الباحث القرآني

﴿ويْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ أيْ في ذَلِكَ اليَوْمِ الهائِلِ ووَيْلٌ في الأصْلِ مَصْدَرٌ بِمَعْنى هَلاكٍ وكانَ حَقُّهُ النَّصْبَ بِفِعْلٍ مِن لَفْظِهِ أوْ مَعْناهُ إلّا أنَّهُ رُفِعَ عَلى الِابْتِداءِ لِلدَّلالَةِ عَلى ثَباتِ الهَلاكِ ودَوامِهِ لِلْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ ويَوْمَئِذٍ ظَرْفُهُ أوْ صِفَتُهُ فَمُسَوِّغُ الِابْتِداءِ بِهِ ظاهِرٌ والمَشْهُورُ أنَّ مُسَوِّغَ ذَلِكَ كَوْنُهُ لِلدُّعاءِ كَما في ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الرَّعْدِ: 24] ﴿ألَمْ نُهْلِكِ الأوَّلِينَ﴾ كَقَوْمِ نُوحٍ وعادٍ وثَمُودَ. وقَرَأ قَتادَةُ «نَهْلِكِ» بِفَتْحِ النُّونِ عَلى أنَّهُ مِن هَلَكَهُ بِمَعْنى أهْلَكَهُ ومِنهُ هالِكٌ بِمَعْنى مُهْلِكٍ كَما هو الظّاهِرُ في قَوْلِ العَجّاجِ: ؎ومَهْمَهُ هالِكُ مَن تَعَرَّجا هائِلَةٌ أهْوالُهُ مَن أدْرَجا (p-174)لِئَلّا يَلْزَمَ حَذْفُ الضَّمِيرِ مَعَ حَرْفِ الجَرِّ أعْنِي بِهِ أوْ فِيهِ ولِيُناسِبَ ما في الشَّطْرِ الثّانِي ﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ﴾ بِالرَّفْعِ عَلى الِاسْتِئْنافِ وهو وعِيدٌ لِأهْلِ مَكَّةَ وإخْبارٌ عَمّا يَقَعُ بَعْدَ الهِجْرَةِ كَبَدْرٍ كَأنَّهُ قِيلَ: ثُمَّ نَحْنُ نَفْعَلُ بِأمْثالِهِمْ مِنَ الآخِرِينَ مِثْلَ ما فَعَلْنا بِالأوَّلِينَ ونَسْلُكُ بِهِمْ سَبِيلَهم لِأنَّهم كَذَّبُوا مِثْلَ تَكْذِيبِهِمْ. ويُقَوِّيهِ قِراءَةُ عَبْدِ اللَّهِ «ثُمَّ سَنُتْبِعُهُمُ» بِسِينِ الِاسْتِقْبالِ وجُوِّزَ العَطْفُ عَلى قَوْلِهِ تَعالى ﴿ألَمْ نُهْلِكِ﴾ إلى آخِرِهِ. وقَرَأ الأعْرَجُ والعَبّاسُ عَنْ أبِي عَمْرٍو «نُتْبِعْهُمُ» بِإسْكانِ العَيْنِ فَحُمِلَ عَلى الجَزْمِ والعَطْفِ عَلى ﴿نُهْلِكِ﴾ فَيَكُونُ المُرادُ بِالآخِرِينَ المُتَأخِّرِينَ هَلاكًا مِنَ المَذْكُورِينَ كَقَوْمِ لُوطٍ وشُعَيْبٍ ومُوسى عَلَيْهِمُ السَّلامُ دُونَ كُفّارِ أهْلِ مَكَّةَ لِأنَّهم بَعْدُ ما كانُوا قَدْ أُهْلِكُوا والعَطْفُ عَلى ﴿نُهْلِكِ﴾ يَقْتَضِيهِ. وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ قَدْ سُكِّنَ تَخْفِيفًا كَما في ﴿وما يُشْعِرُكُمْ﴾ [الأنْعامِ: 109] فَهو مَرْفُوعٌ كَما في قِراءَةِ الجُمْهُورِ إلّا أنَّ الضَّمَّةَ مُقَدَّرَةٌ ﴿كَذَلِكَ﴾ مِثْلُ ذَلِكَ الفِعْلِ الفَظِيعِ ﴿نَفْعَلُ بِالمُجْرِمِينَ﴾ أيْ بِكُلِّ مَن أجْرَمَ والمُرادُ أنَّ سُنَّتُنا جارِيَةٌ عَلى ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب