الباحث القرآني

﴿كَلا﴾ مُبالَغَةٌ في إرْشادِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ إلى عَدَمِ مُعاوَدَةِ ما عُوقِبَ عَلَيْهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وقَدْ نُزِّلَ ذَلِكَ كَما في خَبَرٍ رَواهُ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ بَعْدَ أنْ قَضى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ نَجْواهُ وذَهَبَ إلى أهْلِهِ، وجُوِّزَ كَوْنُهُ إرْشادًا بَلِيغًا إلى تَرْكِ المُعاتَبِ عَلَيْهِ، عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِناءً عَلى أنَّ النُّزُولَ في أثْناءِ ذَلِكَ وقَبْلَ انْقِضائِهِ، وفي بَعْضِ الآثارِ أنَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعْدَ ما عَبَسَ في وجْهِ فَقِيرٍ ولا تَصَدّى لِغَنِيٍّ وتَأدَّبَ النّاسُ بِذَلِكَ أدَبًا حَسَنًا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ أنَّ الفُقَراءَ كانُوا في مَجْلِسِهِ أُمَراءَ. والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّها﴾ لِلْقُرْآنِ العَظِيمِ، والتَّأْنِيثُ لِتَأْنِيثِ الخَبَرِ؛ أعْنِي قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿تَذْكِرَةٌ﴾ أيْ: مَوْعِظَةٌ يَجِبُ أنْ يُتَّعَظَ بِها ويُعْمَلَ بِمُوجِبِها، وكَذا الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ﴾ والجُمْلَةُ المُؤَكِّدَةُ تَعْلِيلٌ لِما أفادَتْهُ «كَلّا» بِبَيانِ عُلُوِّ رُتْبَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ الَّذِي اسْتَغْنى عَنْهُ مَن تَصَدّى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَهُ، (p-42)والجُمْلَةُ الثّانِيَةُ اعْتِراضٌ جِيءَ بِهِ لِلتَّرْغِيبِ في القُرْآنِ والحَثِّ عَلى حِفْظِهِ أوِ الِاتِّعاظِ بِهِ، واقْتِرانُ الجُمْلَةِ المُعْتَرِضُ بِها بِالفاءِ قَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ مالِكٍ في التَّسْهِيلِ مِن غَيْرِ نَقْلِ اخْتِلافٍ فِيهِ، وكَلامُ الزَّمَخْشَرِيِّ في الكَشّافِ عِنْدَ الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ﴾ نَصٌّ في ذَلِكَ. نَعَمْ قِيلَ: إنَّهُ قِيلَ لَهُ: ﴿فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ﴾ اعْتِراضٌ فَقالَ: لا لِأنَّ الِاعْتِراضَ شَرْطُهُ أنْ يَكُونَ بِالواوِ أوْ بِدُونِهِ، فَأمّا بِالفاءِ فَلا؛ أيْ: وهو اسْتِطْرادٌ لَكِنْ تُعُقِّبَ بِأنَّ النَّقْلَ لِمُنافاتِهِ ذَلِكَ لَيْسَ بِثَبْتٍ، ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ في القَوْمِ مَن يُنْكِرُ ذَلِكَ فَوافَقَهُ تارَةً وخالَفَهُ أُخْرى، وما ألْطَفَ قَوْلَ السَّعْدِ في التَّلْوِيحِ: الِاعْتِراضُ يَكُونُ بِالواوِ والفاءِ: فاعْلَمْ فَعِلْمُ المَرْءِ يَنْفَعُهُ. هَذا وقِيلَ: الضَّمِيرُ الأوَّلُ لِلسُّورَةِ أوْ لِلْآياتِ السّابِقَةِ، والثّانِي لِلتَّذْكِرَةِ والتَّذْكِيرِ؛ لِأنَّها بِمَعْنى الذِّكْرِ والوَعْظِ أوْ لِمَرْجِعِ الأوَّلِ، والتَّذْكِيرُ بِاعْتِبارِ كَوْنِ ذَلِكَ قُرْآنًا ورُجِّحَ بِعَدَمِ ارْتِكابِ التَّأْوِيلِ قَبْلَ الِاحْتِياجِ إلَيْهِ، وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لَيْسَ بِذاكَ؛ فَإنَّ السُّورَةَ أوِ الآياتِ وإنْ كانَتْ مُتَّصِفَةً بِما سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى مِنَ الصِّفاتِ الشَّرِيفَةِ لَكِنَّها لَيْسَتْ مِمّا أُلْقِيَ عَلى مَنِ اسْتَغْنى عَنْهُ، واسْتُحِقَّ بِسَبَبِ ذَلِكَ ما سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى مِنَ الدُّعاءِ عَلَيْهِ والتَّعَجُّبِ مِن كُفْرِهِ المُفْرِطِ لِنُزُولِها بَعْدَ الحادِثَةِ، وجُوِّزَ كَوْنُ الضَّمِيرَيْنِ لِلْمُعاتَبَةِ الواقِعَةِ وتَذْكِيرِ الثّانِي لِكَوْنِها عِتابًا وفِيهِ أنَّهُ يَأْباهُ الوَصْفُ بِالصِّفاتِ الآتِيَةِ وإنْ كانَ بِاعْتِبارِ أنَّ العِتابَ وقَعَ بِالآياتِ المَذْكُورَةِ قَبْلُ وهي مُتَّصِفَةٌ بِما ذُكِرَ جاءَ ما سَمِعْتَ آنِفًا، وقِيلَ: لَكَ أنْ تَجْعَلَهُما لِلدَّعْوَةِ إلى الإسْلامِ وتَذْكِيرِ الثّانِي لِكَوْنِها دُعاءً وهَذا عَلى ما فِيهِ مِمّا يَأْباهُ المَقامُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب