الباحث القرآني
﴿بَلى قادِرِينَ﴾ وكِلاهُما لَيْسا بِشَيْءٍ أصْلًا كَزَعْمِ عَدَمِ الِاحْتِياجِ إلى جَوابٍ لِأنَّ المُرادَ نَفِيُ الإقْسامِ والمُرادُ بِالإنْسانِ الجِنْسُ والهَمْزَةُ لِإنْكارِ الواقِعِ واسْتِقْباحِهِ والتَّوْبِيخِ عَلَيْهِ و(إنَّ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ واسْمُها ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ أيْ أيَحْسَبُ أنَّ الشَّأْنَ لَنْ نَجْمَعَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ عِظامَهُ، وحاصِلُهُ لِمَ يَكُونُ هَذا الحُسْبانُ الفارِغُ عَنِ الإمارَةِ المُنافِي لِحَقِّ اليَقِينِ وصَرِيحِهِ، والنِّسْبَةُ إلى الجِنْسِ لِأنَّ فِيهِ مَن يَحْسَبُ ذَلِكَ بَلْ لَعَلَّهُ الأكْثَرُونَ وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ والمُرادُ بِالإنْسانِ «عَدِيُّ بْنُ أبِي رَبِيعَةَ وخَتَنُ الأخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ وهُما اللَّذانِ كانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ فِيهِما: اللَّهُمَّ اكْفِنِي جارَيِ السُّوءِ فَقَدْ رُوِيَ أنَّهُ جاءَ إلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ حَدِّثْنِي عَنْ يَوْمِ القِيامَةِ مَتى يَكُونُ وكَيْفَ يَكُونُ أمْرُهُ؟ فَأخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: لَوْ عايَنْتُ ذَلِكَ اليَوْمَ لَمْ أُصَدِّقْكَ يا مُحَمَّدُ ولَمْ أوَمِن بِهِ أوْ يَجْمَعُ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ العِظامَ فَنَزَلَتْ» .
وقِيلَ أبُو جَهْلٍ فَقَدْ رُوِيَ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: أيَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أنْ يَجْمَعَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ العِظامَ بَعْدَ بَلائِها وتَفَرُّقِها فَيُعِيدَها خَلْقًا جَدِيدًا فَنَزَلَتْ ولَيْسَ كَإرادَةِ الجِنْسِ وسَبَبُ النُّزُولِ لا يَعْنِيهِ وذِكْرُ العِظامِ وأنَّ المَعْنى عَلى إعادَةِ الإنْسانِ وجَمْعِ أجْزائِهِ المُتَفَرِّقَةِ لِما أنَّها قالَبُ الخَلْقِ.
وقَرَأ قَتادَةُ «تُجْمَعُ بِالتّاءِ الفَوْقِيَّةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ «عِظامَهُ» بِالرَّفْعِ عَلى النِّيابَةِ ﴿بَلى﴾ أيْ نَجْمَعُها بَعْدَ تَفَرُّقِها ورُجُوعِها رَمِيمًا ورُفاتًا في بُطُونِ البِحارِ وفَسِيحاتِ القِفارِ وحَيْثُما كانَتْ حالُ كَوْنِنا ﴿قادِرِينَ﴾ فَقادِرِينَ حالٌ مِن فاعِلِ الفِعْلِ المُقَدَّرِ بَعْدَ ﴿بَلى﴾ وهو قَوْلُ سِيبَوَيْهِ وقِيلَ مَنصُوبٌ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ كانَ أيْ بَلى كُنّا قادِرِينَ في البَدْءِ أفَلا نَقْدِرُ في الإعادَةِ وهو كَما تَرى. وقِيلَ انْتَصَبَ لِأنَّهُ وقَعَ في مَوْضِعِ نَقْدِرُ إذِ التَّقْدِيرُ بَلى نَقْدِرُ فَلَمّا وُضِعَ مَوْضِعَ الفِعْلِ نُصِبَ حَكاهُ مَكِّيٌّ وقالَ إنَّهُ بَعِيدٌ مِنَ الصَّوابِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ نَصْبُ قائِمٍ في قَوْلِكَ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ قائِمٍ لِأنَّهُ في مَوْضِعِ يَقُومُ فَتَأمَّلْ.
وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ وابْنُ السُّمَيْفِعِ «قادِرُونَ» أيْ نَحْنُ قادِرُونَ ﴿عَلى أنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ﴾ هي اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٌّ واحِدُهُ بَنانَةٌ وفَسَّرَها الرّاغِبُ بِالأصابِعِ ثُمَّ قالَ قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّ بِها صَلاحَ الأحْوالِ الَّتِي يُمْكِنُ لِلْإنْسانِ أنْ يُبَيِّنَ بِها ما يُرِيدُ أيْ يُقِيمُ غَيْرَهُ بِما صَغُرَ مِن عِظامِ الأطْرافِ كاليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ وفي القامُوسِ البَنانُ الأصابِعُ أوْ أطْرافُها فالمَعْنى نَجْمَعُ العِظامَ قادِرِينَ عَلى تَأْلِيفِ جَمْعِها وإعادَتِها إلى التَّرْكِيبِ الأوَّلِ وإلى أنْ نُسَوِّيَ أصابِعَهُ الَّتِي هي أطْرافُهُ وآخِرُ ما يَتِمُّ بِهِ خَلْقُهُ، أوْ عَلى أنْ نُسَوِّيَ ونَضُمَّ سُلامِيّاتِهِ عَلى صِغَرِها ولَطافَتِها بَعْضَها إلى بَعْضٍ كَما كانَتْ أوَّلًا مِن غَيْرِ نُقْصانٍ ولا تَفاوُتٍ فَكَيْفَ بِكِبارِ العِظامِ وما لَيْسَ في الأطْرافِ مِنها؟ وفي الحالِ المَذْكُورَةِ أعْنِي ﴿قادِرِينَ عَلى﴾ إلَخِ بَعْدَ الدَّلالَةِ عَلى التَّقْيِيدِ تَأْكِيدٌ لِمَعْنى الفِعْلِ لِأنَّ الجَمْعَ مِنَ الأفْعالِ الَّتِي لا بُدَّ فِيهِ مِنَ القُدْرَةِ فَإذا قَيَّدَ بِالقُدْرَةِ البالِغَةِ فَقَدْ أكَّدَ والوَجْهُ الأوَّلُ مِنَ المَعْنى يَدُلُّ عَلى تَصْوِيرِ الجَمْعِ وأنَّهُ لا تَفاوُتَ بَيْنَ الإعادَةِ والبَدْءِ في الِاشْتِمالِ عَلى جَمِيعِ الأجْزاءِ الَّتِي كانَ بِها قِوامُ البَدَنِ أوْ كَمالُهُ، والثّانِي يَدُلُّ عَلى تَحْقِيقِ الجَمْعِ التّامِّ فَإنَّهُ إذا قَدَرَ عَلى جَمْعِ الألْطَفِ الأبْعَدِ عادَةً عَنِ الإعادَةِ فَعَلى جَمْعِ (p-138)غَيْرِهِ أقْدَرُ ولَعَلَّهُ الأوْفَقُ بِالمَقامِ.
ويُعْلَمُ مِنهُما نُكْتَةُ تَخْصِيصِ البَنانِ بِالذِّكْرِ وقِيلَ المَعْنى بَلى نَجْمَعُها ونَحْنُ قادِرُونَ عَلى أنَّ نُسَوِّيَ أصابِعَ يَدَيْهِ ورِجِلَيْهِ أنْ نَجْعَلَها مُسْتَوِيَةً شَيْئًا واحِدًا كَخُفِّ البَعِيرِ وحافِرِ الحِمارِ ولا نُفَرِّقُ بَيْنَها فَلا يُمْكِنُهُ أنْ يَعْمَلَ بِها شَيْئًا مِمّا يَعْمَلُ بِأصابِعِهِ المُفَرَّقَةِ ذاتِ المَفاصِلِ والأنامِلِ مِن فُنُونِ الأعْمالِ والبَسْطِ والقَبْضِ والتَّأتِّي لِما يُرِيدُ مِنَ الحَوائِجِ ورُوِيَ هَذا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ ومُجاهِدٍ وعِكْرِمَةَ والضَّحّاكِ ولَعَلَّ المُرادَ نَجْمَعُها ونَحْنُ قادِرُونَ عَلى التَّسْوِيَةِ وقْتَ الجَمْعِ فالكَلامُ يُفِيدُ المُبالَغَةَ السّابِقَةَ لَكِنْ مِن وجْهٍ آخَرَ وهو أنَّهُ سُبْحانَهُ إذا قَدَرَ عَلى إعادَتِهِ عَلى وجْهٍ يَتَضَمَّنُ تَبْدِيلَ بَعْضِ الأجْزاءِ فَعَلى الِاحْتِذاءِ بِالمِثالِ الأوَّلِ في جَمِيعِهِ أقْدَرُ وأبُو حَيّانٍ حَكى هَذا المَعْنى عَنِ الجُمْهُورِ لَكِنَّ قَيَّدَ التَّسْوِيَةَ فِيهِ بِكَوْنِها في الدُّنْيا وقالَ: إنَّ في الكَلامِ عَلَيْهِ تَوَعُّدًا ثُمَّ تَعَقَّبَ ذَلِكَ بِأنَّهُ خِلافُ الظّاهِرِ المَقْصُودِ مِن سَوْقِ الكَلامِ والأمْرُ كَما قالَ لَوْ كانَ كَما فَعَلَ فَلا تَغْفُلْ.
ولا يَخْفى أنَّ في الإتْيانِ بِلا أوَّلًا وحَذْفِ جَوابِ القَسَمِ والإتْيانِ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿أيَحْسَبُ﴾ ورِعايَةِ أُسْلُوبِ: وثَناياكَ إنَّها إغْرِيضٌ في القَسَمِ بِيَوْمِ البَعْثِ والمَبْعُوثِ فِيهِ ثُمَّ إيثارُ لَفْظِ الحُسْبانِ والإتْيانِ بِهَمْزَةِ الإنْكارِ مُسْنَدًا إلى الجِنْسِ وبِحَرْفِ الإيجابِ والحالُ بَعْدَها مِنَ المُبالَغاتِ في تَحْقِيقِ المَطْلُوبِ وتَفْخِيمِهِ وتَهْجِينِ المُعْرِضِ عَنِ الِاسْتِعْدادِ لَهُ ما تُبْهِرُ عَجائِبُهُ ثُمَّ الحُسْنُ كُلُّ الحُسْنِ في ضِمْنِ حَرْفِ الإضْرابِ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ.
{"ayah":"بَلَىٰ قَـٰدِرِینَ عَلَىٰۤ أَن نُّسَوِّیَ بَنَانَهُۥ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











