الباحث القرآني

﴿وإذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدى الطّائِفَتَيْنِ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ جَمِيلِ صُنْعِ اللَّهِ تَعالى بِالمُؤْمِنِينَ مَعَ ما بِهِمْ مِنَ الجَزَعِ وقِلَّةِ الحَزْمِ، فَإذْ نُصِبَ عَلى المَفْعُولِيَّةِ بِمُضْمَرٍ إنْ كانَتْ مُتَصَرِّفَةً أوْ ظَرْفٍ لِمَفْعُولِ ذَلِكَ الفِعْلِ، وهو خِطابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِطَرِيقِ التَّلْوِينِ والِالتِفاتِ و(إحْدى) مَفْعُولٌ ثانٍ لِ يَعِدُ وهو يَتَعَدّى إلى المَفْعُولِ الثّانِي بِنَفْسِهِ وبِالباءِ، أيِ اذْكُرُوا وقْتَ أوِ الحادِثَ وقْتَ وعْدِ اللَّهِ تَعالى إيّاكم إحْدى الطّائِفَتَيْنِ. وقُرِئَ: (يَعِدْكُمْ) بِسُكُونِ الدّالِ تَخْفِيفًا، وصِيغَةُ المُضارِعِ لِحِكايَةِ الحالِ الماضِيَةِ لِاسْتِحْضارِ صُورَتِها، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿أنَّها لَكُمْ﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن إحْدى مُبَيِّنٌ لِكَيْفِيَّةِ الوَعْدِ، أيْ: يَعِدُكم أنَّ إحْدى الطّائِفَتَيْنِ كائِنَةٌ لَكم مُخْتَصَّةٌ بِكم تَتَسَلَّطُونَ عَلَيْها تَسَلُّطَ المَلائِكِ وتَتَصَرَّفُونَ فِيها كَيْفَما شِئْتُمْ ﴿وتَوَدُّونَ﴾ عُطِفَ عَلى يَعِدُكم داخِلٌ مَعَهُ حَيْثُ دَخَلَ أيْ: تُحِبُّونَ ﴿أنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ﴾ تَكُونُ لَكم مِنَ الطّائِفَتَيْنِ، وذاتُ الشَّوْكَةِ هي النَّفِيرُ ورَئِيسُهم أبُو جَهْلٍ، وغَيْرُها العِيرُ ورَئِيسُهم أبُو سُفْيانَ، والتَّعْبِيرُ عَنْهم بِهَذا العُنْوانِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى سَبَبِ وِدادَتِهِمْ لِمُلاقاتِهِمْ ومُوجَبُ كَراهَتِهِمْ ونُفْرَتِهِمْ عَنْ مُوافاةِ النَّفِيرِ، والشَّوْكَةُ في الأصْلِ واحِدَةُ الشَّوْكِ المَعْرُوفِ ثُمَّ اسْتُعِيرَتْ لِلشِّدَّةِ والحِدَّةِ وتُطْلَقُ عَلى السِّلاحِ أيْضًا وفَسَّرَها بَعْضُهم بِهِ هُنا ﴿ويُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُحِقَّ الحَقَّ﴾ أيْ: يُظْهِرَ (p-172)كَوْنَهُ حَقًّا ﴿بِكَلِماتِهِ﴾ المُوحى بِها في هَذِهِ القِصَّةِ أوْ أوامِرِهِ لِلْمَلائِكَةِ بِالإمْدادِ أوْ بِما قُضِيَ مِن أسْرِ الكُفّارِ وقَتْلِهِمْ وطَرْحِهِمْ في قُلَيْبِ بَدْرٍ، وقُرِئَ: (بِكَلِمَتِهِ) بِالإفْرادِ لِجَعْلِ المُتَعَدِّدِ كالشَّيْءِ الواحِدِ أوْ عَلى أنَّ المُرادَ بِها كَلِمَةُ كُنْ الَّتِي هي عِنْدَ الكَثِيرِ عِبارَةٌ عَنِ القَضاءِ والتَّكْوِينِ. ﴿ويَقْطَعَ دابِرَ الكافِرِينَ﴾ أيْ: آخِرَهم والمُرادُ يُهْلِكُهم جُمْلَةً مِن أصْلِهِمْ لِأنَّهُ لا يَفْنى الآخِرُ إلّا بَعْدَ فَناءِ الأوَّلِ، ومِنهُ سُمِّيَ الهَلاكُ دِبارًا. والمَعْنى: أنْتُمْ تُرِيدُونَ سَفْسافَ الأُمُورِ واللَّهُ عَزَّ وجَلَّ يُرِيدُ مَعالِيَها وما يَرْجِعُ إلى عُلُوِّ كَلِمَةِ الحَقِّ وسُمُوِّ رُتْبَةِ الدِّينِ وشَتّانَ بَيْنِ المُرادَيْنِ، وكَأنَّهُ لِلْإشارَةِ إلى ذَلِكَ عَبَّرَ أوَّلًا بِالوِدادَةِ وثانِيًا بِالإرادَةِ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب