الباحث القرآني

﴿وجَنّاتٍ﴾ جَمْعُ جَنَّةٍ وهي كُلُّ بُسْتانٍ ذِي شَجَرٍ يَسْتُرُ بِأشْجارِهِ الأرْضَ مِنَ الجِنِّ وهو السَّتْرُ. وقالَ الفَرّاءُ: الجَنَّةُ ما فِيهِ النَّخِيلُ، والفِرْدَوْسُ ما فِيهِ الكَرْمُ، وقَدْ تُسَمّى الأشْجارُ السّاتِرَةُ جَنَّةً وعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ زُهَيْرٍ: مِنَ النَّواضِحِ تَسْقِي جَنَّةً سُحُقًا وهو المُرادُ هُنا، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألْفافًا﴾ أيْ: مُلْتَفَّةً تَداخَلَ بَعْضُها بِبَعْضٍ، قِيلَ: لا واحِدَ لَهُ كالأوْزاعِ والأخْيافِ لِلْجَماعاتِ المُتَفَرِّقَةِ المُخْتَلِفَةِ اخْتارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: جَمْعُ لُفٍّ بِضَمِّ اللّامِ جَمْعُ لَفّاءَ فَهو جَمْعُ الجَمْعِ، واسْتُبْعِدَ بِأنَّهُ لَمْ يَجِئْ في نَظائِرِهِ ذَلِكَ؛ فَقَدْ جاءَ خُضْرٌ جُمَعُ خَضْراءَ وحُمْرٌ جُمَعُ حَمْراءَ، ولَمْ يَجِئْ أخْضارٌ جَمْعُ خُضْرٍ، ولا أحْمارٌ جَمْعٌ حُمْرٍ، وجَمْعُ الجَمْعِ لا يَنْقاسُ، ووُجُودُ نَظِيرِهِ في المُفْرَداتِ لا يَكْفِي كَذا قِيلَ. وقالَ الكِسائِيُّ: جَمْعُ لَفِيفٍ بِمَعْنى مَلْفُوفٍ، وفَعِيلٌ يُجْمَعُ عَلى أفْعالٍ كَشَرِيفٍ وأشْرافٍ، وإنَّما اخْتَلَفَ النُّحاةُ في كَوْنِهِ جَمْعًا لِفاعِلٍ، وفي الكَشّافِ: لَوْ قِيلَ هو جَمْعُ مُلْتَفَّةٍ بِتَقْدِيرِ حَذْفِ الزَّوائِدِ لَكانَ قَوْلًا وجِيهًا انْتَهى. وإنَّما يُقَدَّرُ حَذْفُ الزَّوائِدِ وهو الَّذِي يُسَمِّيهِ النُّحاةُ في مِثْلِ ذَلِكَ تَرْخِيمًا؛ لِأنَّ قِياسَ جَمْعِ مُلْتَفَّةٍ مُلْتَفّاتٌ لا ألْفافٌ، واعْتَرَضَهُ في الكَشْفِ فَقالَ فِيهِ: إنَّهُ لا نَظِيرَ لَهُ لِأنَّ تَصْغِيرَ التَّرْخِيمِ ثابِتٌ، أمّا جَمْعُهُ فَلا، لَكِنْ قِيلَ: إنَّ هَذا غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ فَإنَّهُ وقَعَ في كَلامِهِمْ ولَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ لِقِلَّتِهِ، والحَقُّ أنَّهُ وجْهٌ مُتَكَلَّفٌ، وجُمْهُورُ اللُّغَوِيِّينَ عَلى أنَّهُ جَمْعُ لِفٍّ بِالكَسْرِ وهو صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ بِمَعْنى مَلْفُوفٍ، وفِعْلٌ يُجْمَعُ عَلى أفْعالٍ بِاطِّرادٍ كَجِذْعٍ وأجْذاعٍ، وعَنْ صاحِبِ الإقْلِيدِ أنَّهُ قالَ: أنْشَدَنِي الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ: ؎جَنَّةٌ لِفٌّ وعَيْشٌ مُغْدِقٌ ونُدامى كُلُّهم بِيضٌ زُهُرْ وجَوَّزَ في القامُوسِ أنْ يَكُونَ جَمْعَ لَفٍّ بِالفَتْحِ هَذا وفِيما ذُكِرَ مِن أفْعالِهِ تَعالى شَأْنُهُ دَلالَةٌ عَلى صِحَّةِ البَعْثِ وحَقِّيَّتِهِ مِن أوْجُهٍ ثَلاثَةٍ عَلى ما قِيلَ؛ الأوَّلُ بِاعْتِبارِ قُدْرَتِهِ عَزَّ وجَلَّ؛ فَإنَّ مَن قَدَرَ عَلى إنْشاءِ تِلْكَ الأُمُورِ البَدِيعَةِ مِن غَيْرِ مِثالٍ يَحْتَذِيهِ ولا قانُونٍ يَنْتَحِيهِ كانَ عَلى الإعادَةِ أقْدَرَ وأقْوى. الثّانِي: بِاعْتِبارِ عِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ فَإنَّ مَن أبْدَعَ هَذِهِ المَصْنُوعاتِ عَلى نَمَطٍ رائِعٍ مُسْتَتْبِعٍ لِغاياتٍ جَلِيلَةٍ ومَنافِعَ جَمِيلَةٍ عائِدَةٍ إلى الخَلْقِ يَسْتَحِيلُ حِكْمَةً أنْ لا يَجْعَلَ لَها عاقِبَةً. الثّالِثُ: بِاعْتِبارِ نَفْسِ الفِعْلِ فَإنَّ اليَقَظَةَ بَعْدَ النَّوْمِ أُنْمُوذَجٌ لِلْبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ يُشاهِدُهُ كُلُّ واحِدٍ وكَذا إخْراجُ الحَبِّ والنَّباتِ مِنَ الأرْضِ يُعايَنُ كُلَّ حِينٍ فَكَأنَّهُ قِيلَ: قَدْ فَعَلْنا أوْ ألَمْ نَفْعَلْ هَذِهِ الأفْعالَ الآفاقِيَّةَ الدّالَّةَ بِفُنُونِ الدَّلالَةِ عَلى حَقِّيَّةِ البَعْثِ المُوجِبَةِ لِلْإيمانِ بِهِ فَما لَكم تَخُوضُونَ فِيهِ إنْكارًا وتَسْألُونَ عَنْهُ اسْتِهْزاءً.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب