضارَعَةِ وهي لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ عَلى أنَّهُ خِطابٌ لِلْإنْسانِ أيْضًا لَكِنْ بِاعْتِبارِ اللَّفْظِ لا بِاعْتِبارِ الشُّمُولِ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسِ أنَّ الخِطابَ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَماعَةٍ، وكَأنَّ مَن ذَهَبَ إلى أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ هو المُرادُ بِالإنْسانِ فِيما تَقَدَّمَ يَذْهَبُ إلَيْهِ وعَلَيْهِ يُرادُ ﴿لَتَرْكَبُنَّ﴾ أحْوالًا شَرِيفَةً بَعْدَ (p-83)أُخْرى مِن مَراتِبِ القُرْبِ أوْ مَراتِبَ مِنَ الشِّدَّةِ في الدُّنْيا بِاعْتِبارِ ما يُقاسِيهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ الكَفَرَةِ ويُعانِيهِ في تَبْلِيغِ الرِّسالَةِ أوِ الكَلامِ عِدَةٌ بِالنَّصْرِ؛ أيْ: لَتُلاقُنَّ فَتْحًا بَعْدَ فَتْحٍ، ونَصْرًا بَعْدَ نَصْرٍ، وتَبْشِيرًا بِالمِعْراجِ؛ أيْ: لَتَرْكَبُنَّ سَماءً بَعْدَ سَماءٍ، كَما أخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ مَسْعُودٍ وأُيِّدَ بِالتَّوْكِيدِ بِالجُمْلَةِ القَسَمِيَّةِ والتَّعْقِيبِ بِالإنْكارِيَّةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وجَماعَةٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قالَ في ذَلِكَ يَعْنِي السَّماءُ تَنْفَطِرُ ثُمَّ تَنْشَقُّ ثُمَّ تَحْمَرُّ، وفي رِوايَةٍ السَّماءُ تَكُونُ كالمُهْلِ وتَكُونُ ورْدَةُ كالدِّهانِ وتَكُونُ واهِيَةً وتَشَقَّقُ فَتَكُونُ حالًا بَعْدَ حالٍ فالتّاءُ لِلتَّأْنِيثِ والضَّمِيرُ الفاعِلُ عائِدٌ عَلى السَّماءِ. وقَرَأ عُمَرُ وابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: «لَيَرْكَبُنَّ» بِالياءِ آخِرِ الحُرُوفِ وفَتْحِ الباءِ عَلى الِالتِفاتِ مِن خِطابِ الإنْسانِ إلى الغَيْبَةِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ يَعْنِي نَبِيَّكم عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَجَعَلَ الضَّمِيرَ لَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ والمَعْنى عَلى نَحْوِ ما تَقَدَّمَ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ الغائِبُ يَعُودُ عَلى القَمَرِ لِأنَّهُ يَتَغَيَّرُ أحْوالًا مِن سِرارٍ واسْتِهْلالٍ وإبْدارٍ. وقَرَأ عُمَرُ أيْضًا: «لَيُرْكَبُنَّ» بِياءِ الغَيْبَةِ وضَمِّ الباءِ عَلى أنَّ ضَمِيرَ الجَمْعِ لِلْإنْسانِ بِاعْتِبارِ الشُّمُولِ. وقُرِئَ بِالتّاءِ الفَوْقِيَّةِ وكَسْرِ الباءِ عَلى تَأْنِيثِ الإنْسانِ المُخاطَبِ بِاعْتِبارِ النَّفْسِ. وأمْرُ التَّقْدِيرِ الحالِيَّةُ المُشارُ إلَيْها فِيما مَرَّ عَلى هَذِهِ القِراءاتِ لا يَخْفى.
{"ayahs_start":18,"ayahs":["وَٱلۡقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ","لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقࣲ"],"ayah":"وَٱلۡقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











