﴿فاليَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيِ المَعْهُودُونَ مِنَ الفُقَراءِ ﴿مِنَ الكُفّارِ﴾ أيْ: مِنَ المَعْهُودِينَ، وجُوِّزَ التَّعْمِيمُ مِنَ الجانِبَيْنِ ﴿يَضْحَكُونَ﴾ حِينَ يَرَوْنَهم أذِلّاءَ مَغْلُولِينَ قَدْ غَشِيَتْهم فُنُونُ الهَوانِ والصَّغارِ بَعْدَ العِزِّ والكِبْرِ ورَهِقَهم ألْوانُ العَذابِ بَعْدَ التَّنَعُّمِ والتَّرَفُّهِ. والظَّرْفُ والجارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقانِ بِ ﴿يَضْحَكُونَ﴾ وتَقْدِيمُ الجارِّ والمَجْرُورِ قِيلَ لِلْقَصْرِ تَحْقِيقًا لِلْمُقابَلَةِ؛ أيْ: واليَوْمَ هم مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ لا الكُفّارُ مِنهم كَما كانُوا يَفْعَلُونَ في الدُّنْيا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلى الأرائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ حالٌ مِن فاعِلِ ﴿يَضْحَكُونَ﴾ أيْ: يَضْحَكُونَ مِنهم ناظِرِينَ إلَيْهِمْ وإلى ما هم فِيهِ مِن سُوءِ الحالِ. وقِيلَ: يُفْتَحُ لِلْكُفّارِ بابٌ إلى الجَنَّةِ فَيُقالُ لَهُمْ: هَلُمَّ هَلُمَّ، فَإذا وصَلُوا إلَيْها أُغْلِقَ دُونَهُمْ، يُفْعَلُ ذَلِكَ مِرارًا حَتّى أنَّ أحَدَهم يُقالُ لَهُ: هَلُمَّ هَلُمَّ فَما يَأْتِي مِن إياسِهِ ويَضْحَكُ المُؤْمِنُونَ مِنهم. وتُعُقِّبَ بِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿هَلْ ثُوِّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ يَأْباهُ فَإنَّهُ صَرِيحٌ في أنَّ ضَحِكَ المُؤْمِنِينَ مِنهم جَزاءٌ لِضَحِكِهِمْ مِنهم في الدُّنْيا فَلا بُدَّ مِنَ المُجانَسَةِ والمُشاكَلَةِ حَتْمًا، والحَقُّ أنَّهُ لا إباءَ كَما لا يَخْفى، والتَّثْوِيبُ والإثابَةُ المُجازاةُ. ويُقالُ: «ثَوَّبَهُ وأثابَهُ» إذا جازاهُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎سَأجْزِيكَ أوْ يَجْزِيكَ عَنِّي مُثَوِّبٌ وحَسَبُكَ أنْ يُثْنى عَلَيْكَ وتُحْمَدِي
وظاهِرُ كَلامِهِمْ إطْلاقُ ذَلِكَ عَلى المُجازاةِ بِالخَيْرِ والشَّرِّ، واشْتُهِرَ بِالمُجازاةِ بِالخَيْرِ وجُوِّزَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ هُنا عَلى أنَّ المُرادَ التَّهَكُّمُ كَما قِيلَ بِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَبَشِّرْهم بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ و﴿ذُقْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾ كَأنَّهُ تَعالى يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: هَلْ أثَبْنا هَؤُلاءِ عَلى ما كانُوا يَفْعَلُونَ كَما أثَبْناكم عَلى ما كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، فَيَكُونُ هَذا القَوْلُ زائِدًا (p-78)فِي سُرُورِهِمْ لِما فِيهِ مِن تَعْظِيمِهِمْ والِاسْتِخْفافِ بِأعْدائِهِمْ. والجُمْلَةُ الِاسْتِفْهامِيَّةُ حِينَئِذٍ مَعْمُولَةٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن ضَمِيرِ ( يَضْحَكُونَ ) أوْ مِن ضَمِيرِ ( يَنْظُرُونَ ) أيْ: يَضْحَكُونَ أوْ يَنْظُرُونَ مَقُولًا لَهم ﴿هَلْ ثُوِّبَ﴾ إلَخْ. ولَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ الجُمْهُورُ. وفي البَحْرِ: الِاسْتِفْهامُ لِتَقْرِيرِ المُؤْمِنِينَ، والمَعْنى: قَدْ جُوزِيَ الكُفّارُ ما كانُوا إلَخْ. وقِيلَ: ﴿هَلْ ثُوِّبَ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِ ﴿يَنْظُرُونَ﴾ والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِهِ بَعْدَ إسْقاطِ حَرْفِ الجَرِّ الَّذِي هو إلى انْتَهى وما مَصْدَرِيَّةٌ أوْ مَوْصُولَةٌ والعائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: يَفْعَلُونَهُ، والكَلامُ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ؛ أيْ: ثَوابَ أوْ جَزاءَ ما كانُوا إلَخْ. وقِيلَ: هو بِتَقْدِيرِ باءِ السَّبَبِيَّةِ؛ أيْ: هَلْ ثُوِّبَ الكُفّارُ بِما كانُوا، وقَرَأ النَّحْوِيّانِ وحَمْزَةُ وابْنُ مُحَيْصِنٍ بِإدْغامِ اللّامِ في التّاءِ. واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["فَٱلۡیَوۡمَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنَ ٱلۡكُفَّارِ یَضۡحَكُونَ","عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِ یَنظُرُونَ","هَلۡ ثُوِّبَ ٱلۡكُفَّارُ مَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ"],"ayah":"فَٱلۡیَوۡمَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنَ ٱلۡكُفَّارِ یَضۡحَكُونَ"}