الباحث القرآني
والضَّمِيرُ المُنْفَصِلُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذا كالُوهم أوْ وزَنُوهم يُخْسِرُونَ﴾ لِلنّاسِ وما تَقَدَّمَ في الأخْذِ مِنَ النّاسِ وهَذا في الإعْطاءِ، فالمَعْنى: وإذا كالُوا لَهم أوْ وزَنُوا لَهم لِلْبَيْعِ يُنْقِصُونَ. وكالَ تُسْتَعْمَلُ مَعَ المَكِيلِ بِاللّامِ وبِدُونِهِ؛ فَقَدْ جاءَ في اللُّغَةِ عَلى ما قِيلَ: كالَ لَهُ وكالَهُ بِمَعْنى كالَ لَهُ وجَعَلَ غَيْرُ واحِدٍ كالَهُ مِن بابِ الحَذْفِ والإيصالِ عَلى أنَّ الأصْلَ كالَ لَهُ فَحُذِفَ الجارُّ وأُوصِلَ الفِعْلُ كَما في قَوْلِهِ:
؎ولَقَدْ جَنَيْتُكَ أكْمُؤًا وعَساقِلًا ولَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ بَناتِ الأوْبَرِ
وقَوْلُهم في المَثَلِ: الحَرِيصُ يَصِيدُكَ لا الجَوادُ؛ أيْ: جَنَيْتُ لَكَ ويَصِيدُ لَكَ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ الكَلامُ عَلى حَذْفِ المُضافِ وهو مَكِيلٌ ومَوْزُونٌ وإقامَةُ المُضافِ مَقامَهُ، والأصْلُ: وإذا كالُوا مَكِيلَهم أوْ وزَنُوهم وعَنْ عِيسى بْنِ عُمَرَ وحَمْزَةَ: إنَّ المَكِيلَ لَهُ والمَوْزُونَ لَهُ مَحْذُوفٌ، وهم ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ المَرْفُوعِ وهو الواوُ وكانا يَقِفانِ عَلى الواوَيْنِ وُقَيْفَةً يُبَيِّنانِ بِها ما أرادُوا. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لا يَصِحُّ كَوْنُ الضَّمِيرِ مَرْفُوعًا لِلْمُطَفِّفِينَ لِأنَّهُ يَكُونُ المَعْنى عَلَيْهِ إذا أخَذُوا مِنَ النّاسِ اسْتَوْفَوْا وإذا تَوَلَّوُا الكَيْلَ أوِ الوَزْنَ هم عَلى الخُصُوصِ أخْسَرُوا، وهو كَلامٌ مُتَنافِرٌ؛ لِأنَّ الحَدِيثَ واقِعٌ في الفِعْلِ لا في المُباشِرِ وذَلِكَ عَلى ما في الكَشْفِ؛ لِأنَّ التَّأْكِيدَ اللَّفْظِيَّ يَدْفَعُهُ المَقامُ فَلَيْسَ المُرادُ أنْ يُحَقِّقَ أنَّ الكَيْلَ صَدَرَ مِنهم لا مِن عَبِيدِهِمْ مَثَلًا والتَّقَوِّي وحْدَهُ يَدْفَعُهُ تَرْكُ الفاءِ في جَوابِ «إذا» لِأنَّ الفَصِيحَ إذْ ذاكَ: فَهم يَخْسَرُونَ فَيَتَعَيَّنُ الحَمْلُ عَلى التَّخْصِيصِ ويَظْهَرُ العُذْرُ في تَرْكِ الفاءِ إذِ المَعْنى لا يَخْسَرُ إلّا هُمْ، ويَلْزَمُ التَّنافُرُ وفَواتُ المُقابَلَةِ هَذا وهْمٌ أوَّلًا في ﴿كالُوهُمْ﴾ مانِعٌ مِن هَذا التَّقْدِيرِ أشَدَّ المَنعِ والحَمْلُ عَلى حَذْفِ اِلْخَبَرِ مِن أحَدِهِما وهو شَطْرُ الجَزاءِ لا نَظِيرَ لَهُ، وقِيلَ: إنَّهُ يَبْعُدُ كَوْنَ الضَّمِيرِ مَرْفُوعًا عَدَمُ إثْباتِ الألِفِ بَعْدِ الواوِ. وقَدْ تَقَرَّرَ في عِلْمِ الخَطِّ إثْباتُها بَعْدَها في مِثْلِ ذَلِكَ وجَرى عَلَيْهِ رَسْمُ المُصْحَفِ العُثْمانِيِّ في نَظائِرِهِ وكَوْنُهُ هُنا بِالخُصُوصِ مُخالِفًا لِما تَقَرَّرَ ولِما سُلِكَ في النَّظائِرِ بَعِيدٌ كَما لا يَخْفى.
ولَعَلَّ الِاقْتِصارَ عَلى الِاكْتِيالِ في صُورَةِ الِاسْتِيفاءِ وذِكْرِ الكَيْلِ والوَزْنِ في صُورَةِ الإخْسارِ أنَّ المُطَفِّفِينَ كانُوا لا يَأْخُذُونَ ما يُكالُ ويُوزَنُ إلّا بِالمَكايِيلِ دُونَ المَوازِينِ لَتَمَكُّنِهِمْ بِالِاكْتِيالِ مِنَ الِاسْتِيفاءِ والسَّرِقَةِ، وإذا أعْطَوْا كالُوا ووَزَنُوا لِتَمَكُّنِهِمْ مِنَ البَخْسِ في النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا، والحاصِلُ أنَّهُ إنَّما جاءَ النَّظْمُ الجَلِيلُ هَكَذا لِيُطابِقَ مَن نَزَلَ فِيهِمْ فالصِّفَةُ تَنْعِي عَلَيْهِمْ ما كانُوا عَلَيْهِ مِن زِيادَةِ البَخْسِ والظُّلْمِ، وهَذا صَحِيحٌ جُعِلَتِ الصِّفَةُ مُخَصِّصَةً لِهَؤُلاءِ المُطَفِّفِينَ كَما هو الأظْهَرُ أوْ كاشِفَةً لِحالِهِمْ فَقَدْ أُرِيدَ بِالأوَّلِ مَعْهُودٌ ذِهْنِيٌّ. وقالَ شَيْخُ مَشايِخِنا العَلّامَةُ السَّيِّدُ صِبْغَةُ اللَّهِ الحَيْدَرِيُّ في ذَلِكَ: إنَّ التَّطْفِيفَ في الكَيْلِ يَكُونُ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ لا يُعْبَأُ بِهِ في الأغْلَبِ دُونَ التَّطْفِيفِ في الوَزْنِ، فَإنَّ أدْنى حِيلَةٍ فِيهِ يُفْضِي إلى شَيْءٍ كَثِيرٍ وأيْضًا الغالِبُ فِيما يُوزَنُ ما هو أكْثَرُ قِيمَةً مِمّا يُكالُ، فَإذا أخْبَرَتِ الآيَةُ بِأنَّهم لا يُبْقُونَ عَلى النّاسِ ما هو قَلِيلٌ مَهِينٌ مِن حُقُوقِهِمْ عُلِمَ أنَّهم لا يُبْقُونَ عَلَيْهِمُ الكَثِيرَ الَّذِي لا يَتَسامَحُ بِهِ أكْثَرُ النّاسِ بَلْ أهْلُ المَرُوءاتِ أيْضًا إلّا نادِرًا بِالطَّرِيقِ الأوْلى بِخِلافِ ما إذا (p-70)ذُكِرَ أنَّهم يُخْسِرُونَ النّاسَ بِالأشْياءِ الجُزْئِيَّةِ كَما يُفْهَمُ مِن ذِكْرِ الإخْسارِ في الكَيْلِ فَإنَّهُ لا يُعْلَمُ مِنهُ أنَّهم يُخْسِرُونَهم بِالشَّيْءِ الكَثِيرِ أيْضًا، بَلْ رُبَّما يُتَوَهَّمُ مِن تَخْصِيصِ الجُزْئِيَّةِ بِالذِّكْرِ أنَّهم لا يَتَجَرَّؤُونَ عَلى إخْسارِهِمْ بِكُلِّيّاتِ الأمْوالِ فَلا بُدَّ في الشِّقِّ الثّانِي مِن ذِكْرِ الإخْسارِ في الوَزْنِ أيْضًا فَتَكُونُ الآيَةُ مُنادِيَةً عَلى ذَمِيمِ أفْعالِهِمْ ناعِيَةً عَلَيْهِمْ بِشَنِيعِ أحْوالِهِمُ. انْتَهى.
وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لا يُحْسَمُ السُّؤالُ لِجَوازِ أنْ يُقالَ: لِمَ لَمْ يَقُلْ: «إذا اكْتالُوا عَلى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ وإذا وزَنُوهم يُخْسِرُونَ» لِيُعْلَمَ مِنَ القَرِينَتَيْنِ أنَّهم يَسْتَوْفُونَ الكَثِيرَ ويُخْسِرُونَ بِالنَّزْرِ الحَقِيرِ بِالطَّرِيقِ الأوْلى ويَكُونُ في الكَلامِ ما هو مِن قَبِيلِ الِاحْتِباكِ. وقالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: إذا اكْتالُوا مِنَ النّاسِ اسْتَوْفَوْا عَلَيْهِمُ الكَيْلَ، وكَذَلِكَ إذا اتَّزَنُوا اسْتَوْفَوُا الوَزْنَ، ولَمْ يَذْكُرْ إذا اتَّزَنُوا لِأنَّ الكَيْلَ والوَزْنَ بِهِما الشِّراءُ والبَيْعُ فِيما يُكالُ ويُوزَنُ ومُرادُهُ عَلى ما نَصَّ عَلَيْهِ الطِّيبِيُّ أنَّهُ اسْتَغْنى بِذِكْرِ إحْدى القَرِينَتَيْنِ عَنِ الأُخْرى لِدَلالَةِ القَرِينَةِ الآتِيَةِ عَلَيْها وهو كَما تَرى. وقِيلَ: إنَّ المُطَفِّفِينَ باعَةٌ وهم في الغالِبِ يَشْتَرُونَ الشَّيْءَ الكَثِيرَ دُفْعَةً ثُمَّ يَبِيعُونَهُ مُتَفَرِّقًا في دُفُعاتٍ، وكَمْ قَدْ رَأيْنا مِنهم مَن يَشْتَرِي مِنَ الزِّراعِينَ مِقْدارًا كَثِيرًا مِنَ الحُبُوبِ مَثَلًا في يَوْمٍ واحِدٍ فَيَدَّخِرُهُ ثُمَّ يَبِيعُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا في أيّامٍ عَدِيدَةٍ، ولَمّا كانَتِ العادَةُ الغالِبَةُ أخْذَ الكَثِيرِ بِالكَيْلِ ذُكِرَ الِاكْتِيالُ فَقَطْ في صُورَةِ الِاسْتِيفاءِ، ولَمّا كانَ ما يَبِيعُونَهُ مُخْتَلِفًا كَثْرَةً وقِلَّةً ذُكِرَ الكَيْلُ والوَزْنُ في صُورَةِ الإعْطاءِ، أوْ لَمّا كانَ اخْتِيارُ ما بِهِ تَعْيِينُ المِقْدارِ مُفَوَّضًا إلى رَأْيِ مَن يَشْتَرِي مِنهم ذُكِرا مَعًا في تِلْكَ الصُّورَةِ إذْ مِنهم مَن يَخْتارُ الكَيْلَ ومِنهم مَن يَخْتارُ الوَزْنَ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ كَوْنَ العادَةِ الغالِبَةِ أخْذَ الكَثِيرِ في الكَيْلِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ عَلى الإطْلاقِ، ولَعَلَّهُ في بَعْضِ المَواضِعِ دُونَ بَعْضٍ، وأهْلُ بَلَدِنا مَدِينَةِ السَّلامِ اليَوْمَ لا يَكْتالُونَ ولا يَكِيلُونَ أصْلًا، وإنَّما عادَتُهُمُ الوَزْنُ والِاتِّزانُ مُطْلَقًا وعَدَمُ التَّعَرُّضِ لِلْمَكِيلِ والمَوْزُونِ في الصُّورَتَيْنِ عَلى ما قالَ غَيْرُ واحِدٍ لِأنَّ مَساقَ الكَلامِ لِبَيانِ سُوءِ مُعامَلَةِ المُطَفِّفِينَ في الأخْذِ والإعْطاءِ لا في خُصُوصِيَّةِ المَأْخُوذِ والمُعْطى.
{"ayah":"وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ یُخۡسِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











