الباحث القرآني
﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوالَهم لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ نَزَلَتْ عَلى ما رُوِيَ عَنِ الكَلْبِيِّ والضَّحّاكِ، ومُقاتِلٍ في المُطْعِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وكانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا: أبُو جَهْلٍ وعُتْبَةُ وشَيْبَةُ ابْنا رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ونَبِيهٌ ومُنَبِّهٌ ابْنا الحَجّاجِ وأبُو البُخْتُرِيِّ بْنُ هِشامٍ والنَّضْرُ بْنُ الحارِثِ وحَكِيمُ بْنُ حِزامٍ، وأُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وزَمَعَةُ بْنُ الأسْوَدِ، والحارِثُ بْنُ عامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، والعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وكُلُّهم مِن قُرَيْشٍ، وكانَ كُلَّ يَوْمٍ يُطْعِمُ كُلُّ واحِدٍ عَشْرَ جُزُرٍ، وكانَتِ النَّوْبَةُ يَوْمَ الهَزِيمَةِ لِلْعَبّاسِ، ورَوى ابْنُ إسْحاقَ أنَّها نَزَلَتْ في أصْحابِ العِيرِ.
وذَلِكَ أنَّهُ لَمّا أُصِيبَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ ورَجَعُوا إلى مَكَّةَ مَشى صَفْوانُ بْنُ أُمَيَّةَ وعِكْرِمَةُ بْنُ أبِي جَهْلٍ في رِجالٍ مِن قُرَيْشٍ أُصِيبَ آباؤُهم وإخْوانُهم بِبَدْرٍ فَكَلَّمُوا أبا سُفْيانَ ومَن كانَتْ لَهُ في تِلْكَ العِيرِ مِن قُرَيْشٍ تِجارَةٌ، فَقالُوا: يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وتَرَكم وقَتَلَ رِجالَكم فَأعِينُونا بِهَذا المالِ عَلى حَرْبِهِ لَعَلَّنا أنْ نُدْرِكَ مِنهُ ثَأْرَنا بِمَن أُصِيبَ مِنّا، فَفَعَلُوا،وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٍ أنَّها نَزَلَتْ في أبِي سُفْيانَ اسْتَأْجَرَ لِيَوْمِ أُحُدٍ ألْفَيْنِ مِن أحَدِ الأحابِيشِ لِيُقاتِلَ بِهِمُ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ سِوى مِنَ اسْتَجاشَهم مِنَ العَرَبِ وأنْفَقَ عَلَيْهِمْ أرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنَ الذَّهَبِ وكانَتِ الأُوقِيَّةُ يَوْمَئِذٍ اثْنَيْنِ وأرْبَعِينَ مِثْقالًا مِنَ الذَّهَبِ، وفِيهِمْ يَقُولُ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ مِن قَصِيدَةٍ طَوِيلَةٍ أجابَ بِها هُبَيْرَةَ بْنَ أبِي وهْبٍ:
؎فَجِئْنا إلى مَوْجٍ مِنَ البَحْرِ وسْطَهم أحابِيشُ مِنهم حاسِرٌ ومُقَنَّعُ
؎ثَلاثَةُ آلافٍ ونَحْنُ عِصابَةٌ ∗∗∗ ثَلاثُ مِئِينَ إنْ كَثُرْنا فَأرْبَعُ
وسَبِيلُ اللَّهِ طَرِيقُهُ، والمُرادُ بِهِ دِينُهُ واتِّباعُ رَسُولِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، واللّامُ في (لِيَصُدُّوا) لامُ الصَّيْرُورَةِ ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ لِأنَّ غَرَضَهُمُ الصَّدُّ عَنِ السَّبِيلِ بِحَسْبِ الواقِعِ وإنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ في اعْتِقادِهِمْ، وكَأنَّ هَذا بَيانٌ لِعِبادَتِهِمُ المالِيَّةِ بَعْدَ عِبادَتِهِمُ البَدَنِيَّةِ، والمَوْصُولُ اسْمُ إنَّ، وخَبَرُها عَلى ما قالَ العَلّامَةُ الطِّيبِيُّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَسَيُنْفِقُونَها﴾ ويُنْفِقُونَ إمّا حالٌ أوْ بَدَلٌ مِن كَفَرُوا أوْ عَطْفُ بَيانٍ، واقْتَرَنَ الخَبَرُ بِالفاءِ لِتَضَمُّنِ المُبْتَدَأِ المَوْصُولِ مَعَ صِلَتِهِ مَعْنى الشَّرْطِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهم عَذابُ جَهَنَّمَ﴾ فَهو جَزاءٌ بِحَسْبِ المَعْنى، وفي تَكْرِيرِ الإنْفاقِ في الشَّرْطِ والجَزاءِ الدَّلالَةُ عَلى كَمالِ سُوءِ الإنْفاقِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ﴾ وقَوْلِهِمْ: مَن أدْرَكَ الصَّمّانَ فَقَدْ أدْرَكَ المَرْعى، والكَلامُ مُشْعِرٌ بِالتَّوْبِيخِ عَلى الإنْفاقِ والإنْكارِ عَلَيْهِ، قِيلَ: وإلى هَذا يَرْجِعُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ مَساقَ ما تَقَدَّمَ (p-205)لِبَيانِ غَرَضِ الإنْفاقِ ومَساقَ هَذا لِبَيانِ عاقِبَتِهِ وأنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَعْدُ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ التَّكْرارِ المَحْظُورِ، وقِيلَ في دَفْعِهِ أيْضًا: المُرادُ مِنَ الأوَّلِ الإنْفاقُ في بَدْرٍ.
(ويُنْفِقُونَ) لِحِكايَةِ الحالِ الماضِيَةِ وهو خَبَرُ أنَّ، ومِنَ الثّانِي الإنْفاقُ في أُحُدٍ، والِاسْتِقْبالُ عَلى حالِهِ، والجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلى الخَبَرِ لَكِنْ لَمّا كانَ إنْفاقُ الطّائِفَةِ الأُولى سَبَبًا لِإنْفاقِ الثّانِيَةِ أتى بِالفاءِ لِابْتِنائِهِ عَلَيْهِ، وذَهَبَ القُطْبُ إلى هَذا الإعْرابِ أيْضًا عَلى تَقْدِيرِ دَفْعِ التَّكْرارِ بِاخْتِلافِ الغَرَضَيْنِ، وذُكِرَ أنَّ الحاصِلَ أنا لَوْ حَمَلْنا (يُنْفِقُونَ) عَلى الحالِ فَلا بُدَّ مِن تَغايُرِ الإنْفاقَيْنِ، وإنْ حَمَلْناهُ عَلى الِاسْتِقْبالِ اتَّحَدا، كَأنَّهُ قِيلَ: إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُرِيدُونَ أنْ يُنْفِقُوا أمْوالَهم فَسَيُنْفِقُونَها، وحَمْلُ المُنْفَقِ في الأوَّلِ عَلى البَعْضِ وفي الثّانِي عَلى الكُلِّ لا أراهُ إلّا كَما تَرى، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ عُطِفَ عَلى ما قَبْلَهُ، والتَّراخِي زَمانِيٌّ، والحَسْرَةُ النَّدَمُ والتَّأسُّفُ، وفِعْلُهُ حَسِرَ كَفَرِحَ أيْ: ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ نَدَمًا وتَأسُّفًا لِفَواتِها مِن غَيْرِ حُصُولِ المَطْلُوبِ، وهَذا في بَدْرٍ ظاهِرٌ. وأمّا في أُحُدٍ فَلِأنَّ المَقْصُودَ لَهم لَمْ يُنْتِجْ بَعْدَ ذَلِكَ فَكانَ كالفائِتِ، وضَمِيرُ تَكُونُ لِلْأمْوالِ عَلى مَعْنى: تَكُونُ عاقِبَتُها عَلَيْهِمْ حَسْرَةً، فالكَلامُ عَلى تَقْدِيرِ مُضافَيْنِ أوِ ارْتِكابِ تَجَوُّزٍ في الإسْنادِ.
وقالَ العَلّامَةُ الثّانِي: إنَّهُ مِن قَبِيلِ الِاسْتِعارَةِ في المُرَكَّبِ حَيْثُ شَبَّهَ كَوْنَ عاقِبَةِ إنْفاقِهِمْ حَسْرَةً بِكَوْنِ ذاتِ الأمْوالِ كَذَلِكَ، وأطْلَقَ المُشَبَّهَ بِهِ عَلى المُشَبَّهِ وفِيهِ خَفاءٌ، ومِنَ النّاسِ مَن قالَ: إنَّ إطْلاقَ الحَسْرَةِ بِطَرِيقِ التَّجَوُّزِ عَلى الإنْفاقِ مُبالَغَةٌ فافْهَمْ.
﴿ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾ أيْ: في مَواطِنَ أُخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ.
﴿والَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيِ الَّذِينَ أصَرُّوا عَلى الكُفْرِ مِن هَؤُلاءِ ولَمْ يُسْلِمُوا.
﴿إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ أيْ: يُساقُونَ لا إلى غَيْرِها.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُنفِقُونَ أَمۡوَ ٰلَهُمۡ لِیَصُدُّوا۟ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ فَسَیُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَیۡهِمۡ حَسۡرَةࣰ ثُمَّ یُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ یُحۡشَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق