الباحث القرآني

﴿قُتِلَ الإنْسانُ﴾ دُعاءٌ عَلَيْهِ بِأشْنَعِ الدَّعَواتِ وأفْظَعِها. ﴿ما أكْفَرَهُ﴾ تَعْجِيبٌ مِن إفْراطِهِ في الكُفْرانِ وبَيانٌ لِاسْتِحْقاقِهِ الدُّعاءَ عَلَيْهِ، والمُرادُ بِهِ: إمّا مَنِ اسْتَغْنى عَنِ القُرْآنِ الكَرِيمِ الَّذِي ذُكِرَتْ نُعُوتُهُ الجَلِيلَةُ المُوجِبَةُ لِلْإقْبالِ عَلَيْهِ والإيمانِ بِهِ، وإمّا الجِنْسُ بِاعْتِبارِ انْتِظامِهِ لَهُ ولِأمْثالِهِ مِن أفْرادِهِ، ورُجِّحَ هَذا بِأنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ عَلى ما أخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ «عَنْ عِكْرِمَةَ في عُتْبَةَ بْنِ أبِي لَهَبٍ غاضَبَ أباهُ فَأسْلَمَ ثُمَّ اسْتَصْلَحَهُ أبُوهُ وأعْطاهُ مالًا وجَهَّزَهُ إلى الشّامِ، فَبَعَثَ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ إنَّهُ كافِرٌ بِرَبِّ النَّجْمِ إذا هَوى. فَقالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ ابْعَثْ عَلَيْهِ كَلْبَكَ حَتّى يَفْتَرِسَهُ». فَلَمّا كانَ في أثْناءِ الطَّرِيقِ ذَكَرَ الدُّعاءَ فَجَعَلَ لِمَن مَعَهُ ألْفَ دِينارٍ إنْ أصْبَحَ حَيًّا، فَجَعَلُوهُ وسَطَ الرُّفْقَةِ والمَتاعُ حَوْلَهُ، فَأقْبَلَ أسَدٌ إلى الرِّحالِ ووَثَبَ فَإذا هو فَوْقَهُ فَمَزَّقَهُ، فَكانَ أبُوهُ يَنْدُبُهُ ويَبْكِي عَلَيْهِ ويَقُولُ: ما قالَ مُحَمَّدٌ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ إلّا كانَ» . وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى خَبَرٌ في هَذِهِ القِصَّةِ أطْوَلُ مِن هَذا الخَبَرِ، فَلا تَغْفُلْ. ثُمَّ إنَّ هَذا كَلامٌ في غايَةِ الإيجازِ، وقَدْ قالَ جارُ اللَّهِ: لا تَرى أُسْلُوبًا أغْلَظَ مِنهُ ولا أدَلَّ عَلى سُخْطٍ ولا أبْعَدَ شَوْطًا في المَذَمَّةِ مَعَ تَقارُبِ طَرَفَيْهِ ولا أجْمَعَ لِلْأئِمَّةِ عَلى قِصَرِ مَتْنِهِ حَيْثُ اشْتَمَلَ عَلى ما سَمِعْتَ مِنَ الدُّعاءِ مُرادًا إذْ لا يُتَصَوَّرُ مِنهُ تَعالى لازِمُهُ وعَلى التَّعَجُّبِ المُرادِ بِهِ لِاسْتِحالَتِهِ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ التَّعْجِيبُ لِكُلِّ سامِعٍ. وقالالإمامُ: إنَّ الجُمْلَةَ الأُولى تَدُلُّ عَلى اسْتِحْقاقِهِمْ أعْظَمَ أنْواعِ العِقابِ عُرْفًا، والثّانِيَةَ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُمُ اتَّصَفُوا بِأعْظَمِ أنْواعِ القَبائِحِ والمُنْكَراتِ شَرْعًا، ولَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ القُرْآنِ وما نُسِبَ إلى امْرِئِ القَيْسِ مِن قَوْلِهِ: ؎يَتَمَنّى المَرْءُ في الصَّيْفِ الشِّتا فَإذا جاءَ الشِّتا أنْكَرَهْ ؎فَهْوَ لا يَرْضى بِحالٍ واحِدٍ ∗∗∗ قُتِلَ الإنْسانُ ما أكْفَرَهْ (p-44)لا أصْلَ لَهُ، ومَن لَهُ أدْنى مَعْرِفَةٍ بِكَلامِ العَرَبِ لا يَجْهَلُ أنَّ قائِلَ ذَلِكَ مُوَلَّدٌ أرادَ الِاقْتِباسَ لا جاهِلِيٌّ، وجَوَّزَ بَعْضُهم أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُتِلَ الإنْسانُ﴾ خَبَرًا عَنْ أنَّهُ سَيَقْتُلُ الكُفّارَ بِإنْزالِ آيَةِ القِتالِ، وعَبَّرَ بِالماضِي مُبالَغَةً في أنَّهُ سَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ ولَيْسَ بِشَيْءٍ، ونَحْوُهُ ما قِيلَ إنَّ ما اسْتِفْهامِيَّةٌ؛ أيْ: أيُّ شَيْءٍ أكْفَرَهُ؛ أيْ: جَعَلَهُ كافِرًا بِمَعْنى لا شَيْءَ يُسَوِّغُ لَهُ أنْ يَكْفُرَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب