الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَلا﴾ رَدْعٌ لِلْإنْسانِ عَمّا هو عَلَيْهِ مِن كُفْرانِ النِّعَمِ البالِغِ نِهايَتَهُ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لَمّا يَقْضِ ما أمَرَهُ﴾ بَيانٌ لِسَبَبِ الرَّدْعِ و«لَمّا» نافِيَةٌ جازِمَةٌ ونَفْيُها غَيْرُ مُنْقَطِعٍ، وما مَوْصُولَةٌ، وضَمِيرُ «أمَرَهُ» إمّا لِلْإنْسانِ كالمُسْتَتِرِ في يَقْضِ، والعائِدُ إلى المَوْصُولِ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: بِهِ أوْ لِلْمَوْصُولِ عَلى الحَذْفِ والإيصالِ، والعائِدُ إلى الإنْسانِ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: إيّاهُ قِيلَ، والثّانِي أحْسَنُ؛ لِأنَّ حَذْفَ المَفْعُولِ أهْوَنُ مِن حَذْفِ العائِدِ إلى المَوْصُولِ، والمُرادُ بِما أمَرَهُ جَمِيعُ ما أمَرَهُ والمَعْنى عَلى ما قالَ غَيْرُ واحِدٍ: لَمْ يَقْضِ مِن أوَّلِ زَمانِهِ تَكْلِيفَهُ إلى زَمانِ أمانَتِهِ وإقْبارِهِ، أوْ مِن لَدُنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى هَذِهِ الغايَةِ مَعَ طُولِ المَدى وامْتِدادِهِ جَمِيعَ ما أمَرَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِن جَمِيعِ أوامِرِهِ تَعالى؛ إذْ لا يَخْلُو أحَدٌ عَنْ تَقْصِيرٍ ما، ونُقِلَ هَذا عَنْ مُجاهِدٍ وقَتادَةَ وفِيهِ حَمْلُ عَدَمِ القَضاءِ عَلى نَفْيِ العُمُومِ، وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لا رَيْبَ في أنَّ مَساقَ الآياتِ الكَرِيمَةِ لِبَيانِ غايَةِ عِظَمِ جِنايَةِ الإنْسانِ وتَحْقِيقِ كُفْرانِهِ المُفْرِطِ المُسْتَوْجِبِ لِلسُّخْطِ العَظِيمِ، وظاهِرٌ أنَّ ذَلِكَ لا يَتَحَقَّقُ بِهَذا القَدْرِ مِن نَوْعِ تَقْصِيرٍ لا يَخْلُو عَنْهُ أحَدٌ مِن أفْرادِهِ، واخْتِيرَ أنْ يُحْمَلَ عَدَمُ القَضاءِ عَلى عُمُومِ النَّفْيِ إمّا عَلى أنَّ المَحْكُومَ عَلَيْهِ هو الإنْسانُ المُسْتَغْنِي أوْ هو الجِنْسُ، لَكِنْ لا عَلى الإطْلاقِ بَلْ عَلى أنَّ مِصْداقَ الحُكْمِ بِعَدَمِ القَضاءِ بَعْضُ أفْرادِهِ، وقَدْ أُسْنِدَ إلى الكُلِّ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الإنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ﴾ . وإمّا عَلى أنَّ مِصْداقَهُ الكُلُّ مِن حَيْثُ هو كُلٌّ بِطْرِيقِ رَفْعِ الإيجابِ الكُلِّيِّ دُونَ السَّلْبِ الكُلِّيِّ فالمَعْنى: لَمّا يَقْضِ جَمِيعُ أفْرادِهِ ما أمَرَهُ، بَلْ أخَلَّ بِهِ بَعْضُها بِالكُفْرِ والعِصْيانِ مَعَ أنَّ مُقْتَضى ما فُصِّلَ مِن فُنُونِ النَّعْماءِ الشّامِلَةِ لِلْكُلِّ أنْ لا يَخْتَلِفَ عَنْهُ أحَدٌ، وعَنِ الحَسَنِ أنَّ ( كَلّا ) بِمَعْنى حَقًّا فَيَتَعَلَّقُ بِما بَعْدَهُ؛ أيْ: حَقًّا لَمْ يَعْمَلْ بِما أمَرَهُ بِهِ. وقالَ ابْنُ فُورَكَ: الضَّمِيرُ فِي: ﴿يَقْضِ﴾ لِلَّهِ تَعالى؛ أيْ: لَمْ يَقْضِ اللَّهُ تَعالى لِهَذا الكافِرِ ما أمَرَهُ بِهِ مِنَ الإيمانِ بَلْ أمَرَهُ إقامَةً لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِ لَمّا يَقْضِ لَهُ، ولا يَخْفى بُعْدُهُ. والظّاهِرُ عَلَيْهِ أنَّ ( كَلّا ) بِمَعْنى حَقًّا أيْضًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب