الباحث القرآني

﴿ويُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ﴾ أيْ كائِنِينَ عَلى حُبِّ الطَّعامِ أيْ مَعَ اشْتِهائِهِ والحاجَةِ إلَيْهِ فَهو مِن بابِ التَّتْمِيمِ ويُجاوِبُهُ مِنَ القُرْآنِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿لَنْ تَنالُوا البِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ﴾ [آلِ عِمْرانَ: 92] ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ أوْ عَلى حُبِّ الإطْعامِ بِأنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِطِيبِ نَفْسٍ وعَدَمِ تَكَلُّفٍ، وإلَيْهِ ذَهَبَ الحَسَنُ بْنُ الفَضْلِ وهو حَسَنٌ أوْ كائِنِينَ عَلى حُبِّ اللَّهِ تَعالى أوْ إطْعامًا كائِنًا عَلى حُبِّهِ تَعالى ولِوَجْهِهِ سُبْحانَهُ وابْتِغاءَ مَرْضاتِهِ عَزَّ وجَلَّ وإلَيْهِ ذَهَبَ الفُضَيْلُ بْنُ عِياضٍ وأبُو سُلَيْمانَ الدّارانِيُّ. فَعَلى حُبِّهِ مِن بابِ التَّكْمِيلِ وزَيَّفَهُ بَعْضُهم وقالَ الأوَّلُ هو الوَجْهُ ويُجاوِبُهُ القُرْآنُ عَلى أنَّ في قَوْلِهِ تَعالى لِوَجْهِ اللَّهِ بَعْدُ غَنِيَّةٌ عَنْ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ وفِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَعَلَّهُ الأنْسَبُ لِذاكَ، وذِكْرُ الطَّعامِ مَعَ أنَّ الإطْعامَ يُغْنِي عَنْهُ لِتَعْيِينِ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ عَلى الأوَّلِ، ولِأنَّ الطَّعامَ كالعِلْمِ فِيما فِيهِ قِوامُ البَدَنِ واسْتِقامَةُ البِنْيَةِ وبَقاءُ النَّفْسِ فَفي التَّصْرِيحِ بِهِ تَأْكِيدٌ لِفَخامَةِ فِعْلِهِمْ عَلى الأخِيرَيْنِ ويَجُوزُ أنْ يُعْتَبَرَ عَلى الأوَّلِ أيْضًا ثُمَّ الظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِإطْعامِ الطَّعامِ حَقِيقَتُهُ. وقِيلَ هو كِنايَةٌ عَنِ الإحْسانِ إلى المُحْتاجِينَ والمُواساةِ مَعَهم بِأيِّ وجْهٍ كانَ وإنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِالطَّعامِ بِعَيْنِهِ فَكَأنَّهُ يَنْفَعُونَ بِوُجُوهِ المَنافِعِ ﴿مِسْكِينًا ويَتِيمًا وأسِيرًا﴾ قِيلَ أيَّ أسِيرٍ كانَ، فَعَنِ الحَسَنِ «أنَّهُ ﷺ كانَ يُؤْتى بِالأسِيرِ فَيَدْفَعُهُ إلى بَعْضِ المُسْلِمِينَ فَيَقُولُ: «أحْسِنْ إلَيْهِ» فَيَكُونُ عِنْدَهُ اليَوْمَيْنِ والثَّلاثَةَ فَيُؤْثِرُهُ عَلى نَفْسِهِ» . وقالَ قَتادَةُ: كانَ أسِيرُهم يَوْمَئِذٍ المُشْرِكَ وأخُوكَ المُسْلِمُ أحَقُّ أنْ تُطْعِمَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ «عَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ قالَ: لَمّا صَدَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالأسارى مِن بَدْرٍ أنْفَقَ سَبْعَةً مِنَ المُهاجِرِينَ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وعَلِيٌّ والزُّبَيْرُ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ وسَعْدٌ وأبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرّاحِ عَلى أسارى مُشْرِكِي بَدْرٍ، فَقالَتْ الأنْصارُ: قَتَلْناهم في اللَّهِ وفي رَسُولِهِ ﷺ وتُعِينُونَهم بِالنَّفَقَةِ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى فِيهِمْ تِسْعَةَ عَشْرَةَ آيَةً ﴿إنَّ الأبْرارَ يَشْرَبُونَ﴾ - إلى قَوْلِهِ تَعالى- ﴿عَيْنًا فِيها تُسَمّى سَلْسَبِيلا﴾» [الإنْسانِ: 5- 18] فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ إطْعامَ الأسارى وإنْ كانُوا مَن أهْلِ الشِّرْكِ حَسُنٌ ويُرْجى ثَوابُهُ، والخَبَرُ الأوَّلُ قالَ ابْنُ حَجْرٍ لَمْ يَذْكُرْهُ مَن يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِن أهْلِ الحَدِيثِ. وقالَ ابْنُ العِراقِيِّ: لَمْ أقِفْ عَلَيْهِ، والخَبَرُ الثّانِي لَمْ أرَهُ لِفَرْدٍ غَيْرِ ابْنِ عَساكِرَ ولا وُثُوقَ لِي بِصِحَّتِهِ وهو يَقْتَضِي مَدَنِيَّةَ هَذِهِ الآياتِ وقَدْ عَلِمْتَ الخِلافَ في ذَلِكَ نَعَمْ عِنْدَ عامَّةِ العُلَماءِ يَجُوزُ الإحْسانُ إلى الكُفّارِ في دارِ الإسْلامِ ولا تُصْرَفُ إلَيْهِمُ الواجِباتُ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وعَطاءٌ: هو الأسِيرُ مِن أهْلِ القِبْلَةِ. قالَ الطِّيبِيُّ هَذا إنَّما يَسْتَقِيمُ إذا اتَّفَقَ الإطْعامُ في دارِ الحَرْبِ مِنَ المُسْلِمِ لِأسِيرٍ في أيْدِيهِمْ. وقِيلَ هو الأسِيرُ المُسْلِمُ تُرِكَ في بِلادِ الكُفّارِ (p-156)رَهِينَةً وخَرَجَ لِطَلَبِ الفِداءِ. ورَوى مُحْيِي السُّنَّةِ عَنْ مُجاهِدٍ وابْنِ جُبَيْرٍ وعَطاءٍ أنَّهم قالُوا: هو المَسْجُونُ مِن أهْلِ القِبْلَةِ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ إطْعامَ أهْلِ المَحْبُوسِ المُسْلِمِينَ حَسَنٌ، وقَدْ يُقالُ: لا يَحْسُنُ إطْعامُ المَحْبُوسِ لِوَفاءِ دَيْنٍ يَقْدِرُ عَلى وفائِهِ إنَّما امْتَنَعَ عَنْهُ تَعَنُّتًا ولِغَرَضٍ مِنَ الأغْراضِ النَّفْسانِيَّةِ. وعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ هو المَمْلُوكُ والمَسْجُونُ وتَسْمِيَةُ المَسْجُونِ أسِيرًا مَجازٌ لِمَنعِهِ عَنِ الخُرُوجِ، وأمّا تَسْمِيَةُ المَمْلُوكِ فَمَجازٌ أيْضًا لَكِنْ قِيلَ بِاعْتِبارِ ما كانَ وقِيلَ بِاعْتِبارِ شَبَهِهِ بِهِ في تَقْيِيدِهِ بِأسارِ الأمْرِ وعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِن فِعْلِ ما يَهْوى وعَدُّ الغَرِيمِ أسِيرًا لِقَوْلِهِ ﷺ: «غَرِيمُكَ أسِيرُكَ فَأحْسِنْ إلى أسِيرِكَ» . وهُوَ عَلى التَّشْبِيهِ البَلِيغِ إلّا أنَّهُ قِيلَ في هَذا الخَبَرِ ما قِيلَ في الخَبَرِ الأوَّلِ وقالَ أبُو حَمْزَةَ اليَمانِيُّ: هي الزَّوْجَةُ وضَعْفُهُ هاهُنا ظاهِرٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب