الباحث القرآني
سُورَةُ المُطَفِّفِينَ
ويُقالُ لَها سُورَةُ المُطَفِّفِينَ، واخْتُلِفَ في كَوْنِها مَكِّيَّةً أوْ مَدَنِيَّةً فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ والضَّحّاكِ أنَّها مَكِّيَّةٌ، وعَنِ الحَسَنِ وعِكْرِمَةَ أنَّها مَدَنِيَّةٌ وعَلَيْهِ السُّدِّيُّ، قالَ: كانَ بِالمَدِينَةِ رَجُلٌ يُكَنّى أبا جُهَيْنَةَ لَهُ مِكْيالانِ يَأْخُذُ بِالأوْفى ويُعْطِي بِالأنْقَصِ فَنَزَلَتْ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رِواياتٌ؛ فَأخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: آخِرُ ما نَزَلَ بِمَكَّةَ سُورَةُ المُطَفِّفِينَ، وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: أوَّلُ ما نَزَلَ بِالمَدِينَةِ: ﴿ويْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ ويُؤَيِّدُ هَذِهِ الرِّوايَةَ ما أخْرَجَهُ النَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وغَيْرُهم عَنْهُ قالَ: «لَمّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ المَدِينَةَ كانُوا مِن أخْبَثِ النّاسِ كَيْلًا فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ويْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ فَأحْسَنُوا الكَيْلَ بَعْدَ ذَلِكَ،» وفي رِوايَةٍ عَنْهُ أيْضًا وعَنْ قَتادَةَ أنَّها مَكِّيَّةٌ إلّا ثَمانِ آياتٍ مِن آخِرِها ﴿إنَّ الَّذِينَ أجْرَمُوا﴾ إلَخْ وقِيلَ: إنَّها مَدَنِيَّةٌ إلّا سِتَّ آياتٍ مِن أوَّلِها، وبَعْضُ مَن يُثْبِتُ الواسِطَةَ بَيْنَ المَكِّيِّ والمَدَنِيِّ يَقُولُ: إنَّها لَيْسَتْ أحَدَهُما بَلْ نَزَلَتْ بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ لِيُصْلِحَ اللَّهُ تَعالى أمْرَ أهْلِ المَدِينَةِ قَبْلَ وُرُودِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وآيُها سِتٌّ وثَلاثُونَ بِلا خِلافٍ، والمُناسَبَةُ بَيْنَها وبَيْنَ ما قَبْلَها أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا ذَكَرَ فِيما قَبْلُ السُّعَداءَ والأشْقِياءَ ويَوْمَ الجَزاءِ وعِظَمَ شَأْنِهِ ذَكَرَ عَزَّ وجَلَّ هُنا ما أعَدَّ جَلَّ وعَلا لِبَعْضِ العُصاةِ وذَكَرَ سُبْحانَهُ بِأخَسِّ ما يَقَعُ مِنَ المَعْصِيَةِ وهو التَّطْفِيفُ الَّذِي لا يَكادُ يُجْدِي شَيْئًا في تَثْمِيرِ المالِ وتَنْمِيَتِهِ، مَعَ اشْتِمالِ هَذِهِ السُّورَةِ مِن شَرْحِ حالِ المُكَذِّبِينَ المَذْكُورِينَ هُناكَ عَلى زِيادَةِ تَفْصِيلٍ كَما لا يَخْفى. وقالَ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ: الفَصْلُ بِهَذِهِ السُّورَةِ بَيْنَ الِانْفِطارِ والِانْشِقاقِ الَّتِي هي نَظِيرَتُها مِن أوْجُهٍ لِنُكْتَةٍ لَطِيفَةٍ ألْهَمَنِيها اللَّهُ تَعالى وذَلِكَ أنَّ السُّوَرَ الأرْبَعَ، هَذِهِ والسُّورَتانِ قَبْلَها والِانْشِقاقُ لَمّا كانَتْ في صِفَةِ حالِ يَوْمِ القِيامَةِ ذُكِرَتْ عَلى تَرْتِيبِ ما يَقَعُ فِيهِ فَغالِبُ ما وقَعَ في التَّكْوِيرِ وجَمِيعُ ما وقَعَ في الِانْفِطارِ يَقَعُ في صَدْرِ يَوْمِ القِيامَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ المَوْقِفُ الطَّوِيلُ ومُقاساةُ الأهْوالِ فَذَكَرَهُ في هَذِهِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْصُلُ الشَّفاعَةُ العُظْمى فَتُنْشَرُ الصُّحُفُ فَآخِذٌ بِاليَمِينِ وآخِذٌ بِالشِّمالِ وآخِذٌ ما وراءَ ظَهْرِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ الحِسابُ كَما ورَدَ بِذَلِكَ الآثارُ فَناسَبَ تَأخُّرَ سُورَةِ الِانْشِقاقِ الَّتِي فِيها إيتاءُ الكُتُبِ والحِسابُ عَنِ السُّورَةِ الَّتِي فِيها ذِكْرُ المَوْقِفِ والسُّورَةِ الَّتِي فِيها ذِكْرُهُ عَنِ السُّورَةِ الَّتِي فِيها ذِكْرُ مَبادِئِ أحْوالِ اليَوْمِ، ووَجْهٌ آخَرُ وهو أنَّهُ جَلَّ جَلالُهُ لَمّا قالَ في الِانْفِطارِ: ﴿وإنَّ عَلَيْكم لَحافِظِينَ﴾ ﴿كِرامًا كاتِبِينَ﴾ وذَلِكَ في الدُّنْيا ذَكَرَ سُبْحانَهُ في هَذِهِ الحالِ ما يَكْتُبُهُ الحافِظُونَ وهو مَرْقُومٌ يُجْعَلُ في عِلِّيِّينَ أوْ سِجِّينٍ؛ وذَلِكَ أيْضًا في الدُّنْيا كَما تَدُلُّ عَلَيْهِ الآثارُ فَهَذِهِ حالَةٌ ثانِيَةٌ لِلْكِتابِ ذُكِرَتْ في السُّورَةِ الثّانِيَةِ ولَهُ حالَةٌ ثالِثَةٌ مُتَأخِّرَةٌ عَنْهُما؛ وهي إيتاؤُهُ صاحِبَهُ بِاليَمِينِ أوْ غَيْرُها وذَلِكَ يَوْمَ القِيامَةِ فَناسَبَ تَأْخِيرَ السُّورَةِ الَّتِي فِيها ذَلِكَ عَنِ السُّورَةِ الَّتِي فِيها الحالَةُ الثّانِيَةُ. انْتَهى. وهو وإنْ لَمْ يَخْلُ عَنْ لَطافَةٍ لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجالٌ فَتَذَكَّرْ. (p-68)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿ويْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ قِيلَ: الوَيْلُ شِدَّةُ الشَّرِّ، وقِيلَ: الحُزْنُ والهَلاكُ، وقِيلَ: العَذابُ الألِيمُ.
وقِيلَ: جَبَلٌ في جَهَنَّمَ، وأخْرَجَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمانَ مَرْفُوعًا ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدٍ فِيهِ نَظَرٌ. وذَهَبَ كَثِيرٌ إلى أنَّهُ وادٍ في جَهَنَّمَ.
فَقَدْ أخْرَجَ الإمامُ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ عَنْ أبِي سَعِيدٍ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «ويْلٌ وادٍ في جَهَنَّمَ يَهْوِي فِيهِ الكافِرُ أرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ»».
وفِي صَحِيحَيِ ابْنِ حِبّانَ والحاكِمِ بِلَفْظِ: ««وادٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ يَهْوِي فِيهِ الكافِرُ»» إلَخْ. ورَوى ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أنَّهُ وادٍ في جَهَنَّمَ مِن قَيْحٍ. وفي كِتابِ المُفْرَداتِ لِلرّاغِبِ قالَ الأصْمَعِيُّ: ويْلٌ قُبُوحٌ وقَدْ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّحَسُّرِ، ومَن قالَ: ويْلٌ وادٍ في جَهَنَّمَ لَمْ يَرِدْ أنَّ ويْلًا في اللُّغَةِ مَوْضُوعٌ لِهَذا، وإنَّما أرادَ مَن قالَ اللَّهُ تَعالى فِيهِ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحَقَّ مَقَرًّا مِنَ النّارِ، وثَبَتَ ذَلِكَ لَهُ. انْتَهى.
والظّاهِرُ أنَّ إطْلاقَهُ عَلى ذَلِكَ كَإطْلاقِهِ جَهَنَّمَ عَلى ما هو المَعْرُوفُ فِيها فَلْيُنْظَرْ مِن أيِّ نَوْعٍ ذَلِكَ الإطْلاقُ، وأيًّا ما كانَ فَهو مُبْتَدَأٌ وإنْ كانَ نَكِرَةً لِوُقُوعِهِ في مَوْقِعِ الدُّعاءِ، و«لِلْمُطَفِّفِينَ» خَبَرُهُ، والتَّطْفِيفُ البَخْسُ في الكَيْلِ والوَزْنِ لِما أنَّ ما يُبْخَسُ في كَيْلٍ أوْ وزْنٍ واحِدٍ شَيْءٌ طَفِيفٌ؛ أيْ: نَزْرٌ حَقِيرٌ، والتَّفْعِيلُ فِيهِ لِلتَّعْدِيَةِ أوْ لِلتَّكْثِيرِ ولا يُنافِي كَوْنَهُ مِنَ الطَّفِيفِ بِالمَعْنى المَذْكُورِ لِأنَّ كَثْرَةَ الفِعْلِ بِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ وهو بِتَكْرارِهِ لا بِكَثْرَةِ مُتَعَلِّقِهِ. وعَنِ الزَّجّاجِ أنَّهُ مِن طَفَّ الشَّيْءَ: جانَبَهُ.
{"ayah":"وَیۡلࣱ لِّلۡمُطَفِّفِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











