الباحث القرآني

﴿إنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ﴾ أيْ إنَّ النَّفْسَ الَّتِي تَنْشَأُ مِن مَضْجَعِها إلى العِبادَةِ أيْ تَنْهَضُ مِن نَشَأ مِن مَكانِهِ ونَشَرَ إذْ نَهَضَ وأنْشَدَ قَوْلَهُ: ؎نَشَأْنا إلى خُوصٍ بَرى فِيها السُّرى وأشْرَفَ مِنها مُشْرِفاتِ القَماحِدِ وظاهِرُ كَلامِ اللُّغَوِيِّينَ أنْ نَشَأ بِهَذا المَعْنى لُغَةٌ عَرَبِيَّةٌ وقالَ الكِرْمانِيُّ في شَرْحِ البُخارِيِّ هي لُغَةٌ حَبَشِيَّةٌ عَرَّبُوها وأخْرَجَ جَماعَةٌ نَحْوَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ مَسْعُودٍ وحَكاهُ أبُو حَيّانٍ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ وابْنِ زَيْدٍ وجَعَلَ ﴿ناشِئَةَ﴾ جَمْعَ ناشِئٍ فَكَأنَّهُ أرادَ النُّفُوسَ النّاشِئَةَ أيِ القائِمَةَ ووَجْهُ الإفْرادِ ظاهِرٌ والإضافَةُ إمّا بِمَعْنى في أوْ عَلى نَحْوِ سَيِّدِ =غَضِّيٍّ وهَذا أبْلَغُ أوْ أنَّ قِيامَ اللَّيْلِ عَلى أنَّ النّاشِئَةَ مَصْدَرُ نَشَأ بِمَعْنى قامَ كالعاقِبَةِ وإسْنادُها إلى اللَّيْلِ مَجازٌ كَما يُقالُ: قامَ لَيْلَهُ وصامَ نَهارَهُ، وخَصَّ مُجاهِدٌ هَذا القِيامَ بِالقِيامِ مِنَ النَّوْمِ وكَذا عائِشَةُ ومَنَعَتْ أنْ يُرادَ مُطْلَقُ القِيامِ وكانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ أنَّ الإضافَةَ إلى اللَّيْلِ في قَوْلِهِمْ قِيامُ اللَّيْلِ تُفْهِمُ القِيامَ مِنَ النَّوْمِ فِيهِ أوِ القِيامَ وقْتَ النَّوْمِ لِمَن قالَ اللَّيْلُ كُلُّهُ أوْ أنَّ العِبادَةَ الَّتِي تَنْشَأُ أيْ تَحْدُثُ بِاللَّيْلِ عَلى أنَّ الإضافَةَ اخْتِصاصِيَّةٌ أوْ بِمَعْنى في أوْ عَلى نَحْوَ ﴿مَكْرُ اللَّيْلِ﴾ [سَبَأٍ: 33] وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وابْنُ زَيْدٍ وجَماعَةٌ ﴿ناشِئَةَ اللَّيْلِ﴾ ساعاتِهِ لِأنَّها تَنْشَأُ أيْ تَحْدُثُ واحِدَةً بَعْدَ واحِدَةٍ أيْ مُتَعاقِبَةً والإضافَةُ عَلَيْهِ اخْتِصاصِيَّةٌ أوْ ساعاتِهِ الأُوَلِ مِن نَشَأ إذا ابْتَدَأ وقالَ الكِسائِيُّ ناشِئَةَ أوَّلِهِ وقَرِيبٌ مِنهُ ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وأنَسِ بْنِ مالِكٍ وعَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم هي ما بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشاءِ. ﴿هِيَ أشَدُّ وطْئًا﴾ أيْ هي خاصَّةً دُونَ ناشِئَةِ النَّهارِ أشَدُّ مُواطَأةً يُواطِئُ قَلْبُها لِسانَها إنْ أُرِيدَ بِالنّاشِئَةِ النَّفْسُ المُتَهَجِّدَةُ أوْ يُواطِئُ فِيها قَلْبُ القائِمِ لِسانَهُ إنَّ أُرِيدَ بِها القِيامُ أوِ العِبادَةُ أوِ السّاعاتُ والإسْنادُ عَلى الأوَّلِ حَقِيقِيٌّ وعَلى هَذا مَجازِيٌّ واعْتِبارُ الِاسْتِعارَةِ المَكْنِيَّةِ لَيْسَ بِذاكَ أوْ أشَدَّ مُوافَقَةً لِما يُرادُ مِنَ الإخْلاصِ فَلا مَجازَ عَلى جَمِيعِ المَعانِي. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ الزُّبَيْرِ ومُجاهِدٌ والعَرَبِيّانِ وِطاءً بِكَسْرِ الواوِ وفَتْحِ الطّاءِ مَمْدُودًا عَلى أنَّهُ مَصْدَرُ واطَأ وِطاءً كَقاتَلَ قِتالًا وقَرَأ قَتادَةُ وشِبْلٌ عَنْ أهْلِ مَكَّةَ بِكَسْرِ الواوِ وسُكُونِ الطّاءِ والهَمْزِ مَقْصُورًا وقَرَأ ابْنُ مُحْصَنٍ بِفَتْحِ الواوِ مَمْدُودًا ﴿وأقْوَمُ قِيلا﴾ أيْ وأسْوَأُ مَقالًا أوْ أثْبَتُ قِراءَةً لِحُضُورِ القَلْبِ وهَدُّوِ الأصْواتِ وقِيلًا عَلَيْهِما مَصْدَرٌ لَكِنَّهُ عَلى الأوَّلِ عامٌّ لِلْأذْكارِ والأدْعِيَةِ وعَلى الثّانِي مَخْصُوصٌ بِالقِراءَةِ ونَصْبُهُ ونَصْبُ وطْأً عَلى التَّمْيِيزِ وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ أنَّهُ قَرَأ «وأصْوَبَ قَلِيلًا» فَقالَ لَهُ رَجُلٌ إنّا نَقْرَؤُها «وأقُومُ قَلِيلًا» فَقالَ إنَّ أصْوَبَ وأقْوَمَ وأهْيَأ وأشْباهَ هَذا واحِدٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب