الباحث القرآني

ووَصَفَهُ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿الَّذِي هم فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ لِلْمُبالَغَةِ في ذَلِكَ والإشْعارِ بِمَدارِ التَّساؤُلِ عَنْهُ و«فِيهِ» مُتَعَلِّقٌ بِ ﴿مُخْتَلِفُونَ﴾ قُدِّمَ عَلَيْهِ اهْتِمامًا بِهِ ورِعايَةً لِلْفَواصِلِ، وجَعْلُ الصِّلَةِ جُمْلَةً اسْمِيَّةً لِلدَّلالَةِ عَلى الثَّباتِ؛ أيْ: هم راسِخُونَ في الِاخْتِلافِ فِيهِ، فَمِن جازِمٍ بِاسْتِحالَتِهِ يَقُولُ: ﴿إنْ هي إلا حَياتُنا الدُّنْيا نَمُوتُ ونَحْيا﴾ إلَخْ. وشاكٍ يَقُولُ: ﴿ما نَدْرِي ما السّاعَةُ إنْ نَظُنُّ إلا ظَنًّا وما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ وقِيلَ: مِنهم مَن يُنْكِرُ المُعادِينَ مَعًا كَهَؤُلاءِ ومِنهم مَن يُنْكِرُ المَعادَ الجُسْمانِيَّ فَقَطْ كَجُمْهُورِ النَّصارى. وقَدْ حُمِلَ الِاخْتِلافُ عَلى الِاخْتِلافِ في كَيْفِيَّةِ الإنْكارِ، فَمِنهم مَن يُنْكِرُهُ لِإنْكارِهِ الصّانِعَ المُخْتارَ تَعالى شَأْنُهُ، ومِنهم مَن يُنْكِرُهُ بِناءً عَلى اسْتِحالَةِ إعادَةِ المَعْدُومِ بِعَيْنِهِ، وقِيلَ: الِاخْتِلافُ بِالإقْرارِ والإنْكارِ أوْ بِزِيادَةِ الخَشْيَةِ والِاسْتِهْزاءِ عَلى أنَّ ضَمِيرَ: ( يَتَساءَلُونَ ) وضَمِيرَهم لِلنّاسِ عامَّةً، وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الِاخْتِلافُ بِالإقْرارِ والإنْكارِ عَلى كَوْنِ ضَمِيرِ ( يَتَساءَلُونَ ) لِلْكُفّارِ أيْضًا بِأنْ يُجْعَلَ ضَمِيرُهم لِلسّائِلِينَ والمَسْؤُولِينَ والكُلُّ كَما تَرى وإنْ تَفاوَتَتْ مَراتِبُ الضَّعْفِ والمُعَوَّلِ عَلَيْهِ الأوَّلِ. وقالَ مُفْتِي الدِّيارِ الرُّومِيَّةِ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّحْقِيقُ ويَسْتَدْعِيهِ النَّظَرُ الدَّقِيقُ أنْ يُحْمَلَ اخْتِلافُهم في البَعْثِ عَلى مُخالَفَتِهِمْ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ؛ بِأنْ يُعْتَبَرَ في الِاخْتِلافِ مَحْضُ صُدُورِ الفِعْلِ عَنِ المُتَعَدِّدِ حَسْبَما قِيلَ في التَّساؤُلِ؛ فَإنَّ الِافْتِعالَ والتَّفاعُلَ صِيغَتانِ مُتَآخِيَتانِ كالِاسْتِباقِ والتَّسابُقِ والِانْتِضالِ والتَّناضُلِ يَجْرِي في كُلٍّ مِنهُما ما يَجْرِي في الأُخْرى لا عَلى مُخالَفَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ عَلى أنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الجانِبَيْنِ مُخالِفًا اسْمَ فاعِلٍ ومُخالِفًا اسْمَ مَفْعُولٍ؛ لِأنَّ الكُلَّ وإنِ اسْتَحَقَّ ما يُذْكَرُ بَعْدُ مِنَ الرَّدْعِ والوَعِيدِ لَكِنَّ اسْتِحْقاقَ كُلِّ جانِبٍ لَهُما لَيْسَ لِمُخالَفَتِهِ لِلْجانِبِ الآخَرِ؛ إذْ لا حَقِّيَّةَ في شَيْءٍ مِنهُما حَتّى يَسْتَحِقَّ مَن يُخالِفُهُ المُؤاخَذَةُ بَلْ لِمُخالَفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَكَأنَّهُ قِيلَ: «الَّذِي هم فِيهِ مُخالِفُونَ» لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ انْتَهى. وفِيهِ أنَّهُ خِلافُ الظّاهِرِ وما ذَكَرَهُ مِنَ التَّعْلِيلِ لا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ، وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ وابْنُ جُبَيْرٍ: «تَسّاءَلُونَ» بِغَيْرِ ياءٍ وشَدِّ السِّينِ عَلى أنَّ أصْلَهُ تَتَساءَلُونَ بِتاءِ الخِطابِ فَأُدْغِمَتِ التّاءُ الثّانِيَةُ في السِّينِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب