الباحث القرآني

﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ أيْ: ثُمَّ سَهَّلَ مَخْرَجَهُ مِنَ البَطْنِ كَما جاءَ في رِوايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ بِأنْ فَتَحَ فَمَ الرَّحِمِ ومَدَّدَ الأعْصابَ في طَرِيقِهِ ونَكَّسَ رَأْسَهُ لِأسْفَلَ بَعْدَ أنْ كانَ في جِهَةِ العُلُوِّ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا وقَتادَةَ وأبِي صالِحٍ والسُّدِّيِّ المُرادُ بِ «السَّبِيلَ» سَبِيلَ النَّظَرِ القَوِيمِ المُؤَدِّي إلى الإيمانِ وتَيْسِيرِهِ لَهُ هو هِبَةُ العَقْلِ وتَمْكِينُهُ مِنَ النَّظَرِ، وقالَ مُجاهِدٌ والحَسَنُ وعَطاءٌ وهو رِوايَةٌ عَنِ الحَبْرِ أيْضًا: هو سَبِيلُ الهُدى والضَّلالِ؛ أيْ: سَهَّلَ لَهُ الطَّرِيقَ الَّذِي يُرِيدُ سُلُوكَهُ مِن طَرِيقِ الخَيْرِ والهُدى وطَرِيقِ الشَّرِّ والضَّلالِ؛ بِأنْ أقْدَرَهُ عَزَّ وجَلَّ عَلى كُلٍّ ومَكَّنَهُ مِنهُ، والإقْدارُ عَلى المُرادِ نِعْمَةٌ ظاهِرَةٌ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خَيْرِيَّتِهِ وشَرِّيَّتِهِ فَلا يَرِدُ عَلَيْهِ أنَّهُ كَيْفَ يُعَدُّ تَسْهِيلُ طَرِيقِ الشَّرِّ والضَّلالِ مِنَ النِّعَمِ وقُلْ: إنَّهُ عُدَّ مِنها لِأنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَهَّلًا كَسَبِيلِ الخَيْرِ لَمْ يَسْتَحِقَّ المَدْحَ والثَّوابَ بِالإعْراضِ عَنْهُ، وتَرْكُهُ مَبْنِيٌّ عَلى القَوْلِ بِأنَّ تَرْكَ المُحَرَّمِ كالزِّنا مَعَ عَدَمِ القُدْرَةِ عَلَيْهِ لِعَنَةٍ مَثَلًا لا يُثابُ عَلَيْهِ، وقِيلَ: يُثابُ ويُمْدَحُ عَلَيْهِ إذا قَدَرَ التّارِكُ في نَفْسِهِ أنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ لَمْ يَفْعَلْ. وقالَ بَعْضُهُمْ: العَجْزُ عَنِ الشَّرِّ نِعْمَةٌ، وأنْشَدَ: ؎جكونه شكر ابن نعمت كزارم كه زور مردم آزارى ندارم ونُصِبَ السَّبِيلُ بِمُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ الظّاهِرُ وفِيهِ مُبالَغَةٌ في التَّيْسِيرِ وتَمْكِينٌ في النَّفْسِ بِسَبَبِ التَّكْرِيرِ، قِيلَ: وفي تَعْرِيفِهِ بِاللّامِ دُونَ الإضافَةِ إشْعارٌ بِعُمُومِهِ؛ فَإنَّهُ لَوْ قِيلَ: «سَبِيلَهُ» أوْهَمَ أنَّهُ عَلى التَّوْزِيعِ، وإنَّ لِكُلِّ إنْسانٍ سَبِيلًا يَخُصُّهُ، وخَصَّ بَعْضُهم هَذِهِ النُّكْتَةَ بِالمَعْنى الأخِيرِ لِلسَّبِيلِ فَتَدَبَّرْ. وعَلى هَذا المَعْنى قِيلَ: إنَّ فِيهِ إيماءً إلى أنَّ الدُّنْيا طَرِيقٌ المَقْصِدُ غَيْرُها؛ لِما أشْعَرَتْ بِهِ الآيَةُ مِن أنَّ المُيَسَّرَ سَبِيلُ المُكَلَّفِينَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوابُ والعِقابُ وفِيهِ خَفاءٌ، وأيًّا ما كانَ فالضَّمِيرُ المَنصُوبُ فِي: ﴿يَسَّرَهُ﴾ لِلسَّبِيلِ ولَيْسَ في التَّفْكِيكِ لَبْسٌ حَتّى يَكُونَ نَقْصًا في البَيانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب